شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الترهّلات التي أحببتها

الترهّلات التي أحببتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

جسد نحن والحريات الشخصية

الجمعة 12 يوليو 202410:35 ص

هذه النصوص القصيرة التي تتناول مواضيع متعلقةً بالصحة الجنسية والحقوق الجنسية والإنجابية وملكية الجسد، تندرج ضمن مشروع تعاون بين رصيف22 ومؤسسة "براح آمن"، وهي مؤسسة نسوية مصرية تناهض العنف الأسري. الهدف من هذا المشروع إفساح المجال أمام الأشخاص، وتحديداً النساء، للتعبير عن ذواتهنّ ومشاعرهنّ وجنسانيتهنّ وعلاقتهنّ بأجسادهنّ.

استيقظت صباح اليوم، أحاول اللحاق بذلك العالم الذي تتسارع فيه الحياة، لأبدأ مسرعة بتحضير نفسي. إنه اليوم الأخير من تدريب الكتابة الذاتية، فرصة كي أعبّر عن ذاتي بطرق أخرى غير الصمت.

حرب بيني وبين جسدي

اليوم سنرتدي (أنا ونفسي) هذه البلوزة بلونها الفاتح وهذا الحلق الجميل المليء بالأزهار، تشبه تلك التي أراها في طريقي. أثناء تحضيري لنفسي أمام المرآة، نظرت إلى جسدي الذي كانت بيني وبينه حرب طوال عمري، كشخص لا أعرفه أبداً، بل أكرهه أحياناً.

لفت انتباهي بعض الترهّلات البسيطة حول ذراعي، وعلامات جروح تسببت بها عملية "قص المعدة" التي خضعت لها في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما اتخذت القرار بشأنها، وتذكّرت تفاصيلها.

"اليوم سنرتدي (أنا ونفسي) هذه البلوزة بلونها الفاتح وهذا الحلق الجميل المليء بالأزهار، تشبه تلك التي أراها في طريقي. أثناء تحضيري لنفسي أمام المرآة، نظرت إلى جسدي الذي كانت بيني وبينه حرب طوال عمري، كشخص لا أعرفه أبداً، بل أكرهه أحياناً."

تذكّرت ما مررت به من الشعور بالألم في جسدي، عندما ذهب مفعول أول مسكن آلام بعد العملية، كما تذكّرت كل ألم نفسي مررت به طوال عمري، سبّبته تعليقات ومواقف، يحاول عقلي محوها لكني أتذكر تأثيرها على روحي.

كنت أذهب لأشتري ملابس جديدة، ومن الطبيعي أن يتحسّن المزاج بعد شراء الملابس، لكن بالنسبة لي كان يحدث العكس. أتذكر عندما أعجبتني بلوزة وسألت البائعة في المحل: "هل متاح منها مقاسي؟"، فنظرت لي نظرة غريبة وكأن ليس لدي الحق في الاختيار والسؤال. قالت لي: "معنديش مقاسك. صعب أوي تلاقي هنا أو في أي مكان الموديل ده، مش هتلاقي منه ممكن تشوفي لبس الأمهات اللي هناك، بيكون مقاساتهم كبيرة هتنفعك، لكن دي مقاسات عادية".

أو الجملة التي كانت تقال لي دوماً: "أنت جميلة وملامحك جميلة بس لو تخسّي شوية ". قالتها زميلتي في الكلية وقت التدريب بإحدى المدارس، عندما طلبوا رسم فكرة ما على السبورة. شاركتهم وقتها مهارتي بالرسم، وعندما انتهيت، قالوا لي: "رسمك جميل"، وأثناء حواري معهم أخبرتهم أني بالأساس فنانة، فكان رد زميلتي: "مع إن شكلك ميديش على فنانين خالص، عارفة إنت جميلة وملامحك حلوة بس لو تخسّي شوية؟"، وغيرها الكثير من المواقف التي لا تكفيها مجلدات لسردها.

أتذكر الوحدة التي شعرت بها عندما خسرت صديقي المقرب، الذي كنت أحبه وأشاركه تفاصيل حياتي، ولكن الحياة لها حسابات أخرى، وعندما أغلق مكاني المفضل الذي كنت اختبأ فيه من زحام الناس وأهرب من أعينهم بحجّة أنه مكان مريح.

تذكرت هروبي من الاستسلام للاكتئاب والجوع العاطفي، للدرجة التي كانت تجعلني آكل لمجرّد الأكل فقط، رغم أني لا أشعر بطعم أي شيء ولا الكمية التي أتناولها.

يأست وهربت من ذاتي، بالتحديد في سبتمبر الماضي، عندما قرّرت بعد تفكير طويل أن أخضع لهذه الجراحة، التي كنت ضدها دائماً وأرى أنها اختيار بائس. اتخذت القرار بعد رحلة من تقبلي لذاتي، بمساعدة أماكن سافرتها لأول مرة في حياتي، وأشخاص قريبين لقلبي، وموسيقى فرقتي الكورية المفضلة، وألواني وأوراقي.

رحلة الولادة من جديد

عدت إلى المرآة للتحضير للذهاب إلى تدريب الكتابة. نظرت بتمعّن لجسدي. فجأة! أصوات عقلي تحدثت بنبرة حكيمة هادئة طيبة: "أنت تعرفين أن هذا سيحدث؟ ربما حان الوقت لنمارس بعض التمارين الرياضية؟ لا بأس فريدا هيا نكمل تحضير أنفسنا كي لا نتأخر".

استكملت تحضير نفسي ولا تزال أصوات عقلي تتحدث بهدوء: "هوني على نفسك. أنت تعرفين أن كل شيء له جانب سلبي، ونحن نعلم ذلك منذ البداية. أنت محاربة وجميلة، تغيرت داخلياً ومررت بصعوبات كثيرة حتى تكوني ما أنت عليه الآن داخلياً وخارجياً". سرعان ما أرسل عقلي إشارات لأطرافي لأحتضن نفسي وأنا أقول: "لا بأس أنا فخورة بك، سنكمل الطريق سوياً".

أدركت أن الأصوات هذه المرة مهذّبة وأقل حدّة من قبل، ولا تشتمني ولا تطلب مني الابتعاد عن المرآة والهرب، ولا تقول مثل المرات السابقة: "إلام تنظرين؟ أنت بشعة، لا تحاولي، الوضع ميؤوس منه، هيا ارتدي طبقات كثيرة من الملابس لتخفي شكل جسدك الضخم، ولا تنسي أن يكون داكن اللون، حتى يخفي معالم جسدك، حتى في أكثر الأوقات وأشدّها حرارة في فصل الصيف".

"لا تزال أصوات عقلي تتحدث بهدوء: "هوني على نفسك. أنت تعرفين أن كل شيء له جانب سلبي، ونحن نعلم ذلك منذ البداية. أنت محاربة وجميلة، تغيرت داخلياً ومررت بصعوبات كثيرة حتى تكوني ما أنت عليه الآن داخلياً وخارجياً". سرعان ما أرسل عقلي إشارات لأطرافي لأحتضن نفسي وأنا أقول: "لا بأس أنا فخورة بك، سنكمل الطريق سوياً"

كانت هذه أصوات عقلي من قبل، لدرجة أني مررت بأوقات لا أنظر فيها لنفسي في المرآة، حتى لا تمسك بي هذه الأصوات ويبدأ النحيب وجلد الذات.

أخذت نفساً عميقاً وضحكت لنفسي: "هيا بنا نبدأ يومنا". تحدثت بصوتٍ عالٍ وأدركت خلال هذه الدقيقة مدى التغيير الذي أصبحت فيه رؤيتي لنفسي وجسدي، باحتوائهما وحبهما في المقام الأول وفي كل الأوقات والمراحل، بعدما كنت أستمدّ حبي لهما من المحيطين بي، وتقبّلت جسدي كما هو. أتمنى لو أني استوعبت ذلك قبل وقت طويل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image