شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
قلبي يغلي أكثر من الشارع، ماذا أفعل عندما يقتل أهلي أهلي؟

قلبي يغلي أكثر من الشارع، ماذا أفعل عندما يقتل أهلي أهلي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمهاجرون العرب

الثلاثاء 23 يوليو 202410:00 ص

هذه المدونة تغلبها المشاعر ولا تتعدّى كونها "فشّة" لقهرٍ عمره أكبر مني، وصرخة حاولت كثيراً كتمانها، وأشاركها اليوم مع كل السوريين من أصول لبنانية، والعكس، ومع كلّ الذين لا يعرفون ممن يغضبون اليوم، لأقول لهم إني مثلهم، خائفة وضائعة، وتعبت من التبرير والوقوف في الوسط.

أنحدر من الجنوب السوري، حيث تلتقي جذور معظم أهله مع جذور أهالي جبال لبنان، وفي زمنٍ ليس بعيد، وجب على العائلات اختيار هوياتٍ جديدة شطرت البلاد والقلوب، فاختار جدي لأبي هويةً سوريةً مؤمناً بعودة سورية الكبرى، بينما اختار أبناء عمه البقاء في لبنان والجنسية اللبنانية؛ هل تدركون كم كان الموضوع بسيطاً؟ ظنّوا أنها مجرّد أوراقٍ حكومية، فاحتاروا باختيارها مثل طفلٍ لا يعرف أيأكل سندويشة جدّته أم أمّه؟ واليوم، نتجاهل كل الأيادي الغريبة الملتفة حول رقابنا ونحاول قطع أنفاس بعضنا. يبدو أننا، وبينما كنا نحاول أن نكون مع إخوتنا ضد أولاد عمّنا ومع أولاد عمّنا ضدّ الغريب، ضربنا رؤوسنا ولم نعد نعرف من الغريب؟

يبدو أننا، وبينما كنا نحاول أن نكون مع إخوتنا ضد أولاد عمّنا ومع أولاد عمّنا ضدّ الغريب، ضربنا رؤوسنا ولم نعد نعرف من الغريب؟

أحب جوار بلادي

لو شربت قهوتك الصباحية على سفوح جبال الشوف في لبنان لن تصدّق أنّك ستعيش حرباً في حياتك، فأي عدائيةٍ تغلب السكينة التي يمنحها انعكاس خيوط الشمس على أشجار الأرز والبلّوط، يصعب تصديق أن صوت رصاصةٍ سيهزم مناكدة العصافير لبعضها، لكنّه يفعل.

في دبي، بعيداً جداً من لبنان وسوريا، ألتقي صبيةً تسألني عن أصولي، أخبرها بأن أصل عائلتي من الشوف "الجاهلية"، فترتب طوقها بحيث يتموضع الصليب في منتصف رقبتها تماماً، وتردف: "يعني درزية"، فأبتسم وأفكر: ليس بالرصاص وحده نغلب السلام، بل بالأفكار التي تصير كلمات، فمنشورات، فبيوتاً محروقةً ودوائر عنف لا تُكسر.

عشت في لبنان سنيناً طويلة، شكّلت خلالها ملامح الحياة الأولى. اخترعت فيها قصتي الخيالية الأولى وأخبرتها على أنها حقيقة. ضعت بين الأشجار غير المتناهية مع كلبي الأول، وأكلت الكثير من الكستناء المشوي على الحطب، وعندما كبرت، عدت وسكرت في "الجميزة"، وصوّرت لبنان من "حريصا" مدركةً لمَ قالوا عنه "قطعة سما".

كلّ "أنت سوري؟" هي حدُّ سيفٍ بين الـ "أهلاً وسهلاً" وبين "انقلع على بلدك"

أعرف أن من لجأ إلى لبنان وكلّه خوف لن يهتم للفرق بين الجنوب والشمال، وستخيفه النار لو كانت للشواء، وأن أي سؤال عن أصله سيكون أصعب عليه من سؤال: "من ربك؟"، لأنه لن يعرف أبداً إن كان سيتمنى الموت بعده. أعي أن كل "أنت سوري؟" هي حدُّ سيفٍ بين الـ "أهلا وسهلا" وبين "انقلع على بلدك"، غير أن قلبي يعصر مرارةً عندما لا أجد ما أقوله حتى لا يغلب التعميم البريئين.

حلم العودة "الآمنة"

هكذا إذن، تختلف حياتي في لبنان عن حياة بقية السوريين، الذين، وإن أحبوها، لا يريدون البقاء فيها مهما اختلفت أوضاعهم هناك، ليس لأي شيء غير لكونهم عاشوا في سوريا ما عشته في لبنان: طفولتهم ومرّاتهم الأولى في كل شيء، أراضيهم وبيوتهم وقبلاتهم وانكساراتهم الأولى. السوريون أيضاً لم يبيعوا أرضهم ولم يتخلّوا عنها، مثل كل الشعوب المجبورة والخائفة، أخذوا ما يحتاجونه للنجاة أسبوعين أو شهوراً، قبل أن  يعودوا، والبارحة الذي كان يوماً صار سنيناً، والبلاد التي كانت بيتاً صارت مقبرةً جماعية، والأرض "أرضنا" صارت لغيرنا. أليس الموت تحت ظلِّ أرزة أقل إيلاماً من العيش بين الحديد البارد؟

سوريا أصغر من أن تتسع لأبنائها، ولو أننا نعرف أن العودة إليها آمنة لما بقينا نسمح للآخرين بعصر نبيذنا، نحن أهلها الذين نتمنى لو يبقى لبنان في عيوننا جارنا الأعزّ، ونزوره كل ما اشتدّ الطقس أو الشوق، لكننا اليوم ضيوف ثقال، لا نملك بيتاً نعود إليه

سوريا بلادي التي أحب، حدودها خناجر وسجونها خناجر، ويزرع من فيها خناجر، أين نعود والسكين في الوريد أسهل من قطف التين؟

سوريا التي هي أكبر من دمشق؛ أصغر من أن تتسع لأبنائها، ولو أننا نعرف أن العودة إليها آمنة لما بقينا نسمح للآخرين بعصر نبيذنا، نحن أهلها الذين، مثلكم، نتمنى لو يبقى لبنان في عيوننا جارنا الأعزّ، ونزوره كل ما اشتدّ الطقس أو الشوق، لكننا اليوم ضيوف ثقال، لا نملك بيتاً نعود إليه.

عالقة على الحدود

بينما أكتب هذا النص، أفكّر بأني أهلي يسبحون بقهرهم وأنا أسبح في الخليج المالح، وبهذا خسرت رفاهية الكتابة عن البلاد، والحقيقة أني منذ جئت لم أستطع حتى النقاش عن بلادٍ تركتها رغم أني دفعت قلبي ثمناً لنجاتي، غير أنّي لا أملك إلا صوتي أمنحه لها، ومثل كل الرفاق البعيدين؛ ولو كنا نعرف بأننا، من فرط الامتنان للبلاد التي احتوتنا، لن نعود أبداً نحن بعدها، ومثلما شكّلت سوريا ماضينا شكلت البقية مستقبلنا، وصارت مثلها، بلاد نشعر أنها بلادنا، سنبقى ننظر إليها ونقول: "وإن غبت سنة أنا برضو أنا، لا أقدر أنساك ولا ليّا غنا، ولا توب عن حبّك أنا"، وإن صارت السنة عشر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard
Popup Image