فاز المرشح الإصلاحي مسعود بِزِشكيان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت يوم أمس 5 تموز/يوليو أمام المرشح المحافظ المتشدد المتشدد سعيد جليلي، وفقاً لوزارة الداخلية الإيرانية.
بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية 49.8%، وفاز بزشكيان بنحو 54% من الأصوات.
قال بزشكيان في أول تصريح له بعد إعلان فوزه: "سنمد يد الصداقة للجميع. نحن جميعنا شعبُ هذا البلد. علينا الاستعانة بالجميع من أجل تقدّم البلد". ومن المقرر أن يقام مؤتمر صحافي له اليوم السبت بحضور المراسلين المحليين والأجانب. وستقام مراسم تحليفه في بداية آب/أغسطس المقبل.
حصل بزشكيان على 16 مليوناً و384 ألفاً و403 من الأصوات التي بلغ عددها 30 مليوناً و530 ألفاً و157 صوتاً، فيما حصل جليلي على 13 مليوناً و538 ألفاً و179 صوتاً. وكان عدد الإيرانيين المؤهلين للتصويت نحو 61 مليون شخصاً.
أجريت الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة لاختيار رئيس جديد خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي توفي في أيار/مايو الماضي في تحطم طائرة مروحية، وتأهل بزشكيان الإصلاحي وجليلي المحافظ إلى الجولة الثانية من بين 6 مرشحين شاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات
أجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة في 28 حزيران/يونيو الماضي لاختيار رئيس جديد خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي توفي في أيار/مايو الماضي في تحطم طائرة مروحية.
وتأهل بزشكيان وجليلي إلى الجولة الثانية من بين 6 مرشحين شاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الـ14، لاختيار تاسع رئيس لإيران.
أتباع محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي والمرشح للانتخابات الرئاسية الذي كان في الجولة الأولى يعتبر أبرز منافس لبزشكيان، اتهموا سعيد جليلي بأن تمسكه بالبقاء في الساحة الانتخابية كان السبب وراء فشل التيار الأصولي، معتقدين بأن قاليباف كان صاحبَ الحظّ الأوفر لو كان مرشحو التيار الأصولي تنازلوا أمامه في الجولة الأولى من الانتخابات.
واعتبر المراقبون ارتفاع نسبة المشاركة قليلاً في الجولة الثانية من الانتخابات (من 39.9% إلى 49.8%)، خشية بعض المواطنين الإيرانيين من فوز المتشدد، سعيد جليلي، الأمر الذي جعل بعض المقاطعين للانتخابات يلجؤون إلى صناديق الاقتراع.
من هو الرئيس الجديد لإيران؟
سبق للطبيب الإصلاحي، بزشكيان، الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرتين، حيث انسحب من دورة 2013 بعد إعلان ترشحه، وفشل في إكمال خوض انتخابات 2021 بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته. ولهذه الانتخابات أيضاً كان من المتوقع أن يتم استبعاده، ولكن تم تأييده من جانب مجلس صيانة الدستور، في أمرٍ اعتبره البعض محاولة من النظام لارتفاع نسبة المشاركة الشعبية.
مسعود بِزِشكيان من مواليد عام 1954 في مدينة مَهاباد الكردية في محافظة أذربيجان الغربية شمال غربي إيران، وهو ينتمي إلى القومية التركية (الآذرية) في إيران، وحاصل على اختصاص جراحة القلب.
كما أنه كان عضواً في البرلمان الإيراني منذ 2006 عن محافظة أذربيجان الشرقية لمدة أربع سنوات. وفي انتخابات آذار/مارس الماضي البرلمانية، انتُخب مرة أخرى عن هذه المحافظة.
في عام 1994، تم تعيين بزشكيان رئيساً لجامعة تبريز للعلوم الطبية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 2000. وبدأ نشاطه السياسي عندما انضم إلى الحكومة الثانية للرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي عام 2001، حيث أصبح وزيراً للصحة، لكنه ترك المنصب بعد فترة قصيرة نتيجة مساءلته من قبل البرلمان. كما تولى في 2016 منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، واستمر في هذا المنصب حتى 2020، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الـ11 في البلاد.
سبق لبزشكيان الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرتين، حيث انسحب من دورة 2013 بعد إعلان ترشحه، وفشل في إكمال خوض انتخابات 2021، التي فاز فيها رئيسي، بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته.
اختاره المعسكر الإصلاحي مرشحاً له في الانتخابات الرئاسية، بعد استبعاد الإصلاحيين لفترة طويلة من الساحة السياسية الإيرانية، لكن هذه العودة للإصلاحيين واجهت تحديات كثيرة، منها إقناع الشارع الإيراني الذي فقد أمله في الإصلاحيين في السنوات الأخيرة، وأصبح مقاطعاً للانتخابات وللمشاركة السياسية بشكل عام.
حظي بزشكيان في منافسته الانتخابية مع المحافظين بدعم كبير من شخصيات إصلاحية ومعتدلة بارزة منهم وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الذي سعى إلى تقارب إيران مع الدول الغربية خلال السنوات الثماني التي قضاها في وزارة الخارجية، ووزير الاتصالات السابق المنفتح محمد جواد آذري جهرُمي. وأدى ذلك، إلى جانب مواقفه التي تحدث عنها خلال فترة الانتخابات، وظهوره منفتحاً تجاه القضايا الثقافية والاجتماعية مثل الحجاب وحجب الإنترنت والاحتجاجات، وتبنيه خطاباً مختلفاً بشأن السياسة الخارجية، حيث دعا إلى تخفيف حدة العلاقات المتوترة مع الغرب والإصلاح الاقتصادي والتحرر الاجتماعي والتعددية السياسية، والعقوبات والاتفاق النووي، والعلاقات مع الغرب، وأكد خلال تصريحاته أن أزمات إيران الاقتصادية الداخلية لن تحل إلا عبر تبني سياسة خارجية منفتحة على العالم.
المشاركة الشعبية في الانتخابات
برغم أن الإيرانيين كانوا تاريخياً منخرطين إلى حد كبير في الانتخابات، فقد امتنع كثيرون عن التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي شهدت مقاطعة شعبية لم يكن لها مثيل في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
شكّلت هذه الانتخابات منعطفاً جديداً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تشهد مقاطعة شعبية بهذا الحجم منذ أن تأسست عام 1979، حيث أمسكت بالحكم بعد ثورة شعبية تلاها استفتاء عام صوّت خلاله 98% من الشعب الإيراني لصالحها. ولم يظن النظام الجديد والشعب الثائر آنذاك أنه سوف يشهد مقاطعة من الأكثرية في انتخابات حثّ عليها المرشد الأعلى والأب الروحي للثورة كما حثّ عليها الرؤساء السابقون وكبار المسؤولين.
جاءت نسبة المشاركة في الجولة الأولى 39,98% بالرغم من وجود مرشحين للتيارَين الأصولي والإصلاحي؛ الأمر الذي كان من شأنه إثارة الجمهور الإيراني وحثّه على المشاركة، ولكنه قرر تجاهل العملية الانتخابية ومرّ من أمام الحملات الانتخابية المدوية بصمت قاتل للنظام الذي طالما برهَنَ المشاركة الواسعة في الانتخابات كدليل على شعبيته وشرعيته.
ويرجح الكثيرون أن سبب مقاطعة الانتخابات، هو تزايد الاستياء العام من الصعوبات الاقتصادية، والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية، حتى مع تغيير الحكومات في السنوات الأخيرة.
واعتبر الكثيرُ انخفاضَ نسبة المشاركة بمثابة رسالةِ احتجاجٍ واضحة من الشعب إلى النظام الإيراني. وأثار عدم المشاركة ردود أفعال كبيرة على مستوى مسؤولين في النظام الإيراني في مقدمتهم المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي اعترف في كلمة ألقاها عقب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعدم المشاركة، ووعد بأن "يقوم خبراء بدراسة أسباب تراجع نسبة المشاركة" في هذه الانتخابات، وقال: "من الخطأ تماماً الاعتقاد بأن أولئك الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى هم ضد النظام"، مضيفاً بأنهم ربما لم يشاركوا في الانتخابات بسبب انشغالهم.
وردّ زعيم أهل السُّنّة في سيستان وبلوتشستان، مولوي عبد الحميد، على خامنئي قائلًا: "الناس لم يكونوا مشغولين، بل عبروا عن عدم رضاهم عن الوضع القائم، لذلك لم يشاركوا بالانتخابات".
وكتبت وكالة "خبر أونلاين" نقلا عن الخبيرة الاقتصادية معصومة محمدي فر، بأن السبب الرئيسي وراء عدم المشاركة هو "أن الشعب الإيراني قطع الأمل من تحسين الوضع الوجود؛ فعندما يشعر الشعب بأن الحكومات لا تفي بوعودها ولا تستطيع حلّ مشاكلها فإنه لا يشارك في الانتخابات".
وفي هذا المضمار أشار البعض إلى أن نسبة المشاركة في المحافظات الهامشية وغير المركزية كخوزِستان وسيستان وبلوتشستان التي تعاني من الفقر والحرمان سجلت رقماً قياسياً جديداً في مقاطعة الانتخابات بسبب تردي الوضع الاقتصادي وعدم إيفاء الحكومات السابقة بوعودها تجاه هذه المحافظات.
اعتبر المراقبون ارتفاع نسبة المشاركة قليلاً في الجولة الثانية من الانتخابات (من 39.9% إلى 49.8%)، خشيةَ المواطنين الإيرانيين من فوز المتشدد، سعيد جليلي، الأمر الذي جعل بعض المقاطعين للانتخابات يلجؤون إلى صناديق الاقتراع
ومن جانب آخر كتب المحلل السياسي، جليل بيات، في موقع "عصر إيران"، بأن الداعين لعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية يقولون بأن المقاطعة تؤدي إلى التشكيك في شرعية النظام، متسائلاً: "وذا تمّ التشكيك في شرعية النظام الحاكم، فكيف ينعكس ذلك على حياة المواطن الإيراني؟".
المستقبل
يعتبر رئيس الجمهورية الرجل الثاني في هيكل السلطة في إيران بعد المرشد الأعلى الذي هو صاحب كلمة الفصل في البلاد ويمسك بخيوط الشؤون العليا لها، والرئيس في إيران فإنه ينفّذ السياسات العريضة للبلاد. هناك من يعتقد بأن مواقف الرئيس واتجاهاته لها تأثير كبير في إدارة البلاد، ويمكن أن يكون له تأثير على أسلوب بلاده فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية، وهناك فرق في أن يتولى الرئاسة المتطرف سعيد جليلي أو الإصلاحي المنفتح مسعود بزشكيان، فإن الأول سيضيق الخناق عليهم اجتماعياً وسياسياً، من خلال إثارة التوتر مع الغرب ومن خلال عدم اعترافه بأثر العقوبات على حياة المواطن الإيراني، بينما الثاني على النقيض من منافسه اليميني يعترف بأثر العقوبات، ويطالب برفعها، كما أنه يؤمن بضرورة الانفتاح الاجتماعي والسياسي للشعب الإيراني الذي أصبح بحاجة إلى متنفس اجتماعي أكثر من أي وقت مضى.
من ناحية أخرى، هناك من المراقبين وجزء من المواطنين من يرون أن الرئيس له صلاحيات محدودة وليس لها تأثير كبير، بينما يعتبر البعض أن الرئيس ليس له صلاحيات في البلاد أبداً وهو ليس إلا منفذاً لسياسات المرشد الأعلى.
ويشكك الكثيرون الآن في قدرة بزشكيان على الوفاء بوعوده الانتخابية نظراً لصعوبة مواجهة المتشددين في البلاد، كما حصل في فترة رئاسة حسن روحاني، ويتوقعون حرباً شرسة بين حكومة بزشكيان والمتشددين في الفترة القادمة، لا سيما في مجال العلاقات مع الغرب والبرنامج النووي، خاصة إن فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، وأيضاً في مجال الحريات الاجتماعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...