شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
دعوات الخارج المشبوهة للتظاهر... مصريون يدفعون ثمن أوهام الإخوان وتفاهة النشطاء

دعوات الخارج المشبوهة للتظاهر... مصريون يدفعون ثمن أوهام الإخوان وتفاهة النشطاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التجمع

الأربعاء 17 يوليو 202401:56 م

"إحنا هنفضل ندعو لمظاهرات كل فترة، نستنزف أعصابكم ونخليكم مش عارفين تحكموا وتحطوا خطط لأي حاجة، ونخلي كل الدول تتعامل معاكم بتوجّس وبقلق وبترقب دايماً لسقوطكم، وتناموا عين على الشعب وعين مقفولة، ونعمل معاكم زي ما عملنا مع الصهاينة حرب استنزاف".

يجاور هذا التعليق لصاحبه راجي عفو الله، إيموجي ضاحك، وهو حساب لمعارض يعيش في الخارج ويتابعه الآلاف، وأشك بأنه يكتب في الأساس باسم مستعار، وهو في الأغلب حساب يديره عدد من الأشخاص تحت قيادة جهاز أمني، لكنه يأتي ضمن عشرات من الحسابات الحقيقية لشخصيات فاعلة ومحسوبة على المعارضة المقيمة في الخارج، والتي تدعو كل عام، مرة أو مرتين، للتظاهر داخل مصر.

ظاهرة مشبوهة

بدأت تلك الظاهرة المشبوهة مع دعوة المقاول محمد علي عام 2019، للخروج في مظاهرات حاشدة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بطريقة تستنسخ ثورة يناير، في كل مرّة، تفشل الدعوات التي تحشد لها حسابات على تويتر وفيسبوك وطاقات قنوات الإخوان في الخارج، ولا تسفر إلا عن اعتقال المزيد من المواطنين وتشريد أسرهم، دون أن تتوقّف تلك الدعوات غير المسؤولة في ظل نظام شديد البطش، ويعيش لحظة قوّة على المستوى السيطرة الأمنية، أو كما علق أحدهم على منشور راجي عفو الله: "سجن الناس ومطاردة اللي ليه ملف أو صوت على الإنترنت مجرد ههه عند راجي وأمثاله وحرب استنزاف، والله أنا أعرف ناس طفشانة من بيوتها علشان الأستاذ راجي يضحك ويقول كل أسبوع من ده".

يقول بلال فضل، معلناً موقفه من دعوات التظاهر غير المسؤولة: "لن أدعو لأي مظاهرة داخل مصر، ما لم أكن واقفاً في أول صفوفها"، وهو موقف يتحلّى بالضمير والإنسانية، ولا يملك أوهاماً عن نفسه كقائد ملهم للجماهير، كما يفعل عشرات الناشطين، وعلى رأسهم الفنان عمرو واكد

يملك الكاتب والسيناريست بلال فضل، وهو أحد المحسوبين على المعارضة المقيمة في الخارج، موقفاً معلناً ونبيلاً، وأراه معياراً يفصل بين ما أراه حقاً وبين ما أراه باطلاً وكذباً، في مسألة الدعوة إلى تظاهرات من خارج مصر، بينما يعيش من دعا إليه آمناً، وبلال هو أحد أهم الكتاب الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، وأحد الفاعلين فيما تلاها من أحداث، ودفع ثمن موقفه من 30 يونيو، بإيقاف مسيرته السينمائية الناجحة، وإجباره على مغادرة مصر.

يقول بلال معلناً موقفه من دعوات التظاهر غير المسؤولة على قناته الناجحة حقاً على يوتيوب: "لن أدعو لأي مظاهرة داخل مصر، ما لم أكن واقفاً في أول صفوفها"، وهو موقف، قبل أن يكون عاقلاً ومسؤولاً، يتحلّى بالضمير والإنسانية، ولا يملك أوهاماً عن نفسه كقائد ملهم للجماهير، كما يفعل عشرات الناشطين، وعلى رأسهم الفنان عمرو واكد، والمحسوبون على تيار الإخوان المسلمين، إذ لا يكفّون عن الدعوة والحشد، بل واتهام الجماهير بالخذلان والجبن، بينما لم أر ما هو أكثر خسّة وجبناً مما يفعلونه، إذ يدعون الناس لإلقاء أنفسهم في النار بينما هم في أمان تام من أذاها.

بحسب آخر الأرقام المعلنة، أمرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية بحبس 33 من الداعين لمظاهرات، لمدة 15 يوماً على ذمة القضية 3434 لسنة 2024 حصر أمن الدولة العليا، وقد يرتفع العدد إلى 70 مواطناً في إحصاءات أخرى، ووجّهت النيابة للمتهمين اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأهدافها، ونشر أخبار وبيانات كاذبة في الداخل والخارج.

وفي دعوات نوفمبر 2022، قُبض عمّا لا يقل عن 65 شخصاً في القاهرة والمحافظات، وجّهت لهم قائمة الاتهامات نفسها.

يهنّئ الداعون أنفسهم لإثبات شيء هشّ وغير حقيقي، عقب كل دعوة فاشلة للتظاهر، أن النظام مرعوب، رغم أن تلك ليست حقيقة، فالنظام المصري قد تعلّم بعد يناير أن يبدأ بضربات وقائية واستباقية هدفها الترهيب، لا يهمّ، كل ما يهمّ البعض هو أن يثبتوا لمموليهم أنهم ما زالوا مؤثرين على الساحة، بينما تأثيرهم لا يتخطى تحطيم حياة عدد من الأسر، أو التأكيد على أوهامهم بوصفهم "قادة للشعب".

العدل بحسب الكاتب أحمد أمين، الذي كتب بنبرة غاضبة، أن يتحمّل هؤلاء المسؤولية الحقيقية عن أفعالهم، وأن يعودوا إلى مصر، وأن يسلموا أنفسهم للسلطات مقابل الإفراج عن المواطنين الذين أوحوا إليهم عبر حساباتهم، أن يخرجوا في مظاهرات ضمن مئات الآلاف، وهو ما أراه طبعا أمراً غير منطقي، إلا أن غضباً كهذا يمكن فهمه.

ربما نجحت يناير في الحشد، لكنها فشلت في كل شيء آخر

لماذا تفشل دعوات التظاهر؟

تصعب الإجابة، لكن قطعاً ذلك الخيال لا يسكن في رحم دعوات المقيمين في الخارج، نظرة بسيطة على التكتيك الذي تطالب به تلك الدعوات، نجد أنه مجرّد استنساخ لدعوة وائل غنيم للتظاهر في الخامس والعشرين من يناير 2011، كأن يناير جاءت من العدم، ولم يسبقها عمل سياسي طويل على الأرض، والتكتيك المكرّر هو: دعوة إلى احتلال الميادين، انتظار جهة ما لحسم الوضع لصالح الثائرين.

ربما نجحت يناير في الحشد، لكنها فشلت في كل شيء آخر، وكان لحشدها الهائل أسبابه غير القابلة للتكرار: أثر العولمة، عدم انتباه نظام مبارك لخطورة التكنولوجيا التي أدخلها بنفسه، بوصفها مساحة للتعبير والحراك المعارض، وهو الحراك الذي بدأ ضده منذ عام 2005 على الأقل، مع بدء موجات التدوين الأولى.

أما الآن، فتلك التكتيكات تجاوزتها تقنيات السلطة نفسها، فلم تعد تفاجئها، وإن لم تتجاوز الخوف من يناير. تحركات السلطة مع كل دعوة إلى التظاهر تخبرنا أن لديها خططاً محكمة، تضمن ألا يتكرّر ما حدث في الثورة، وإذا كانت التكنولوجيا التي أدخلها مبارك قد ساهمت في إسقاطه، فقد تعلّمت السلطة الحالية استعمالها بوصفها أداة رقابة، تسهّل لها تتبّع الناشطين والتجسّس عليهم، وسجنهم من خلال منشوراتهم، بتهمة نشر أخبار كاذبة.

هذا اللاشيء لا يصف دعوات المقيمين بالخارج فحسب، بل يصف أفكار ثوّار يناير في الأساس، التي لم تحمل في العمق أي أيديولوجيا، وزعمت أنها ضدها، واكتفت بشعاراتها: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، كأن نجاح تلك الأفكار حتمي، بما أنها صورة العالم عن نفسه التي أنشأتها العولمة.

عقب سقوط الرئيس حسني مبارك بشهر، زارت هيلاري كلينتون ميدان التحرير، والتقت عدداً من الطلاب والنشطاء الذين أدوا دوراً قيادياً في المظاهرات. تسرد انطباعها عن اللقاء في مذكراتها: "كان لدي شغف لسماع خططهم للتحوّل من التظاهر للسياسة، وكيف يخططون للتأثير في كتابة الدستور، والتحوّل إلى قوة فاعلة، والمنافسة على الانتخابات المقبلة. وجدت مجموعة غير منظّمة، غير مستعدّة للمنافسة أو التأثير في أي شيء. لم تكن لديهم أي خبرة في السياسة، أو فهم كيف تُنظّم الأحزاب، أو كيف يُنافس المرشحون، أو كيف تُنظّم الحملات الانتخابية. لم يكن لديهم منابر أو اهتمام يُذكر بتنظيمها. في المقابل كانوا يتجادلون فيما بينهم، لاموا أميركا على عدد متنوّع من الخطايا، ورفضوا السياسات الانتخابية إلى حد كبير، فسألتهم هل فكّروا بتشكيل تحالف سياسي؟ أو الانضمام سوياً نيابة عن مرشحين؟ نظروا إليّ بلا تعبير، خرجت قلقة من أنهم سيعطون البلد للإخوان أو الجيش، وهو ما حدث بالفعل".

يهنّئ الداعون أنفسهم لإثبات شيء هشّ وغير حقيقي، عقب كل دعوة فاشلة للتظاهر، أن النظام مرعوب، رغم أن تلك ليست حقيقة، فالنظام المصري قد تعلّم بعد يناير أن يبدأ بضربات وقائية واستباقية هدفها الترهيب

"ثورة بلا ثوار"

من جهته، يتساءل المفكر الإيراني آصف بيات، في كتابه "ثورة بلا ثوار"، عمّا إذا كان ما نجم عن الربيع العربي هو ثورات فعلاً، بالمعنى الذي كان للثورات في القرن العشرين؟ يلاحظ أن "الربيع" لا مثيل له في الافتقار إلى الأيديولوجيا، وميوعة التنسيق، وغياب أي قيادة جامعة، أو مفاهيم فكرية لدى الثائرين.

لكن الأشد إدهاشاً، بالنسبة إلى بيات، افتقار تلك الثورات إلى أي نوع من النزعة الجذرية، التي وسمت الثورات السابقة، وأن مُثُل الديمقراطية العميقة والمساواة وعلاقات التملّك المنصفة والعدالة الاجتماعية، بهتت أو كانت موضع خُطب، أكثر مما كان يحفّزها اهتمام صادق، يرتكز على رؤية استراتيجية أو برامج ملموسة.

الثورة المصرية كانت شعارات بلا برامج: إسقاط النظام، الحرية، العدالة، الاجتماعية. أو شعارات لم تُحَوَّل إلى برامج، بل استشعرت أنها حققت ما أرادت، بإسقاط مبارك. لقد "افتقرت الثورات العربية إلى مرساة فكرية مشتركة، والثورات في المعتاد توحي، وفي الوقت نفسه تستوحي، من بعض النتاجات الفكرية، مجموعة من الأفكار والمفاهيم والفلسفات، تكون ملهمة للاوعي الفكري لدى المتمرّدين، فتؤثر في نظرتهم أو خيارهم الاستراتيجي ونمط القيادة. لم يبد أن ثمة مفكر صاحب رؤية قد رافق الربيع العربي"، يقول بيات.

يحاول آصف بيات، أن يوجز أيديولوجيا اللاشيء هذه بالقول: "افتقرت الثورات العربية إلى نمط الراديكالية في النظرة السياسية والاقتصادية، في مقابل اهتمام بعموميات حقوق الإنسان والمحاسبة السياسية والإصلاح القانوني، ولم تتطرّق إلى مسألة السوق الحرة وعلاقات حيازة الملكية والعقلانية النيوليبرالية، وهو شأن اشتركت فيه كل من الأصوات البارزة العلمانية والإسلامية. لم تكن هناك نظرة نقدية حقيقية إلى العالم، ما لا يخدم سوى بالكلام هموم الجماهير الحقيقية في شأن العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع، لم تتغير بنية السلطة وأنماط الحكم عن الأنظمة القديمة، فظلّت المؤسسات وقاعدة نظام مبارك منيعة، وآوت قوى الثورة المضادة".

كانت الثورات "ضد أي أيديولوجيا، تزدري أي تنظيم قوي أو قيادة معترف بها، دون مسودة برامج بديلة". أما الميدان "فكان أشبه بكومونة مساواة، ساحة اختلطت فيها مظاهر الحياة اليومية العادية في صراع استثنائي من أجل الثورة، لكنها وقفت عند عتبة المشاعر".

هذا ما يسعى ثلة من التافهين لاستنساخه، لكن بأمان أكبر، بينما مجرّد شاشة عرض في شارع فيصل بالقاهرة، تعرض صوراً معارضة للرئيس، قد تكون أكثر فعالية من أوهامهم، ومن خيالهم الثوري الميت والنرجسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

يتابع رصيف22 يومياً أبرز الحركات والحراكات التي تحمل مطالب الناس، ويقف داعماً لها في وجه كل تضييق تتعرض له. نؤمن، كأكبر منصة إعلامية مستقلة في المنطقة، بأن المشاركة الفعّالة في رسم مستقبلنا تتطلب أن ننتظم في تجمعات تدافع عن قناعاتنا، وتسعى إلى تحقيق مصالحنا. ولكن قد يكون صعباً أن نتواجد في كلّ مكان. لذا، أخبرونا بالذي يفوتنا. اكتبوا قصصكم. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image