ليس من السهل تفكيك بنى العنصرية في عُمان، أو حتى صياغتها بشكل واضح، فصور العنصرية وممارساتها تختلف من منطقة لمنطقة، ولكن من المتعارف عليه أنها موجودة، وواضحة، وعلى الرغم من وجود مواد في القانون العماني تُجرّم إثارة النعرات العنصرية والقبلية، إلا أنه يوجد اتفاق عام على تبنّيها بين جميع العمانيين، ولا يوجد توجّه مؤسسي، ولا حتى تعليمي وتربوي، في تغيير هذه البنى، ابتداءً من اللغة المستعملة وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية، فلا طريقة أفضل من بناء المجتمع بهذه الطرق لكي يظل كل شخص في مكانه، بدون أن يندمج مع المجتمع العام إلا بشكل يوجّهه تيار وطني معين، وذلك بكل تأكيد يساعد على تحقيق "التماسك" و"السلام" في المجتمع العماني، كما تريده الأغلبية.
يمكن تعريف المصطلحات التي تقسم المجتمع العماني لناس "أصل= عرب"، وناس "غير أصل= غير العرب" أو العربي المختلط، ففي البداية مصطلح "الخدّام (جمع)، خادم (مفرد)" يُطلق على العمانيين الذين كانوا مستعبَدين من قِبل العمانيين قبل تحرير كل العبيد في عُمان، والذين أُحضروا من أفريقيا على وجه الخصوص، خلال الاستعمار العماني لمنطقة زنجبار والساحل الأفريقي، وهم عادة من أصحاب البشرة السوداء الداكنة.
ومن ثم مصطلح "البياسرة (جمع)، بيسري (مفرد)" فيستخدم للتعبير عن مختلطي العرق، ويرتبط هذا بمصطلح "غبن" والذي يعني "ابن الحرام، ابن الزنا"، لأن أغلب مختلطي العرق جاءوا من خلال الاغتصاب أو العلاقات غير الشرعية، وقد سمعت مجموعة من الشباب يقولون إنهم "غبون، ما معروف أصلهم، على الأقل الخادم معروفين أهله".
على الرغم من وجود مواد في القانون العماني تُجرّم إثارة النعرات العنصرية والقبلية، إلا أنه يوجد اتفاق عام على تبنّيها بين جميع العمانيين، ولا يوجد توجّه مؤسسي، ولا حتى تعليمي وتربوي، في تغيير هذه البنى
أما "الزنجباريون" فهم الأفارقة الذين هاجروا من أفريقيا التي احتلتها عُمان وتم منحهم الجنسية العمانية، أو عمانيو الأب وأفريقيو الأم، ونادراً العكس، وهذه التصنيفات لا تتعلّق بالقبيلة بشكل خاص، فبعد انتهاء العبودية نُسب كلٌّ إلى القبيلة التي كان "يخدم" فيها، ما أثار غضب العمانيين، فهذا يجعل من الصعب أحياناً معرفة أصل هؤلاء. كما يمكن ذكر بعض القبائل التي يُعد كل من فيها عمانيين "غير أصل"، مثل "البلوشية" التي تضم عدداً من القبائل الأخرى، و"الزدجالية"، و"الرئيسية"، بالإضافة إلى "اللواتيا"، وهي قبيلة منفصلة تضم بداخلها عوائل عديدة، وأيضاً هناك عدد من القبائل التي جاءت إلى عمان من بلوشستان ودول آسيا، وإيران والهند، منذ زمن بعيد، سواء عبر الهجرة، أو من جاؤوا كمرتزقة في جيوش السلاطين، وتتميز بالتنوع الطبقي، فغالباً ما يتميز البلوش بالفقر، بينما تتميز قبيلة مثل "اللواتيا" بالثراء الشديد، ورغم ذلك فإن هذه القبائل ترفض الاختلاط في مسائل المعيشة والزواج، فغالباً ما يعيشون في تجمعات معينة ويتزوجون من داخل القبيلة.
يتميز المجتمع العماني بالتماسك حقاً! لذلك يستوجب هذا التماسك العديد من القوانين غير المصرح بها لكي يتعايش العمانيون مع بعضهم بطريقة صحيحة، وبدون إحراج. تتعلق هذه القوانين بنظرنا للناس حسب أعراقهم، ولكن في نفس الوقت كي نظهر غير عنصريين، ومنسجمين مع بعضنا.
الزواج من العماني غير الأصلي
يعد الزواج من العماني "غير الأصلي" أمراً مستنكراً، فمن المتفق عليه بالرفض اجتماعياً أنه لا يمكن أن يتزوج العماني "الأصلي" بشخص من عرق آخر. وهذا الرفض يزداد بكل تأكيد إذا كان الشخص الآخر "خادماً" أو "بيسرياً"، فليس مستبعداً أن يزاوج العمانيون "اللواتيا" و"الزدجاليين" و"الزنجباريين"، ولكن من الصعب جداً أن يتزوجوا "خدّاماً"، وذلك يعود لأسباب كثيرة، يحيلها العمانيون بكل تأكيد، تجنباً للحديث المطول وتجنباً لإظهار العنصرية، إلى حديث للرسول يقول فيه: "تخيّروا لنطفكم، فإن العرق دساس".
ليست هذه القاعدة الوحيدة للزواج عند العمانيين، فمن المواقف المثيرة للاهتمام التي توضح هذه العنصرية عندما يتعلق الأمر بالزواج، أن رجلاً "خادماً" تقدم للزواج من امرأة "بنت أصل وفصل"، فضربه أخوها وأبوها، لجرأته على التقدّم للزواج من امرأة لا يرقى لمستواها الطبقي والعرقي، والكثير من المواقف التي تروى عن خطوبة "بياسرة" أو "خدّام" لنساء يعدهن المجتمع "أصيلات" فينتهي الأمر بعدم القبول والتعييب على جرأة العائلة التي تتقدّم لخطبة من هم ليسوا من مستواها أساساً.
أخلاق العماني غير الأصلي
يصرّ جميع من أعرفهم على أن أخلاق العماني الأصلي مختلفة تماماً عن أخلاق العماني "غير الأصلي"، فالأخلاق الحميدة جينات وعرق ودم، وذلك يعود للأصل بكل تأكيد، فالعماني أصله يجعله ملتزماً بأخلاقه وعاداته وتقاليده ودينه بكل تأكيد، أما غير الأصلي فمحكوم أيضاً بأصله "المتدني" وتأثير ذلك الأصل على أخلاقه وقيمه، فبغض النظر عن كون أجداده وُلدوا وترعرعوا في عُمان، يبقى متصلاً بأصله، وهذا كونهم جماعة منفصلة عن المجتمع الرئيس، وليس ذلك بالشيء الذين ينكره العمانيون ويتعاملون معه بخجل، فهم ضد اختلاط المجتمعات ببعضها، ويصرّون على ضرورة بقاء الوضع كما هو، كي لا "تفسد" أخلاق العماني، ولا "يتشوه" دينه.
وهذا يدخل في أسباب رفضهم لتزويج أبنائهم وبناتهم لغير الأكفّاء في نظرهم، وهذا ينطبق عموماً على جميع العمانيين ذوي الأصول المختلفة، فيرفضون تزويج بناتهم للبلوش لانفتاحهم وعدم توافقهم الفكري والأخلاقي مثلاً، وهم يرفضونهم لفكرة وجود "الاختلاط" بينهم، حيث تختلط نساؤهم برجالهم بلا خجل، حسب الفكرة السائدة، وهذا أمر ينطبق على جميع من لم يُختم بأصليته وعروبته "النقية"، "غير الملوثة" بالغير.
يعد الزواج من العماني "غير الأصلي" أمراً مستنكراً، وذلك يعود لأسباب كثيرة، يحيلها العمانيون بكل تأكيد، تجنباً للحديث المطول وتجنباً لإظهار العنصرية، إلى حديث للرسول يقول فيه: "تخيّروا لنطفكم، فإن العرق دسّاس"
التعايش مع غير الأصلي
ينافق العماني جميع من هم في المجتمع، فالنفاق أمر مهم جداً لأنه قادر على تنمية العنصرية بشكل غير واضح، وملغي، وغير ظاهر، ويزيد من التماسك الاجتماعي الذي نبني عليه مجتمعنا الكامل المنقسم بطبيعة الحال، عموماً هذا النفاق يتعلق بالتعامل اليومي مع الأعراق الأخرى، وهو ما لا يمارسه الجميع، وذلك يعود لسبب أنهم كانوا "عبيداً" لهم، لذلك يجب أن يتعاملوا معهم لخلق بيئة (متسقة) وتساعد على بناء الوطن، والتعامل معهم بشكل غير واضح العنصرية، ولكن غير متسق أيضاً من نواح عديدة، فلا يجب الاختلاط بشكل كامل معهم، ولا يجب الانعزال بشكل تام عنهم. أي أن التقارب هنا محسوب بالمليمتر.
لذلك، يعملون بجانب بعضهم، يبنون صداقات، يكوّنون جيرة، ينتقدونهم، ينعتوهم بـ "خدّام" أو "خويدم" في الخفاء، ولكن يظهرون الود بشكل طبيعي. يرفضون تزويجهم بناتهم، ولا يتورّعون عن الاعتراف بالسبب، فهم يعلمون أن هؤلاء ليسوا من "ثوبهم" ولن يكونوا، ويستغربون منهم لو غضبوا من ذلك، ويظل هذا التناقض في المعاملة أمراً غريباً ومثيراً للقلق، كونه يخلق بيئة اجتماعية سامة، مبنية على مثالية المواطن العماني واستقراره النفسي والأخلاقي.
عانى العمانيون الذين استُعبدوا في عُمان من عنصرية واضحة من المجتمع، بل وعانوا، بعد تحريرهم في السبعينيات، من كونهم فقراء ومعدمين ولا يملكون إلا النزر القليل، فيعود الوضع كما هو ولا يتغير. يعمل المحرّر عند صاحبه القديم وهذه المرة بمقابل مادي، ومع التقدّم أصبح السود ومختلطو العرق جزءاً من المجال العام في عُمان، يتعلّمون في المدارس ويتخرّجون من الجامعات، ويعملون ويترقون في المناصب، ورغم ذلك ينظر لهم المجتمع نظرة دونية عندما يتعلق الأمر بالزواج والتآخي والتعايش، مثل أخ لا مناص من أخوّته لكن لا يمكن أن يعطى نفس الحقوق.
*****
لا نستطيع في هذه العجالة أن نلقي الضوء على كل البنى العنصرية والفوقية والتمييزية التي تنخر المجتمع العماني، ويبدو الاقتراب منها أساساً محفوفاً بالمخاطر ومليئاً بالتعميمات المجحفة والحكايا التي يصعب الدخول في ثناياها، لكن من الضروري الإشارة إليها، عسى ولعل...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 4 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 14 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع