شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بقع حمراء مخيفة

بقع حمراء مخيفة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 29 يونيو 202412:05 م

تصميم حروفي لكلمة مجاز


مؤخّراً، صارت تصيبني التسلخات عند منطقة البيكيني، هناك على حافة منبت الفخذ، يتآكل جسدي ويتساقط، وضربات في ظهري، أعرف أنها اقتربت، انقباضات أسفل معدتي، ستهاجمني الآن، ووجع في فخذي الأيمن وكأنه تفرّغ من عظامه، تجويف فارغ هو ما أحمل جسدي عليه، أبتلع المسكّن وأشرب الأعشاب الدافئة، أحمل الفوط الصحية في حقيبة العمل، وأرتدي واحدة: أنا مستعدة لها الآن.

أول مرة هاجمتني فيها، كنت متفاجئة، بالرغم من انتظاري لها، بعدما وصلت إلى بعض صديقاتي في المدرسة، فهي إعلان شعار الأنوثة، بدأ الأمر بانقباضات في الرحم، ثم سالت فأغرقت ملابسي. يومها بحثت عن قطعة ثياب قديمة في المنزل، تكون قطنية، مناسبة لامتصاص مطر رحمي. لم أمتلك المال لشراء الفوط الصحية، وليس لدينا صيدلية في النجع، وكم كنت أخجل من التحدّث في هذا الأمر مع أمي أو إحدى أخواتي!

وجدت بنطلوناً قديماً لي، قصصته أربعة أجزاء، يقولون إنها تستمر أربعة أيام. جيد، هذا يكفي.

لم تستمر فرحتي، فقد اكتشفت أن القطعة الواحدة لن تظل صالحة ليوم كامل كما ظننت، لقد تبللت تماماً بعد بضع ساعات فقط، والآن يجب أن أغسلها، كنت سأتقيأ بسبب الرائحة، وسألت نفسي: هل أرميها؟

وجدت بنطلوناً قديماً لي، قصصته أربعة أجزاء، يقولون إنها تستمر أربعة أيام. جيد، هذا يكفي. لماذا لا تكون شيئاً عادياً مثل التّبوّل؟ مرة واحدة في الحمام دون مفاجآت أو ألم... مجاز

يقع بيتنا على حافة الجبل، لكن نساء النجع يجتمعن خلف منزلنا لمشاهدة النيل والطريق الأسفلتي والسيارات، فكيف أرمي قماشتي هناك، وأتركها لتصبح مثاراً لحديثهن المتهكم؟

ولهذا غسلتها سريعاً قبل أن تلحظ أمي أو أخواتي، جميعنا نساء إلا إنني أخجل منهن بشدة.

انقضى اليوم الأول، وحين استيقظت في الصباح وجدت بقعة داكنة على بيجامتي، ما زلت أذكرها، لونها "موف" و"بينك" بدرجاتهما الخفيفة، فحملت قطعة من أقمشتي التي أعددتها بالأمس، وبيجاما جديدة، وكنت أحاول الركض حتى لا يراني أحد من عائلتي، أخواتي جالسات في الفناء يضحكن بصوت عالِ. إنني مادة الضحك.

اقتربت مني أمي وقالت: "لازم تغيري هدومك وتخلي بالك".

لم تخبرني أنه شيء عادي يحدث لكل النساء. لم تسألني عن الألم أو مقدار تحملي له. لم تعطني فوطاً صحية. ربما هن أيضاً كن يستخدمن قطع القماش المتسخة التي كنت أراها في المنشر الداخلي.

لكني شعرت بالغدر الذي لم يبارحني، أنني مهملة ومتروكة مع جسدي ومخاوفي.

لم تشتر لي حمالة صدر، رغم بروز ثدييّ، وفي الشتاء تظهر الحلمات منتصبة من البرد، فيغمرني الخجل. بحثت في جوالات الملابس القديمة، وجدت واحدة محاكة باليد، صغيرة تناسبني. ارتديتها، لكني كنت ساخطة على جسدي وعلى كل العالم.

لماذا لا تكون شيئاً عادياً مثل التّبوّل؟ مرة واحدة في الحمام دون مفاجآت أو ألم!

أذكر حين كنا في رحلة تابعة لمدرستي الإعدادية إلى "جزيرة النباتات"، هاجمت البريود صديقتي لأول مرة. شعرت صديقتي بالبلل في ملابسها الداخلية، وبعض الآلام، دخلت إلى الحمام، وأدركت ورطتها، تعرف أن هذا النزيف سيستمر لأيام وليس مجرد قطرات، وسيترك آثاراً على ثيابها الخارجية، وهناك في الجزيرة لا يوجد سوى كافتيريا صغيرة للمشروبات والمأكولات. لا صيدلية في الجزيرة، ولا سبيل إلى الذهاب من هنا، إنها رحلة مدرسية، صارت تجوب الجزيرة ولا حل ولا ملجأ، وجدت مصلى صغيراً دخلته، هناك على الأرضية سجادة منقوشة وصغيرة.

"نعم إنها حل مناسب": قالتها لنفسها.

ثم أخذتها بخفة وخبأتها في حقيبتها، وسرعان ما انسلت إلى الحمام، مزقتها ووضعت قطعة منها في ملابسها، كانت تستغفر وتبكي، إن لم تفعل ذلك فستُفضح، وتصبح أضحوكة المدرسة كلها.

أعتقد أن جسدي يحزن على الطفل المحتمل الذي فقدته، يحزن على وحدة جسدي، وهو يترك بعضاً مني ينساب في نهاية الأمر إلى حاويات القمامة... مجاز

صديقة أخرى هاجمتها اللعينة في أحد الأفراح، كانت بصحبة والدتها التي ساندتها، وطلبت منها عدم الخوف، معلّلة بأن كل شيء يحدث طبيعي تماماً، ولما شعرت الوالدة باضطراب ابنتها، اصطحبتها إلى المنزل. كانت تحكي ضاحكة من قلق والدتها وقولها "لا تخافي"، فلم يكن هناك داع للخوف من الأساس، إن والدتها تبالغ، لكنني حسدتها وتمنيت أن تكون والدتي أنا، فهذه الفتاة لا تقدّر النعمة.

هذا العام قد مرّ خمس عشرة سنة على بلوغي، اعتدت عليها، وربما أحزن لو امتد بي العمر حتى أفقدها تماماً.

أفكر: لماذا يتكدر مزاجي؟ هل هي الهرمونات وحسب؟

أعتقد أن جسدي يحزن على الطفل المحتمل الذي فقدته، يحزن على وحدة جسدي، وهو يترك بعضاً مني ينساب في نهاية الأمر إلى حاويات القمامة. تؤكد صديقتي المتزوجة أن الآلام تقل بعد الزواج؛ لأن الجسد يهدأ ويسكن، لم يعد وحيداً، فيغزو عقلي سؤال آخر: هل الآلام هي مراسم وداع جسدي لبويضتي الوحيدة التي قضت شهرها تنتظر فيه من يخصبها حتى انفجرت وحيدة، هل سأنفجر أنا أيضاً قريباً مثلها؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard