شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"إلغاء عيد الأضحى" في المغرب… هل يُفرض قرار السنوات العجاف للمرة الرابعة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 1 يونيو 202401:00 م

مع اقتراب عيد الأضحى، يعود إلى  الواجهة في المغرب، على غرار السنة الماضية، جدل حول إمكانية إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي في ظل تدهور القدرة الشرائية للعديد من المواطنين، وارتفاع أسعار اللحوم، واللجوء الدائم نحو القروض لشراء السلع الاستهلاكية.

ورُغم التطمينات الحكومية التي تُشير إلى وفرة العرض، إلى جانب استيراد رؤوس أغنام لسد أي نقص، ورفع العبء المادي، إلا أن هذا لم يُثن بعض المغاربة عن المطالبة بالإلغاء بل تحول إلى وسم اجتماعي غزا مواقع التواصل في الآونة الأخيرة.

في الإسلام، ذبح الأضحية في العيد هو "سنة مؤكدة مع الاستطاعة وليست واجبة". لكن الأمر في المغرب أقرب إلى التقديس إذ قد يقترض المواطن المغربي لشراء الأضحية لأنه من العار ألا يذبح في العيد.

سبق أن شهد المغرب ما يعرفه مواطنوه باسم "إلغاء عيد الأضحى" ثلاث مرات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. كانت أولاها في 1963، في ظل ما يُعرف بـ"حرب الرمال" بين المغرب والجزائر، أعلن الملك الراحل إلغاء شعيرة النحر بسبب الوضع الاقتصادي للبلاد. عاد الإلغاء مرة ثانية وثالثة عامي 1981 و1996، نتيجة سنوات الجفاف الشديد الذي تعاقب على المغرب ما أدى إلى نفوق الكثير من الماشية. غير أن عدداً من المغاربة لم يقبلوا قرار الإلغاء، ما جعلهم يؤدون الشعيرة واختاروا الليل موعداً للنحر في سرية تامة للتحايل على الإرادة الملكية.

"تحوّلت من شعيرة كغيرها من الشعائر إلى طقس للتباهي والتفاخر"... ارتفاع أسعار الأضاحي وتقلّص القدرة الشرائية للمواطنين في المغرب يغذيان دعوات "إلغاء عيد الأضحى" أو "نحر الأضاحي". لماذا يطلب مغاربة فرض قرار عام بذلك؟ وما هي سوابقه؟

تدهور القدرة الشرائية... أول الأسباب

يعزو أغلبُ المطالبين بإلغاء شعيرة النحر هذا العام إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

في مذكرة إخبارية نشرتها المندوبية السامية للتخطيط - وهي مؤسسة الأبحاث الحكومية في البلاد - حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الأول من العام الجاري، بلغ معدل الأسر التي صرّحت بتدهور مستوى المعيشة خلال الـ12 شهراً السابقة 82,5%، علاوة على توقع تدهور مستوى المعيشة خلال الـ12 شهراً المقبلة بحسب 56,6% من الأسر.

في نفس المذكرة، عبّر 80,7%، من الأسر، خلال الفصل الأول من 2024، عن أن الظروف غير ملائمة للقيام بشراء سلع مستديمة، مقابل 7.8% يخالفون هذا الرأي.

في ظل هذه الظروف، يتفق سعيد المرابط، وهو أستاذ في مدرسة ابتدائية وأب لطفلين، مع طلب "إلغاء عيد الأضحى" لهذه السنة. يقول لرصيف22: "في ظل الظروف التي تعيشها الغالبية العظمى من المغاربة  بسبب تدهور القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار الأضاحي والمنتجات ذات الصلة بهذه المناسبة، يجب إلغاء شعيرة النحر لهذه السنة".

ينتظر المرابط قراراً رسمياً من الدولة، عدا عن ذلك فسيقوم بالنحر، ليس رغبةً منه ولكن من أجل طفليه اللذين ينتظران هذه المناسبة بفارغ الصبر، ويصعُب عليه حرمانهما منها بقرار شخصي.

ويضيف: "أغلب المواطنين يلجأون إلى القروض من أجل النحر، ما يجعلهم تحت عنق السلف وما ينتج عنه. البعض يلبي نداء هذه الشعيرة فقط من أجل عيون الأولاد الذين ينظرون إلى جيرانهم وعائلاتهم، لذلك يجب أن يكون الإلغاء عاماً على جميع المغاربة دون استثناء".

الرأي نفسه يؤيده المواطن المغربي عبد الصمد الوردي إذ يرى أن المواطن البسيط لا يُمكنه تحمل مصاريف شراء الأضحية نظراً لارتفاع أثمانها. مع ذلك يعتقد أن "قرار الإلغاء صعب بسبب تعظيم المغاربة لهذه الشعيرة، رغم أنها سنة مؤكدة وليست فرضاً، أيضاً لقد تحوّلت من شعيرة كغيرها من الشعائر إلى طقس للتباهي والتفاخر".

لو كان القرار يخصه وحده، لما نحر عبد الصمد هذا العيد حسبما يقول لرصيف22. لكنه يُقيم مع والديه وإخوته بنفس المنزل ولا يمكن أن يفرض على باقي أفراد الأسرة القرار. وهو يستدرك بأنه لا يتدخل البتة في شراء الأضحية، وإنما يتكفّل والده بذلك.

بالتواصل مع أحد بائعي الماشية، ويُدعى عبد الله، لمعرفة متوسط أسعار الأضاحي ومعدل الزيادة فيها لهذا العام، يوضح أن سلالة "الصردي"، التي توجد بكل من الرحامنة وسطات، والمعروفة بأنها الأفضل في المغرب، فقد كانت الأضحية الواحدة منها تُباع بـ4000 درهم (ما يعادل 400 دولار أمريكي)،  إلى 4500 درهم (نحو 450 دولاراً). أما حالياً، فقد وصل سعرها إلى الضعف؛ أي 8000 درهم (800 دولار) وأكثر. نفس الأمر بالنسبة لسلاسة "الدمان"، حيث كان يصل ثمنها إلى 2000 درهم (200 دولار ) وتضاعف سعرها الآن.

يعزو عبد الله سبب ذلك إلى تراكم سنوات الجفاف خصوصاً في السنوات الأربع الماضية، ما أثر بشكل كبير على ثمن الأعلاف.

قرار الإلغاء سيادي، والنحر سُنّة

بحسب  أستاذة مادة التربية الإسلامية والباحثة، سعاد المومني، فإن "شعيرة عيد الأضحى ليست واجبة، ولكن سنة مؤكدة، إلا أنها واجبة على القادر، يحاسب على عدم الالتزام بها كل من هو قادر مادياً، على أن غير القادر على ذلك لا يلزمه النحر أو تأدية الشعيرة".

وتقول لرصيف22: "مسألة إلغاء العيد من عدمه تحتاج إلى فتوى من المجلس العلمي الأعلى (التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمختص بالفصل في القضايا الجدلية المتعلقة بالدين)، يعززه الديوان الملكي، وإلى حدود الساعة لم يخرج أي قرار في هذا الصدد، لذلك لا داعي إلى أن نتحدث عن الإلغاء من عدمه".

نفس الأمر يؤكده رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، علي شتور، في تصريح لرصيف22، لافتاً إلى أن "قرار الإلغاء مسألة سيادية من اختصاص ملك المغرب".

بالنسبة للأضاحي، فإن سلالة "الصردي"، المعروفة بأنها الأفضل في المغرب، كانت الأضحية الواحدة منها تُباع بـ4000 درهم (ما يعادل 400 دولار أمريكي)،  إلى 4500 درهم (نحو 450 دولاراً). ووصل سعرها إلى الضعف حالياً، أي 8000 درهم (800 دولار) وأكثر. نفس الأمر بالنسبة لسلاسة "الدمان"، حيث كان يصل ثمنها إلى 2000 درهم (200 دولار ) وتضاعف سعرها الآن

يضيف شتور: "مواقع التواصل الاجتماعي تظل افتراضية بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وتظل التصريحات الحكومية والتقارير الصحافية إلى حد الآن تفيد بوفرة الماشية وتعمل على مضاعفة استيراد الأغنام الموجهة للذبح كما جاء في كلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة الذي يقول بترقيم قرابة مليوني رأس غنم في آخر تصريحاته، مشدداً على السعي إلى استيراد 600 ألف رأس قابل للزيادة في إطار الاستعداد لعيد الأضحى. 

لا للإلغاء

في المقابل، لا يتفق مروان أزقور مع فكرة الإلغاء لاعتبارات عديدة. يشرح المواطن المغربي، لرصيف22، أن اعتبارات إلغاء العيد سابقاً في عهد الحسن الثاني، لا تتوفر حالياً، لا من حيث ظروف الجفاف الشديدة التي كانت سابقاً، ولا الوضعية الاقتصادية للمواطنين والبلاد، لذلك فالعرض متوفر وإن كان ناقصاً، على حد قوله.

يضيف مروان: "الظروف ليست صعبة، وقرار الإلغاء بين يدي الملك لا مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الملك توضع عنده كل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتي من خلالها يتخذ قرار الإلغاء من عدمه". يتكهن أزقور بأنه "من المستحيل أن يتم الإلغاء بعدما شرعت الحكومة في ترقيم الأضاحي، وبدأت تدابير استيراد المزيد من الخارج".

إلى ذلك، يتمنى أزقور ما يصفه بـ"العودة إلى أصول الشعيرة" أي "أن يكون هناك تضامن بين الناس، وأن نعود إلى تقسيم الأضحية حسب الشرع، بين الفقراء والمحتاجين، ثم الأقارب، والباقي للعائلة الخاصة، كما أنه يجب على الدولة اتخاذ كل التدابير لتوفير الأضحيات بأسعار مناسبة".

إجراءات حكومية صارمة

بدوره، يأمل شتور: "رُغم كل التدابير الحكومية، نتمنى أن يلمس المستهلك المغربي هذا كله على أرض الواقع مع إمكانياته المادية والشرائية"، متابعاً "لا بد من تعزيز عمليات المراقبة والتتبع لكل ما يتعلق بعيد الأضحى بدايةً من عملية استيراد الأضاحي، مروراً بمراقبة جودة مياه شرب الأضاحي وأعلاف الماشية التي تقدم لها، وكذلك الأضحية المستعملة في الضيعات ووحدات التسمين".

لا يوافق مروان على إلغاء شعيرة النحر في عيد الأضحى بقرار ملكي لكنه يتمنى"العودة إلى أصول الشعيرة" أي "أن يكون هناك تضامن بين الناس، وأن نعود إلى تقسيم الأضحية حسب الشرع، بين الفقراء والمحتاجين، ثم الأقارب، والباقي للعائلة الخاصة، كما أنه يجب على الدولة اتخاذ كل التدابير لتوفير الأضحيات بأسعار مناسبة"

كما يحث رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك: "تجب مراقبة السوق ومحاربة السماسرة والمضاربين والمحتكرين، الذي يتمتعون بقدرة فائقة على التفاوض وخفض ثمن الماشية عن المربين ورفعها بالنسبة للمستهلك. وكذلك بائعي الأعلاف المغشوشة، الذين يدخلون على الخط في هذه الفترة لحصد الربح السريع، ولو على صحة وجيوب المواطنين والتلاعب بالقدرة الشرائية دون شفقة أو رحمة".

يصر شتور أيضاً على  "ضرورة الالتفات إلى الفلاح الصغير المغلوب على أمره الذي باع كل ما يملك، وينتظر من الجهات المسؤولة التدخل لمساعدته وتقديم الدعم المعنوي والمادي حتى يعيد حيويته، لأن العديد من صغار الفلاحين فقدوا رؤوس المواشي بسبب الجفاف وقلة الكلأ وغلاء الأعلاف المركبة والمصاريف اليومية، ووجدوا أنفسهم عاجزين على مسايرة الوضع وتحمل المزيد من الالتزامات دون أن يقدم  لهم الدعم  الكافي". يختم شتور بالتشديد على أن "انتعاش المستهلك المغربي مرتبط جداً بانتعاش الفلاح".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image