شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الجنس في الأفلام السينمائية... مرآة لما يحدث في غرف النوم؟

الجنس في الأفلام السينمائية... مرآة لما يحدث في غرف النوم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الخميس 18 يوليو 202410:24 ص

يحضر الجنس في السينما، مثلما يحضر في كل مناحي الحياة الأخرى؛ في البداية مستتراً وراء النظرات واللمسات العابرة، ثم في حركة تشبه المد والجزر، فيظهر بقوة قبل أن تحجبه الرقابة، ثم يعود مرةً أخرى وهكذا تبعاً لقوة الأجهزة الرقابية في كل بلد.

كيف ظهر الجنس في الأفلام السينمائية خلال قرن ونصف تقريباً من السينما؟ هل هو مرآة لما يحدث في غرف النوم، أو صورة مشوهة لما يدور في أذهان بعض الأشخاص الذين تختلط أحلامهم الجنسية المراهقة مع المفاهيم المغلوطة عن الجنس؟

رجال بأفكار "مسكينة" عن الجنس

يُعدّ فيلم "كائنات مسكينة" (Poor Things)، أحد أهم الأفلام التي عُرضت خلال عام 2023، وقد حصدت بطلته إيما ستون، الأوسكار كأفضل ممثلة ضمن جوائز عدة أخرى، وتدور أحداثه حول شابة تتعرض لتجربة علمية، حيث يتم زرع عقل طفلة في جسدها البالغ، لتعايش تجربة النضوج العقلي والجسدي مرةً أخرى، ولكن هذه المرة تحت مراقبة العَالِم المسؤول عن إجراء التجربة.

يبدأ الفيلم بالأبيض والأسود خلال المراحل الأولى من حياة البطلة، وبشكل مفاجئ يتحول إلى الألوان الساطعة عندما تجرّب البطلة الجنس مع رجل للمرة الأولى، الأمر الذي يوحي بأن هذا "الحدث" هو نقطة مفصلية في حياة البطلة، التي تقضي بقية الفيلم تقريباً وهي تختبر الجنس مع شريكها الأول ثم مع شركاء آخرين.

كيف ظهر الجنس في الأفلام السينمائية خلال قرن ونصف تقريباً من السينما؟ هل هو مرآة لما يحدث في غرف النوم، أو صورة مشوهة لما يدور في أذهان بعض الأشخاص الذين تختلط أحلامهم الجنسية المراهقة مع المفاهيم المغلوطة عن الجنس؟

للوهلة الأولى، قد يبدو فيلم "كائنات مسكينة" كما لو أنه يُمَكِّن المرأة من حقوقها الجنسانية، غير أنه، بالقليل من التدقيق، يكشف النظرة الذكورية إلى الجنس التي تغلّف كل لقطاته تقريباً، فعلى سبيل المثال، يحدث التحول من الأبيض والأسود إلى الألوان عندما يلجها البطل بعضوه الذكري، على الرغم من أن تلك ليست تجربتها الجنسية الأولى، فقد جرّبت بالفعل الإمتاع الذاتي مرات عدة، ووصلت إلى النشوة الجنسية بالفعل، لكن المخرج يورغوس لانثيموس، لم يرَ أن تلك تجربة جنسية تستحق المؤثرات البصرية.

تستمر هذه النظرة الذكورية على مدار الأحداث، فبينما يتوقع المشاهد من الفيلم تقديمه مراحل نضوج الطفلة في جسم امرأة، فهو لم يركّز إلا على الجانب الجنسي من حياتها حتى الخاتمة عندما تقرر الاستقرار في علاقة زواج، وتركّز على حياتها العلمية، مع استغلال جسد البطلة في مشاهد جنسية طويلة ومتكررة.

تمركز ذكوري في المشاهد الجنسية

ما فعله المخرج يورغوس لانثيموس، ليس غريباً أو جديداً، فعلى مدار الأعوام تكرر هذا التمركز الذكوري في المشاهد الجنسية، وعليه عشرات الدلائل والأمثلة، من أشهرها التركيز على عملية الإيلاج في المشاهد الجنسية، وشعور المرأة بالنشوة الجنسية من دون أي مداعبة تسبق ذلك، ومن المعروف أن ذلك في الحقيقة قد يسبب آلاماً جسديةً شديدةً للمرأة.

ومن بين المشاهد المتكررة، رفض المرأة العلاقة الجنسية في البداية مرات عدة، ولكن مع إصرار البطل وإجبارها في الكثير من الأحيان تبدأ بالاستجابة، ما يتماشى مع عبارة عربية شائعة هي "يتمنّعن وهنّ الراغبات"، والتي لا تحمل خلفيةً دينيةً غير أنها تُستخدم في السياق ذاته، وتُطبع مع فكرة الاغتصاب لأن المرأة في هذه العلاقة لا تُعطي أي موافقة على العلاقة الجنسية، بل ترفضها من الأساس، لكن بعد قبلة الرجل السحرية تتملكها الإثارة الجنسية فلا تستطيع المقاومة وهو وهم جنسي آخر شائع.

على مدار الأعوام تكرر هذا التمركز الذكوري في المشاهد الجنسية، وعليه عشرات الدلائل والأمثلة، من أشهرها التركيز على عملية الإيلاج في المشاهد الجنسية، وشعور المرأة بالنشوة الجنسية من دون أي مداعبة تسبق ذلك، ومن المعروف أن ذلك في الحقيقة قد يسبب آلاماً جسديةً شديدةً للمرأة

هذا ينطبق كذلك على السينما العربية كما على السينما العالمية، وإن اختلفت مدى جرأة المشاهد الجنسية على الشاشة. فمع الرقابة الشديدة، كان على المخرجين الالتفاف حول هذه القواعد لتقديم الجنس، ولكن بالقواعد الذكورية المعتادة ذاتها، وبينما هناك مخرجات عربيات قليلات مقارنةً بالمخرجين الرجال، إلا أن هذا التواجد لم يساهم في تهذيب هذه النظرة الذكورية في أفلام البعض منهنّ.

واحدة من أشهر المخرجات العربيات اللواتي قدّمن مشاهد جنسيةً في أفلامها، إيناس الدغيدي، التي يعتبر البعض أنها تبنّت الأفكار النمطية نفسها، سواء من حيث تقديم الجنس من وجهة نظر الذكر فقط، أو حتى تأطير بطلاتها وأجسادهنّ بأشكال مغرية ليتماهي معها المشاهد الرجل دون المرأة، ومنها فيلمها "دانتيلا" الذي تتشاجر فيه صديقتان على رجل واحد، فتتباريان في إرضائه جنسياً بشكل يبدو خارجاً من عقل مليء بـ"الفيتشيات" الذكرية الجنسية.

مع العلم بأن هناك بعض الأفلام التي حاولت كسر الأفكار النمطية عن الجنس، من أهمها فيلم "النعامة والطاووس" (إخراج محمد أبو سيف)، الذي يتناول العلاقة الجنسية المُحبِطة بين زوجين شابين، وقد دخل كل منهما بيت الزوجية بتوقعات مختلفة عن الجنس، فبينما الزوج متشبع بمفاهيم مغلوطة استقاها من الأفلام الجنسية ونصائح الأصدقاء، تنتظر الزوجة المتعة بشكل مغاير، الأمر الذي يقودهما إلى صراع نفسي وجسدي، ويلجآن إلى طبيبة نفسية متخصصة تحاول فكّ هذا الاشتباك.

مشاهد جنسية لا تمثّل المرأة

في الكثير من الأحيان، لا تمثّل السينما المرأة في المشاهد الجنسية، بل تركز على التخيلات والتصورات الذكورية حولها.

وبسؤال مجموعة من السيدات على إحدى منصات التواصل الاجتماعي حول انطباعاتهنّ عن تمثيل المرأة في هذه المشاهد، أكدن على أنها ليست حقيقيةً، والأهم أنها مثيرة للإحباط.

تقول أميرة محمد، لرصيف22: "تُقَدّم بعض المشاهد وجهة نظر ذكوريةً بحتةً، فالرجل فحل وقوي، ويتم اختصار العلاقة في الإيلاج، والذي يتوقع صاحبه أن تصل المرأة خلاله إلى النشوة الجنسية، الأمر الذي يُعدّ مرآةً لأفكار الرجال الشائعة فقط، فالرجل يظن أن الإيلاج هو النقطة التي تعني وصول المرأة إلى الأورغازم مثلما يصل هو، وإن لم تصل فذلك يشير إلى عيب فيها لا فيه، ما يؤكد على جهل العديد من الرجال بطبيعة المتعة الجسدية عند المرأة".

وتضيف: "هذه المشاهد السينمائية وهمية لا أساس لها من الصحة إلا في عقول المخرجين الذين يرغبون في رؤية الجنس بهذه الطريقة، ويصدرونها إلى المشاهدين من دون اعتبار للمشاهدات".

"تُقَدّم بعض المشاهد وجهة نظر ذكوريةً بحتةً، فالرجل فحل وقوي، ويتم اختصار العلاقة في الإيلاج، والذي يتوقع صاحبه أن تصل المرأة خلاله إلى النشوة الجنسية، فالرجل يظن أن الإيلاج هو النقطة التي تعني وصول المرأة إلى الأورغازم، وإن لم تصل فذلك يشير إلى عيب فيها لا فيه، ما يؤكد على جهل العديد من الرجال بطبيعة المتعة الجسدية عند المرأة"

بدورها، تقول المنتجة المصرية والناشطة النسوية أمنية سويدان، عن النظرة الذكورية إلى المشاهد الجنسية: "نلاحظ هذه النظرة الذكورية حتى في اختيار العدسات أو طريقة تأطير الممثلين داخل الكادرات، ومن يسيطر على اللقطة خلال هذه المشاهد، واختيار ممثلات ذوات أجسام مثالية، ويؤثر ذلك على المشاهِدات بصور متعددة، منها التأكيد على أن المرأة خلال العملية الجنسية هي المتلقّية فحسب، بينما يقوم الرجل بكل شيء آخر، ولا توجد طرائق لإيصال المرأة إلى الأورغازم سوى الإيلاج، هذا غير المقارنة التي تقيمها المرأة بينها وبين البطلة على الشاشة التي تستطيع الاستمتاع بينما تفتقد هي ذلك، فتعتقد أنها تحمل عيباً جسدياً ما أو قصوراً".

وتتابع: "نلاحظ كذلك في الأفلام، خصوصاً المصرية والعربية، أن المرأة لا ترغب في العلاقة بينما يطلبها الرجل، فتضطر إلى الانصياع لرغبته سواء لأنها تحبّه أو لإرضائه أو لأنه واجبها، فلا توجد نساء يأخذن المبادرة وإلا لتم تصويرهن كنساء سيئات السمعة مثل ‘صفوة’ في فيلم ‘هي فوضى’".

باختصار، تمثّل بعض المشاهد الجنسية في الأفلام السينمائية امتداداً للاختلاف الواضح في المفاهيم الجنسية بين الرجل والمرأة، وبنسبة كبيرة لا تخدم دراما الفيلم بقدر ما تداعب أحلام المخرجين الجنسية الخاصة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image