شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مجرّد محاولة للتعافي

مجرّد محاولة للتعافي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 28 يونيو 202412:34 م

هذه النصوص القصيرة التي تتناول مواضيع متعلقةً بالصحة الجنسية والحقوق الجنسية والإنجابية وملكية الجسد، تندرج ضمن مشروع تعاون بين رصيف22 ومؤسسة "براح آمن"، وهي مؤسسة نسوية مصرية تناهض العنف الأسري. الهدف من هذا المشروع إفساح المجال أمام الأشخاص، وتحديداً النساء، للتعبير عن ذواتهنّ ومشاعرهنّ وجنسانيتهنّ وعلاقتهنّ بأجسادهنّ.

عدت للكتابة بعد انقطاع دام سنوات. عدت بفضل ثلاثة أشخاص مخلصين، أولاً للإنسانية، وثانياً لكل ما قدموه لنا. كانت أيام اختبرت فيها حقاً معنى المساحة الآمنة؛ لكن الأمر كان أكثر من ذلك، وكان بالفعل براحاً آمناً بالكامل لنا.

فلم لا أحاول؟ مجرّد محاولة للتعافي بما أتيح لي هنا. محاولة للتعافي مما خبأت في أعماق عقلي طوال سنوات عمري، لعلها تكون محاولة سالمة.

لا أعلم كيف بدأ الأمر، رغم محاولاتي العديدة البائسة للتذكّر؛ لكني أعلم أنه كان يحدث منذ بدء تشكل وعيي وذكرياتي.

ذكريات ولمحات متقطّعة أتذكرها ولا أعلم كيف بدأت أي ذكرى فيهم، ولم أجد بأي ذكرى منهم بداية، ولكني أذكر أني كنت طفلة وجدت نفسها مع رجل يحتضنها ويضع عضوه الذكري بين فخذيها.

جميعهم ذهبوا!

في كل ذكرياتي، أجد نفسي وحيدة معه ولا أحد بالمنزل، رغم أنه منزل جدتي المليء دوماً بالناس، ولكني وقتها لا أجد أحداً. جميعهم اختفوا! جميعهم ذهبوا!

كيف أكون وحدي؟ وكيف لم يحاول أحد إبعاده عني؟ وكيف لم ينتبه أحد لما يحدث بي؟ كيف لم يتدخّل الله؟ وأين كان حينها مني؟

"أذكر أني كنت طفلة وجدت نفسها مع رجل يحتضنها ويضع عضوه الذكري بين فخذيها"

لا أعلم لماذا بعد كل هذه السنين لم تفعل أمي شيئاً؟ لماذا لم يحرّك أحد من عائلتي ساكناً؟

في كل هذه السنوات، لم أذكر مرة أحدهم كفّ أذاه عني أو أوقف استباحته لطفولتي وجسدي.

ولكني اكتشفت أنهم كانوا جميعاً على علم بالأمر؛ لكنهم كانوا (ولا يزالون) يتغاضون عن الأمر لأني لم أكن أنا ضحيته الوحيدة، كنت أنا وكل من كان في عمري ومن قبلي ومن بعدي.

الوصم والعار

كان البالغون في العائلة يعلمون أنه يعتدي علينا مراراً وتكراراً وظلّوا صامتين ولم يوقفوا الأمر، تركونا وحدنا له بلا أي محاولة لإنقاذنا.

يخافون من الوصم والعار الذي سيلاحق من سيتحدّث منهم أولاً ويحمل وحده وزر هذه الواقعة. يخافون من تهامس بعضهم البعض عنه أكثر من خوفهم على أجسادنا وحيواتنا.

صمتهم هو ما جعلني لا أجد في ذكريات طفولتي سواه يستبيح جسدي في غرفة نوم جدتي، وفي المطبخ، وفي الحمام، وفي غرفة الاستقبال، وعند الباب الآخر للمنزل. تارة أختبئ تحت السرير، وتارة أدسّ نفسي وسط أبنائه ليلاً كي لا يجدني أو يتجرّأ على لمسي؛ لكنه كان دائماً يجدني ويفعل بجسدي ما يريد.

ذكرياتي أغلبها بلا نوم؛ يملؤها الخوف ولمحات متقطعة من إصراره أن أشاهده مع كل الفتيات اللاتي كنّ في عمري. شاهدته مع الأولى بجوار مبرّد الطعام، ومع الثانية من نافذة المنزل، والثالثة كانت بالغرفة المجاورة، وأخريات وأخريات.

كان يحرص على أن نشاهده بالتبادل مع إحدانا، لنتيقن أن هذا هو المعتاد وأنه لا يوجد أي خطأ فيما يفعله معنا، وأنهن جميعاً استبحن مثلي وأننا جميعاً سواء. جميعهن كنّ مثلي وكنّ أيضاً أنا، لا فرق بينهن وبيني.

"صمتهم هو ما جعلني لا أجد في ذكريات طفولتي سواه يستبيح جسدي في غرفة نوم جدتي، وفي المطبخ، وفي الحمام، وفي غرفة الاستقبال، وعند الباب الآخر للمنزل. تارة أختبئ تحت السرير، وتارة أدسّ نفسي وسط أبنائه ليلاً كي لا يجدني أو يتجرّأ على لمسي"

سنوات عديدة وعشرات الأطفال، ولا أبالغ إذا قلت المئات، لا أستطيع حقاً التكهّن، ولكني أدركت هذه اللحظة بعد مرور ثلاثين عاماً، أنه لم يتوقف ولازال مستمرّاً في نفس المكان. يصل إلى سمعي من حين لآخر أن فلانة شاهدت طفلاً يخرج من عنده يرفع بنطاله ويرتّب هندامه، وطفلاً آخر وآخر، وأن أحداً لم يجرؤ على إيقافه حتى الآن.

كلهم يحملون ذنب طفولتي وطفولة الآخرين والأخريات التي سرقت منهم ومني.

بعد كل هذه الذكريات وبعد أن كبرت قليلاً، أذكر لحظة حينما قرّرت هذه الطفلة التي هي أنا، أن تتوقف عن زيارة بيت الجدة وتهرب منه، وأن تكون الطفلة الرافضة لتجمّع الأهل وللزيارات المتبادلة، والطفلة التي ترفض التلامس من كل شخص يحاول الاقتراب منها. الطفلة التي لا تحب أحداً ولا أحد يحبها.

وتنتهي الذكريات، تنتهي برفضي أنا. أنا التي استبحت وحدي، وأيضاً أنهيت الأمر وحدي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard