شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ابن مسؤول الإنارة في الجامع الأموي الذي غنّى

ابن مسؤول الإنارة في الجامع الأموي الذي غنّى "نحنا الشوفيرية"… سلامة الأغواني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الاثنين 1 يوليو 202412:22 م

في سنة 1952، جازف المونولوغيست السوري سلامة الأغواني، بتأسيس شركة إنتاج فنية في دمشق، مستثمراً كل ما جناه منذ بداية مشواره الفني وحتى ذلك التاريخ. كان سبّاقاً في خوض تجربة الإنتاج في العاصمة السورية، علماً بأن الحلبيين تفوّقوا عليه، وسبقوه منذ بدايات القرن العشرين. وقد مشى على خطاه الفنان دريد لحام مطلع السبعينيات، عندما أسس مع المخرج خلدون المالح شركة "شمرا" لإنتاج أشهر أعماله الفنية، مثل مسلسل "صح النوم" ومسرحيتَي "غربة" و"كاسك يا وطن".

في الحالتين، لم تلتصق به صفة "المنتج"، وبقي معظم الناس ينظرون إلى سلامة الأغواني كمونولوغيست بارع، وإلى دريد لحام كممثل ومخرج في الكوميديا والدراما التلفزيونية والسينمائية.

منذ مرحلة الانتداب الفرنسي، اشتهر سلامة الأغواني -وهو من عائلة المصري المعروفة- بتلاعبه على الألفاظ والكلمات عبر المونولوغات النقدية والفكاهية المرحة، مستلهماً التجربة من زميله الشاعر الشعبي اللبناني عمر الزعنّي؛ هاجم الفرنسيين في أعماله، واعتُقل في زمن الانتداب ونُفي إلى أفغانستان، ثم عاد إلى سوريا بموجب عفو خاص من رئيس الجمهورية محمد علي العابد سنة 1932.

وبعد جلاء الفرنسيين سنة 1946، انتقل إلى المونولوغ الاجتماعي الساخر، ووجه سهامه إلى الفقر والمحسوبيات والفساد الأخلاقي. دخل إذاعة دمشق عند تأسيسها سنة 1947، وخُصصت له فقرة بث أسبوعية في تمام الساعة السادسة مساء كل يوم اثنين. حققت هذه الفقرة نجاحاً جماهيرياً واسعاً، وأدخلته إلى كل بيت سوري وجعلته من الشخصيات المؤثرة في المجتمع.

منذ مرحلة الانتداب الفرنسي، اشتهر سلامة الأغواني بتلاعبه على الألفاظ والكلمات عبر المونولوغات النقدية والفكاهية المرحة، مستلهماً التجربة من زميله الشاعر الشعبي اللبناني عمر الزّعني

حقق سلامة كل ذلك مع أنه لم يكن يتمتع بأي صفة من صفات النجومية، لا من حيث الوسامة المطلوبة عادة للنجوم، ولا حتى الصوت، ولكنه كان ساحراً على المسرح بخفة دمه وكلمات أغنياته البسيطة. جاءت مجازفته في الإنتاج في مرحلة متقدمة من مسيرته الفنية، وكانت غريبةً جداً بالنسبة إلى رجل بسيط مثله لم يكمل تحصيله العلمي، وهو ابن موظف بسيط في الجامع الأموي في دمشق، مسؤول عن إنارة القناديل عند المغيب. بدأ حياته سائقاً لسيارة شحن على طريق دمشق-بغداد، حتى أن أولى أعماله المسجلة كانت أغنيةً باسم السائقين: "نحنا الشوفيرية".

منافسة الشركات اللبنانية

أنتج سلامة الأغواني، الكثير من أعماله وأعمال المطربة السورية كروان. وفي الستينيات سجّل أغنيةً فكاهيةً لدريد لحام، من كلماته، بعنوان "فاطمة". كانت تكلفة الأسطوانة 30 قرشاً، وكانت تباع في الأسواق بستين قرشاً، ما جعلها تجارةً مربحةً للغاية، ولكنه لم يتمكن من استقطاب كبار المطربين العرب أمثال المطربة اللبنانية صباح، التي كانت تتقاضى 300 جنيه في مصر على كل أسطوانة، بينما بلغ أجر فريد الأطرش 500 جنيه على الأسطوانة الواحدة، وكانت أم كلثوم الأغلى أجراً بين المطربين العرب، وقد بلغ أجرها ألف جنيه عن كل أسطوانة.

حاول الأغواني جاهداً منافسة كبرى شركات الإنتاج الموسيقي في الوطن العربي، التي كانت أكبر من شركته بكثير، وأقوى منها من الناحيتين المادية والجماهيرية. جميع المطربين السوريين كانوا يسجلون أعمالهم في الإذاعة المحلية، ويطمحون إلى الوصول إلى جمهور أوسع من خلال الشركات اللبنانية الشهيرة التالية: "معلوف فون"، "بيضافون"، و"علم فون".

حاول الأغواني جاهداً منافسة كبرى شركات الإنتاج الموسيقي في الوطن العربي، التي كانت أكبر من شركته بكثير، وأقوى منها من الناحيتين المادية والجماهيرية.

شركة معلوف ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية على يد الموسيقار اللبناني ألكسندر معلوف سنة 1920، ابن مدينة زحلة، والذي هاجر إلى الولايات المتحدة، واستقر في ولاية نيو جيرسي، وكان يُدرّس في مدرسة كارنيغي للموسيقى. وأُسست شركة "علم فون" في مدينة نيويورك، مطلع الأربعينيات، من قبل زميله اللبناني المهاجر فريد علم الدين، الذي ناصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ووضع صورة النسر الأمريكي شعاراً على أسطواناته، مع شعار V علامة النصر الذي رفعه رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل.

كانت عقود شركتَي "علم فون" و"معلوف فون" تخضع لقوانين تجارية أمريكية صارمة، وفي بعض الأحيان تتطلب تسجيلات حصريةً، ما لم يُناسب المطربين السوريين الذين فضّلوا المرونة في عملهم وعدم الاحتكار، لذا توجهوا إلى شركة "بيضافون" الأقرب إليهم، وكان مقرّها بجوار مخفر البرج في بيروت، والتي كان قد أطلقها الأخوان جبران وبطرس بيضا منذ سنة 1906.


سلامة الأغواني

تعاون الأخوان بيضا مع شقيقهما المُقيم في برلين، الدكتور ميشيل بيضا، وتعاقدوا مع شركة ألمانية لتصنيع الأسطوانات وتسجيلها حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939. نُقل عملهم إلى سويسرا قبل أن يستقر في لبنان، ودخلوا السوق السورية من خلال المطرب الحلبي الشيخ علي درويش، ومنيرة المهدية، وأسمهان، وليلى مراد، ومحمد عبد الوهاب، وعازف الكمان السوري سامي الشوّا، وتعاقد معهم المطرب السوري مصطفى هلال لتسجيل بعض الأغاني التراثية.

حقق سلامة إنجازات مع أنه لم يكن يتمتع بأي صفة من صفات النجومية، لا من حيث الوسامة ولا حتى الصوت، ولكنه كان ساحراً على المسرح بخفة دمه وكلمات أغنياته البسيطة

وفي منزل جبران بيضا في مدينة عاليه سمع جبران بيضا، من الصحافي السوري نجيب الريّس، قصيدته الوطنية "يا ظلام السجن خيّم"، وقرر محمد عبد الوهاب تلحينها وتسجيلها لصالح شركة "بيضافون".

بعد سنوات من العمل المشترك، اشترى عبد الوهاب حصة شركة "بيضافون" في مصر، إثر خلاف مع الأخوين بيضا حول قصيدةٍ رفضَ "موسيقار الأجيال" تلحينها للأخطل الصغير بشارة الخوري، وكانت مخصصةً لأسمهان، وغيّر اسم الشركة إلى "كايرو فون"، وهي التي أدخلت أسطوانته وأسطوانات عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش إلى سوريا في مرحلة الخمسينيات، كما قدمت أولى تسجيلات فيروز "يا حمام" قبل أن تنتقل للعمل مع الشركة اللبنانية للتسجيلات. أما أم كلثوم فكانت معظم عقودها مع شركة "أوديون" الإنكليزية أو "غرامافون" الأمريكية.

في ظل هذه الأجواء التنافسية، حاول سلامة الأغواني شقّ طريقه في الإنتاج، متحدياً "بيضافون" وبقية الشركات اللبنانية، وتمكّن من بيع إنتاجه من الأسطوانات إلى شركة "علم فون" ليتم توزيعها في أمريكا، وبعد تقاعده عن الغناء سنة 1970، تفرغ كلياً للإنتاج في إستوديو صغير مستأجر في شارع  الشهبندر وسط دمشق، وعُيّن نائباً عن مدينته في أول مجلس نيابي شُكّل في سوريا بعد تولّي حافظ الأسد الحكمَ، قبل وفاته في شهر آب/أغسطس من العام 1982.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard