يخبرنا مهندس الديكور السوري باسل شهاب الدين، المقيم حالياً في نيويورك، عن مشروع "مزج السينما مشروباً مبتكراً" (cheers cinema cinemixologist)، والذي يشتمل على تقديم أعمال سينمائية من المنطقة العربية في صالات السينما الأمريكية، مبتكراً لكل منها مشروباً خاصاً يعبّر عن خصائصها الموضوعية والفنية. لقد بدأ المشروع كصفحة على وسائل التواصل الاجتماعي تقترح أنواعاً من المشاريب المركبة والمستلهمة من تجارب الأفلام السينمائية.
يقول شهاب الدين: "اكتملت فكرة المشروع عند انتقالي إلى نيويورك، حيث تابعت مجموعةً من الدورات التدريبية المتخصصة في مزج وابتكار المشروبات الكحولية، وقررت أن أوظف مهاراتي في المزج وابتكار المشروبات للتعبير عن شغفي بالسينما. سحرتني فكرة أن أحوّل الفيلم بأبعاده الحسية والإدراكية إلى كوكتيل مبتكر خاص بهذا الفيلم، محاولاً أن أنقل الفيلم من الحالة البصرية إلى الحالة الذوقية".
يرى شهاب الدين، أن أمثلةً موجودةً من حولنا في عالم الإنتاج والإعلام والتسويق الفيلمي، تقدّم أحياناً مشروبات تجاريةً ترافق الأفلام، لكن ما يميز تجربته هو تلك العلاقة بين الإدراك الحسي والذهني للفيلم، وبين المزيج النهائي الذي يشعر به الذوّاقة حول المشروب: "نعم، إنها علاقة من الاستلهام والتعبير المتبادل. وللتعبير عن مثال نموذجي، أختار فيلم "بورتريه لامرأة في حال الاحتراق"، للمخرجة الفرنسية سيلين سكياما، وهو يروي حكاية الرسامة ماريان في نهاية القرن الثامن عشر، وقد كُلّفت بالانتقال إلى بريتاني لتحقيق بورتريه عن امرأة من طبقة النبلاء، سيتم تزويجها قريباً، وهي هيلين المعروفة بتمرّدها، وهناك تنشأ العلاقة العميقة بين الرسامة والمرأة المقبلة على مصير مفروض عليها".
ويتابع: "استلهمت من الفيلم مشروباً لذيذاً كما الحوارات بين الامرأتين، ولكنه كان أيضاً مالحاً كالبحر الذي يحيط بهما من كل جانب، فحتى مشهد النهاية حامض المذاق. وقد زيّنت الكأس بفليفلة حمراء وفليفلة خضراء وتمثّلان الشخصيتين الرئيسيتين اللتين كانتا ترتديان اللون الأخضر والأحمر، مستخدماً مكونات فرنسيةً فحسب، بحيث نشعر بأنهما عاشتا تجربة الحب المستحيل، وهذا ما أجبرني على إضافة مستوى جديد، حامض المذاق، يعبّر عن هذا الأسى. وزيّنت الكأس بالفليفة الخضراء والحمراء، وذلك للتعبير عن الملابس التي تخصصت فيها كل منهما".
يشتمل مشروع "مزج السينما مشروباً مبتكراً" على تقديم أعمال سينمائية من المنطقة العربية في صالات السينما الأمريكية، مبتكراً لكل منها مشروباً خاصاً يعبّر عن خصائصها الموضوعية والفنية
لقد ابتكر المشروع العديد من المشاريب الخاصة بالأفلام السينمائية العالمية، منها مثلاً الفيلم الإيراني الذي روى محاولة الانتحار الأشهر سينمائياً في الشرق الأوسط "طعم الكرز"، إخراج عباس كيارستمي، حيث تم ابتكار مشروب يحمل طعماً من المرارة يعبّر عن الأسى الذي تعيشه الشخصية الرئيسية، تضاف إليه ثلاث كرزات كل واحدة تعبّر عن الشخصيات الثلاثة التي يحاول 'آقاي بدیعي' أن يقنعها بدفنه في القبر المحفور لليوم التالي بعد انتحاره، تحت شجرة الكرز، وهي شخصيات معبّرة عن واقع المنطقة الثقافي: العسكري الكردي، والسينمائي الأفغاني، والمحنط التركي.
احتفاليات لسينما المنطقة العربية في نيويورك
انتقل المشروع سريعاً من اقتراحات لابتكار كؤوس ومشاريب متعلقة بالأفلام من صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تحقيق أنشطة سينمائية في صالات نيويورك للتعريف بسينما المنطقة العربية.
يقول شهاب الدين لرصيف22: "صيف 2023، بدأتُ بتنظيم أنشطة عروض سينما عربية في سينما 'آرت هاوس' في بروكلين نيويورك (Cinema art house Brooklyn)'.
لقد تم تخصيص الاحتفالية السينمائية الأولى للسينما اللبنانية، وعُرض فيها فيلمان للمخرج وليد مؤنس، الأول بعنوان "الجفت، الواوي، الذئب والصبي" (18 دقيقةً)، ومن بعدها فيلمه الأبرز بعنوان "1982"، ويروي حكاية مدرسة في الجنوب اللبناني في اليوم الأخير قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
لكن السيناريو يلعب بالمصير الحتمي المأساوي الذي نعرفه في التاريخ، ويمزج المشهد الأخير بين سينما التحريك والسينما الواقعية، ليحضر بطل المانغا غراندايزر، وكأنه صورة من الحلم في ذهن الفتى قادرة على تخليصه من القلق. وابتكر المشروب على اسم الشخصية الخارقة "تغيرون"، وتكوّن هذا المشروب من العرق بشكل رئيسي، لأنه من أهم المشروبات الروحية في لبنان، وتم خلط العرق مع عصائر طبيعية تحتوي على ألوان الغروب، حيث المشهد الأخير في الفيلم.
وخصص المشروع الاحتفالية التالية لقضايا السينما السورية المعاصرة، مع فيلم "عزيزة"، للمخرجة سؤدد كعدان، وفيلم "الرجل الذي باع ظهره"، للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وكلا الفيلمين يقدّمان مقاربةً لأزمة اللاجئين ومعاناتهم في بلدان اللجوء، الأول عبر حكاية سيارة ملقبة بعزيزة فيعود الحنين وينبع المستقبل الذي يعيشه ثنائي من اللاجئين السوريين في لبنان، والثاني عبر حكاية تعاقد شاب سوري مع فنان بلجيكي على أن ينقش فيزا الشنغن على ظهره ليتحول جسده إلى عمل فني متحرك يفقد الرجل سيطرته عليه، ويصبح ملكاً لصالات العرض، وبذلك يعبّر الفيلم عن صعوبات السوريين في الحصول على التأشيرات والتنقل.
يقول شهاب الدين: "ابتكرت مشروبين الأول لعزيزة وهو عبارة عن كوكتيل أحمر كتجسيد للسيارة المحورية في الفيلم مستخدماً عصير قمر الدين المركّز الذي يشتهر به السوريون، أما المشروب الآخر الخاص (المهاجر)، فهو تعبير عن بطل الحكاية مستخدماً نكهات سوريةً (النارنج)، وفرنسيةً (براندي)، وبلجيكية (شوكولا غوديفا)".
قضايا السينما السورية والفلسطينية في احتفاليات أمريكية
وخصص المشروع الاحتفالية التالية لعروض السينما الفلسطينية، فعرض فيلم "السلام عليكِ يا مريم"، لباسل خليل، وقدّم مشروباً بعنوان "الراهبات الصامتات"، ويركز على استخدام عصير البطيخ وتزيين الكأس بحلوى البطيخ للترميز إلى فلسطين، وأيضاً قدّم فيلم "الزمن المتبقّي"، إخراج إيليا سليمان.
ومشروب هذا الفيلم انطلق من فكرة الحنين، وهو عبارة عن نسخة جديدة من كوكتيل الإسبرسو مارتيني المعروف، ولكن مع استخدام القهوة الفلسطينية، وتزيين الكأس بـ6 قطع من حلوى السمسمية الفلسطينية.
ابتكر المشروع العديد من المشاريب الخاصة بالأفلام السينمائية العالمية، منها مثلاً الفيلم الإيراني الذي روى محاولة الانتحار الأشهر سينمائياً في الشرق الأوسط "طعم الكرز"، حيث تم ابتكار مشروب يحمل طعماً من المرارة يعبّر عن الأسى الذي تعيشه الشخصية الرئيسية
وانتقل المشروع إلى سينما Producers Club Theater في مانهاتن، في ليلة عروض الأفلام التونسية، حيث اختير فيلم "الست"، لسوزان المرغني، ورافقه مشروب "مزرعة القطن" الذي يرمز إلى القرية التي جرت فيها أحداث الفيلم، وهي قرية مشهورة بإنتاج القطن في السودان من خلال تزيين الكأس بقطعة كبيرة من غزل البنات، واعتُمدت استخدام نكهات خاصة بالسودان في تكوين المشروب (الكركديه ومركّز السورغوم والذرة الرفيعة المشهورة في السودان).
وعُرض أيضاً الفيلم المميز "ستموت في العشرين"، إخراج أمجد أبو العلا. ولأجل تركيب كأس خاصة بهذا الفيلم تم التواصل مع المخرج الذي أشار إلى أن هناك طقساً متعلقاً بمشهد خاص بالفيلم يقوم من خلاله الراقصون وأم البطل بالرقص وشرب الويسكي والتحدث مع الشيطان الزائر بالإنكليزية، ويحمل اسم "زار الخواجة"، وهذا الاسم حمله المشروب أيضاً. وهنا أيضاً تم استخدام نكهات سودانية مثل (التشاي، مركّز شجرة الباوباب الموجودة فقط في السودان)، والكأس كانت مزينةً بقطعة من الفراولة ترميزاً إلى طقس الرقص.
وفي الاحتفالية الأخيرة التي سنأتي على ذكرها، والخاصة بالسينما التونسية، تم عرض الفيلم القصير بعنوان "إخوان"، إخراج مريم جبور. وأشارت المخرجة إلى أن تصويره قد تم في حقول الزعتر البرّي، بجانب مزارع لإنتاج العسل في تونس، وهذا ما كان عليه اسم المشروب الذي استُخدم الكثير من البوخة، في تركيبه، وهو مشروب كحولي مستخلص من التين مشهور جداً وخاص بتونس.
أما الفيلم الطويل بعنوان "تحت أشجار التين"، لأريج السهيري، والذي ابتُكر لأجله مشروب "يوم عمل طويل"، لأن الفيلم يتمحور حول يوم عمل لفلاحين في فترات حصاد التين، فتضمن مشروبه البوخة ومستخلص التين وعصير الزيتون، وزُيّنت الكأس بقطع مختلفة من التين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...