شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"وعي بيئيّ رغم التضييقات"... تونسيون يناضلون من أجل عدالة بيئية ومائية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 2 يونيو 202401:00 م

يشهد الحراك البيئي في تونس زخماً لافتاً في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تفاقم المظالم والمشكلات البيئية مثل التلوث وسوء التصرف في النفايات والتغيرات المناخية وغيرها.

وتسعى منظمات المجتمع المدني لنشر الوعي البيئي لدى جميع فئات المجتمع، خصوصاً الأطفال والشباب، من خلال تأطير أغلب التحركات البيئية التي ينفذها السكان، وهو ما ساهم في تشكيل وعي بيئي نتج عنه ارتفاع نسق التحركات الاحتجاجية للمطالبة بالحق في بيئة سليمة ومياه نظيفة، خاصة العام الفائت.

تحركات بيئية سلمية

في مطلع سنة 2023، بدأ سكان قرية البحيرين التابعة لمحافظة سليانة، تحركات احتجاجية دفاعاً عن حقهم وحق أبنائهم في الماء، بالتزامن مع منح رخصة لإحدى شركات تعليب المياه لبدء نشاطها. يأتي ذلك في وقت تعيش تونس على وقع موجة حادة ومتواصلة من الجفاف، تسببت في تراجع المخزون المائي وجفاف الأراضي الزراعية وجفاف السدود.

خاض السكان تحركات بيئية سلمية للدفاع عن بيئتهم وثروتهم المائية، فوجدوا أنفسهم ملاحقين قضائياً.

يدرك سكان قرية البحيرين أن إنشاء شركة جديدة لتعليب المياه بالقرب منهم ومن مزارعهم، سيتسبب في المزيد من استنزاف الموارد المائية للقرية التي يعيش أغلب سكانها على الزراعات المروية، والتي عانت أصلاً من جفاف متواصل.

في هذا السياق، يقول نصر كسراوي، وهو ناشط في المجتمع المدني وعضو في اتحاد الفلاحين التونسيين، أن أغلب من شاركوا في التحركات الاحتجاجية الرافضة لاستنزاف الموارد المائية في القرية واجهوا ملاحقات قضائية، انتهت بسجن 4 منهم أربعة أشهر ومعاقبتهم بدفع غرامات مالية.

يضيف كسرواي في حديثه إلى رصيف22: "خاض السكان تحركات بيئية سلمية للدفاع عن بيئتهم وثروتهم المائية، غير أنهم وجدوا أنفسهم ملاحقين قضائياً ويواجهون أحكاماً بالسجن وغرامات مالية، في حين أن جرمهم الوحيد هو نضالهم للحفاظ على البيئة وضمان حقوق أبنائهم".

ويشير إلى أنه برغم التضييقات، أكد أهالي القرية أن الحقوق تؤخذ ولا تهدى، وأن دفاعهم عن حقهم في المياه وفي بيئة سليمة صالحة للأجيال القادمة لا يكون إلا بخوض نضالات حقيقية. وبفضل هذه التحركات، لم تبدأ شركة تعليب المياه عملها بشكل رسمي حتى الآن، بعد أن قام الأهالي بمقاضاة صاحب الشركة وتقديم أدلة تثبت أن عمل الشركة سيساهم في جفاف محاصيلهم الزراعية، وسيتسبب في عطشهم على غرار قرى أخرى تعاني من تبعات هذه الشركات.

"وعي بيئيّ رغم التضييقات"... تونسيون يناضلون من أجل عدالة بيئية ومائيةمن الاحتجاجات والحراك البيئي في تونس

ويؤكد كسراوي أن جميع التحركات التي خاضوها كانت بدعم من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أنهم استمدوا قوتهم من منظمات المجتمع المدني في تونس التي تدعمهم وتساندهم في الدفاع عن الحق البيئي.

ولا يخفي محدثنا مخاوفه من إمكانية السماح لصاحب الشركة ببدء العمل في تعليب المياه في القريب، مؤكداً أن القرية ستجف وسينزح أهلها مثل بقية قرى محافظة سليانة، وفق قوله.

الحق في المياه النظيفة

غير بعيد عن قرية البحيرين، يواجه سكان قرية أولاد عمر من محافظة سليانة شبح العطش، بعد أن جفت العين الطبيعية الوحيدة التي كانوا يشربون منها بسبب التغيرات المناخية، ليجدوا أنفسهم يشربون مياهاً ملوثة ومضرة.

وفي هذا الإطار، نقول الناشطة البيئية هدى مزيود لرصيف22 إنّ سكان القرية ينفذون منذ سنة 2020 تحركات احتجاجية متواصلة من أجل لفت انتباه المسؤولين لما يعانونه.

وتضيف أن بعض سكان القرية استسلموا وهاجروا نحو المدن الساحلية للعمل والعيش، هرباً من العطش والجفاف، فيما ظل البقية يناضلون من أجلهم حقهم في مياه نظيفة وغير ملوثة.

وبعد سنوات من الاحتجاج، نجح السكان في إجبار السلطات على التجاوب مع مطالبهم والاستماع لصرخاتهم العالية، فوفّرت حاويات مياه صالحة للشرب تُنقل إلى القرية مرة كل أسبوع، وهو ما تعتبره الناشطة إنجازاً حقيقياً جاء بسبب النضال التي خاضه جميع الأهالي دون استثناء.

وتدعو التونسيين إلى ضرورة الدفاع عن حقهم في بيئة سليمة ومياه نظيفة وحياة كريمة وفق ما ينص عليه الدستور، وعن حق الأجيال القادمة في بيئة خالية من التلوث والاستنزاف، كما تدعو السلطات لتحقيق العدالة البيئية وتوفير الإمكانيات اللازمة لتوعية الأجيال القادمة بحقهم البيئي.

"وعي بيئيّ رغم التضييقات"... تونسيون يناضلون من أجل عدالة بيئية ومائيةمن الاحتجاجات والحراك البيئي في تونس

ارتفاع نسق التحركات البيئية

تحركات سكان القرى النائية للدفاع عن بيئة سليمة وعدالة مائية لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فقد عاشت تونس في السنوات الأخيرة على وقع تحركات بيئية لافتة نفذها السكان ودعمتها منظمات المجتمع المدني.

بدأت هذه التحركات خصوصاً عقب ثورة 2011 واستمرت حتى هذا اليوم، فاستغل السكان طفرة حرية الرأي والتعبير، لإعلاء أصواتهم المنادية برفع المظالم البيئية المسلطة عليهم وعلى أبنائهم وأرضهم.

ومن أبرز التحركات البيئة التي عاشت على وقعها تونس، حملة "مانيش مصب" (لست مصب نفايات)، وهو تحرك بيئي قاده سكان منطقة عقارب من محافظة صفاقس جنوب شرقي البلاد بداية سنة 2021، رفضاً لإعادة فتح مصب للنفايات المنزلية والطبية على أراضيهم وقرب منازلهم.

بعد سنوات من الاحتجاج، نجح سكان قرية أولاد عمر في إجبار السلطات على التجاوب مع مطالبهم والاستماع لصرخاتهم، فوفّرت حاويات مياه صالحة للشرب تُنقل إلى القرية مرة كل أسبوع، وهو ما يعتبر إنجازاً حقيقياً جاء بسبب النضال التي خاضه جميع الأهالي دون استثناء

وأجبر هذا التحرك السلطات التونسية على غلق مصب عقارب المنتهية صلاحيته أساساً، غير أن العشرات ممن شاركوا في التحرك واجهوا عقوبات تراوح بين 8 أشهر وسنتين سجناً، وهو حكم قاسٍ يجرم الحراك البيئي في البلاد.

وعلى الرغم من ملاحقة النشطاء الذين يدافعون عن حقهم في بيئة سليمة، أظهر تقرير صادر عن المرصد الاجتماعي التونسي ارتفاع نسق التحركات البيئة في البلاد، فسُجل 463 تحركاً انقسمت بين المطالبة بالحق في الماء والحق في بيئة سليمة، أي بنسبة 13.5% من جملة التحركات الاحتجاجية.

وأشار التقرير الصادر منصف شباط/ فبراير 2024 إلى أن الرقم المسجل ارتفع مقارنة بسنة 2022، حين لم تتجاوز التحركات البيئية 7%، فيما عرفت أغلب التحركات مشاركة الجنسين، ونظم بعضها بقيادة نسائية، وفق التقرير نفسه.

وغالباً ما تلقى هذه التحركات دعماً ومساندة من الجمعيات البيئية الناشطة، والتي تعمل على ترسيخ الوعي البيئي لدى التونسيين ودفعهم لرفض كل التهديدات والمظالم البيئية المسلطة عليهم.

"وعي بيئيّ رغم التضييقات"... تونسيون يناضلون من أجل عدالة بيئية ومائيةمن الاحتجاجات والحراك البيئي في تونس

دليل لتحركات فعالة

نهاية آذار/ مارس 2024، أصدر قسم البيئة التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، دليلاً يقدم نصائح وتوجيهات لمساعدة النشطاء والمدافعين عن البيئة لبناء حملات مناصرة بيئية.

ويفصّل الدليل إستراتيجية واضحة للمدافعين عن الحقوق البيئية لتشجعهم على تنظيم حملات مناصرة بيئية، وذلك بالتزامن مع تدهور المشهد البيئي وحرمان الناس من حقوقهم البيئية، وتنامي الغضب الشعبي وارتفاع التحركات المطالبة بالعدالة البيئية والمائية.

وأشار مؤلفو الدليل إلى أن قتامة المشهد البيئي وحرمان سكان مناطق عديدة في تونس من حقوقهم البيئية، أدّيا إلى تنامي الغضب الشعبي وزيادة التحركات المطالبة بالعدالة البيئية والعدالة المائية على وجه الخصوص.

عند المقارنة بين عمل الجمعيات البيئية في الثمانينيات والتسعينيات وبين عملها في السنوات الأخيرة، نلاحظ وجود فرق في المواقف وفي المصداقية أثناء التدخلات الميدانية، كما أن عمل الجمعيات البيئية حالياً يركز على الأنشطة المناسباتية، رغم أنه يجب أن يكون عملاً يومياً

في هذا السياق، تؤكد منسقة قسم العدالة البيئية في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منيارة المجبري، بأن ارتفاع التحركات البيئية في تونس دليل على بداية تشكل الوعي البيئي لدى عدد هام من التونسيين.

ويقول المجبري لرصيف22 إن هذا الوعي ما زال منقوصاً أمام بعض السلوكيات الصادرة عن المواطنين، والتي تضر بالبيئة وتلوثها، مشيرة إلى أن منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام مطالبة بالعمل على نشر الوعي البيئي كي يدرك الجيل الشاب المخاطر التي تتربص ببيئتنا وأرضنا وأشجارنا وطيورنا.

كما تشير إلى أن آلاف التونسيين تصدوا في السنوات الأخيرة لعدة انتهاكات تضر بالبيئة، مثل التجاوزات التي ترتكبها المصانع، واستنزاف الثروة المائية، ومصبات النفايات العشوائية، داعيةً السلطات التونسية إلى ضرورة تطبيق القوانين البيئية وتوعية المواطنين والشباب والأطفال لضمان الحق البيئي للجميع.

عمل الجمعيات البيئية بين الماضي والحاضر

ويقول الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي لرصيف22 إنّ الحراك البيئي في تونس بدأ فعلياً في سبعينيات القرن الماضي، حين تأسست أول جمعية تدافع عن البيئة وتعمل على مكافحة التصحر سنة 1972، بعد مشاركة تونس في المؤتمر العالمي الأول للبيئة في ستوكهولم.

على الرغم من ملاحقة النشطاء الذين يدافعون عن حقهم في بيئة سليمة، ارتفع نسق التحركات البيئة في تونس خلال الأعوام الأخيرة.

بعد ذلك أنشئت الوكالة الوطنية لحماية المحيط سنة 1988، وهي وكالة حكومية عملت على توعية التونسيين للحفاظ على البيئة، إلى جانب تكوينها جمعيات بيئية.

ويوضح أن الجمعيات البيئية حرصت على دفع الرأي العام لدعم مجهودات الدولة في الحفاظ على البيئة، من خلال مقاومة التصحر وحسن التصرف في النفايات وغيرها من المشاكل الأخرى.

وبخصوص العمل البيئي في تونس بعد ثورة 2011، يرى الهنتاتي حدوث تفلّت خصوصاً في عدد الجمعيات، مشيراً إلى أنه على الرغم من ارتفاع عددها فإن تأثيرها الميداني ظل ضعيفاً جداً، ويرجع ذلك إلى كونها لا تملك نظرة حقيقة لكل المشاكل البيئية التي تعاني منها البلاد.

ويتابع: "عند المقارنة بين عمل الجمعيات البيئية في تونس في الثمانينيات والتسعينيات وبين عملها في السنوات الأخيرة، نلاحظ وجود فرق في المواقف وفي المصداقية أثناء التدخلات الميدانية"، مضيفاً أن عمل الجمعيات البيئية حالياً يركز على الأنشطة المناسباتية، رغم أنه يجب أن يكون عملاً يومياً، موضحاً أن هذه الجمعيات تحصل على تمويلات من منظمات دولية تكون عادة مشروطة، ما تسبب في تراجع دورها في الحفاظ على البيئة.

ويدعو الهنتاتي الجمعيات البيئية في تونس إلى تغيير طريقة عملها، والعمل بشكل يومي على المشاكل البيئية التي تعاني منها كل المحافظات التونسية، منوهاً بأن لكل محافظة في تونس مشاكل بيئية خاصة بها، والحل يكمن في الاعتماد على المجتمع المدني لمكافحة هذه المشاكل من خلال وضع برامج عمل واضحة تؤثر على سلوك التونسيين في تعاملهم مع البيئة.

كما يدعوها إلى ضرورة التركيز على تحويل الوعي بالمخاطر البيئية إلى سلوكيات يومية يتبعها التونسيون، مضيفاً أن هذه الجمعيات مطالبة بالعمل على نشر الوعي البيئي في صفوف الأسر التونسية التي ستساهم بدورها في نقله إلى الأجيال الناشئة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image