شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سدّ النهضة (13)... إستراتيجيات متكاملة نحو الاستدامة (1)

أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سدّ النهضة (13)... إستراتيجيات متكاملة نحو الاستدامة (1)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 31 يوليو 202412:34 م

تناولنا في المقالات السابقة أبعاداً كثيرة، منها الجغرافية والتاريخية والقانونية، للتعاطي مع مشكلة المياه بسبب التداعيات المتوقعة من سد النهضة الإثيوبي على مصر، وأوضحنا أنه سيكون للسد مخاطر وتبعات سلبية على مصر، على المدى القصير أثناء فترة ملء خزان السد، وعلى المدى الطويل بعد ملء الخزان، ومن هذه المخاطر زيادة معدلات التبخر عن معدلاتها الحالية بسبب تكوّن سطح مياه جديد متمثل في بحيرة خزان سد النهضة، وزيادة نسبة الملوحة في منطقة الدلتا، وانخفاض سرعة تدفق النيل وجودة المياه، مما سيؤثر بدوره على كفاءة محطات الضخ، بالإضافة لمشاكل بيئية أخرى.

وكذلك ناقشنا مشكلة ندرة المياه في مصر في العموم، إذ يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 570 متراً مكعباً/ سنة، وهو أقل بكثير من المعيار الدولي الموصى به البالغ 1000 متر مكعب/ سنة، ويشكل هذا حالة من ندرة المياه المزمنة. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة عام 2025 لتصل إلى أقل من 500 متر مكعب/ سنة بسبب النمو السكاني المتزايد، وهو ما ينذر بحالة ندرة مياه شديدة.

مصر تعاني في العموم من مشكلة ندرة مائية بوجود سد النهضة الأثيوبي أو عدمه.

وبالتالي فإن مصر تعاني في العموم من مشكلة ندرة مائية بوجود سد النهضة الأثيوبي أو عدمه، بينما تؤدي سنوات ملء خزان السد إلى تفاقم المشاكل والأعباء المائية على المصريين بالفعل.

أصبحت مشكلة المياه في مصر معقدة لدرجة أنه لا يمكن استخدام أو تطبيق حلول فردية للتعامل معها، وهو ما يُطلق عليه في علم الإدارة “wicked problems”، أي المشاكل الخبيثة، ولكن المقصود بها هنا أنها مشاكل مستعصية، فتتفاعل كل مشكلة مع مشاكل أخرى، وبالتالي فهي جزء من مجموعة تتأثر بالنظام المحيط بها. وعلاوة على ذلك، فإن حلول معظم هذه المشاكل تنتج عنها مشاكل أخرى، ولكن ليس بنفس درجة التعقيد. كما أن أصحاب المصلحة لديهم وجهات نظر مختلفة جذرياً وأطر مختلفة لفهم المشكلة، والقيود التي تخضع لها. والموارد اللازمة لحلها تتغير بمرور الوقت، لكن المشكلة لا تحل بشكل جذري في نهاية المطاف.

ليست هناك حلول فردية أو معجزات من شأنها إصلاح الموقف الراهن، ولكن يجب العمل على مجموعة من المحاور بالتوازي، ووضع إستراتيجيات مبتكرة لإدارة الموارد المائية المصرية، وتحويل التحديات إلى فرص.

من المحاور الهامة التي لا بد من العمل عليها، إيجاد مصادر مياه بديلة لعلاج مشكلة ندرة المياه المزمنة في مصر على المدى البعيد، وزيادة كفاءة استخدام مصادر المياه المتاحة الحالية، إذ تفقد مصر الكثير من المياه في الاستخدامات المتعددة سواء للزراعة أو في قطاعات أخرى.

كما يجب العمل على إدارة أولويات استخدام المياه، وهو ما يتعلق بإدارة القطاعات مثل القطاع الصناعي والقطاع الزراعي والسياحي والخدمي. كما تجب إدارة الأولويات داخل القطاع نفسه، ففي قطاع الزراعة يجب اختيار أنواع المحاصيل التي تتناسب مع الخطة المائية المطلوبة.

محور آخر لا بد منه، وهو دراسة وإنشاء مشاريع إقليمية إفريقياً، والتي من شأنها الوصول إلى حل متكامل للقارة السمراء إن أحسن التخطيط له. وهناك محاور أخرى سنناقشها تباعاً في المقالات القادمة.

من المحاور الهامة التي لا بد من العمل عليها، إيجاد مصادر مياه بديلة لعلاج مشكلة ندرة المياه المزمنة في مصر على المدى البعيد، وزيادة كفاءة استخدام مصادر المياه المتاحة الحالية، إذ تفقد مصر الكثير من المياه في الاستخدامات المتعددة سواء للزراعة أو في قطاعات أخرى

إيجاد مصادر مياه بديلة

هناك حاجة للاستثمار في إيجاد وتوفير بدائل جديدة للموارد المائية لمصر. والبدائل المقترحة، بدءاً بالبدائل الأقل تكلفة، هي الأمطار والفيضانات، والمياه الجوفية، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر، وإنشاء شبكات المياه وربطها بالدول الأخرى.

الأمطار والفيضانات

قد يكون تخزين مياه الأمطار والفيضانات مفيداً في أماكن معينة في مصر، وخاصة منطقة البحر الأحمر، والذي يمكن معه إنشاء سدود غير صلبة لجمع الأمطار الغزيرة. هذه المياه يمكن استخدامها في الزراعة على نطاق صغير، أو تربية الماشية.

لكن، يظل هذه البديل محدوداً للغاية، إذ تُصنف مصر عالمياً على أنها الدولة الأقل في معدل هطول الأمطار. علاوة على ذلك، فإن مياه الأمطار غير متوفرة في كل مكان في مصر، وإنما في أماكن ومدن معينة فقط.

المياه الجوفية

لا يمكن الاعتماد على كمية المياه الجوفية المصرية كبديل بشكل كامل، ولكنها يمكن أن تساهم بتوفير بعض المياه من أجل الاستخدامات المتعددة. عادة ما تكون هذه المياه على أعماق بعيدة منها ما تقدر بحوالي 1200 متر، وهو أمر مكلف لضخها إلى السطح.

هناك العديد من الخزانات الجوفية في مصر، منها المتجددة وغير المتجددة. أهمها ستة خزانات رئيسية وهي: الخزان الجوفي في وادي ودلتا النيل، خزان الحجر الرملي النوبي، خزان الصخور الجيرية المتشققة، خزان المغرة الجوفي، الخزان الجوفي الساحلي، خزان القاعدة المتشققة.

أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سدّ النهضة (13)... إستراتيجيات متكاملة نحو الاستدامة (1)خزانات المياه الجوفية في مصر

خزانات المياه الجوفية في مصر. المصدر: الخريطة الهيدرولوجية لمصر، الطبعة الثانية 1999

الخزان الجوفي في وادي ودلتا النيل

تتوزع خزانات هذه المياه الجوفية المتجددة بين وادي النيل وإقليم الدلتا، وتعتبر هذه المياه جزءاً من موارد مياه النيل، إذ يعتبر هذا الخزان استخداماً غير مباشر لحصة مصر من مياه نهر النيل، والتي حدث لها تسرب في فترات سابقة.

يمتد هذا الخزان بطول نهر النيل ما بين الجيزة إلى أسوان على مسافة نحو 900 كيلومتراً، ويبلغ متوسط عرضه نحو 14 كيلومتراً، ويوفر ما يقارب من 80% من المياه الجوفية المستخرجة في مصر.

خزان الحجر الرملي النوبي

هو أكبر الخزانات الجوفية في القارة الإفريقية. يمتد على الحدود السياسية لأربع دول في شمال شرق إفريقيا وهي: الصحراء الغربية في مصر، وجنوب شرق ليبيا، وغرب السودان، وشمال شرق تشاد، بمساحة إجمالية تقارب مليوني كيلومتر مربع. وتتنوع المياه الجوفية في الخزان من عذبة إلى قليلة الملوحة.

هذا الخزان هو خزان غير متجدد، فلا توجد إعادة تغذية كبيرة له في ظل الظروف المناخية الحالية، مما يوجب الحذر عند استخدامه، فلا يتم ذلك بشكل مفرط، إذ يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة.

لا يمكن الاعتماد على كمية المياه الجوفية المصرية كبديل بشكل كامل، ولكنها يمكن أن تساهم بتوفير بعض المياه من أجل الاستخدامات المتعددة. عادة ما تكون هذه المياه على أعماق بعيدة منها ما تقدر بحوالي 1200 متر، وهو أمر مكلف لضخها إلى السطح

في أثناء مقابلاتنا مع بعض من الخبراء في مجال المياه، صرح بعضهم إن المياه في هذا الخزان محدودة، وقد استخدمت ليبيا هذا المورد على نطاق واسع من خلال استخراج كميات كبيرة من المياه منذ عدة سنوات حتى الآن.

أيضاً، أعرب بعض الخبراء عن صعوبة استصلاح الأراضي في المناطق التي يوجد فيها الخزان في مصر، إذ أنه يقع في منطقة صحراوية، مما يجعل من الصعب استخدامه، حيث ستكون تكلفة نقل المياه من الخزان الجوفي إلى المناطق التي هناك الحاجة فيها لاستخدامها باهظة الثمن، بالإضافة إلى تكلفة ضخ المياه إلى السطح. تتطلب المضخات أيضاً الطاقة، أي الكهرباء أو الوقود للعمل. كما أعرب بعضهم عن محاذير تتعلق بالتكلفة المرتفعة لحفر وتشغيل الآبار وتكاليف الرفع والضخ، والهبوط المستمر في مناسيب الآبار والانهيارات داخلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image