شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كل هذا الضحك... هل تفوّقت مسرحية

كل هذا الضحك... هل تفوّقت مسرحية "العيال فهمت" على "العيال كبرت"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأحد 21 يوليو 202410:41 ص

رغم أننا لا نثق بعروض تتخذ من اسم ناجح مشابه اسماً لها، وكأن النجاح يحق استنساخه، والبقاء بجوار حروفه المحفوظة في رأس الجمهور المصري كوسيلة مضمونة للجذب، مثل استدعاء مسرحية "العيال كبرت" إنتاج 1979، هذا العمل الذي نجح في ثمانينات القرن الماضي، ونستطيع القول إن نجاحه مستمر، حتى أن التلفزيون المصري يعيد عرضه في الأعياد كواجب مقدس. وفي بعض الأحيان، لا ندرك العيد نفسه إلا لأن المسرحية تتحرك في خلفية اليوم بكل ضحكاتها العفوية ومواقفها البسيطة المحملة بالسخرية.

مسرحية "العيال فهمت"

ثلاث ساعات من الانتباه

جاءت مسرحية "العيال فهمت" التي تُعرض حالياً على مسرح الدولة "ميامي" بوسط البلد بالقاهرة، وكأنها تتكئ على ماضٍ نحبه كثيراً. لنفاجأ بجمال العرض وفرادته حتى أنه ينجح في أهم وأصعب ما يُقدم على المسرح: أن تحتفظ بالجمهور منتبهاً لكل كلمة لما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة.

أتمنى أن يكون هذا العرض ضمن برنامج المهرجان القومي للمسرح الذي سيبدأ خلال أيام. نحن هنا أمام عرض كوميدي راقٍ من دون محاولات إضحاك مفتعلة لجلبه، فالمواقف كلها تفجر الكوميديا بانسيابية. وكان الأولى اختيار الاسم من النص المقتبس منه وهو "صوت الموسيقى". لكن الكاتبين الخفيفي الظل أحمد الملواني وطارق علي لم يستعيرا سوى إطار الفكرة الرئيسية ليتفوق العرض على المقتبس منه سواء الفيلم أو المسرحية بمعالجة جديدة للنص الأصلي وهي حالة نادرة الحدوث. 

جاءت مسرحية "العيال فهمت" التي تُعرض حالياً على مسرح الدولة "ميامي" في وسط البلد بالقاهرة، وكأنها تتكئ على ماضٍ نحبه كثيراً... لنفاجأ بجمال العرض وفرادته حتى أنه ينجح في أهم وأصعب ما يُقدم على المسرح: أن تحتفظ بالجمهور منتبهاً لكل كلمة لما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة

أنت هنا لا تلاحق الضحكات، خاصة حينما تجئ الكوميديا من خلال قصة مأسوية كـثمانية شباب ومراهقين بينهم طفل واحد يعانون كثيراً مع أب صارم (رامي الطمباري) بعد وفاة الأم، ومن خلال أحلامهم التي يخبئونها عن عيون الأب لأنها تعتبر من الخطايا الكبرى، تتفجر الكوميديا مثل ينابيع صافية.

ولأن الكتابة للمسرح هي الأصعب دائماً، فالإبداع هنا يتطلب خفة الظل لتخلق نصاً ساحراً أو تتعثر في كبواتها لو أن الكاتب لا يملكها ولكنه يصر على كتابة الكوميديا.

الحلم المأزوم يبدو أيضاً فكرة تقليدية لكن الطريقة التي تناول بها العرض الدراما بدت طريفة ومبتكرة. 

مسرحية "العيال فهمت"

المربّي الرجل

يعهد الأب لمربي رجل أن يهتم بالأطفال، فجاء الدور الأصعب في الرواية. الفنان عبد المنعم رياض في دور "زكريا" الرجل غير المؤهل للقيام بمهمة تربوية سليمة مفتقراً لأدواتها، ولكنه يملك الحب وقلباً حانياً فقط، حتى أننا نظن لوهلة أنه يحمل هوية جنسية مضطربة بعد أن صار أماً حقيقية. يذّكر نفسه حين يلمّح الأولاد دائماً ضاحكين خلال العرض بأنه رجلاً ما زال رغم القيام بواجبات الأمومة.

ورغم كلاسيكية الفكرة بأن الوداعة هي توأم الحلم، جاءت البطلة "رنا سماحة" المربية الحالمة التي تعشق الموسيقى ليحبها الأولاد رغم رفضهم لمربيات قبلها، إلا أنها لمست أحلامهم فملكت قلوبهم. جعلتهم يزيلون الستائر عن الأمنيات التي يخبأونها عن الأب كأسرار مشينة. 

يعهد الأب لمربي رجل أن يهتم بالأطفال، فجاء الدور الأصعب في الرواية. الفنان عبد المنعم رياض في دور "زكريا" الرجل غير المؤهل للقيام بمهمة تربوية سليمة مفتقراً لأدواتها، ولكنه يملك الحب وقلباً حانياً.

فأحدهم يملك موهبة الغناء وفتاة تحب الكتابة وأخرى تمارس في الخفاء تصميم الأزياء. 

مسرحية "العيال فهمت"

ذروة الأحداث… ونجاحها

ثم يتفتت قلب الأب أيضاً بالحب وحده وإن جاء الأمر تدريجياً بما يتناسب مع تطور الأحداث الدرامية فنصعد معه سلم الحكاية بعذوبة وبساطة. فهذا الرجل المولع بالنظام والالتزام كمجدافي قارب نجاة ليعبر بأولاده إلى الشاطئ، يشاهد المربية وهي تُخرج قطار أسرته من على القضبان التي رسمها بعناية. حتى تصل الدراما لذروتها حين تواجه الابنة أبيها بأخطائه (كانت قبل ذلك تعبر عن نفسها بالبكاء) فتخبره بأنه يمنع عنها وعن إخوتها "النفس" أو الأكسجين اللازم للحياة، وكأن الحلم هو ما يبقينا على قيد الحياة. وتنهار الحياة نفسها كلما تمادينا في إخفاء الحلم والتفنن في محاولات قتله المستمرة. 

نحن هنا أمام عرض كوميدي راقٍ من دون محاولات إضحاك مفتعلة لجلبه، فالمواقف كلها تفجر الكوميديا بانسيابية. وكان الأولى اختيار الاسم من النص المقتبس منه وهو "صوت الموسيقى"

أدوار الشباب كلها موفقة تماماً لدرجة أن المتفرج يراها كتلة واحدة من فرط انسجامها. لياقتهم البدنية وخفة الحركة في رقصات موظفة جيداً، تشعر معها بأنك أمام فرقة مكتملة من الفراشات. أما اليرقة الصغيرة، أصغر الأبناء في العرض "علي سرور" والذي أدى دور "معاذ"، فقد كان مفاجأة العرض لأنه لم يتجاوز الخمس سنوات لكنه ملتحم كلياً بخشبة المسرح، وكأنه ولد فيها. يتقن دوره رغم طول مدة العرض، يجلب الضحكات بسهولة كفنان كبير مخضرم.

زال بعض التعجب حين علمت أنه ابن مخرج العرض الموهوب "شادي سرور"، فهذا الإطمئنان لن يجئ إلا إذا كان مدربك هو الأقرب إليك.

من خارج الأسرة أيضاً جاء دور مطرب المهرجانات "قرفة" موفقاً ولامعاً. نجح شادي سرور نجاحاً كبيراً في الإمساك بخيوط العمل كلها كلاعب الماريونت الماهر. لم يتنازل عن جودة مشهد لحساب آخر، لكنه صدق حلمه وجعلنا نصدق الحلم. 

مسرحية "العيال فهمت"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image