شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الميت الفحل... الأساطير الإيروتيكية في القرية المصرية

الميت الفحل... الأساطير الإيروتيكية في القرية المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 10 يونيو 202411:26 ص

"من يدخلها الميّتُ تُجنُّ"؛ بهذه العبارة المكثفة اختزل الكاتب أسطورة الميت الذي "يضع قدمه في قبر والقدم الأخرى في بئر امرأة"، كما أن لديه "زراعاً ثالثةً" لا تشبع ولا ترتوي ولا تشبع منها نساء القرية.

رسم الكاتب هاني القط، شخصية الميت، وهي إحدى الشخصيات الرئيسية في رواية "تاج شمس" الصادرة حديثاً عن "بيت الحكمة" في القاهرة، لتكون بمثابة أمثولة للشبق والهوس الجنسيين، وإن كانت بداية الشخصية تبدو كأنها قادمة من عالم آخر، وبالتحديد عالم الموتى.

الرواية التي تدور في قرية على شاطئ النهر، غير محددة الزمان والمكان، لكنها تشبه إلى حد كبير القرى في صعيد مصر، كما يشبه الزمن بدايات القرن العشرين، وتتمثل فيها أجيال عدة بدايةً من جيل الجليلة كبيرة القرية وسرّها المخبوء، مروراً بجيل خليل وزوجته نجاة وانتهاءً بجيل العمدة مختار ومبروك ابن الميت.

رسمَ هاني القط، شخصية الميت، في روايته "تاج شمس" التي تدور في قرية على شاطئ النهر، غير محددة الزمان والمكان، لتكون بمثابة أمثولة للشبق والهوس الجنسيين، وإن كانت بداية الشخصية تبدو كأنها قادمة من عالم آخر، وبالتحديد عالم الموتى

البلدة التي يتناوب على حكمها 4 عمد، بطريقة مأساوية مخيفة، تشهد جموح هذا الذكر الأسطوري، الذي كان معروفاً بذهوله وشروده الدائم، فمهنته الأساسية مواراة الجثث في المقابر، وبعد دفنها وإحكام إغلاق القبر يعود ليلاً ليفتح القبر ويكشف رأس المتوفى ويسأله عن سرّ الموت، وحين لا يجد إجابةً يعود مذهولاً ليسير بلا هدف في طرقات القرية.

يظل هكذا إلى أن تقرر أمه تزويجه من سيسبان، ابنة خاله، ذات الطلة الذكورية المشوّهة والصدر الممسوح، وفي بئر سيسبان يجد الميت ضالته، وينتشي بالممارسة، ويصل صدى صرخة المتعة التي تطلقها سيسبان في اللقاء الأول بينهما إلى مسامع كل أنثى في القرية، ويتهامس النساء ويتندرون بشهقاتها وصرخاتها وقت اللذة، ويتعجبون من كيفية تحول عود الحديد الصدئ المسمى سيسبان إلى أنثى فائرة ذات ثديين مملئين ليّنين، وأرداف مستديرة، و"جسمها النافر تحت الملابس يتبجح أمام النساء بالارتواء والمتعة"، ويصبح الميت الفحل الخرافي هدفاً لنساء القرية، وبالأخص لزوجة الغفير رضوان "كوكب" كثيرة العشاق، والتي حين تقترب من الميت وتلمس عموده الفقري وتلمح النظرة البدائية المتوحشة في عينيه تعرف تماماً أن "هذا الذكر يستحق".

تبدأ كوكب بنسج حبالها لاصطياد الميت وقضاء ليلة معه، وكوكب معروفة في القرية باصطياد من تحب، وزوجها يعرف بالأمر لكنه مغرم بها، ولا يستطيع الاستغناء عنها، وكل خوفه أن يدخل إلى بيته ذات يوم فيجدها في حضن رجل آخر، لذلك يتنحنح قبل دخول منزله دائماً كأنه غريب، وهو مرعوب من أن يعرف الناس أنه يعرف.

اللقاء الأول بين كوكب والميت يكاد يكون مشهداً أسطورياً لحالة أيروتيكية فريدة من نوعها، فكوكب التي جرّبت كل من أرادت من صنف الرجال لم تجد شهوتها ومتعتها بهذا الشكل المخيف والوحشي.

غلاف رواية "تاج شمس"

فبعد أن دخل الميت إلى بيتها، "وضع يده الساخنة على لحمها، فخلعت له ملابسه حتى تعرى، صدره عريض مشعر ومعضل، وملامحه فجة وأسنانه مفلوجة. بكفه الخشنة تحسسها بنهم، فتهيجت وارتعشت. كان فجاً وقاسياً وهو ينخرها نخراً، فاتّقد جسدها واشتعل ناراً، وعندما صارت عجينةً طريةً، حملها ووضعها على حرف السرير، جلدها الناعم الأبيض التصق بجلده الساخن الخمري، أطبق على فمها الصارخ بفمه، كان جموحاً وشرساً، وبدا مخيفاً وهو يخور فوقها كالثور، تحشرجت حناجرهما بشبق عارم، وهو يهز جدرانها هزّاً، صرخت بالآهة ألماً ولذةً، وأنشبت أظافرها في لحمه، وببدائية عرف ضعفها وضرب عليه، ومضى لا يعبأ بصرخاتها، تموء فيزيد، تعوي فيزيد أكثر، تصرخ وتتوسل أن يكفّ وأن يطيل معاً، كان كموج عاتياً لا شيء يصدّه. عصرها حتى طقطقت عظامها في أحضانه. ارتعشت عدة مرات بالنشوة، ودبّت في عروقها حلاوة الوصل وتخمة اللذة، فغابت عن الدنيا، وتخدّرت عيونها المكحولة".

بعد هذه الليلة المشهودة ينكشف أمام الميت السرّ، سرّ شيطان الشبق الذي تملكه ولا مجال لإروائه.

يخوض الميت مغامرات كثيرةً مع متزوجات وأرامل وعوانس في كل أرجاء البلدة، ولا يرتوي. تعرف زوجته سيسبان أنه بئر من الشبق بلا قرار، ولا تعرف كيف تجاريه، وحين يمتنع عن لقاء كوكب التي تولهت به يجنّ جنونها، وتمشي في الشوارع حافيةً منكوشة الشعر، بل تذهب إليه وهو وسط الناس وتتهمه بأنه سحرها، وتصرخ في وسط القرية: "سحرني الميت". تحاول معاشرة غيره، إلا أنها تصاب بالذهول وتشاهد شبحاً يمشي على الحائط، فتعرف أنها ممسوسة. ويسعى زوجها لعلاجها بالبحث عن ساحر يعرف كيف يداويها، وحين يأتي الساحر أولجا الذي يبدو أنه من قبيلة إفريقية، يفتل لباسها الحريري على شكل حبل ويضرب به حرّها بعد أن يخضب إصبعه بالدم، ويظل يضرب ويقول بلهجة عربية مكسرة "اكرج... اكرج يا نجس"، وبعد أن يخرج من حرها دم أسود يقول الساحر أولجا إن الجني خرج منها.

وبالفعل تعود كوكب إلى سابق عهدها فتحاول اصطياد الرجال وتمتّع زوجها كل حين، ولا تنسى أبداً الانتقام من الميت.

انكشف أمام الميت سرّ الموت، حين دعاه عطية الكاتب ليغسله ويكفّنه ويدفنه وكان قد أوصاه بأن شخصاً سيساعده ولكن عليه ألا يحاول معرفة من هو هذا الشخص. وبالفعل حين جاء الوقت وذهب لتجهيز عطية، الكاتب الصوفي المعتكف في الجبل على حدود القرية، وجد الميت شخصاً ملثماً يساعده في غسل جثمان عطية الكاتب، ويعطيه زجاجة عطر ليرشّها على الجثمان، وحين حاول أن يعرف من يكون هذا الملثم، ونزع عنه لثامه عنوةً، وجد المفاجأة أمامه؛ لم يكن هذا الملثم سوى عطية الكاتب نفسه. هو نفسه كان يساعده في غسل جثمانه.

ربما كان هذا السرّ الذي انكشف ولم يكن من المفترض كشفه، هو الذي أصاب الميت بلعنة الشبق الذي لا يُروى، بل ترك أثراً غائراً في كل النساء اللواتي وطئهنّ، فمعظمهن أُصبن بالجنون والخبل وخرجن إلى الشوارع بهيئة مشعثة غبراء.

وحين جاء وقت زواج مبروك ابن الميت، قررت كوكب أن تزوجه إحدى قريباتها وكانت البنت ترفض خوفاً من انكشاف عدم عذريتها، ولكن كوكب طمأنتها وأدخلتها على مبروك ووضعت حوصلة حمامة مليئة بالدم في فرجها، وجعلت مبروك يجسّها بإصبعه المغطى بقماشة بيضاء، فتخرج مغطاةً بالدم فيظن أن زوجته عذراء.

تعرف زوجة الميت، سيسبان، أنه بئر من الشبق بلا قرار، ولا تعرف كيف تجاريه، وحين يمتنع عن لقاء كوكب التي تولهت به يجنّ جنونها، وتمشي في الشوارع حافيةً منكوشة الشعر، بل تذهب إليه وهو وسط الناس وتتهمه بأنه سحرها، وتصرخ في وسط القرية: "سحرني الميت"

من الأساطير الإيروتيكية التي تتضمنها الرواية أيضاً، العمدة أبو جميل الذي كان يقتل النساء في ساعة هياجه الجنسي، وخصص غرفةً كاملةً ليدفن فيها ضحاياه، واكتشف مختار، العمدة الجديد، هذه الغرفة وعرف جثة أمه أنس التي فقدها وهو صغير، من خاتم في إصبع الجثة.

يظلّ الطابع الإيروتيكي وكأنه يدور في خط مستقيم من خلال أسرة بسيمة والدة كوكب وحورز الأولى تزوجت الخفير رضوان والثانية كانت عشيقة العمدة الأبيض وحملت منه، ولكن بعد موته على يد ابن عمه أبي جميل قتلها هي الأخرى حتى لا تدّعي حقوقاً لولد الأبيض الذي في بطنها.

وتحكي الرواية عن حور وفتنتها وأن العمد من عشاقها، في حين كان عشاق كوكب من الرعاع، ويتفنن الكاتب في وصف المشاهد الفاتنة التي تحاول بها كوكب اصطياد الرجال.

تقدم الرواية هذا الخط الإيروتيكي بشكل يكاد يكون هامشياً، إلا أنه يحمل من الثراء والإتقان ما يجعله من الخطوط الرئيسية للرواية التي تُعدّ روايةً ملحميةً من الدرجة الأولى. ويتكشف للقارئ تدريجياً أن الميت اسمه الحقيقي عبد الحي، وقد أخفت أمه اسمه وأطلقت عليه اسم الميت لتراوغ الموت بعد أن مات كل أبنائها وهم أجنّة أو صغار. ونجا الميت من الموت بأعجوبة وظل يبحث عن سر هذا العالم الغامض حتى غرق في هوس الشهوة.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image