من ثقافتين ساهمتا بأثرٍ ممتدٍ في الثقافة العالمية، وُلدت المترجمة والأديبة بيرسا كوموتسي، في القاهرة من أصولٍ يونانية. اتجهت كوموتسي نحو دراسة الآداب في جامعة القاهرة، وكرّست وقتها لإماطة اللثام عن حياة اليونانيين الذين عاشوا في القاهرة، ولرَسمِ جسرٍ بين الثقافتين، بحسب تعبيرها.
تنشغل كوموتسي في الترجمة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وقد ترجمت نجيب محفوظ، كما ترجمت أشعاراً للشاعر السوري نوري الجراح، مثل "قارب إلى ليسبوس"، ومؤخراً "لا حرب في طروادة" التي يتناول فيها الجراح هذه الأسطورةَ اليونانية الشهيرة من زاويةٍ تختلف عن المنظور اليوناني.
في رصيدها سبع رواياتٍ تدور أحداثها جميعها في مصر، منها "الضفة الغربية من نهر النيل" و"الإسكندرية في طريق الغرباء" و"سنوات شبابي الأولى، متعة عمري" و"في شوارع القاهرة، نزهة مع نجيب محفوظ" التي تستحضر فيها الروائيَّ الحائز على جائزة نوبل للآداب.
عملت على إنشاء مبادرة "مركز الأدب والثقافة اليونانية والعربية"، وهي مبادرة مستقلة تهدف إلى رفع الوعي وتعزيز العلاقات الثقافية بين اليونان والعالم العربي من خلال الأدب.
حصلت على جائزة كفافي الدولية للترجمة لعام 2001، لعملها في ترجمات نجيب محفوظ. وهذا حوارنا معها:
-ما الأثر الذي تركته فيك نشأتك في ظل ثقافتين كلّ منهما تُعَد ركيزةً أساسية في الثقافة الإنسانية؟
هذا موضوع كبير يمكنني أن أكتب عنه أطروحةً كاملةً. ومع ذلك، بكلمتين، وكما هو مفهوم بالنسبة لشخص ينتمي إلى اثنتين من أعرق الثقافات، فإن ذلك يُعدّ بالنسبة له ثروةً كبيرةً ولكنه يمثّل أيضاً تحدياً، ومسؤوليةً كبيرةً. في حالتي الخاصة، حوّلت هذه العلاقة بينهما إلى هدف حياتي، هدف لجمعهما معاً. طه حسين كان يرى أن الثقافة العربية لم تكن أقرب إليها من الغرب سوى الحضارة اليونانية، أو أن الغرب يبدأ ويقيم طويلاً في أذهان العرب، باليونانيين وثقافتهم الذين أثروا بجوارهم السوري والمصري وتأثروا به. والعقل المصري وفق تعبير الراحل الكبير "عقل مصري وثيق الصلة بالبحر المتوسط"، وقد دعا للتقارب بل للامتزاج بالثقافة والحضارة اليونانيتين. هذه الأفكار محفورة بطريقة ما في وعيي.
الترجمة في أحد جوانبها هي عملية اكتشاف. دائماً ما تتطلب شحذاً للأحاسيس ووعياً استثنائياً من المترجم، واستعداداً لتجاوز هويته الثقافية الخاصة، حتى يستطيع أن يتكيف
النمو في ظل ثقافتين يشبه النمو مع والدين تحبهما بالدرجة نفسها ولا يمكنك التمييز بينهما. فالانتماء إلى هاتين الثقافتين قدر شخصي وتجربة مميزة جداً وبالغة الثراء. هذه الخصوصية تجعل المرء يشعر بمزيج من الشعور بالغنى والمسؤولية معاً. ومن المستحيل عليه برغم إدراكه الفروق بين الثقافتين، أن يخلص فيه أحد المكونين من الآخر. وهو ما يشمل لدى مزدوج الانتماء، الموقعَ الاجتماعي والعلاقةَ بطريقة الحياة والتقاليد والتجارب الجمالية والمعتقدات والقيم الشخصية والجماعية، لأن الثقافة، كما تعرفين، مرتبطة بجوهر المجتمع الذي ننشأ فيه.
-قلتِ مرةً: "الأدب العربي علّمني". ما أبرز ما علّمك إياه هذا الأدب؟
علّمني التسامح والتفاهم واللطف والمثابرة، وهذه فضائل موجودة في النصوص العربية. وعلّمني أن لا هوية عرقيةً لعظمة المعرفة، وأن كل الناس يمكنهم أن ينمّوا الفضيلة في دواخلهم. القيم الأساسية نفسها في التنشئة اليونانية تعلمتها أولاً من تنشئتي العربية، فهي كانت أول ما "لُقّنته" عندما كنت صغيرةً، لا سيما على مقاعد الدراسة. اختياري أن أقف في الوسط بين ثقافتين، سببه حاجة داخلية لا تُقاوَم ولا يمكن تفسيرها بالطبع إلا في ميل شخصي من جزء فيّ إلى جزء آخر، وهذا ما دفعني للغوص في اللغة العربية لتعلمها واكتشافها شيئاً فشيئاً. أما الدافع العميق، فهو بالضرورة ذلك القدر الشخصي الذي جعلني نصف مصرية، ونصف يونانية بالمعنى العميق للكلمة. واليوم فإن مصر هي بوابتي الكبيرة إلى العالم العربي وثقافته.
وهذا يقودني إلى أن أتحدث قليلاً عن علاقتي باللغة العربية وآدابها، فلغتي العربية الفصحى المبكرة تلقيتها على مقاعد المدرسة العابدية في القاهرة، من المراحل الابتدائية وحتى المرحلتين الثانوية والجامعية، ولاحقاً بجانب دراستي الأدب الإنكليزي في المرحلة الجامعية درست اللغة العربية وآدابها، والشعر العربي القديم والشعر الحديث. كانت هذه موادّ إجباريةً في أول عامين من دراستي الجامعية، إنما سرعان ما تحولت، على صعوبتها بالنسبة لي، إلى مادة محبوبة ومرغوبة. هكذا كانت البداية.
في مطلع شبابي أقبلتُ بشغفٍ كبير على قراءة الأدب العربي بدءاً من الأدب الروائي لطه حسين وتوفيق حكيم وعباس محمود العقاد ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وغيرهم. وحباً في أن أرى الأدب العربي مكتوباً باليونانية، قمت بنقل مقاطع من نصوص أدبية من العربية إلى اليونانية، واكتشفتُ في ما بعد أن تلك المحاولات المبكرة كانت تمارين أولى لما سيتحول مستقبلاً إلى مسيرة كاملة في حقل ترجمة الأدب. وفي أوراقي اليوم بعض من تلك النصوص، وهي اختبارات أولى أعتزّ بها.
-لديك العديد من الأعمال الروائية جلها تدور أحداثها في مصر مثل "الضفة الغربية من النيل"، و"نزهة مع نجيب محفوظ". هل يمكننا القول إن الأدب ابن بيئته؟
بالتأكيد. البيئة التي نشأنا فيها تشكل شخصيتنا وخياراتنا. إنها مصدر معرفتنا الأولى ومستودع تجارب الطفولة التي تُعدّ حاسمةً في التنمية البشرية. كل شيء ينشأ من نقطة بداية ويمضي نحو نهايته.
تتحدث الكتب عن تجربة الوطن الثاني، والأشياء الجميلة والصعوبات التي يواجهها الأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافتين، لغتين، وطنين. قد لا تكون لديهم مشكلة، لكن الآخرين الذين يرون من خلال الحدود الضيقة لتفكيرهم الضيق ستكون لديهم مشكلة. وهي مشكلة يعاني منها اليوم الإنسان المهاجر الذي يعيش ويربي أولاده بعيداً عن وطنه الأول؛ قد يستطيع أن يتكيف بفعل التجارب واتساع الأفق، لكن الآخرين الذين يرون من خلال الحدود الضيقة للتفكير الضيق ستكون لديهم مشكلة مع ازدواجية الانتماء. الحوار بين الثقافات كوسيلة سلمية للتعايش السلمي هو الحل. هذه مواضيع نواجهها حتى اليوم. واليوم أتطلع أكثر فأكثر من خلال مشروعي في الترجمة إلى أن أترك خلفي الخبرةَ والمعرفة للأجيال الجديدة.
-"الترجمة خيانة"؛ استخدمتِ عبارة بودلير هذه للرد على انتقادات بعدم التقيّد بالنص الأصلي في ترجمتك المبكرة لروايَتَي نجيب محفوظ "الحرافيش" و"أولاد حارتنا". أين فعلاً تنتهي حقوق الكاتب الأصلي وتبدأ حقوق المترجم؟ وما الفرق الجوهري بين ترجمة الوثيقة، والترجمة الأدبية؟
الترجمة عملية متعددة الأوجه داخل النص وخارجه، ولا تتم فقط على مستوى الكلمات والعبارات، ولا ينبغي أن تكون موضوع دراسة سطحية، أو ذات بعد واحد تقوم على المقارنة أو التباين بين نصين (الأصل والترجمة)، فهي عمل شديد التعقيد والتركيب يقوم على تفاعل بين المؤلف والمترجم والقارئ. النصوص الأدبية هي أعمال تواصل، وليست مجرد أكوام من السمات اللغوية. هذا ليس ما أؤمن به وحدي، بل يقول به الأكاديميون الذين يدرِّسون فن الترجمة. ما عليك سوى فتح أي كتاب علمي عن الترجمة للعثور على العشرات من هذه المراجع.
عندما أقبلت في مطلع التسعينيات على ترجمة أدب نجيب محفوظ، كان اليونانيون يجهلون تماماً عالم اللغة العربية وأسرارها، الفصحى منها والعامية، وقد بدأوا مع تلك الترجمات يتصلون للمرة الأولى بالثقافة المصرية المعاصرة. في هذه الحال، كان من واجبي، كمترجمة، التعامل مع النص بحذرٍ وعناية وابتكار أيضاً، لأتمكّن من نقل النص إلى اليونانية من دون أن يفقد سحره الأدبي، ومن دون أن يسقط في المباشرة التي تجعل الأدب جثةً هامدةً بلا لون ولا رائحة ولا روح.
وقد بدا لي أن على المترجم أن يلتزم بروح النص وأفقِه معاً، وليس بجسده وحسب، وأن ينقل بدقة، ويغامر عبر اللغة التي ينقل إليها ليحيط بما ألمح إليه وأشار الكاتب بين السطور حتى عندما لم يكتبه في السطور وعلى الورق، وتالياً ليتمكن من أن يجترح للنص حياةً جديدةً في لغة جديدة. ذلك ما بدا للشابة التي كنتها عندما شرعت في ترجمة "أولاد حارتنا"، وهي رواية مليئة بالإشارات والرموز، والمضمر من المعاني المكتنزة داخل اللغة العبقرية التي كتب بها محفوظ، وهو ما ينسحب على جلّ أعماله، حتى عندما تبدو لنا تراكيب السرد والحوار في رواياته بسيطةً. ولكنها في كثير من الأحيان بساطة خادعة لكونها محملةً بالدلالات والرموز المضمرة.
واليوم أحسّ برضى كبير عن عملي المبكر، على الرغم مما لدي من ملاحظات على ترجماتي المبكرة، فمن المنطقي أن خبرتي في الترجمة لم تكن كما هي اليوم، إنما ليس من قبيل المصادفة أنني حصلت في عام 2001 على "جائزة كفافي" الدولية عن ترجماتي من العربية لنجيب محفوظ، وقد منحتني الجائزة لجنةٌ مكونة من عشرة أعضاء من خبراء الترجمة الأكاديمية، من بينهم رئيس قسم الدراسات اليونانية في جامعة القاهرة آنذاك، وهو نفسه كان مترجماً عظيماً للأدب اليوناني القديم والحديث، أعني البروفيسور محمد حمدي إبراهيم، الذي قام بفحص دقيق لترجماتي بناءً على اللغة "المصدر"، ولغة التقديم، وصحة الترجمات وجودتها، وفي ما بعد حصلت على جوائز أخرى أعتزّ بها لما لها من دلالة على مستوى عملي وقيمته.
وبالمناسبة يبدو أننا من وقت إلى آخر، في حاجة ماسة إلى التذكير بأن الترجمة الأدبية تقوم على نقل بنية أدبية مرتبطة بمنظومة ثقافية ولا تقوم بداهةً على ترجمة كلمة بكلمة، هذا إذا كنا لا نزال نعدّ الأدب فنّاً، وليس مستودع كلمات، وأن لكل مترجم أدواته الخاصة، وتالياً الترجمة الأدبية ليست عمليةً ميكانيكيةً أو شكليةً لنقل الكلمات أو العبارات من لغة إلى أخرى بترتيب دقيق. وكل ترجمة هي تفسير للمعاني وتكييف لغوي بقواعد أخرى، بكلمات تُعدّ مرآةً للأصل. عندما يُطلب من المترجم أن يترجم عملاً ما، فإن هذا يعني أنه يجب أن يقترب من الشكل والمحتوى والإشارات الثقافية وأجواء العصر. وعالم الكاتب وخصائص أدبه وأفكاره وثوابته.
ومن أجل أن ينجح المترجم في هذا المسعى، يجب عليه أن يذهب أبعد في فهم روح الكاتب وفلسفته، وأن يدرك خصوصيات كتابته من خلال ارتباطها بخصوصيات بيئته، والأرضية الثقافية وزمن الكتابة، وهذا لا يحدث إلا عن طريق الدراسة المتعمقة لثقافة الكاتب وعصره.
وعليه فإن الترجمة في أحد جوانبها هي عملية اكتشاف. دائماً ما تتطلب شحذاً للأحاسيس ووعياً استثنائياً من المترجم، واستعداداً لتجاوز هويته الثقافية الخاصة، حتى يستطيع أن يتكيف، ولو بشكل مؤقت، مع ثقافة المؤلف. فالترجمة في رأيي تبادل أدوار وهويات بين الكاتب والمترجم، وهي أشبه بعلاقة حب.
-قبل بضع سنوات ترجمتِ للشاعر السوري نوري الجراح ديوانه "قارب إلى ليسبوس"، ومؤخراً احتفيت في معرض الكتاب الدولي في تسالونيك بتقديم ترجمة لديوانه "لا حرب في طروادة". كيف تفاعل اليونانيون مع هذا الشعر العربي في علاقته بالمرجعيات الأسطورية اليونانية من منظور مختلف؟
بالنسبة لليونانيين، كانت تجربة قراءة جديدة وغير مسبوقة. الجمهور اليوناني ليس على دراية كافية بالشعر العربي المعاصر. في السنوات الثلاث الماضية فقط، تواصلوا مع الشعر العربي الحديث من خلال ترجماتي. ومثل أي شيء جديد، سيستغرق وقتاً ليصبح تجربةً وعادةً للقراءة. نحن نسير على الطريق الصحيح. يهتم المزيد والمزيد من القرّاء بالتعرف على الثقافة والأدب العربيين.
شعر نوري الجراح مَهّد الطريق للشعر العربي في اليونان. لقد فتح ديوانه "قارب إلى ليسبوس"، عيونهم على ما نسمّيه الشعر الإنساني. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقرأون فيها شعراً عن مأساة اللاجئين بهذه الطريقة الحديثة البليغة والمعبّرة للغاية. ومع الكتاب الثاني، "لا حرب في طروادة"، واجهوا أيضاً شعراً غير مسبوق يجمع عناصر من ثقافتين مختلفتين في رأيهم. وكانت هذه كلها قضايا جديدةً عليهم. وقد أُعجب به من قرأ القصائد وكذلك النقاد الأدبيون ووصفه أحد النقاد الكبار بـ"الشعر الخالد" (Eternal poetry)، وقارنه بشعر كبار شعراء اليونان في العقود السابقة كإيليتيس وسيفيريس وريتسوس. وهي المرة الأولى التي يتم فيها نشر كتابَين لشاعر أجنبي في غضون سنتين، وأتمنى أن نذهب إلى الثالث قريباً، فشعر نوري الذي يشعّ بأنوار المتوسط، فهو في المقام الأول شعر عالمي وإنساني ويمسّ كل الثقافات.
ويجب أن أشير هنا أيضاً إلى أن قصائده مليئة بالرمزية الخالدة التي يمكن لقرّاء البحر الأبيض المتوسط التعرف عليها. وأقول إنها طراز خاص من الشعر المتوسطي الممتاز الذي يستحق أن يدرسه الشعراء والنقاد.
-برغم القرب الجغرافي بين العرب واليونان وتبادل التأثر والتأثير عبر العصور القديمة بين الإغريق والمصريين والإغريق والسوريين على نحو خاص، إلا أن انقطاعاً غريباً وقع بين الثقافتين في العصور الحديثة. ما السبب في رأيك؟
هذا لغز كبير، وأنا أحاول منذ خمسة وثلاثين عاماً عبر الترجمة، وأيضاً من خلال جهود الترويج للأدب العربي، توعية الجمهور بهذه النواقص.
والمبادرة التي بدأتها قبل 4 سنوات في تأسيس مركز للتبادل بين الثقافتين عبر الترجمة، لها هذا الدور بالضبط في جعل الأدب العربي معروفاً بشكل أفضل في اليونان ولدى اليونانيين في العالم العربي.
نحن، كأفراد، لسنا قادرين على كل شيء، ولكننا نفعل ما في وسعنا في ظل غياب دراسات شاملة في اليونان في ما يتعلق بالأدب العربي، هذا من جهة، وغياب المؤسسات الرسمية عن هذا الجهد الحضاري من جهة أخرى.
-نحن نعرف أن عدداً كبيراً من الآثار الشعرية والأدبية الكلاسيكية اليونانية كُتب بلغة قديمة غير اللغة الحديثة، ونعرف منهم هوميروس في ملحمتيه، ومسرحيات يوربيديس وإسخيلوس وسوفوكليس وأريسوتوفانس، وهناك كوكبة كبيرة من شعراء الحقبة نفسها لم تُنقل أعمال لهم إلى العربية... هل السبب في ندرة المترجمين عن اللغة القديمة، أم أنّ هناك أسباباً أخرى؟
نعم، أساساً لا يوجد عدد كافٍ من المترجمين المتخصصين في ترجمة الآثار الشعرية والأدبية الكلاسيكية اليونانية. وهذا يحملني على توجيه نصيحة إلى المترجمين الذين يستهلكون أوقاتهم في النبش في الترجمات الأدبية تصيّداً للأخطاء -مهما كانت طبيعة الأخطاء التي يتصورونها- بأن يوظفوا تلك الأوقات الضائعة في ما هو أجدى حتى يكون هناك تمثيل جاد وشامل للأدبين العربي واليوناني.
-من وجهة نظرك، لماذا لم يلقَ الأدب العربي الكلاسيكي، كشعر المعلقات، والمتنبي، والمعري في شعره ورسالته، ومن النثر والفكر التاريخي ابن خلدون في مقدمته ورحلته، وأسامة بن منقذ في "كتاب الاعتبار"، وابن بطوطة في رحلته، وغيرهم، اهتماماً لترجمة أعمالهم إلى اليونانية، علماً بأنها تُرجمت إلى لغات أوروبية عديدة؟
أعتقد أنني سأعطيك الإجابة نفسها المذكورة أعلاه، وأضيف عليها، أن هذه الأعمال الكلاسيكية تنتظر من يرعى ترجمتها إلى اليونانية، وهذا يقوم أساساً على عاتق المؤسسات الثقافية العربية. وأنا من هذا الحوار أدعو النهضويين العرب ممن يشرفون على المؤسسات الثقافية في العالم العربي إلى المشاركة في دعم مشروع من هذا القبيل لنقل الأعمال الكلاسيكية العربية، وهي عظيمة الشأن وحققت حضوراً بارزاً ومؤثراً في اللغات الأوروبية الأخرى. اللغة اليونانية لن تكون أقل استعداداً ولا أقل شغفاً في استقبال هذه الكنوز والذخائر الأدبية ذات الطابع الإنساني.
-تُشرفين على مؤسسة مستقلة لترجمة الأدب العربي إلى اليونانية والأدب اليوناني إلى العربية، يتعاون معك فيها عدد من المترجمين، ما هي طموحات المشروع، وما أبرز ما تتطلعين إلى تحقيقه من خلال هذه المؤسسة؟ وما هي التحديات التي تواجهكم؟
إنها في الواقع مبادرة مستقلة، كما أشرت آنفاً، وتهدف إلى رفع مستوى الوعي بالثقافة العربية في الأدب والشعر خصوصاً، وهي دعوة مفتوحة لأي مهتم بالمشاركة. وعلى الرغم من العقبات، تمكّنت مع بعض الزملاء المترجمين من بدء سلسلة من ندوات الترجمة عبر الإنترنت من اللغة العربية وإليها، واليوم يتنامى الاهتمام بالثقافة العربية في اليونان، ويتم بالفعل تدريب المهتمين بترجمة الأدب العربي. قمنا بعمل كبير وهناك اليوم ورشة عمل مع النصوص الأدبية العربيية المعاصرة، والورشة على وشك إصدار أعمال جديدة. أنا متفائلة جداً بمستقبل هذا الطموح والمسعى، وفخورة جداً بهذه المبادرة.
وبما أننا نفتقر في اليونان إلى قسم شامل للدراسات العربية في الجامعات، فإن هذا المشروع يساعد في سد الفجوة في حقل الدراسات الأكاديمية، وهو بمثابة منصة تعمل على رفع مستوى الوعي بكل من الأدبين العربي واليوناني، مع التركيز على الشعر، فالثقافة العربية في جوهرها ثقافة شعرية، ومع ذلك نلاحظ أن الشعر لا يحظى بتمثيل كافٍ ليس فقط في اليونان ولكن في أوروبا بشكل عام.
الأدب العربي لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه على نطاق واسع في العديد من مناطق العالم، ويرجع ذلك أساساً إلى حواجز لغوية وثقافية وسياسية واقتصادية عدة
للأسف، الأدب العربي لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه على نطاق واسع في العديد من مناطق العالم، ويرجع ذلك أساساً إلى حواجز لغوية وثقافية وسياسية واقتصادية عدة. لا يزال الكثيرون في أوروبا متحاملين على الأدب العربي، وهذا مرجعه غالباً النظرة المسبقة ونقص المعرفة والفقر المدقع لدى الغرب من الدراسات الشاملة، وهذه الحال انعكست على موقف اليونان من العرب.
والأمر نفسه ينطبق على الأدب اليوناني في العالم العربي. إنهم لا يعرفون سوى القليل عن إنتاجنا الحديث، أو النثر أو الشعر، وأمور أخرى، والآن بدأنا نعرف العالم العربي بشكل أفضل عبر الترجمة. رفع مستوى الوعي والحضور لكلتا اللغتين وآدابهما أمر مهم وحتمي للغاية، وهذا ما نحاول القيام به بشكل أساسي من خلال الاجتماعات والعروض التقديمية والمقابلات مع الكتّاب بلغتهم الأصلية. نحن قريبون جداً جغرافياً، ولكن حتى الآن بعيدون عن بعضنا بعضاً.
أما أبرز التحديات، وأنا لا أحب أن أتكلم في هذا الموضوع لأنه مزعج، ولا أريد لكلامي أن يبدو ضرباً من الشكوى، لكن الحقيقة أن مشروعاتنا في المركز الذي نتحدث عنه تقوم كلها على جهود فردية وتطوعية، من دون أي شكل من أشكال الدعم المادي لا من اليونانيين ولا من العرب. وهذا يجعل عملنا أقرب إلى المعجزات القديمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.