شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
زوجة للبيع أو الاستبدال... بيع الزوجات قديماً و... حديثاً

زوجة للبيع أو الاستبدال... بيع الزوجات قديماً و... حديثاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الاثنين 1 يوليو 202410:54 ص

في مزحة غير مضحكة بالمرة، ذكرت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية، في عام 2016، أن رجلاً عرض زوجته للبيع في موقع "eBay"، بعد مشادة خفيفة بينهما، قالت فيها الزوجة إنها ضجرت منه، فردّ بأنه سيعرضها للبيع، وبالفعل عرضها ضمن فئة "قطع غيار السيارات المستعملة"، وكان الوصف المرافق لإعلان "زوجة مستعملة للبيع":

‑ ليست جديدة لكن تستطيع أن تسير عدة أميال أخرى

‑ الهيكل والطلاء بحالة جيدة، غالباً ما تصدر أصواتاً مزعجة، لكنها تتوقف عند شراء قطع معدنية لامعة (مجوهرات)

‑ مهاراتها في المطبخ يمكن أن تذهب بك إلى المستشفى في بعض الأحيان

‑ ليست "موديل سنتها"، لكن بالتأكيد هناك بعض الأشخاص سيعرفون كيفية استخدامها

‑ كل العروض مرحّب بها، وخصوصاً إذا كان هناك إمكانية للتبديل مع نموذج أحدث

‑ الشرط الوحيد: بمجرّد إتمام البيع، لا يمكن العودة عنه.

استقبلت الزوجة الطرفة بطريقة جيدة حسبما يقول الشاب في مقابلة الصحيفة، لكن بعد أن تلقت منه حقيبة "مالبيري" في عيد ميلادها، لكن الغريب، حسب الصحيفة، أنه تلقى عرضاً بقيمة 65 ألف جنيه استرليني، وبعضهم عرض استبدالها بجمل!

حسناً، باعتبارنا نورد مزحة هنا، أستطيع القول إن أغلب من عرفتهم شخصياً  من أصدقائي كانوا ليوافقوا على سعر مغرٍ كهذا، لكن الحب والعشرة والأولاد والأخلاق وبلا بلا بلا، بالإضافة إلى القوانين والبوليس، يمنعهم، لكني أظنّ أيضاً، لو عكسنا الأمر، أن لا امرأة على وجه الأرض قد تدفع مبلغاً مماثلاً في أحد من أصدقائي. 65 ألف جنيه استرليني في رجل؟ يا للهول... يجب أن يمتلك ثلاثة أضعاف هذا المبلغ على الأقل لتوافق على شرائه.

كان الطلاق في إنكلترا الفيكتوريا مكلفاً للغاية، فكان من الأسهل على الفقراء أن يبيعوا زوجاتهم في مزادات علنية لأشخاص يرتضون تحمّل نتيجة هذه العملية المجحفة

بيع الزوجات في بريطانيا

قد يستيقظ زوج ويجد أن مساحته من السرير قد تقلّصت إلى ربعها، أو أن ثيابه الداخلية مرمية في زاوية من الخزانة، وبذلته الخاصة بيوم الأحد قد تجعّدت وذهب رونقها، أو ببساطة لأنه يستطيع... هذه هي... لم يعد الأمر يحتمل. يربط زوجته بحبل من رقبتها ثم يجرّها للبيع في السوق، وسط الخيول والدواب وأكوام الخضار الذابلة.

هذا ليس مشهداً متخيّلاً  أو طرفة تحكى همساً بالمرّة، رغم أنها قادمة من كتاب "خمسون قصة تاريخية مضحكة لترويها خلال العشاء"، لفريد روير (مؤلف ومقدّم برامج تلفزيونية فرنسي)، بل حكايات حقيقية كانت تحصل في انجلترا في عام 1780 وما بعده، ويقال إن أكثر من 400 زوجة تمّ بيعهن بهذه الطريقة، وآخرهن كان في عام 1913، أي قبل عدة أعوام فقط من حصول النساء على حق التصويت.

كانت النساء في تلك الأزمنة أفضل من الأبقار بقليل، يقتصر دورهن على الاستعداد لإبهاج الأزواج والاعتناء بالمنزل، ويمكن أن ترمى في الشارع لأقل هفوة، أو لمجرّد ملل الزوج ورغبته بالزواج بأخرى، لكن الطلاق كان عملية صعبة للغاية ومكلفة، تتضمّن مزيجاً من عرض الشؤون الشخصية على مجلس لوردات، إضافة لدفع مبالغ تصل لـ 1200 جنيه استرليني، وهذا يعتبر رقماً ضخماً في تلك الآونة، كما أن النتيجة لم تكن محسومة، أي أن ينتهي عرض القضية بالطلاق، فكان من الأسهل على الفقراء أن يبيعوا زوجاتهم في مزادات علنية لأشخاص يرتضون تحمّل نتيجة هذه العملية المجحفة، وأقصد البيع وليس الزواج نفسه.

400 امرأة تمّ بيعهن. وهذا الرقم يشمل فقط النساء المباعات حسب السجلات الرسمية، أي اللواتي تمّ تسجيلهن رسمياً، وربما تقاضي ضرائب على عملية البيع وإرضاء الكنيسة وسدنتها أيضاً، فبالتأكيد أن هناك عمليات بيع عديدة لم يتم تسجيلها، فالأمر خاص بالطبقات الأكثر فقراً، وهي الطبقات التي تفضّل إجراء عملياتها الخاصة بعيداً عن أعين الدولة وسجلاتها وضرائبها.

ولكيلا نترك المجال للمتصيّدين في مستنقعات الطائفية، وأفضلية الإسلام على غيره وهذا الهراء المدجّج بآيات غامضة، نحب أن نذكر بأن الأمر، أقصد عمليات البيع، ما زال مستمرّاً في البلدان العربية والإسلامية، لكن باسم آخر هو "المهر"، ولا يحاولن أحد الادعاء بأن العملية مختلفة وشرعية، فالبيع واحد، سواء تمّ باسم الشريعة أم باسم الفقر، إذ لطالما عوملت النساء في الإسلام باعتبارهن سلعة لا غير.

فعندما يتعلّق الأمر بالنساء وحقوقهن، غالباً ما تغيب الأبعاد الاستعمارية أو حتى الدينية، وبالرغم من أن القصص المتباينة شكلياً والقادمة من خلفيات إثنية ودينية وثقافية متباعدة،  إلا أن النظرة المجحفة وغير العادلة تبدو كجدار عازل، يحجب الخيال الجمعي الذكوري هذا.

السعر والمواصفات

حسبما يقول فريد في كتابه المذكور، إن الأسعار غالباً ما كانت زهيدة، ربما إمعاناً في إذلال الزوجات، فعلى سبيل المثال قام أحد الأزواج في عام 1801 بعرض زوجته للبيع مقابل فلس واحد، لكنه مزاد، وربما تدخّل بعض المشترين الآخرين، ما جعل السعر يرتفع ليتجاوز 5 شلن، لكن في حالات أخرى كان من الممكن إجراء العملية مقابل بضعة أكواب من البيرة لن تصل حتماً لملء برميل.

والمثير للاستغراب كما يقول فريد، أن الأمر لم يكن غالباً ليلاقي معارضة من الزوجات، بل كن يقدمن على الأمر بكل طيب خاطر، ولا غرو، فمن تستطيع العيش مع زوج من هذا النوع؟ والبعض منهن كن يقدمن على هذه الخطوة بعين مفتوحة، بل وغالباً ما كانت المرأة تجد تقديراً أكبر عند الزوج الجديد، فغالباً ما يكون أكثر ثراء وبالتالي تعيش المرأة حياة أكثر رفاهية.

في تفسير هذه الظاهرة، يقول المؤرخون إن قواعد الزواج غير المحددة، إضافة للتكاليف المالية الضخمة جعلت من الطلاق عملية مستحيلة تقريباً إلا على الأغنياء، فلجأ الفقراء إلى البيع هذا للتخلص من الزوجات بأقل تكلفة ممكنة، وبالرغم من أن عملية البيع برمتها كانت غير قانونية، إلا أن موقف السلطات كان ملتبساً بعض الشيء، ودوماً ما يتوفر قاض يظن أن عملية البيع قانونية، إذ لم يكن ينظر لنساء الفقراء إلا على أنهن مماثلات في القيمة للماشية أو الأثاث، في العصر الفيكتوري ذاك، الذي يبرز فيه التناقض الحاد بين قوّة وثروة الأمة ونظرتها لنسائها.

بعض المؤرخين، كالإنجليزي جيمس برايس، أصرّ على أن البيع المماثل استمرّ  حتى أوائل القرن العشرين، ويذكر أن آخر عملية سجّلت في المحاكم كان لامرأة قدمت شهادتها في محكمة شرطة ليز في عام 1913، بأنها بيعت لأحد زملاء زوجها مقابل جنيه استرليني، وكان تعليق بعض السفلة من الشهود بأنها كانت لابد جميلة للغاية لتستحق سعراً مبالغاً به كهذا!

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكّك جمهورياته، تحولت عمليات بيع النساء كزوجات إلى تجارة مزدهرة، قبل أن تبدأ موجات الربيع العربي بالحصول، ليستبدل الباعة والمشترون اللحم "الكافر" باللحم "الحلال"

النخاسة في العصر الحديث جداً

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكّك جمهورياته، تحولت عمليات بيع النساء كزوجات إلى تجارة مزدهرة، ويحكي الفيلم الوثائقي "الشرق والغرب: نساء للبيع" 2001، للمخرج الفرنسي هيوبرت دوبوا، عن أن أكثر من 700 ألف امرأة من جمهوريات أوربا الشرقية تمّ بيعهن على شكل زوجات، لمشترين من كل دول العالم، فمقابل بضعة مئات من اليوروهات كان الآباء يبيعون بناتهم والأزواج يبيعون زوجاتهم، وبعضهن كنّ يوعدن بحياة شريفة في "أحضان الرأسمالية الدافئة"، قبل أن ينتهي بهم الأمر عاملات في الجنس في كبرى شبكات الدعارة في البلدان الغربية.

وكان لبلداننا العربية، خصوصاً بلدان الخليج النفطي ولبنان "قطعة السما" أيضاً، نصيب الأسد من عمليات البيع والتعهير هذه، قبل أن تبدأ موجات الربيع العربي بالحصول، ليستبدل الباعة والمشترون اللحم "الكافر" باللحم "الحلال"، لحم السوريات، في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان وتركيا، ولك أن تتخيّل الخيبات التي وقعت فيها تلك الفتيات الصغيرات، حين ظنن أنهن يقدمن على تضحيات كبرى لإنقاذ عوائلهن من الفقر، والحصول على دفء الحياة الزوجية في أحضان ثري خليجي، لكن، وكما يقول المثل الساحلي السوري: "إيمت وزّعوا القرباط حليب؟"، يتفاجأن بأنهن لسن أكثر من جاريات للجنس، في واحدة من أكبر عمليات النخاسة في القرن الجديد، تحت سمع وبصر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والاتحاد الأوربي حامل الخلاص للشرق الأوسط، إرضاء لمشروع لم يرض أحداً إلا كبار الناهبين والمستذئبين، وربيع عربي لم يكن إلا ربيعاً لرقيق ذي رائحة نفطية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image