شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ليس هناك طلاق سهل وآخر صعب… فقط، لكل تجربة وقع مختلف

ليس هناك طلاق سهل وآخر صعب… فقط، لكل تجربة وقع مختلف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 7 أغسطس 202411:45 ص

"أنتِ اتطلقتِ إزاي؟ اللي زيك لسه ما اتجوزتش! إيه السبب؟"، جملة لا تتغير تُلقى على مسمعي كلما علم أحد صدفةً أنني مررت بتجربة الطلاق، فتزيد عمق جرحي.

في لحظة تملّكني فيها اليأس، اندفعت لمراسلة محرري رصيف22 عن رغبتي في الكتابة عن تجربتي كـ"مطلقة غير حاضنة" بعد أشهر قليلة من طلاقي، والأسئلة والنظرات التي تحاصرني وكأنني المطلقة الوحيدة في بلد سجّل 269.8 ألف حالة طلاق في عام 2022. وعندما ردوا بالموافقة، شعرت بالتورط في كتابة تجربة لم استطع الإعلان عنها حتى كتابة هذه السطور.

حتّى عندما يسألني أحد عن أحوال طليقي، سواء أكان يعلم بطلاقنا أم لا، أجيب بأننا في أحسن حال! لذا أكتب الآن تجربتي وأنا امرأة تدّعي أنها تملك قدراً من الوعي، بأن "الطلاق ليس عيباً" تحت اسم مستعار خوفاً من المجتمع الذي خذلني.

أكتب الآن تجربتي وأنا امرأة تدّعي أنها تملك قدراً من الوعي، بأن "الطلاق ليس عيباً" تحت اسم مستعار خوفاً من المجتمع الذي خذلني

استمرت تجربة زواجي نحو 10 سنوات حيث بدأ وأنا في منتصف العشرينات وانتهى وأنا في الثلاثينات. اختبرت خلال هذه الفترة تجربة الطلاق الشفهي مرتين، وطرق أبواب الطبيب النفسي التي انتهت على عتباتها قصة زواجي بعدما لم تفلح روشتة علاجه أمام ورقة المأذون، وبعدما طرقت كل الأبواب كي لا ينهار هذا الزواج.

طالما تساءلت في كل جلسة علاجية: كيف أنني أعلم ما يجب فعله ولكن لا أستطيع تنفيذه؟ معاودةً الرجوع والسؤال، لأكثر من عامين، فهل كان يبدو الطلاق بكل هذا السوء أم أن تلك المخاوف كانت من نسج خيالي؟ هل سيموت طليقي دوني كما كان يحدثني دائماً، أم سأموت أنا بشعور الذنب إن تركته؟ ولماذا على الجميع أن يقف بجانب طرف دون الآخر، ولا مفر من وجود أحزاب من الأساس لدى انتهاء علاقة ظلت خلف الأبواب لا يعلم عنها أحد إلا طرفيها؟

الآن وبعد الطلاق، يمكنني الإجابة... نعم، الطلاق تجربة بكل هذا السوء على الطرفين، لكن مساوئها مضاعفة على النساء.

الطلاق لحظة

أجبرني الجميع على افتعال التجبر في لحظة الطلاق، متعجبة منذ ذلك الحين كيف كنت أنظر في عينيّ طليقي دون أن يرمش جفني بينما قلبي شبه متوقف عن النبض، وأنا أردد وراء المأذون: "طلِّقني يا زوجي"، مجبرةً على الثبات كنت، ولا أعرف ما العيب في الانهيار، وهل هناك لحظة أكثر قسوة من هذه للصراخ؟

أخبرتني صديقتي في لقائنا الوحيد بعد شهر ونصف الشهر من الطلاق، بثبات شديد، عن معرفتها بما أمر به، قائلةً "أعلم جيداً كيف يكون مؤلماً أن نجد من يتعاطف مع أشخاصٍ آذونا"، لكنهم الطرف الذي بحاجة للمساندة، لأنهم على الأقل يطلبونها. أما أنا، ففي نظر الجميع "ست قادرة". فرغم الطلاق، لم أصرخ حتى الآن، لم أحاول الانتحار، ولم تعج حساباتي الشخصية على السوشيال ميديا بالنحيب. بل أنني لم أمحو ذكرياتنا معاً. فماذا أسمي كل ذلك، غير أنني "ست قوية"؟

أتذكر أن هذه كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بالرغبة في الانتحار بعد الطلاق، لكن نفسي لم تهون، وعلمت أن اختياري الوحدة من البداية ومواجهة كل ذلك بمفردي في هذه التجربة كان القرار الصحيح وقد كان.

الإلحاح في الإعلان

حروب على عدة جبهات خضتها خلال شهور قليلة من طلاقي، بل وقبل انتهاء ما يعرف بـ"شهور العدة". رغم قراري - عدم إعلان نبأ طلاقي - إلا أن طليقي قرر الإعلان بين الأصدقاء المشتركين مساء ليلة إتمام إجراءات الطلاق. سلبني هذا الإعلان الحق في الحزن، ولم يحترم أحد صمتي وعدم إعلاني. حتى الدوائر التي تدّعي الإيمان بالمساواة واحترام حقوق الإنسان، والتي استثمرت فيها سنوات عمري الماضية، قرر شخوصها - بمنتهى التبجح والقسوة - إخباري بعلمهم بطلاقي. أتذكر أنه في مساء الليلة التالية للطلاق، أرسل لي أحدهم رسالة صوتية عبر واتساب، يخبرني فيها بعلمه بخبر انفصالي بعدما أخبره صديق آخر أن زوجي طلّقني. لم يبذل هذا ولا ذاك مجهوداً في اختيار ما يجب قوله وما لا يجب… ولم أعد أتفاجأ كثيراً.

أجبرني الجميع على افتعال التجبر في لحظة الطلاق، متعجبة منذ ذلك الحين كيف كنت أنظر في عينيّ طليقي دون أن يرمش جفني بينما قلبي شبه متوقف عن النبض، وأنا أردد وراء المأذون: "طلِّقني يا زوجي"، مجبرةً على الثبات كنت، ولا أعرف ما العيب في الانهيار، وهل هناك لحظة أكثر قسوة من هذه للصراخ؟

السؤال الذي لازمني خلال الـ90 يوماً الماضية: لماذا لم أحظ بهذه المساحة لاختبار مشاعر الانهيار النفسي والتعافي؟ لماذا خضعت لمحاولات التقصّي وإشباع الفضول بشكل غير إنساني؟ لم أتمكّن من التوحّد مع آلامي وهشاشتي، وأصبحت أقسو على نفسي طوال الوقت لكي أثبت للجميع أنني أقوى بعد الطلاق، غافلةً عمّا يجب أن أثبته لنفسي أولاً. وكأن الطلاق لن يُؤثر بشكل سلبي عليّ وعلى علاقاتي بالآخرين.

ليالي البحث عن سكن

دائماً ما كنت أتحدث مع طبيبي النفسي عن بيتي، أو ما كنت أعتبره بيتي، دون أن أنتمي فعلياً له، متعجبةً "كيف يصيبني كل هذا الضيق حينما أعود للمنزل؟ وكيف أخرج منه في كل مشاجرة تحدث بيني وبين طليقي بهذه السهولة؟".

عقب الطلاق، بدأت رحلة البحث عن شقة في أحد أحياء محافظة القاهرة، ولم أتوقع حجم الرفض الذي تلقيته. كنت أعتقد أن المؤجر لن تعنيه حالتي الاجتماعية (متزوجة أم مطلقة) ما دام يحصل على إيجار الشقة. لكن اتضح لي أن المجتمع بأسره يهتم لهذا الأمر.

قالت لي صديقتي المقربة يوماً إنه عليَّ شكر ربي أن هيئتي تمنح الجميع إيحاءً بصغر سني، وبالتالي لا يتصور كثيرون أنني تزوجت من قبل. مع ذلك، يتساءل كثيرون لماذا ترغب فتاة في العيش بمفردها ولا يخلو الأمر من ظنٍ آثم بأنها ربما تبحث عن منزل خاص لتعيش بلا رقيب.

لذا، أعتبر أنني قد أكون من القليلات اللاتي نجحن في معركة الاستقلال عن الأسرة بعد الطلاق. ساعدتني في ذلك أسباب مختلفة، ربما أهمها إدراك أسرتي صعوبة العيش معهم مرة أخرى في نفس الحي الذي يقطن فيه طليقي.

خلال رحلة البحث عن شقة، تكررت عليَّ مرات ومرات عبارات على شاكلة: "للعائلات فقط" و"ما بأجّرش لست هتعيش لوحدها" و"هتسيبي بيت أهلك عشان إيه؟" و"اتأجّرت"، فضلاً عن مضاعفة الإيجارات كذريعة للرفض أو "التطفيش" تارةً أو استغلال الحالة الاجتماعية تارةً أخرى.

في نهاية المطاف، نصحني أحد السماسرة باستخدام بطاقتي الشخصية القديمة التي تشير إلى أنني "آنسة"، أو اصطحاب والدي معي أثناء البحث عن شقة كأحد طرق التحايل التي تستخدمها نساء كثيرات. فبمجرد أن يجد المؤجر أن هناك رجل في عملية الولادة المستعصية هذه سيغض بصره عن حقيقة أنني من تعيش في المنزل ومن تدفع الإيجار.

بالفعل اصطحبت أبي، فاختلف الأمر وزاد المعروض.

العروض الجنسية

لم يترك العديد من الذكور في محيطي الاجتماعي والمهني فرصةً إلا وقرروا استغلالها، لكن أكثر ما كان يفاجئني هو السرعة والجرأة أو لنقل "التبجّح" في طرح العروض. بعد شهرين فقط من طلاقي، قال لي زميل عملي في وسط الحديث الذي لا يمت لأي تفاصيل شخصية بصلة: "متى سنتزوج؟"، توقفت عن الحديث لاستيعاب الجملة، فعقّب ضاحكاً: "أمزح معك". رغم نهري له، وإخباره بأن الحديث في أمور شخصية ليس مجالاً للمزاح، إلا أنه لم يتوقف عن عرضه بطرق مختلفة حتى توقفت تماماً عن الحديث معه.

آخر، صديق - أو هكذا كنت أعتقد - يسألني عن مكان يتمكن فيه من شراء الألعاب الجنسية. شعرت بخذلان مضاعف عن السهولة والمجازفة بعلاقة صداقة كنت أعتقد أنها جيدة وأصيلة حتى تطلّقت.

ولم أسلم من "الأحاديث الجنسية" التي قرّر هؤلاء الذكور أن الوقت بعد طلاقي هو الأنسب لطرحها.

الآن وبعد الطلاق، يمكنني الإجابة... نعم، الطلاق تجربة بكل هذا السوء على الطرفين، لكن مساوئها مضاعفة على النساء

نحو التعافي

بعد هذه الصدمات، قررت التعافي بعدما أيقنت أن كثيرات يحملن لقب مطلقة سواء تم الطلاق في مقتبل العمر أو آخره، مع اختلاف الظروف والأسباب والتبعات، لكن ليس هناك طلاق سهل وآخر صعب، لأن لكل تجربة وقع مختلف.

أما الحياة بعد الطلاق، فهنا مربط الفرس. ذات يوم قرأت عن نظرية النهوض ما بعد الصدمة المعروفة بـPost-traumatic growth، وهي نظرية طوّرها علماء النفس في منتصف تسعينيات القرن الماضي. هذه النظرية تدعو إلى تحويل التجارب الصعبة في حياة الإنسان إلى نقاط قوة تمكِّنه من تحقيق تحوّل إيجابي في حياته واعتبار الصدمة تجربة للنهوض والإبداع والإنتاج.

لكن ولأن التجربة في حالتي لا تزال في بدايتها وكل ما مررت وأمر به أشبه بالبداية فقط. وعليّ أن أتصالح مع أن انتهاء العلاقة قد يكشف الكثير من الأمور، سيّما نقاط الضعف التي يجب أن نسعى للعمل على تغييرها كي لا تقف ضدنا مجدداً في المستقبل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard