شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مصابون بالنار والفراق… عواقب إغلاق إسرائيل بوابة نجاة الغزيين الأخيرة

مصابون بالنار والفراق… عواقب إغلاق إسرائيل بوابة نجاة الغزيين الأخيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الاثنين 29 تموز/ يوليو 2024، مغادرة 150 طفلاً غزياً مريضاً قطاع غزة لتلقي العلاج في دولة الإمارات.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن رفض نتنياهو مغادرة الأطفال، جاء بعد حادثة سقوط صاروخ في ملعب لكرة القدم في قرية مجدل شمس بالجولان المحتل، وقَتل 12 طفلاً في المكان.

هكذا تتحكّم إسرائيل بخروج المرضى ومصابي الحرب لتلقي العلاج، قبل وبعد احتلالها لمعبر رفح، بوابة غزة الوحيدة على العالم. ويقدر عدد الذين أصيبوا جراء حرب الإبادة المستمرة على القطاع، بأكثر من 89 ألفاً، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ومنذ أن أُغلقت هذه البوابة في أيار/ مايو الماضي، تشتد الحرب وتنتشر الأمراض والأوبئة المستجدة، ويُعلن عن قطاع غزة منطقة وباء لشلل الأطفال وعن ظهور حالات لمرض السحايا.

ومن نجح من المصابين والمرضى بعبور رفح إلى العالم، ترك وراءه عائلة، أو أباً وأماً، منهم الطفل أحمد (اسم مستعار، 8 أعوام)، الذي ودّع عائلته وخرج دونها من القطاع.

"أنت بطل يا ماما، أنت حبيبي. سوف تتعالج قريباً وتصبح أفضل بكثير. أمك بانتظار عودتك"، مع هذه الجملة ودّعت تغريد أبو النجا طفلها المريض أحمد من خلف زجاج الحافلة التي نقلته إلى معبر كرم أبو سالم ثم إلى خارج القطاع.

أطفال يسافرون من دون ذويهم

خرج أحمد الشهر المنصرم برفقة 21 مريضاً بالسرطان من أمام مستشفى ناصر الطبي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، متوجهاً للعلاج داخل المشافي المصرية.

لم تتمكن تغريد من مرافقة طفلها بسبب رفض السلطات الإسرائيلية، بحجة ما يسمى بـ" المنع الأمني". فاضطرت جدته إلى مرافقة حفيدها.

"يعاني طفلي منذ فترة من حالة مرضية صعبة، لا يستطيع على إثرها التحرك أو المشي على قدميه. لقد خضع للعلاج في غزة لكن دون جدوى"، تقول تغريد لرصيف22.

وتتابع: "تعاني المنظومة الصحية من انهيار شامل بسبب الحرب والحصار وتكدسها بالمصابين والمرضى. من الأفضل لابني أن يتعالج في الخارج".

تشير افتخار إلى أن حالة المنظومة الصحية، دفعت الفريق الطبي لعلاجها عبر ما يسمى بنظام الأولوية. فتُركت قدمها حتى تعفّنت وخرجت منها الديدان

حتى اللحظة، لم ينجح أحد من الكوادر الطبية في غزة بتشخيص حالة أحمد. وعليه، فقد تقرر خروجه حتى تتمكن مشافي مصر من تشخيص حالته المرضية.

تصف تغريد قسوة فراق ابنها: "ابني يحتاجني، فهو لا يستطيع المشي وحده، ويأكل أصنافاً معيّنة من الطعام، وترتفع بين الحين والآخر حرارته. من سيلبي له كل هذه الاحتياجات؟ شروط الاحتلال تفرض عليّ تقبل هذا الواقع القاسي".

ورغم ما تعيشه تغريد من قلق وخوف على طفلها، تجد نفسها محظوظة كونه حصل على حقه في العلاج بالخارج.

وكانت مجموعة المرضى الذين خرج معهم أحمد تمكّنوا من مغادرة القطاع عبر معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي، وبتنسيق من منظمة الصحة العالمية، بعد أن دمرت إسرائيل معبر رفح وحرمت مئات المرضى والجرحى من الخروج لتلقي العلاج.

على أسرة المستشفيات المصرية

داخل أروقة المستشفيات المصرية في مدينة المعادي، يتنقل أدهم (36 عاماً) والد الطفل تيسير (10 أعوام) بين الأطباء الذين يحاولون تشخيص حالته الصحية.

وكان تيسير أصيب بشظية صاروخ في رأسه حين استُهدف منزله للاستهداف في مخيم جباليا شمال غزة وقتل عدد من أفراد أسرته.

"كنت مضطراً للخروج بطفلي إلى مصر قبل ثمانية شهور، بسبب عدم وجود أي فرصة للعلاج في غزة في ظل ضعف الإمكانات المتاحة"، يقول أدهم لرصيف22.

لم يحتمل الأب لحظة واحدة. فقد شاهد حالة ابنه الصحية وهي تتفاقم. فقرر الخروج على حسابه الخاص. ولم ينتظر حصوله على تحويلة طبية قد تصدر بعد فوات الأوان.

دفع أدهم مقابل سفره رفقة زوجته وابنه 5 آلاف دولار للشخص الواحد، للجهات المصرية المسؤولة عن عبور العائلة إلى الجهة المصرية عبر معبر رفح.

"الرحلة إلى مصر حافلة بالتحديات. أتعرض أحياناً لمعاملة قاسية لكوني فلسطيني، وأحياناً ألاقي المعاملة الحسنة"، يؤكد أدهم.

ويضيف أن التحديات التي يواجهها بسيطة مقارنة بتلك التي يعيشها أصحاب الحوالات الطبية. فهؤلاء، بحسب قوله، مقيدون في حركتهم ولا يسمح لمرافقيهم الخروج من بوابات المستشفيات إلا من خلال كفيل مصري.

"أحد أقربائي يتعالج في منطقة شمال سيناء. هؤلاء يعيشون سجناً حقيقياً"، يقول أدهم.

ويضطر أدهم وزوجته حنين إلى دفع تكاليف العلاج. فبادرا إلى إقامة مشروع صغير يقومون فيه بإعداد الأكلات الشعبية الفلسطينية حتى يوفرا التكاليف اللازمة.

ومن المرضى والمصابين من لا ينجح اليوم في الحصول على موافقة إسرائيلية للخروج من معبر كرم أبو سالم يضطر لمواجهة مصيره في مشافي غزة.

ومنذ بدء حرب الإبادة، لم يتوقف الجيش الإسرائيلي عن استهداف المنظومة الصحية بأكملها، ما أدى إلى خروج نحو 32 مستشفى ومجمعاً صحياً في قطاع غزة عن الخدمة.

فأدى هذا الاستهداف وإغلاق معبر رفح منذ أكثر من ثمانين يوماً إلى وفاة أكثر من 292 فلسطينياً متأثرين من جراحم ومحرومين من السفر.

تحويلات طبية تنتظر الموت

ينتظر نحو 25 ألف مريض وجريح غزي سفراً ينجون به. فحسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي، سجل هذا العدد طلبات للحصول على تحويلة طبية لتلقي العلاج خارج القطاع.

وأوضح البيان أن 3500 مريض وجريح، ممن يملكون تحويلات طبية، حرموا من المغادرة لتلقي العلاج بسبب إغلاق المعبر والحصار المطبق.

على سرير معدني في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، تتمدد المواطنة افتخار سعد (50 عاماً) مع إصابتها البالغة في أقدامها.

حصلت افتخار على تحويلة طبية تتيح لها السفر في مشافي قطر. لكنها لا تزال تنتظر فرصة سفرها وإمكانية نجاة قدمها من البتر.

"تعرض منزلي لقصف مباشر في 20 نيسان/ إبريل الماضي. ونجحت طواقم الدفاع المدني بإخراجي من تحت الأنقاض مع سبعة من أفراد عائلتي. وفقدت ثلاثة منهم وأصبت أنا"، تقول افتخار لرصيف22.

ينتظر نحو 25 ألف مريض وجريح غزي سفراً ينجون به

وتردف: "وصفت حالتي بالحرجة جداً. إذ أصبت بكسور في العمود الفقري، وشُعر في الجمجمة، وتهتك في عظام قدمي اليسرى، مما دفع الأطباء إلى بترها".

تكمل افتخار بصوت يأن من الألم: "بصعوبة حصلت على موافقة من وزارة الصحة بغزة لعلاجي بالخارج. لا بد لي من استكماله وإجراء العمليات الجراحية. فأنا لا أستطيع الحركة. أستلقي هنا وأصاب بتقرحات وتسلخات مؤذية في جسدي".

وتشير إلى أن حالة المنظومة الصحية، دفعت الفريق الطبي لعلاجها عبر ما يسمى بنظام الأولوية. فتُركت قدمها حتى تعفّنت وخرجت منها الديدان.

"من حقي ومن حق المدنيين أن يتلقوا العلاج المناسب. هذا ما تشير إليه كل قوانين العالم وأعرافه الدولية. لكن الاحتلال يركله بقدمه"، تقول افتخار.

حاجة تفوق القدرة الاستيعابية

يشير الدقران، المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة، إلى أن تحويل الأعداد القليلة من المرضى للعلاج هو غيض من فيض. "هناك عشرات آلاف المرضى بحاجة إلى علاج فوري. وإذا ما استمر الحصار فسوف تتفاقم الكارثة الصحية"، يقول لرصيف22.

مضيفاً: "كل يوم يصل إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة ما يفوق قدرته الاستيعابية من مرضى وجرحى. إذ يقدم المستشفى خدمة صحية لقرابة مليون نسمة، وهو من المستشفيات التي تصنف صغيرة".

يُضاف ذلك الاكتظاظ، بحسب الدقران، إلى منع الاحتلال وصول الأدوية والوقود، ما ينذر بتوقف الأجهزة عن المرضى والجرحى في أي وقت.

ويشير الدقران إلى أن أعداد أسرة المرضى قبل الحرب كانت داخل مستشفى شهداء الأقصى 180 سريراً. لكن مع استمرار الحرب، وصل عدد المرضى والمصابين إلى أكثر من 700 حالة.

"يفوق ذلك الطاقة الاستيعابية للمستشفى بأربعة أضعاف، ما دفعنا إلى وضعهم بين الممرات وفي خيم مصنوعة من الصفيح والقماش في ساحات المستشفى"، يؤكد.

ويختم حديثه بالإشارة إلى أن المنظومة الصحية لا تغطي أكثر من 20٪ من الحاجة التي تفرضها حرب الإبادة المستمرة.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard