لا نعلم بالتحديد مدى دقة تصنيف الفيلم السعودي "أنا الاتحاد"، الذي اعتمد على أن يحكي قصة نشأة نادي اتحاد جدّة، وربطَ خلال ذلك الأسطورة المتخيّلة بالفكرة الحقيقية لنشأته؛ هل يبدو تسجيلياً أم روائياً وثائقياً يحكي "حدوتةً" حالمةً يتقبلها أبناء النادي أكثر من غيرهم، ويمرّرون هفوات الفيلم غير القليلة بالرغم من أهميته الحقيقية على كل حال؟ يبدو هذا التساؤل برغم بداهته تأسيسياً في فهم الفيلم الذي بات الأشهَر بين الأفلام التي شاركت معه في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة العاشرة لمهرجان الفيلم السعودي (2 إلى 9 أيار/مايو 2024).
في إطار تاريخي، يستعرض فيلم "أنا الاتحاد"، الذي جاء بإخراج حمزة طرزان وكتابة عبد الإله النجيمي، الـ50 سنةً الأولى من تاريخ النادي، الأكثر شعبيةً إلى جانب نادي الهلال، ويحكي كذلك قصص أهم اللاعبين والإنجازات والبطولات التي فاز بها النادي العريق، وكل ذلك من خلال رجل مُسنّ يدعى "عم روح" يروي قصة ناديه المفضل لطفل يقع في حب كرة القدم والنادي.
قصة فيلم "أنا الاتحاد" بدأت ربما كسابقة غير مألوفة للأندية السعودية والعربية، بعد أن كشف رئيس نادي الاتحاد السعودي، أنمار الحائلي، في مؤتمر صحافي عُقد في مقر النادي في مدينة جدة عن إطلاق أول فيلم سينمائي روائي "أنا الاتحاد" يتحدث عن تاريخ النادي العريق على مر العقود الماضية عن طريق قالب روائي درامي، وبعد ذلك استمر العمل على الفيلم خمس سنوات كاملةً، كما أخبرنا صنّاعه.
في إطار تاريخي، يستعرض فيلم "أنا الاتحاد"، الـ50 سنةً الأولى من تاريخ النادي، الأكثر شعبيةً إلى جانب نادي الهلال، ويحكي كذلك قصص أهم اللاعبين والإنجازات والبطولات التي فاز بها النادي العريق، وكل ذلك من خلال رجل مُسنّ يدعى "عم روح"
جاء الفيلم في وقت سمعنا فيه عن فيلم آخر سيحكي قصة النادي المنافس، نادي الهلال، كما سنسمع عن فيلم يحكي قصة نادي النصر الذي يلعب فيه كريستيانو رونالدو، أحد أهم لاعبي الكرة في العالم. هذه الأفلام كلها ربما للتوثيق وإشعال لهيب الحماسة في جماهير كلّ نادٍ على حدة، لذلك كانت أهميته الأولى، على غير العادة، رياضيةً أكثر من كونها سينمائيةً بحتة.
مهرجان الفيلم السعودي العاشر
أتى العرض الأول للفيلم، ضمن الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية، الذي يقيمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، بتنظيم من جمعية السينما السعودية، وبدعمٍ من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة. احتفى المهرجان مجدداً بالمشاركات الأدبية والثقافية في صناعة السينما، وجمع صنّاع الأفلام في بيئة سينمائية ملهمة، لكنه في المقام الأول شجّع الصناعة الترفيهية السعودية، السينمائية أولاً، ومن خلال هذا الفيلم قدّم عربون محبة للقطاع الكروي الذي يتطور بالدرجة ذاتها من الحماسة.
إلى جانب هذا الفيلم، تضمنت هذه الدورة من المهرجان مسابقات للأفلام الطويلة الروائية: سبعة أفلام أخرى، ومسابقة للأفلام القصيرة والوثائقية، وأخرى تهتم بتطوير هيكل الأفلام والسيناريوهات غير المنفّذة، مع توسيع نطاق برامج عروض الأفلام لتشمل أفلاماً مختارةً على المستويين العالمي والعربي، وتقديم حزمة من البرامج الثقافية والإثرائية تشمل الندوات والورش التدريبة، بالإضافة إلى توفير منصة لشركات الإنتاج، والمنتجين، وصنّاع الأفلام، لتمكين مشاريعهم في سوق الإنتاج، إلى جانب إصدار وترجمة كتبٍ ضمن السلسلة المعرفية، سعياً إلى استمرار مسيرة المهرجان في إثراء المكتبة العربية في مجال صناعة الأفلام والسينما.
لذلك كان هذا الفيلم يحتاج إلى تفكيك نسبي بسبب أشياء كثيرة لا يمكن فهمها مع الرضوخ لتلك القاعدة الفيلمية الأسهل التي اعتمدت على الترويج للّحظة الحالية، فالفيلم كاملاً محاط بالمغامرات الجذابة غير المنتجة للمعنى العام، وفيه تصالب للمصائر بالنسبة لشخصياته، ونجاح مدوٍّ قد لا يفهمه سوى مشجعي النادي من الداخل، أو للدقة يشعرون به أكثر مما يحاولون فهمَ قصتِه، وهو نجاح متوقّع على كل حال لم يؤسس على حبكة صعبة. لكن بالرغم من كل شيء يمكن الوقوف نقدياً على ما جعل الفيلم يلقى نجاحاً في السعودية.
عشاق الكرة لا يهتمون بالسينما كثيراً
بدا القرار واضحاً من أول لحظة بالانتماء إلى النادي أكثر من خلق معضلات تورط المشاهدين أكثر، وطغيان الروح الكروية، وعدم التطرق إلى أي مشكلة يواجهها النادي، حتى في الأوقات الأولى التي تسبق اللحظة الحالية التي يعيش فيها الدوري السعودي أفضل أوقاته على الإطلاق.
لا نعلم بالتحديد مدى دقة تصنيف الفيلم السعودي "أنا الاتحاد" كفيلم تسجيلي أم روائي وثائقي، فهو اعتمد على أن يحكي قصة نشأة نادي اتحاد جدّة، وربطَ خلال ذلك الأسطورةَ المتخيّلة بالفكرة الحقيقية لنشأته.
في فيلم "أنا الاتحاد"، يتكهّن الكاتب ويتخيل التعقد والموسيقى ويتجاوز الرواية والحبكة بشكل كبير، ويلتزم بحساسية مشاعر كل متعاطف مع النادي من البداية إلى النهاية، ولا يتخيل متفرجاً آخر، ويراهن في كل مشهد على أن المشاهد البعيد عن السعودية حتى، يتابع نادي كرة القدم الذي يحبّه، ويحب أنديةً أخرى بالدرجة ذاتها، فيمكن ببساطة التعاطف من بعيد مع القصة دون التورط فيها على أي مستوى، الأمر الذي لا يجعلنا نفهم جيداً هل هذا جيّد أو معطّل للفهم.
ثمة تقارب في الفيلم بين الانتعاش الذي تعيشه السينما السعودية والدوري الكروي السعودي كذلك، ويبدو على الدرجة ذاتها من الاهتمام والتوفيق، فكلاهما يمرّران مساحة تحرر وانفتاح لم تواجهها السعودية في وقت قريب، وكلاهما مشغولان بالتأكيد على الهوس بتلك الروح المغامرة، وربما يتناسيان أحياناً أن ثمة جمهوراً لم يعش الوقت الصعب القديم، ويحتاج إلى الاستماع إليه في مساحات وسياقات وحبكات أكثر تعقيداً مما يقدم، تحديداً مثلما حدث في فيلم "أنا الاتحاد"، الجيّد فنياً لكنه كان يحتاج إلى دراما أكثر مما يحتاج إلى الترويج.
الخسارة الكروية التي تُعلّمنا أكثر من المكسب
في إحدى رسائل كوتسي إلى بول أوستر، كان يخبره عن فلسفة تشجيع النوادي التي تختلف عن الفلسفة المعاصرة القائمة على حبّ النجاح والمكسب فقط. كان يرى أن الخسارة في المباريات تقرّب جماهير هذا النادي من بعضهم بعضاً أكثر من الفوز. يبدو تماماً أن ذلك كان الرابط الأول لحب نادي الاتحاد، وربما هو ذاته الذي جعلني أحبه، كحبّي للزمالك المصري.
هكذا يتحرّك صنّاع "أنا الاتحاد" الذي ورّط كل مشاهدٍ، بدايةً من اسمه، على أنه بالضرورة ابن للاتحاد نفسه، فنجد الانطلاق من اللحظة الصعبة دون أن نفهم جيداً مدى المواجهات والتضحيات التي حدثت حتى نصل إلى نقطة نجاح قوية.
في المشاهد الأولى للفيلم نجد الطفل البطل الذي يريد أن يعرف عن تاريخ النادي الذي يحبّه، وهو يلعب بالكرة في الشارع، ويتسبب ذلك في إزعاج والدته، وعندما يذهب إلى الخال للعقاب، يجد الرجل متعاطفاً مع حبّه للكرة. يبدو أنه مجتمع ذكوري كروي معتاد، محب للكرة أكثر من أي شيء آخر.
يحيّد كذلك فيلم "أنا الاتحاد" الوجود النسائي نسبياً، فلا نجد العناصر النسائية في الغالب، إلا شخصيات ثانوية في العمل، بينما يتحرك قوام العمل الأصيل والمؤسس بين الرجل الكبير الذي يجلس ويحكي قصة النادي منذ البداية للطفل المهووس بحب الاتحاد في كل سياق.
ثمة تقارب في الفيلم بين الانتعاش الذي تعيشه السينما السعودية والدوري الكروي السعودي كذلك، ويبدو على الدرجة ذاتها من الاهتمام والتوفيق، فكلاهما يمرّران مساحةَ تحرّرٍ وانفتاح لم تواجهها السعودية في وقت قريب
في أثناء عرض الفيلم في مهرجان الأفلام السعودي، حاولت التساؤل عن الصنّاع. وفي أثناء الدردشة مع الجمهور عرفت أن مؤلفه النجيمي عضو مؤسس في النادي وأمين عام مركز التوثيق والمعلومات فيه، إلى جانب كونه صاحب أكبر أرشيف رياضي لمؤرخ سعودي، فيه ما يزيد على 20 ألف وثيقة قديمة عن النادي والرياضة السعودية بشكل عام، وفهمت نسبة الإقبال الكبيرة.
يمثّل "أنا الاتحاد" سهرةً تلفزيونيةً طويلةً للجمهور المتعطش إلى حب ناديه، من صنّاع أفنى أحدهم عمره للنادي، ألتراس عاشق للكيان، هكذا يمكن فهمه أكثر من كونه سينما خالصةً. استخدم مدير التصوير والمخرج مساحةً لونيةً إعلانيةً يغلب عليها الاستعراض الرياضي أكثر، وشريط صوت متميزاً يربط الأحداث هو بمثابة صرخة تشجيع طويلة للنادي.
تاريخ لا يخاف تورط الغرباء
يقول منتج الفيلم تيد فيلد: يملك النادي تاريخاً عريقاً ومشرفاً، نقش فيه رجال حروفاً مضيئةً من الجهد والتضحية وسطرت صفحاته ملاحم الإنجازات والبطولات عبر الأعوام الطويلة حتى يومنا الحاضر. حفظ تاريخ هذا النادي وإبراز إنجازاته من أهداف إدارة نادي الاتحاد الحالي. وبالرغم من ذلك، العمل سوف يتم وفقاً لأعلى المعايير العالمية كما ستتم الاستعانة بالمعامل السينمائية في لوس أنجلوس لضمان إظهار العمل بأفضل صورة ممكنة. تيد فليد هو رائد أعمال ومنتج أمريكي وُلد في عام 1953، وقام بإنتاج عدد من الأفلام من أبرزها فيلم “Mr. Holland’s Opus” و “Riddick”و “Cocktail”كما حصل على جائزة “إيمي برايم تايم". بالفعل كان كلامه يحمل أغلب الصحة، فالفيلم على المستوى البصري مكتمل تماماً ومشرّف لأبعد شكل ممكن، لكنه على حساب ذلك تناسى قليلاً السيناريو الذي يحتاجه عمل مثل ذلك.
اتحاد جدة من أقدم أندية المنطقة العربية، تأسس في عام 1927 وهو بذلك أحد أقدم الأندية السعودية، وقد تمكن من تحقيق بطولة دوري أبطال آسيا مرتين متتاليتين بالإضافة إلى الفوز بلقب بطل الدوري السعودي ثماني مرات. لذلك يقدّم الفيلم من خلال الاعتماد على تاريخية النادي دروساً تبدو مباشرةً إلى حدٍ ما، عن البدايات التي تأسس عليها والتي تجزم بالبعد عن العنصرية والطبقية، وإمكانية انضمام كل من يحبه إليه. هو فيلم يؤكد التقدم الكروي، ويوثّقه في شكل حالم تماماً. وقد بدا في الأخير برغم جودته البصرية والعاطفية المفرطة، ابتزازاً عاطفياً للجمهور الكروي الذي يعلم كل محب لكرة القدم مدى حبه غير المنطقي لناديه المفضّل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.