شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هوس الوزن الزائد… رحلة البحث عن

هوس الوزن الزائد… رحلة البحث عن "جسم مثالي" عبر "اللحسة الصحراوية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 6 يونيو 202412:05 م

كثيراً ما ارتبط الجمال في الأذهان بالرشاقة والقوام المتناسق، لكن اتجاهاً آخر مغايراً تماماً رائج أيضاً في بعض مناطق المغرب حيث تبحث العديد من الفتيات والنساء - وأحياناً الرجال - عن الوزن الزائد والجسم الممتلئ، حتّى لو كان ذلك على حساب صحتهن، مدفوعات بالضغط من قبل بعض الأقارب والجيران والأصدقاء، والتعليقات العامة حول مظهرهن في ما يُعرّفه البعض بـ"الوزن الاجتماعي" أي الوزن المرغوب بناءً على معايير المجتمع وتفضيلاته.

"اللحسة الصحراوية" هي واحدة من أبرز الطرائق الرائجة لزيادة الوزن على الرغم من مخاطر احتوائها على مواد غير صحية ودمج بعض الأدوية بها دون إشراف طبي، وعدم مناسبتها للعديد من الحالات المرضية، وهو ما نتناوله في هذا التقرير.

ماذا نعرف عن "اللحسة الصحراوية"؟

يلجأ رجال ونساء على السواء إلى "اللحسة الصحراوية" من أجل الوصول إلى "الجسم المثالي" وفق اعتقادهم/ن. تتكون هذه الوصفة غالباً من اللوز، والجوز، والسمسم، واليانسون، والصويا، وبفضل سعراتها الحرارية العالية، تُساعد على زيادة الوزن، ما يجعلها واحدةً من الوصفات التي يسهل ترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تُباع هذه الوصفة من قبل أشخاص غير متخصصين في التغذية أو علاج النحافة أو ما إلى ذلك، وتُثار الشكوك حول احتوائها على المكونات المُعلنة فعلاً من أعشاب ومكسرات، أو أن مواد أخرى ربما تكون ضارة أو ذات تأثيرات كيميائية تُضاف إليها.

في المغرب، اتجاه متزايد نحو "الجسد الممتلئ" بل والسمين ولو على حساب الصحة. "اللحسة الصحراوية" في عداد أبرز مفرزاته. ما هي وممَّ تتكون وما هي المخاطر الصحية التي قد تترتب على تناولها؟

لم يكن الوصول إلى الأشخاص الذين يبيعون هذا المنتج في المغرب أمراً صعباً على الإطلاق. كل ما كان على معدة التقرير فعله هو البحث على فيسبوك عن  "اللحسة الصحراوية"، لتظهر العديد من الإعلانات. اتصلت معدة التقرير بالرقم الأول الذي ظهر أمامها، وكان منسوباً في الإعلان لفتاة تُدعى "هاجر". بعد الاتصال، أجاب رجل، فسألت معدة التقرير: "أعتقد أنني أخطأت في الرقم، هل هذا رقم هاجر؟" ليرد الرجل: "لا، ولكنها تعمل لدي، إنها المسؤولة عن الإعلانات في فيسبوك". وبسؤاله عن المنتج، أكد أنه يبيع "منتجات زيادة الوزن".

وحين صارحته بصفتها الصحافية، متوقعةً إما أن يجيب عن أسئلتها، أو أن يغلق الخط في وجهها، وفي نهاية المطاف، استجاب الرجل وأوضح لها أن منتجاته "طبيعية وتخلو من أي مواد ضارة". لكنه امتنع عن الرد عن أية أسئلة إضافية.

واصلت معدة التقرير بحثها عن أشخاص آخرين، وانضمّت إلى مجموعة على الفيسبوك خاصة ببيع "اللحسة الصحراوية"، وسألت عن فتيات ونساء استعملنها بالفعل. واحدة من السيدات التي تبيع "اللحسة الصحراوية"، من مدينة كلميم جنوب المغرب، وافقت على الحديث شريطة عدم ذكر اسمها. 

تقول لرصيف22: "هي عبارة عن أعشاب طبيعية 100%، تساعد على زيادة الوزن بشكل طبيعي. تحتوي الأعشاب على مركبات ترفع هرمون الإستروجين، مما يساعد على بروز 'المناطق الأنثوية' (تقصد الأرداف والثديين)". وتتابع: "اللحسة الصحراوية الحقيقية ممنوع منعاً باتاً إضافة أي مواد كيميائية إليها، فهي بطبيعتها تساعد على فتح الشهية بفضل الأعشاب الطبيعية التي تحتويها، دون الحاجة إلى إضافات كيميائية".

كما تقول إن "اللحسة الصحراوية الحقيقية، الخالية من المواد الكيميائية، لا تسبب أي أضرار جانبية سلبية على الإطلاق" لأن "المكون الرئيسي هو العسل الحر وعسل الليمون" و"العديد من النساء استخدمنها وأعدن استخدامها دون أي تردد". مع ذلك، تنصح البائعة المغربية بعدم شراء "اللحسة الصحراوية" بـ"بشكل عشوائي" وإنما من خلال "بائعة موثوقة" لضمان عدم خلطها بأية إضافات ضارة.

وتختم بالإشارة إلى أن نساء كثيرات يشترين منها "اللحسة" لأجل "علاج النحافة وفقر الدم، وتقوية المناعة وإبراز 'المناطق الأنثوية'، والتخلص من التعليقات المتنمرة والسلبية حول أجسادهن سيّما تلك التي يتلقونها من أزواجهن".

الشابة الأربعينية فاطمة، صاحبة صالون تجميل، تقول أيضاً لرصيف22 إنها تبيع "اللحسة الصحراوية" للنساء اللواتي يقصدن صالونها، معترفةً بأن "هناك من يمنح الأولوية للبيع والربح المادي ويمزج اللحسة بأدوية قد تكون ضارة".

من خلال ملاحظات عملها، تنبه فاطمة إلى أن "اللحسة" المضاف إليها مواد كيميائية "تشوّه" بشرة النساء وجلدهن إذ يبدو الجلد منتفخاً ومترهلاً بفعل الزيادة السريعة للوزن. "بحكم عملي في مجال التجميل، حينما أقوم بإزالة شعر جسم النساء، ألاحظ كيف يصبح شكل أجساد أولئك اللواتي يستعملن هذا النوع الممزوج بالأدوية. تنتفخ أجسادهن في شهر أو شهرين بشكل غير جميل، يتمزق الجلد ويتشوه"، تقول.

وإذا كان البحث عن بائعي "اللحسة الصحراوية" سهلاً، فإن الوصول إلى مستهلكيها ومستهلكاتها كان صعباً. فغالبية النساء ترفض الإفصاح عما تتناوله لزيادة وزنها، خصوصاً إذا كان الموضوع متعلقاً  بـ"اللحسة الصحراوية"، حسبما لاحظت معدة التقرير التي واجهت صعوبةً في إقناع الفتيات بالتحدث عن تجربتهن عدا عن واحدة.

تقول كريمة (وهو اسم مستعار بناء على رغبة المصدر وهي شابة مغربية عمرها 23 عاماً تعمل ممرضة في مدينة أكادير جنوب البلاد): "صراحةً، ما دفعني لاستعمال اللحسة هو أنني رأيت العديد من الفتيات استعملنها وأكدن أنها زادت من وزنهن، فأخذت القرار بتجربتها. بحكم أنني نحيفة وأرى جميع الفتيات سمينات ولديهن جسم مثالي، قلت لنفسي: لمَ لا أجرب؟ أريد جسماً ممتلئاً كالفتيات الأخريات". تعتقد كريمة أن "اللحسة" التي تناولتها "خالية تماماً من المواد الضارة وتحتوي على المكسرات فقط". ولم تسبب لها أية أعراض جانبية، على حد قولها.

متخصصون يحذرون

إلى ذلك، يقول اختصاصي الحمية والتغذية بأكادير، الدكتور عبد الله موكال: "تتكون 'اللحسة' عادةً من الصويا والدُّخن (نوع من الحبوب) ومكونات أخرى. ولكن من بين المكونات التي يتم دمجها بها والتي تعتبر خطيرةً هو الكورتيكويد، الذي قد يسبب هشاشة العظام ويقلل من فيتامين د وقد يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري. بالإضافة إلى ذلك، قد تسبب 'اللحسة' تشوّهات في الشكل، حيث يمكن أن تؤدي إلى السمنة في بعض المناطق وبقاء مناطق أخرى من الجسم نحيفة جداً، وقد تزيد خطر الإصابة بأمراض أخرى مثل الضغط".

من خلال عملها في صالون التجميل النسائي، تنبه فاطمة إلى أن "اللحسة الصحراوية" المضاف إليها مواد كيميائية "تشوّه" بشرة النساء وجلدهن بفعل الزيادة السريعة للوزن. "حينما أقوم بإزالة شعر جسم النساء، ألاحظ كيف يصبح شكل أجساد أولئك اللواتي يستعملن هذا النوع الممزوج بالأدوية. تنتفخ أجسادهن في شهر أو شهرين بشكل غير جميل، إذ يتمزق الجلد ويتشوه"

كما يحذر موكال من "الإستروجينات التي قد تسبب سرطان الرحم، ونحن قريبون جداً من هذه الأشياء. نقوم بأبحاث حول مشاكل السرطان الهرمونية مثل سرطان الرحم والمبيض والثدي، وهذا الأمر يعتبر الأخطر في المغرب لأنه شائع جداً"، مردفاً "لهذا يجب علينا تجنب مثل هذه الوصفات وأن نستشير بدلاً من ذلك طبيباً مختصاً لتشخيص حالة الفتاة وتحديد المشاكل التي تسبب لها النحافة وعلاجها".

من الأعراض الجانبية الأخرى التي قد تسببها "اللحسة الصحراوية"، وفق موكال، "مشاكل الغدة الدرقية وخمولها، والشخير ومشكلات التنفس لأنها تزيد من الوزن في الوجه والمناطق العلوية للجسم. كما أنها غالباً ما تؤثر على الميكروبات الجيدة في الأمعاء وتجعلها ميكروبات غير جيدة. ولهذا قد تسبب الإمساك وأحياناً الإسهال، وقد تسبب اضطرابات خطيرة في المعدة".

ويلفت أيضاً إلى أن بعض باعة هذا المنتج يضيفون إليه شحم سنام الجمل وهو ما يُعرف بـ"دروة الجمل" محلياً، علاوة على الزيوت والعسل، ما قد يسبب "ارتفاع مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية التي تعتبر الأخطر لأنها تزيد خطر ترسب الكوليسترول وتسبب مشاكل الأوعية الدموية. ونظراً لأن أغلب المستهلكات شابات غير متزوجات أو حديثات الزواج، فهن في فترة الإنتاج وقد يحدث الحمل، وهذا قد يسبب لهن اضطرابات أخرى. لذا، من المهم جداً للمرأة أن يكون لديها توازن هرموني".

ويشدد الطبيب المغربي على أنه "يجب تجنب استخدام اللحسة الصحراوية والاعتماد على الزيادة الطبيعية والتدريجية للوزن"، مضيفاً أن الأشخاص الذين يروجون لها قد يضيفون موادَّ غير معروفة إليها، ما قد يؤدي إلى السمنة المرضية التي تشكل خطراً جسيماً على الصحة. وبالتالي، يؤكد أن الطبيب واختصاصي التغذية هما الوحيدان المؤهلان لتقديم النصائح والحلول لمشاكل نقص الوزن أو زيادته، متحدثاً عما يسميه "الوزن الاجتماعي" الذي يشير به إلى اختلاف معيار الوزن المرغوب في أوروبا والغرب عنه في المغرب إذ يفضل الغرب النحافة مقابل تفضيل الجسد الممتلئ في المغرب، على حد قوله.

ويؤكد: "جميع المنظمات الدولية تشجع على خسارة الوزن ومراقبته، وتشجع المرأة على الحفاظ على وزنها الطبيعي".

ورداً على ادعاءات بائعة "اللحسة الصحراوية" أعلاه، أكد الاختصاصي أن الإستروجين ليس عاملاً أساسياً في زيادة الوزن، وإنما قد يساعد قليلاً في هذا السياق. ويتابع: "اللحسة الصحراوية لا تعالج فقر الدم كما يروج، فحتى الحديد الذي يتناوله الناس يحتاج إلى ظروف مثالية ليعطي نتيجة. والحديد بحد ذاته الذي يصفه الطبيب تكون نتيجته قليلة. ما هو جيد هو الحديد الموجود في اللحوم والكبد".

في المقابل، يؤكد الاختصاصي ما ذكرته صاحبة صالون التجميل بشأن تشوه جلد النساء اللاتي يتناولن "اللحسة" المضاف إليها مواد كيميائية ويقول: "الأثلام سببها كثرة الإستروجين. الأدوية التي تدمج مع 'اللحسة' هي السبب في التمزقات التي تحدث في جسم النساء".

زيادة الوزن والضغط النفسي

بدورها، تلفت الاختصاصية النفسية فريدة رحموني إلى أن "تقدير الذات" عادةً ما يكون منخفضاً لدى النساء والفتيات اللاتي يلجأن لهذه المنتجات غير الموثوق بها لزيادة وزنهن إذ "يربطن قيمتهن الشخصية بشكلهن فقط، ويجعلن من مظهرهن مصدر تقديرهن. ويضعن كل شيء في صورة جسدهن، حتى ولو على حساب صحتهن".

تعتبر المختصة النفسية المغربية أن "قلة تقدير الذات والقلق والاكتئاب من الأمور التي قد تدفع النساء لاستخدام وسائل مختلفة لزيادة الوزن" وإن كانت غير موثوق بها، والحل برأيها هو أن "تطوّر كل فتاة علاقة صحية مع جسمها" بداية من مرحلة الطفولة وهذا يتطلب "محيطاً خالياً من التنمر"

وتضيف: "صورة الجسم تختلف حسب الثقافات والأجيال والأزمنة. ففي الثقافة الأفريقية، قد تجدين المرأة تتعرض لضغوط اجتماعية لزيادة وزنها، مما يؤثر سلباً عليها. على سبيل المثال، قد لا تجد شريك حياة، ويعتبر الزواج أمراً هاماً بالنسبة لها، وهذا يُشكل مصدر قلق للمرأة، فالضغوط الاجتماعية تولِّد لديها مجموعةً من المخاوف، ولكي لا تتعرض لهذه النظرة السلبية من المجتمع، تفعل كل ما يمكنها لزيادة وزنها".

وتعتبر المختصة النفسية المغربية أن "قلة تقدير الذات والقلق والاكتئاب من الأمور التي قد تدفع النساء لاستخدام وسائل مختلفة لزيادة الوزن"، والحل برأيها هو أن "تطوّر كل فتاة علاقة صحية مع جسمها" بداية من مرحلة الطفولة وهذا يتطلب "محيطاً خالياً من التنمر، لأن التعرض للتنمر في محيطها يجعل من الصعب عليها أن تكون علاقةً صحيّة مع نفسها وصورة جسمها".

وتوصي أيضاً بـ"الرياضة التي تساعد في تقبل الجسم، لا أتحدث هنا عن الزيادة والنقصان في الوزن، بل عن كيفية تطوير علاقة صحية مع الجسم. الرياضة تساعد من الناحية البيولوجية في إفراز الهرمونات، وفي نفس الوقت تساعد في دخول الشخص في علاقة صحية مع جسده".

وتؤكد: "يجب على أفراد الأسرة والأصدقاء ألّا ينتقدوا شخصاً بسبب جسمه، بل يجب أن يساهموا في بناء ثقته بنفسه من خلال تشجيعه وتعزيز إيجابية الصورة الذاتية. يمكنهم قول: 'أنت جميل' و'أنتِ جميلة' وتشجيعه/ا على الاعتناء بالنفس. وإذا لاحظوا حاجته/ا إلى مساعدة متخصصة، يمكنهم تقديم الدعم للحصول على المساعدة المناسبة. والأهم ألا يركزوا على جسده/ا بشكل سلبي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image