منذ العام 2000، وتحديداً بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في 25 أيار/ مايو من ذلك العام، تحوّل حزب الله شيئاً فشيئاً إلى العمل السياسي المحلّي مع الحفاظ على ترسانته العسكرية.
فهو على الرغم من تواجده في البرلمانات المتلاحقة منذ عام 1992، أي بعد الطائف، إلا أنه لم يدخل إلى الحكومات المتعاقبة، وبقي بعيداً عن الانغماس في السياسة الداخلية المباشرة.
بدء التحول كان بعد حرب تموز/ يوليو عام 2006، ومن ثم اعتصام وسط بيروت اعتراضاً على سياسات حكومة فؤاد السنيورة آنذاك، والتي كان حزب الله جزءاً منها قبل أن ينسحب مع حلفائه، ثم يدخل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت نتيجة اتفاق الدوحة، الذي بدوره أتى نتيجة أحداث 7 أيار/ مايو 2008، حين انتشر مسلّحو الحزب وحلفاؤه في بيروت، وحاولوا التمدد إلى مناطق أوسع.
هذا الدخول لم يكن كسابقيه، إذ حصل حزب الله على ما اصطلح على تسميته بالثلث المعطل، وفرض ما يُسمّى بالديمقراطية التوافقية، فأصبح بإمكانه أن يوقف أي قرار لا يراه مناسباً باستخدام الثلث المعطل الذي صار مكرّساً له ولحلفائه منذ ذلك الوقت.
تشير دراسة صادرة عن الجامعة الأمريكية في بيروت تحت عنوان The Impact of Israeli and Saudi Arabian Geopolitical Risks on the Lebanese Financial Market، من إعداد الدكتورة ليال منصور إشراقية، إلى أن حزب الله، بالإضافة إلى الثلث المعطل في الحكومات المتعاقبة، تولّى عبر حليفه اللصيق، أي حركة أمل، منصب وزارة المالية منذ عام 2014، في عهد حكومة تمام سلام وحتى اليوم، وهو المنصب المنوط به التوقيع الثالث، بعد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، على كل القرارات والتعيينات، حتى القضائية منها.
ويعبّر موالون لحزب الله صراحةً عن فخرهم باللجوء إلى التهريب ومخالفة القانون كجزء من عمل المقاومة.
بحسب دراسة منصور، تجاوزت قيمة الفساد 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، مع مؤشر تهرّب ضريبي بلغ 0.69، حسب تقديرات Vo et al، واستمرت الأمور في التصاعد مع فرض التعطيل وإقفال مجلس النواب حتى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016، وقد بلغت مدة التعطيل التراكمي في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في رئاسة الجمهورية ومجلسَي النواب والوزراء في الفترة الممتدة من آخر العام 2006، وحتى مطلع النصف الثاني من العام 2021، نحو 4،713 يوماً، أي ما يقارب ثلاث عشرة سنةً، بحسب ما أورد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، في كتابه "الدين العام اللبناني التراكم والتأثيرات السلبية". وهي السنوات التي سادت خلالها المماحكات، وتفاقمت المشكلات السياسية والاقتصادية والمالية، لا سيما مشكلة الدين العام. فقد ارتفع الدين العام في تلك الفترة من حدود 37.7 مليارات دولار في العام 2006، إلى 91.6 مليارات مع بداية الأزمة الأزمة الاقتصادية في العام 2019"، كما تذكر الدراسة.
تفكيك الاقتصاد الشرعي
هذه الهيمنة تجعل من حزب الله أحد الأطراف التي تتحمل مسؤولية ما حلّ باقتصاد لبنان وصولاً إلى انهياره اعتباراً من سنة 2019. أما استعصاء الحل السياسي والاقتصادي، بسبب تخاذل جميع القوى الحاكمة، فَيَدلّ على تواطؤ حزب الله وفقدان الانسجام بين ممارسته الفعلية وخطابه حول المسألة الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد والهدر.
بالإضافة إلى الثلث المعطل في الحكومات المتعاقبة؛ تولّى حزب الله عبر حليفه اللصيق، أي حركة أمل، منصب وزارة المالية منذ عام 2014، وهو المنصب المنوط به التوقيع الثالث، بعد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، على كل القرارات والتعيينات، حتى القضائية منها
في الانتخابات النيابية عام 2022، تبنّى حزب الله خطاباً اقتصادياً اجتماعياً تحت عنوان "باقون نحمي ونبني"، وأورد في الشقّ المتعلق بالنهوض السياسي والإداري، التالي: "مكافحة الفساد على كل الصعد كقضية مركزية، وتعزيز قدرات الهيئات الرقابية للمتابعة والوقاية، وكشف المرتكبين، وتفعيل دور القضاء بعيداً عن التسييس، لإصدار الأحكام الرادعة والعادلة".
ما طرحته كتلة الوفاء للمقاومة من خطوات لمكافحة الفساد يتناقض جملةً وتفصيلاً مع إدخال حزب الله عشرات شاحنات المازوت الإيراني إلى لبنان قبل أقل من سنة، من خلال الطرق غير الشرعية، الأمر الذي فوّت على خزينة الدولة مبالغ ماليةً كبيرةً من العوائد الجمركية المحددة بنسبة 5 في المئة من قيمة البضائع. وشُرّع التهريب باعتباره واحداً من أكثر الملفات فساداً في لبنان.
الأمور لم تقف هنا، فقد أدى تهريب المخدرات والكبتاغون من سوريا إلى الدول الخليجية عبر لبنان، من خلال الصادرات الصناعية والزراعية، إلى وقف الدول الخليجية الاستيراد من لبنان. وما زالت السعودية حتى الساعة تمنع البضائع اللبنانية المنقولة برّاً من دخول أراضيها أو حتى عبورها إلى بقية الوجهات الخليجية.
وقد أتى القرار بعد إعلان المملكة العربية السعودية في 23 نيسان/ أبريل الماضي، منع دخول الخضروات والفواكه اللبنانية أو عبورها من أراضيها، وذلك بعد إحباط تهريب أكثر من مليونَي قرص مخدّر مخبأة في شحنات الفواكه اللبنانية. وقد أعلن المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات النقيب محمد النجيدي، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، "أن المتابعة الأمنية الاستباقية لنشاطات الشبكات الإجرامية، التي تمتهن تهريب المواد المخدرة إلى المملكة، أسفرت -بتوفيق الله- عن إحباط محاولة تهريب 2،466،563 قرص إمفيتامين مخدّراً، حيث تمت متابعتها وضبطها، بالتنسيق مع الهيئة العامة للجمارك، في ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، وكانت مخفيةً داخل شحنة رمّان قادمة من لبنان".
وكان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية العقيد طلال الشلهوب قد أعلن، في 23 أيلول/ سبتمبر من العام 2021، عن "إحباط محاولة إحدى شبكات إنتاج وتهريب المخدرات المرتبطة بتنظيم حزب الله اللبناني الإرهابي، لتهريب 451،807 أقراص إمفيتامين إلى المملكة، بحراً من لبنان إلى جمهورية نيجيريا الاتحادية، مخبأة داخل معدات ميكانيكية، حيث تم بالتنسيق مع الجهات النظيرة في جمهورية نيجيريا، ضبطها قبل شحنها إلى دولة أخرى وإرسالها إلى المملكة".
كبّد هذا الواقع المصدّرين عموماً، والمزارعين خصوصاً، خسائر فادحةً ناتجةً عن ارتفاع كلفة النقل البحري وتعرّض البضائع للتلف الكلّي أو الجزئي بسبب استغراق الرحلة عبر البحر بين 15 و20 يوماً، في حين كانت تتطلب 5 أيام لتصل إلى مدينة جدّة السعودية. وقد أشارت عمليات أمنية عديدة، إلى محاولات شبكات مرتبطة بشكل أو بآخر بالحزب، تضم لبنانيين وسوريين، تهريب المخدرات إلى أكثر من دولة، ومنها دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، وذلك عن طريق تمويه المخدرات ووضعها داخل الفواكه (حبوب الكبتاغون بشكل رئيسي).
إحباط القوانين الإصلاحية
تبنّى حزب الله رؤيةً اقتصاديةً تحت عنوان "النهوض المالي الاقتصادي" في البرنامج نفسه، لوقف انهيار العملة الوطنية، والعمل على استقرارها، وتوحيد سعر الصرف، وأقرّ حفظ حقوق المودِعين، وإعادة أموالهم، من خلال إصلاح بنية النظام المالي والقطاع المصرفي، وإعادة هيكلتهما. ولكن في الوقت نفسه، لم يصوّت وزراء حزب الله في مجلس الوزراء على الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل 2022، وقوّض نوابهم مع كتل نيابية أخرى، القوانين المتعلقة بإقرار الكابيتال كونترول من خلال خروجهم من قاعة البرلمان قبل الوصول إلى التصويت على القانون في العديد من الجلسات، وآخرها كانت جلسات منتصف كانون الأول/ ديسمبر التشريعية لعام 2023.
يعبّر موالون لحزب الله صراحةً عن فخرهم باللجوء إلى التهريب ومخالفة القانون كجزء من عمل المقاومة.
ويساهم حزب الله في تقويض الشرعية اللبنانية من خلال مؤسسته "جمعية القرض الحسن" التي أصبحت بمثابة مصرف يستقبل الودائع، ويعطي القروض، ويُصدر البطاقات الائتمانية، وينشر الصرّافات الآلية، وهذا كله من دون ترخيص من قبل مصرف لبنان أو حتى رقابة من الجهات المسؤولة كلجنة الرقابة على المصارف.
وكانت "جمعية القرض الحسن"، قد بدأت بمنح قروض شخصية مقابل إيداعات بالذهب، لتصل إلى منح قروض للمشاريع الاستثمارية، ثم تتوسع تديجياً وتنتشر في العديد من المناطق اللبنانية كسوق الغرب في قضاء عالية وعمشيت في قضاء جبيل. وتموَّل الجمعية من جهات ورجال أعمال على علاقة بحزب الله كما دلّت وثائق الجمعية التي كشفتها مجموعة من المقرصنين تُدعى SpiderZ، أظهرتهم وثائق "القرض الحسن" المخترَقة، ومنهم علي وحسين تاج الدين وحسين العيساوي.
الانهيار الذي ألمّ بلبنان منذ العام 2019، كان من الممكن ربما تجنّبه لو انتهجت الحكومات المتعاقبة، التي كان حزب الله جزءاً منها، سياسات مختلفةً مع تطبيق إصلاحات إدارية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وهي الإصلاحات التي طالب بها المانحون منذ مؤتمر باريس 2 في العام 2002، والتي ركزت على ضرورة مكافحة الفساد وإنشاء الهيئات الناظمة، بشكل أساسي للكهرباء والاتصالات وإصلاح التعريفات الجمركية والضرائب ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، والتي عادت وشددت عليها الدول المانحة نفسها في العام 2018، في مؤتمر "سيدر".
فخلافاً لمؤتمرات باريس 1 و2 و3، لم تقدّم الدول أي مساعدة مالية قبل بدء لبنان بتنفيذ الإصلاحات. وهي الأموال التي كان من شأنها الحؤول دون انفجار الأزمة لو التزم لبنان بالإصلاحات تلك، ليعود من بعدها صندوق النقد الدولي ويشدد في الاتفاق المبدئي، الذي وُقّع على صعيد الموظفين، في نيسان/ أبريل 2022، على الإصلاحات المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع العام وإنشاء الهيئات الناظمة، لا سيما في قطاع الكهرباء، وأضاف إليها شروطاً جديدةً لمعالجة تداعيات الانهيار من قبيل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإقرار التشريعات الأساسية من "كابيتال كونترول" وغيره، وتوحيد سعر الصرف وتحريره، وإقرار قانون لتوزيع الخسائر قائم على تراتبية المسؤوليات في النظام المالي.
لكن "لا إصلاح من دون إصلاحيين"، كما يُقال. أي أنه يستحيل الإصلاح في ظل تركيبة النظام اللبناني ذي الرأسين، بحسب وصف صحيفة "لوموند" الفرنسية في افتتاحية سابقة لها، تحت عنوان "لبنان: الدولة، وحش غير قابل للحكم". ففي تشرين الأول/ ديسمبر من العام 2020، ذكرت الصحيفة أن هناك تواطؤاً بين "رأسَيْ" النظام اللبناني، "الأوليغارشية المالية" من جهة، وحزب الله بوصفه "سلطةً موازيةً" من جهة أخرى. وإذا كان حزب الله غير "متورط بشكل مباشر في الانهيار المالي للبلد"، إلا أنه "يلتزم الصمت، تضامناً مع بعض حلفائه (المتورطين فيه)، ويتغاضى عن الفساد مقابل تغاضي الأوليغارشية عن سلاحه".
وأدى هذا التواطؤ إلى تعطيل الكثير من القرارات، ومنها التعيينات القضائية، وعدم إكمال لبنان شروط الانضمام إلى اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية CRS الموقعة مع نحو 66 دولةً، والتي تنص على تلقّي لبنان المعلومات الضريبية عن مواطنيه في الخارج تلقائياً أو غبّ الطلب. وما زالت هذه الاتفاقية التي من شأنها كشف الكثير من عمليات تهريب الأموال والفساد والتهرب الضريبي عالقةً في المرحلة الأخيرة المتعلقة بحماية البيانات. وتتحمل وزارة المالية من حيث الشكل المسؤولية الأولى عن عدم إنجاز شروط التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية أو الحصول عليها غبّ الطلب. إلا أن هذه الوزارة، في المضمون، تنفّذ الرغبة السياسية المتوافق عليها من جميع الأطراف لعدم فضحهم. وطالما إدارات الدولة ممسوكة من المنظومة، فعبثاً نحاول الإصلاح.
بلغت مدة التعطيل التراكمي في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في رئاسة الجمهورية ومجلسَي النواب والوزراء من 2016 وحتى 2021 ما يقارب 13 سنةً في المحصلة، كما ارتفع الدين العام في تلك الفترة من حدود 37.7 مليارات دولار في العام 2006، ليقارب 92 مليارات مع بداية الأزمة الأزمة الاقتصادية في العام 2019
معادلة كهذه تجعل "حزب الله مسؤولاً عن الأزمة والانهيار، شأنه شأن بقية القوى، كونه شارك في الحكومات وامتنع عن تصويب المسار"، كما يقول الاقتصادي اللبناني، روي بدارو، ذلك أن "الجميع كان يعرف بأن ثمة فساداً منذ أولى الحكومات (التي دخلها). فكلهم شاركوا في المحاصصة بنسب مختلفة، وهم متكافلون متضامنون". وتقع المسؤولية أيضاً على الكتل النيابية، بما فيها كتلة حزب الله في مجالس النواب المتعاقبة منذ ما بعد اتفاق الطائف، "حيث أن كل من أيّد الموازنات التي تمت المصادقة عليها ولم يعترض صراحةً، يتحمل مسؤولية هذا الانهيار، وقمة المسؤولية تتمثل في مسألة إقرار سلسلة الرتب والرواتب"، يضيف بدارو، مؤكداً أن "الفساد والهدر مُرِّرا في الموازنات كلها، بالشراكة بين الجميع".
أكثر من ذلك، كان الكل، بمن فيهم حزب الله، يدركون العواقب المحتملة الآتية، لكنهم لم يحرّكوا ساكناً. هذا ما يؤكده الصحافي الاقتصادي محمد زبيب، بقوله إن "حزب الله، على الأقل، منذ انضمامه إلى الحكومة في عام 2005، لم يتعامل بجدّية مع التحذيرات من مخاطر انفجار النموذج الاقتصادي القائم، وتالياً حصول الانهيار. لقد تجاهل حتى التحذيرات التي صدرت من الأوساط القريبة منه، والتي كانت تنظر الى هذه المخاطر من منظار تأثيرها السلبي في الصراع مع إسرائيل، أو في ما يُسمّى البيئة الحاضنة للحزب".
ولم توفّر صحيفة "الأخبار" اللبنانية، التي تدور في فلك الحزب، مناسبةً بين العامين 2015 و2019، إلا حذرت فيها من مغبة الاستمرار في السياسات الاقتصادية والمالية القائمة. وكانت قد ذكرت في إحدى مقالاتها في العام 2018، تحت عنوان "عام السقوط: من يدفع فاتورة التصحيح؟"، أنه "في ختام العام 2018، يبدو الوضع الاقتصادي في لبنان خطراً للغاية". وكالات التصنيف خفضت رؤيتها المستقبلية من "مستقر" إلى "سلبي"، ثم جاءت "غولدمان ساكس" محذّرةً: "إلى متى يمكن تمويل العجز؟". في السياق نفسه، كانت هناك مقالات في "ذي إيكونومست"، "فايننشال تايمز"، "بلومبرغ" و"رويترز". آنذاك، كان الكل يرى أن لبنان على شفير السقوط، وأن العام 2019 قد يكون العام الذي تحصل فيه الكارثة.
وكان رئيس المركز الاستشاري للدراسات عبد الحليم فضل الله، قد شدد في أكثر من دراسة على أن التصحيح يجب أن يبدأ من خدمة الدين العام، وأن أي كلام آخر، يعني أن السقوط سيكون مزدوجاً، وذلك في مقال واردٍ في صحيفة "الأخبار" بعنوان "سقوط النموذج، وسقوط اللبنانيين في فخّ تحالف السلطة والمال".
على النقيض من ذلك، "تصرّف الحزب من خلال التقليل من أهمية هذه التحذيرات، وتالياً الإمعان، شأنه شأن الآخرين، في لعبة شراء وقت مكلفة، على الرغم من أن كل الوقائع كانت تقول إن النموذج انتهى، وإن المطلوب الإجابة عن سؤال ما العمل؟"، كما يذكر زبيب. فرفض أمين عام حزب الله حسن نصر الله، في خطاب له بعد يومين على انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، الاحتجاج على الوضع الاقتصادي في الشارع، وطلب من المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع العودة إلى منازلهم وانتظار نتائج تطبيق الورقة الاقتصادية التي قدّمتها حكومة الرئيس سعد الحريري التي كان مشاركاً فيها.
ومع بدء سعر صرف الليرة بالانهيار في العام 2020، لم يكتفِ حزب الله بتأييد خطة الدعم للمواد الاستهلاكية والمحروقات والأدوية التي فوّتت على الاقتصاد نحو 10.5 مليارات دولار من أموال المودعين، فقد اتُّهمت شركات ومستوردون مقربون منه باستغلال الدعم لتحقيق مكاسب وأرباح هائلة، منها فضيحة أحد مخازن الأدوية في قرية العاقبية جنوب مدينة صيدا. وبعد مداهمة وزير الصحة السابق (المحسوب على الحزب) حمد حسن، المستودع الذي يملكه عصام خليفة، صاحب شركة "نيو فارم" new pharm، تبيّن للوزير وجود كميات كبيرة من الأدوية وحليب الأطفال مستوردة بسعر مدعوم، ومخزّنة وغير مباعة للصيدليات، فاتّخذ قراراً بإقفال المستودع بالشمع الأحمر وتوزيع الأدوية على الصيدليات لتُباع بالسعر المدعوم.
غير أن الوزير سرعان ما عاد عن قراره، وفتح المستودع، مبرّراً ذلك بأن المضبوطات كانت معدّةً للتوزيع، وأن العملية تأخّرت بفعل عراقيل تقنية وإدارية، بالإضافة إلى الكثير من التبريرات. وتقاطعت هذه المعلومة مع حقيقة شراكة عصام خليفة في ملكية الشركة، مع عبد المطلب فنيش، شقيق الوزير السابق محمد فنيش، الذي ينتمي إلى الحزب، وهو ما يُظهره طلب تسجيل الشركة المقدّم إلى رئاسة محكمة تجارة صيدا، قسم السجل التجاري. بالتوازي مع الاستفادة من دعم الأدوية، حقق الثنائي الشيعي استفادةً من دعم المحروقات. على أن ترجمة تلك الاستفادة تمثّلت ببُعد خارجي، عبر تهريب الحزب للمحروقات المدعومة إلى سوريا، وبُعد داخلي عبر تخزين المحروقات وبيعها في الداخل عبر السوق السوداء.
لماذا هذا التقاعس؟
ثمة تفسيرات متعددة الأبعاد لتقاعس حزب الله إزاء هذا النموذج الاقتصادي اللبناني القائم على الفساد وتقاسم المغانم.
أولاً، يتعلق الأمر بموقع حزب الله في الصراع الاجتماعي. وهنا تشير الوقائع إلى أن الحزب ينتقد في خطابه المعلن "التطور الرأسمالي اللبناني"، لكنه كان "مشاركاً بملء إرادته في صياغة السياسات النيو-ليبرالية للحكومات اللبنانية المتعاقبة"، كما يخلص الباحث جوزف ضاهر، مؤلف كتاب "الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني"، المترجم عن الإنكليزية، في دراسة له، صادرة في مجلة "The Middle East Journal"، صيف 2016. ولم يطرح حزب الله "أي بديل منهجي للنيو-ليبرالية في لبنان"، وكل ما يفعله هو مجرد "تحقيق التوازن بين أهداف العدالة الاجتماعية المعلنة ودعم التدابير النيو-ليبرالية" للحكومات اللبنانية.
وهذا التورط النيو-ليبرالي للحزب، يتجلى في استحقاقات عدة، مثل التصويت في البرلمان على الإجراءات التقشفية أو على زيادة الضريبة على القيمة المضافة وخصخصة قطاع الخليوي، وفق ما يشرح ضاهر. وهي كلها سياسات أدت إلى مزيد من الظلم الاجتماعي للطبقات الشعبية والفقيرة لصالح قلة أوليغارشية حاكمة، كما أنها طُبِّقت على وقع عمليات نهب المال العام. هكذا، فإن دور الحزب في النظام اللبناني و"في الاقتصاد السياسي اللبناني"، يساهم في تشجيع "أنماط من المحسوبية والفساد" أيضاً، على حد تعبير ضاهر.
لم يكتفِ حزب الله بتأييد خطة الدعم للمواد الاستهلاكية والمحروقات والأدوية التي فوّتت على الاقتصاد نحو 10.5 مليارات دولار من أموال المودعين، فقد اتُّهمت شركات ومستوردون مقربون منه باستغلال الدعم لتحقيق مكاسب وأرباح هائلة
ثانياً، هناك مقاربة أخرى تتعلق بعدم امتلاك حزب الله سياسةً اقتصاديةً خاصّةً به أو معلنةً في لبنان، وهذه هي "مشكلته الفعلية" في نظر زبيب، كما "هي مشكلة معظم الأحزاب اللبنانية التي تقرّ بوجود الأزمة ولكنها تمارس عملية ضبط لقواعدها في إطار المحافظة على النموذج القائم لا تغييره أو تعديله". ويلاحظ الصحافي الاقتصادي أن حزب الله "في المحطات الأساسية، منذ انفجار الأزمة عام 2019، أعلن بكل بساطة أنه يقبل بأي شيء، أي أنه جاهز لأي حلّ يطرحونه ويتفقون عليه، كما لو أنه محايد! ولذلك، لم يعلن عن أي برنامج خاص به أو مشروع يحمله للتعامل مع الانهيار واكتفى بخطب تعبئة عن الحصار والاتجاه شرقاً وإعلان الجهاد الزراعي والصناعي… ومواقفه المعلَنة لم تكن حاسمةً أو واضحةً في ما يخص الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وشروطه المسبقة واللاحقة، أو إفلاس الجهاز المصرفي وتوزيع الخسائر، أو نظام سعر الصرف، أو إعادة هيكلة المصارف والديون، أو أي مسألة باتت مطروحةً بحكم الانهيار والإفلاس".
هو يتصرف على هذا النحو لأنه، وبحسب تشخيص زبيب للمشكلة، "يتعامل مع المسائل الداخلية انطلاقاً من اعتبارَين: الأول يتعلق بالأولويات التي ترتبط بالصراعات الإقليمية والإستراتيجية، ولذلك يفضّل تأجيل البتّ في القضايا الداخلية، وترتيبها وإدارتها الآن بالتي هي أحسن". أما الاعتبار الثاني، فهو أن "حزب الله ينظر إلى الداخل بعين خارجية، بمعنى أن تصرفاته تتم كما لو أنه يتعامل مع لبنان بوصفه ساحة صراع فقط، فهو، وعلى الرغم من استناده الى قاعدة اجتماعية واسعة من فقراء المدن والأرياف، لا ينخرط في الحراكات الاجتماعية، بل يحاربها أحياناً، ولا يتدخّل في الصراعات الاقتصادية، ولم يواجه الأوليغارشية بل عمل على رعاية بعض أطرافها، بما في ذلك ترشيح أحد المصرفيين المشبوهين، مروان خير الدين، على لوائحه الانتخابية"، وذلك كله تحت شعار "حماية سلاح المقاومة"، وفق قول زبيب.
ثالثاً، الرهان الخاسر والخطأ على أن هذا النموذج الاقتصادي اللبناني لن ينهار أو لن يُسْمَح له بالانهيار. في هذا المضمار، يقول الاقتصادي روي بدارو، إن "الجميع كان يراهن على أن المجتمع الدولي سينقذ لبنان، فهناك مؤتمرات باريس 1 وباريس 2 وباريس 3، وهي كلها كانت أساليب ماليةً ونقديةً لتقطيع الوقت، وجاء أخيراً مؤتمر سيدر (2018) الذي كان يمثل مسلسلاً مركباً، وذلك كله من أجل تأجيل انهيار لبنان واقتصاده". لكن على الرغم من هذه المبادرات الدولية كلها، لم يتحقق الهدف المأمول. بل على العكس، ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً، وتفاقم العجز. ولهذا تفسير يختصره بدارو بقوله: "بالإضافة إلى وجود سلاح وقرار خارج الدولة، فضّل السياسيون، كما في كثير من بلدان العالم، الإمعان في العجز في الموازنة، لأنهم يوظّفونه في خطابهم الانتخابي لكي يبيعوا الوهم للناس من أجل أن يصوّتوا لهم أو لمرشحيهم".
لكن المشكلة التي اصطدم بها الجميع ومن ضمنهم حزب الله، هي عدم الاستدراك المسبق الذي تمثل في "حجم العجزَين المالي وفي ميزان المدفوعات الذي فاجأهم، وذلك غير مسبوق في تاريخ البشرية"، وفق توصيف بدارو. وبحسب الأرقام التي يعلنها مصرف لبنان في تقاريره، بلغت الحصيلة التراكمية للعجز في ميزان المدفوعات منذ العام 2011 ولغاية منتصف 2021، 34.4 مليارات دولار. ويمكن أن تقسّم على الشكل التالي: 16 مليار دولار بين العامين 2011 و2018، و6 مليارات دولار في العام 2019، و10.5 مليارات في العام 2020، و1.8 مليارات لغاية منتصف العام 2021. أما العجز المالي، فبلغ في موازنة 2020 سبعة في المئة من الناتج الإجمالي المحلي أو 3.2 مليار دولار وذلك من دون إضافة سلفة للكهرباء بقيمة 1.2 مليار دولار، ليرتفع إلى 4.3 مليارات دولار. في حين أن العجز المالي التراكمي وصل بحسب دراسة اقتصادية بعنوان "في التنقيب عن جذور الأزمة" للخبير الاقتصادي عبد الحليم فضل الله، في السنوات 2006-2018، إلى نحو 28.7 في المئة من مجموع النفقات العامة، مقابل 38.4 في المئة للعجز المقدّر في الموازنة. وبذلك تقلّص الإنفاق الزائد الذي يتجاوز ما أقرّته الموازنات العامة ومشاريعها طوال المدة 1992-2018، إلى نحو 8،600 مليار ليرة، والعجز الزائد إلى 6،454 مليار ليرة تقريباً، وبلغ 82،950 مليار ليرة.
هذا الاستسلام المتعمّد والمربح لسياسة السوء الاقتصادية، هو في وجهه الآخر هروب من تحمّل المسؤولية المكلفة سياسياً. يؤكد زبيب أن "حجم التحدي الذي يفرضه التفكير في كيفية تفادي الأزمة، كبير إلى درجة أنه يفرض بدوره تحديات كبيرةً، لأن المطروح لتجنّب الأزمة كان يتمثل في حصول تغييرات بنيوية في الدولة والنظام السياسي وبنية الاقتصاد وفي شبكة المصالح…".
لكن "لم يكن لدى أحد، ولا حتى حزب الله، الجهوزية اللازمة للتعامل مع هذا التحدي، فكان الخيار المريح للحزب هو الرهان الدائم على مسائل غيبية، مفادها أن منطق الأزمات يقول إنها محتملة وغير محتملة، فضلاً عن لعنة الإيمان أو بالأحرى الوهم بأن لبنان ضرورة للعالم وتالياً لن يتركوه ينهار"، كما يعلّق زبيب. حتى عندما حصل الانهيار، وهبّ قسم كبير من اللبنانيين في انتفاضة 2019، بحثاً عن تغيير سياسي واقتصادي، اصطف حزب الله في موقع المدافع الشرس عن "الستاتيكو".
حزب الله يبدد فرص التغيير
عوامل عدّة تفسّر وقوف الحزب كحصن منيع في وجه أي دينامية تغييرية في لحظة الانهيار، أبرزها يتمثل في أن تلك التعبئة الشعبية "العابرة للطوائف، والتي (كانت) تمثل تهديداً محتملاً لجميع ممثلي النخبة السياسية اللبنانية، التي أصبح حزب الله جزءاً مكوناً لها"، كما تُظهر دراسة أخرى لجوزف ضاهر، نشرها مكتب باريس في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، مطلع 2020.
الانهيار الاقتصادي وانفجار المرفأ، والهجوم الخارجي، أمور دفعت الحزب لاتخاذ وضعية دفاعية، لذا اعتمد تكتيك الحفاظ على الموجود، من رئاسة وحكومة وحاكم مصرف لبنان، والدفاع عن هذا "الوضع" وتحصينه لكيلا ينهار وليتسلح به من أجل تحسين شروطه التفاوضية مع الآخرين
عامل آخر لا يمكن تجاهله، هو أن حزب الله "انتابه توجّس من أن يؤدي الانهيار إلى تقويض قدراته الداخلية على الحركة والمبادرة، ذلك أن حجم الحدث في لحظة الانهيار خريف 2019، ثم مع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، كان ضخماً إلى درجة أن الحزب كان غير مدرك مسبقاً لما قد يضطر إلى تسديده من أثمان لقاء تسوية الوضع، أو الخضوع لعلاجات جراحية"، فهو كان يخشى أن يؤدي الانهيار إلى انكشاف البلد أكثر وتصاعد الحاجة إلى التمويل الخارجي المشروط، بما يؤثر على وضعيته، والخوف يسبق البصيرة.
هكذا، فإن الانهيار والانفجار، والهجوم الخارجي لاستغلال الوضع، أمور دفعته إلى اتخاذ وضعية دفاعية وليس وضعية مبادرة، والوضعية الدفاعية تجعله يمتنع عن الدخول في مسار يؤدي إلى تغييرات لا يعرف إلى أين ستقود، فهو لن يقبل بتغييرات إلا إذا كانت خاضعةً لتحكّمه. لذا اعتمد تكتيك الحفاظ على الموجود، من رئاسة وحكومة وحاكم مصرف لبنان…، والدفاع عنه وتحصينه لكيلا ينهار، حتى يتسلح به من أجل تحسين شروطه التفاوضية مع الآخرين، على أساس أنه في حالة التسليم وقتها، لا يعرف النتيجة التي يمكن أن يصل إليها"، كما يشرح زبيب.
صندوق النقد الدولي وسردية الحصار
بالعودة إلى صندوق النقد الدولي وشروطه لدعم لبنان، كان لافتاً إعلان الأمين العام لحزب الله، في آذار/ مارس 2020، أنه لا يعارض "حصول لبنان على مساعدة أجنبية للخروج من أزمته المالية، حتى من صندوق النقد الدولي، ما دامت بلا شروط تضرّ بمصالحه الوطنية"، و"إذا كانت الشروط لا تنتهك السيادة اللبنانية أو لا تتعارض مع القانون اللبناني". وشدد على رفض "زيادة ضريبة القيمة المضافة وأي شروط يمكن أن تفجّر لبنان"، وفق تقرير لوكالة "رويترز".
والمقصود في "تفجير" الوضع اللبناني، أوضحه نائب الحزب، حسن فضل الله، في حديث إلى رويترز في الشهر نفسه، حين أعرب عن "رفض الشروط التي يتضمنها برنامج صندوق النقد الدولي لأنها تؤدي إلى ثورة شعبية"، إذ تساءل: "من يستطيع أن يتحمل مسؤولية زيادة الضرائب على عموم الشعب اللبناني أو بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص وخصخصة كل شيء وطرد نسبة كبيرة من موظفي الدولة؟".
هكذا، كلما أصرّ صندوق النقد على شروط أو زاد منها، ضغط اللاعبون الدوليون على الحكومة اللبنانية من أجل تطبيق الإصلاحات كشرط مسبق للتمويل والمساعدة، وأصرّ حزب الله على إقناع اللبنانيين بأن الأزمة انفجرت نتيجة "الحصار الخارجي" والضغوط الدولية المعطوفة على عقوبات أمريكية. بمعنى آخر، يحمّل الحزب الخارج مسؤولية الانهيار، ويعدّ أن الأمر يتعلق بمؤامرة غربية تهدف إلى إضعاف "المقاومة" لصالح إسرائيل وطموحاتها في المنطقة.
كلما أصرّ صندوق النقد على شروطه، ضغط اللاعبون الدوليون على الحكومة لتطبيق الإصلاحات كشرط مسبق للتمويل، وأصرّ حزب الله على سرديته بأن الأزمة انفجرت نتيجة "الحصار الخارجي.
في الواقع، ثمة عقوبات أمريكية تستهدف شبكات تمويل حزب الله -لم توفر المصارف اللبنانية على غرار "جمال ترست بنك" و"البنك اللبناني الكندي"- التي يُشْتَبَه في أنّها تساعد الحزب على الالتفاف على العقوبات. بالطبع، كانت لهذه السياسة تداعيات على الاقتصاد اللبناني. لكن سبب انهياره لا يكمن في العقوبات الأمريكية وامتناع الدائنين عن تقديم أي دعم مالي من دون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، بقدر ما يكمن في السياسات التي عززت العجز، وفي عملية احتيال ونهب واسعة النطاق تسارعت وتيرتها مع الهندسات المالية التي نفّذها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، اعتباراً من العام 2016، والتي يفضح جزءاً منها "التقرير الأولي للتدقيق الجنائي" الذي أعدّته شركة Alvarez & Marsal، وصدر في 10 آب/ أغسطس 2023.
سردية الحصار، بمعنى أن هناك مؤامرةً خارجيةً من قبل قوى الشرّ ضد قوى الخير، لا تبدو مقنعةً إذاً. السرديات التي تلامس الواقع تفيد بأن "أزمتنا الاقتصادية أزمة داخلية، وأزمة إدارة"، وفق الاقتصادي روي بدارو، الذي يشير إلى أن "القول إنها نتيجة الحصار الأمريكي، كلام سياسي". فبالنسبة لبدارو، طالما أن "طهران وواشنطن تتواجهان، وأن المجابهة الفعلية غير عسكرية، فإن الأمريكيين يواجهون بواسطة الدولار، أي بمعنى آخر هناك طرف يحارب بالسلاح وطرف آخر يردّ بالدولار، وعندما يذهب الحزب لمساعدة بشار الأسد، حليف روسيا وعدوّ أمريكا، فماذا نتوقع من الأمريكيين حينها؟ أي رد؟ أن يرسلوا جيشهم؟ لا، بل سيحاصروننا في مكان معيّن، وبالأدوات المتاحة لهم، أي الدولار، لا سيما أن استيراد لبنان يرتبط بنسبة 80 في المئة منه بالدولار".
التشدد الدولي والأمريكي إذاً جزء من قواعد اللعبة التي لم يبذل حزب الله أي جهد فعلي لتداركها وتفادي عواقبها. وحصر النقاش في مسؤولية الخارج، تغاضٍ عن واقع يفيده. وفق الاقتصادي محمد زبيب، فإن "الإقراض أو الهبات أو الودائع في المصرف المركزي، أمور ارتبطت بمحطات كان لبنان فيها على وشك الانهيار. وكانت تسمح بدرجة عالية من تدفق الأموال الصعبة إلى البلد بما يكفي لتسديد حساباته الخارجية مؤقتاً، ذلك أن لبنان، في السنوات الأخيرة، لديه عجز في حساباته الجارية، أي حساباته مع الخارج، بما له وما عليه، وكان عجز لبنان يساوي سنوياً ربع الناتج المحلي الإجمالي، إذ يشير البنك الدولي في تقرير بعنوان "تدفق التحويلات النقدية إلى لبنان شكّل شبكة أمان اجتماعي"، إلى أن "الحساب الجاري لا يزال يعاني في العام 2023، عجزاً بنسب كبيرة تصل إلى 12.8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المقدَّر بـ18.2 مليار دولار، وهذا العجز كان يتم توفيره من القروض الخارجية وودائع غير المقيمين، ومن التمويل الأجنبي للقوى المحلية. فكلها تدفقات تُستخدم في الداخل، وجزء منها يُنهب، وجزء يتم تهريبه. لكن الجزء الأكبر يعاد إنفاقه في الداخل. وهذه العناصر كانت تساهم في سد العجز".
لكن زبيب يشدد على أنه "عندما نقول إن لبنان يحتاج إلى قدر كبير من التمويل الخارجي، فنحن نقول في الوقت نفسه إن لبنان شديد الهشاشة أمام أي متغير خارجي، وهذا المتغير الخارجي واسع الطيف إلى درجة أنه عند صدور بيان أمريكي أو سعودي يتعرّض لبنان لمخاطر فعلية بالحد من هذه التدفقات". وعندما "حصل الانهيار وانكشف الإفلاس المصرفي، لم يقم الحزب بصياغة خطابه حيال الأزمة لأن أولوياته في مكان آخر، مما يجعل سردية الحصار التي يطرحها حزب الله مرادفةً لسردية 'ما خلّونا' عند العونيين، أو سردية 'الاحتلال الإيراني' وما شابه ذلك"، على حد تعبيره.
ومن الجدير ذكره أن رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، ذكر تعبير "ما خلّونا" في مؤتمر صحافي في 6 أيلول/ سبتمبر 2022، حيث قال ما حرفيته: "نحن عايشين بنظام ما خلّونا… وبدنا ننتقل لنظام يخلّينا"، عادّاً أن هذا النظام وهذه المنظومة المتحكمة فيه يمارسان سياسة التعطيل، موجهاً سهامه إلى وزارة المالية والمتحكمين فيها محمّلاً إياهم مسؤولية عجز مالي بقيمة 22 مليار دولار منذ العام 2000، وعدم تمويل بناء المعامل وتعطيل كل قوانين إصلاح الكهرباء في مجلس النواب. كذلك وقف فريق ما كان يُعرف بـ"14 آذار" ليقول إن ما يعاني منه لبنان هو نتيجة "الاحتلال الإيراني"، من دون أخذ دور المنظومة الحاكمة والتي كان البعض منهم جزءاً منها، في الحسبان.
الاقتصاد النقدي ورياض سلامة
ثمة اعتقاد بأن لدى حزب الله رغبةً ضمنيةً في الحفاظ على "ستاتيكو" ما بعد الانهيار. إذ من شأن الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد أن تضع حداً للاقتصاد النقدي بالدولار الذي تعزز وتكرّس أكثر بعد الانهيار الاقتصادي والمالي والمصرفي في لبنان، والذي ظهر حزب الله بوصفه أبرز المستفيدين منه، وفق ما تُظهره دراسة لـ"معهد واشنطن"، صدرت في حزيران/ يونيو 2023، من إعداد الباحثتَين سمر قزي وحنين غدار.
والحديث عن الرغبة الضمنية لحزب الله في الحفاظ على ستاتيكو ما بعد الانهيار، إشكالية قد لا تتوفر معطيات ملموسة كاملة ودقيقة لإظهار الحقائق بشأنها. وفي هذا الصدد، يرى بدارو أن "كثيرين يستفيدون من الاقتصاد النقدي، خاصةً الصرّافين، ومن الطبيعي أن حزب الله استفاد أيضاً"، لكن بدارو لا يعتقد بأن الحزب "كان ممسكاً باللعبة".
أما زبيب، فيرى أنه "في ما يتعلق بالاستفادة من الـcash economy، أي تسديد المدفوعات من خارج إطار الحوالات المصرفية أو بطاقات الدفع الإلكترونية أو الشيكات المصرفية، فإن تداولات الحزب المباشرة لا تتم أصلاً في إطار النظام المصرفي، بل من خلال الدفع نقداً (حتى لو كان يستخدم بطريقة ما النظام المصرفي)". ويلفت إلى أنه "عندما يتضخم الاقتصاد النقدي cash economy، سيستفيد كل من يتعاطى بالكاش، فكل السيستم يعمل الآن على أساس الاقتصاد النقدي وسوق الصيرفة غير النظامية، والحزب أحد اللاعبين الكبار في الاقتصاد النقدي تبعاً لتحوّطه من العقوبات والمحاولات الدؤوبة لتجفيف مصادر تمويله وإعاقة عملياته المالية".
ويضيف: "إذا كان السؤال المطروح يتعلق بمعرفة ما إذا تكيّف حزب الله مع ما حصل وحافظ على مصالحه ولم يفرط بجزء مخزونه النقدي من الدولار، أو أنه صرفه ثم استعاده؟ فهو يعيدنا إلى واقع أن البلد كله تصرّف على هذا النحو، وجميع اللاعبين عمدوا إلى التحوّط والتكيّف والمضاربة، كلاً حسب حجمه وأهدافه، وهذا يشمل حزب الله والأحزاب الأخرى، كما يشمل أصحاب الرساميل والتجار والمضاربين"، كما يذكر زبيب.
إذا كان السؤال المطروح يتعلق بمعرفة ما إذا تكيّف حزب الله مع ما حصل وحافظ على مصالحه ولم يفرط بجزء مخزونه النقدي من الدولار، أو أنه صرفه ثم استعاده؟ فهو يعيدنا إلى واقع أن البلد كله تصرّف على هذا النحو، وجميع اللاعبين عمدوا إلى التحوّط والتكيّف والمضاربة
ومن هذا المنظور، يشكّل استحداث مصرف لبنان، منصة صيرفة، في ظل استمرار تعدد سعر الصرف، غطاءً لعملية تحويل البلد إلى سوق صرف مشبوهة. وهنا يتعلق الأمر بواقع لا يمكن تحليله من دون طرح التساؤل حول طبيعة العلاقة أو التواطؤ الضمني بين حزب الله وحاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، الذي رخّص لشركة صيرفة وتحويل أموال جديدة "سي. تي. إي. إكس" بشكل مشبوه، وفي عزّ الأزمة، لأحد المقربين من الحزب وهو الاقتصادي حسن مقلد، الذي كان يعمل على شراء الدولار من السوق لصالح المركزي مقابل عمولة تصل إلى 3 في المئة.
وهذا ما أكدت عليه العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية مطلع العام 2023، على حسن مقلد وعلى ولديه ريان وراني مقلد، بتهمة "التنسيق الوثيق مع كبار المسؤولين الماليين في حزب الله لمساعدة الحزب في تأسيس وجود داخل النظام المالي اللبناني، وأن حسن مقلد ينفذ صفقات تجاريةً نيابةً عن الجماعة في جميع أنحاء المنطقة. ومؤسسة مقلد للصرافة تعمل بمثابة واجهة مالية لحزب الله".
في هذا الإطار، يوضح بدارو أن "قضية صيرفة كانت عملية صندوق أسود، وكان يتم تحديد سعر الصرف باتصال هاتفي، وأشك في أن هناك ازدواجية حسابات (Double Counting) في الأرقام كلها. وهناك لاعبون استفادوا منها، وهذه العملية كانت منظمةً بين كل من مساعدة حاكم مصرف لبنان ماريان حويك والحاكم نفسه رياض سلامة". في المقابل، يؤكد بدارو أنه من غير المعروف "كيف كان رياض سلامة يوزع المنافع من خلال منصة صيرفة، وما إذا كان هناك قسم خاص له، أو لمجموعة من السياسيين والنافذين".
ثمة غموض إذاً بشأن العلاقة بين سلامة والحزب. وثمة أداء مثير للاستغراب، واظب عليه الحزب حتى عندما بدأت المؤشرات تنذر بمسار الانهيار. يقول زبيب إنه لم يستطع يوماً أن يرى ما هي العلاقة التي تربط الحزب مع سلامة، "لكني لم أرَ مرةً أن حزب الله يريد قبع سلامة، كما كان يروّج. وعندما سنحت فرصة إقالته، لم يكن موقف حزب الله داعماً بهذا الاتجاه".
وكان وزراء الحزب قد صوّتوا في حكومة سعد الحريري الثانية، في 24 أيار/ مايو 2017، على التمديد لسلامة لولاية جديدة. وقد جُدّد لسلامة وقتذاك في أقل من دقيقة وبموافقة كل الوزراء ومن ضمنهم وزراء التيار الوطني الحرّ ووزراء حزب الله. وتنقل الصحف اللبنانية ما دار خلال النقاش حينها، ومفاده أن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان يترأس الجلسة قال للحاضرين: "هل من معترض على التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ فردّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ووزير العدل سليم جريصاتي، بالقول: 'تعيينه في ولاية كاملة، هذا ليس تجديداً'. ابتسم الجميع وصُدِّق". وعليه صار رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان لست سنوات جديدة بموافقة جميع الأطراف بما فيها حزب الله.
التحقيق الجنائي؟
يتساءل زبيب: "أين موقف الحزب من مسار التقرير الجنائي والعرقلة الفاضحة له وما كان عليه موقفه من الهندسات المالية عام 2016؟"، ويوضح أن "ما يكشفه التحقيق الجنائي، يثبت ما كنت أقوله وأكتب عنه في 2016 و2017 و2018، وأثبته بالوثائق. فهل يُعقل أن حزب الله لا يعرف عن عملية النهب التي حصلت؟". ومما أورده مثلاً محمد زبيب في مقال في جريدة "الأخبار" تحت عنوان "استبداد الليرة في العام 2018"، أن "سعر الصرف تحوّل إلى أحد التعبيرات الأكثر وضوحاً عن وهم الديموقراطية الانتخابية، إذ يوضَع، عن سابق تصميم، خارج الصراع، ويتمّ التعامل معه كمسألة 'تقنية' لا 'سياسية'، ويتمّ تغليف ذلك بادعاء 'استقلالية' المصرف المركزي عن سائر السلطات الدستورية (تشريعية ورقابية وتنفيذية وقضائية)، ومنحه 'سلطةً' لا ينصّ عليها الدستور ولا قانون النقد والتسليف، هي في الواقع سلطة 'الأسواق'، التي يقول حاكم مصرف لبنان بصراحة تامّة ووقحة إنها السلطة الوحيدة التي يحتكم إليها! وهنا يكمن الوجه الآخر للورطة التي نواجهها الآن: فمن يهتم بالنقود هم أنفسهم الذين يكسبونها، أمّا الذين يخسرون فيفقدوا اهتمامهم بها ويتعاملوا معها كطلاسم، والأهم أنهم يفتقدون من يمثلهم ويريد حقّاً أن يحميهم. وهذا مصدر القلق الفعلي ممّا يحصل".
يعتقد زبيب أن "الجميع كان على علم بما جرى، لكن بالنسبة إلى الحزب، إذا كان من شأن الهندسات المالية أن تساهم في كسب الوقت، أي تجنّب حصول الأزمة في حينه، فكان التوجه بأن يبقى رياض سلامة. أي كانوا يعرفون، لكنهم كانوا يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يشترون الوقت، لكن الهندسات المالية كانت تعني أن البلد أفلس، وبدلاً من الذهاب إلى إدارة التفليسة، تسلّح الحزب مع الشركاء الآخرين بالإنكار وغضّ الطرف والإمعان في شراء الوقت، التي أظهرت الوقائع كم كان مكلفاً على الماضي والحاضر والمستقبل".
هذا عن حسابات حزب الله. أما عن حسابات رياض سلامة، فكان كل ما يهمه، وفق قول الاقتصادي بدارو، "الاستفادة النقدية، وكل مشكلة رياض سلامة، وقد تغاضى الجميع عنه، هي أنه أتاح المنافع للحزب وللجميع، على أمل انتخابه رئيساً للجمهورية، لكن هذا التعجرف من أجل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية، قضى عليه، مع أنه حتى النهاية، وحتى ما قبل أسبوع من مغادرته منصبه، حين تلقّى ضربة العقوبات الأمريكية، لم يكن مدركاً أنه سقط".
ثمة اعتقاد بأن لدى حزب الله رغبةً في الحفاظ على وضع ما بعد الانهيار. فمن شأن الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد أن تضع حداً للاقتصاد النقدي بالدولار الذي تكرّس بعد الانهيار الاقتصادي المصرفي في لبنان، والذي ظهر حزب الله بوصفه أبرز المستفيدين منه
من الممكن الاستدلال على أن مصلحة حزب الله تقاطعت مع سياسة رياض سلامة النقدية التي حولت الاقتصاد في سنوات ما بعد الأزمة إلى "كاش إيكونومي". وعليه فإن مقاربة مسألة الاقتصاد النقدي وكيفية الخروج منه، يجب أن تتم من منظور حسابات الجدوى والخسارة بالنسبة إلى لبنان. من هنا، لا فائدة للبنان بالإبقاء على واقع cash economy، لأن "الكاش"، بحسب بدارو، "يكون خارج رقابة النظام المصرفي والدولة، وتقع عليه شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتالياً عندما أصدر مصرف لبنان التعميم 165، للسماح بفتح حسابات بالدولار الطازج (الفريش دولار) في المصارف، كان من المرجح أن من لديه دولارات طازجة نظيفة سيوظفها في الخارج، بينما من يملك دولارات طازجة غير نظيفة، سيضعها في النظام المصرفي الداخلي من خلال التعميم المذكور أعلاه".
وهذا واقع مسيء إلى سمعة لبنان، ويحول دون إعادة بناء الثقة الدولية به، وهي ثقة ضرورية من أجل عودة الاستثمارات وحركة الأموال والتجارة والإقلاع بالتعافي الاقتصادي. من هنا ضرورة تفعيل دور الرقابة من قبل "مصرف لبنان حتى يتمكن من مراقبة هذه الحسابات بالدولار الطازج، والأهم الأموال غير النظيفة التي تم إدخالها كفريش دولار"، على حد تعبير بدارو الذي يطالب "بالبدء بعملية محاسبة المرتكبين منذ التسعينيات وبإلغاء السرية المصرفية إلغاءً تاماً، حتى يكون البلد مسؤولاً تجاه العالم"، متمنياً أن "يوافق حزب الله على ذلك".
تصرّف أعمى أم عقلاني؟
بالطبع، هذه المحاسبة تُطرَح ضمن سلة حل متكاملة. فبحسب زبيب، "لا حل للمشكلة إلا بتوافق داخلي حصين، على قاعدة واضحة. فالخسائر التي يجري الحديث عنها هي في المقابل أرباح ومكاسب ومنافع حظي بها البعض، نتيجة كل ما سبق، وتالياً لا توجد أي عدالة أو كفاءة في توزيع هذه الخسائر على جميع الناس، فقبل طرح شعار توزيع الخسائر يجدر طرح مطلب إعادة توزيع الأرباح، التي تحققت في السابق، والتي تتحقق الآن والتي ستتحقق في المستقبل، أي أن التوافق الداخلي يجب أن يتعلّق بالمستقبل، ويتعلّق بماهية الدولة ودورها الاجتماعي وسياسات إعادة توزيع الثروة والدخل والموارد وبنية الاقتصاد وكيفية تطويره بما يخدم حاجات المجتمع بدلاً من تجنيد المجتمع كلّه في خدمة المصالح السياسية والاقتصادية للأوليغارشية الحاكمة، إذ لا حلول سحريةً لسد الخسائر والإنفاق من أجل إعادة النهوض. ونحن نحتاج إلى 100 مليار دولار لسد الخسائر، وما بين 20 إلى 25 مليار دولار لإعادة النهوض بالاقتصاد وبنيته التحتية، فمن لديه القدرة على تقديمها؟"، يلاحظ زبيب ويتساءل. إذ إن تسديد الفجوة النقدية في مصرف لبنان بعد تصنيف الودائع بين مشروعة وغير مشروعة والتفاوض على جدولة الدين العام بالعملة الأجنبية الذي يقارب 40 مليار دولار تتطلب نحو مئة مليار دولار. في حين أن العودة إلى ما كان عليه سابقاً تتطلب رفع ناتجه المحلي الإجمالي من حدود 18.2 مليار دولار كما يؤكد عليها البنك الدولي إلى حدود 50 مليار دولار.
لبحث بداية المخرج، يمكن الرهان على أن حزب الله "مهما "تذاكى"، سيصطدم في النهاية بحقيقة الأرقام والواقع"، كما يوضح بدارو، الذي يتابع: "إما أن يتسبب الحزب في انفلات سعر الصرف وصولاً ربما إلى رقم خيالي مقابل الدولار، وهذا ما لا تحتمله غالبية اللبنانيين، وإما أن يبحث عن السياسة الاقتصادية الأفضل لبيئته، إن لم يكن لجميع اللبنانيين؟".
يطالب بدارو بضرورة "انتظار الرؤية السياسية" للحزب، المنتظرة بعد وثيقة 2009 (وهي الوثيقة التي تحدد سياسات الحزب داخلياً وخارجياً)، آملين أن تُظهر انفتاحاً بنّاءً وواعداً، معرباً عن اعتقاده بأنه "من خلال الحوار يمكن التوصل إلى تفاهم أقله اقتصادياً مع الحزب"، شرط أن يقبل الحزب بالواقع السياسي ويتعاطى بإيجابية. وهذا يترجَم "بالإتيان إلى السلطة، ضمن معادلة تبدأ من رئاستي الجمهورية والحكومة إلى تركيبة الوزارة"، أي رؤساء ووزراء بفريق "يطمئن العالم العربي وغير معادٍ لحزب الله".
ويأمل أن يوافق الحزب على تسوية كهذه لأنه "مجهَد في بيئته، فهو إن افترضنا أنه يستطيع تغطية حاجات مئتي ألف شخص من أتباعه، فماذا سيفعل بالآخرين؟ يهجّرهم إلى الخارج؟ لذا عليه أن يتفهم مبدأ التسوية لضمان حل مستدام بانٍ للسلم. فتكلفة الحرب الباردة (المندلعة في لبنان) باهظة جداً على الحزب وعلى جميع اللبنانيين".
"من الضروري أن يذهب حزب الله في طريق الانكفاء الأمني في الداخل والانفتاح على الجميع. المبادرة تأتي ممن يمتلك السلاح الداخلي ويجنح الى الاستكبار والاستعلاء. فلنهدّئ أنفسنا، ولنذهب إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأنا مطمئن إلى أنه سيجلس على الطاولة ويتحاور حتى إيجاد الصيغة الفضلى، ولن ينهض لبنان إلا بحوار عميق، وصريح وشفاف"، يخلص بدارو.
عامل آخر لا يمكن تجاهله، يقول بدارو الذي يستخلص عبرةً من التجارب الماضية على حد وصفه، مفاده أنه "لا فائدة من حشر الحزب في الزاوية، لأن ذلك سيؤدي إلى عدوانية سترتد على الجميع"، "فمن يملك الجرأة لأخذ المبادرة؟" يختم بدارو متسائلاً.
هذا التقرير، الذي أنجزه رصيف22، يأتي ضمن ملف يحمل عنوان "الاقتصادات العربية ومرايا أزماتها" من إعداد "شبكة فبراير"، ويُنشَر يومَي الإثنين والخميس، من كل أسبوع، لمدة شهر، وساهمت فيه مجموعة مواقع ومنصات عربية مستقلة هي: "صوت" و"رصيف22" و"مدى مصر" و"الحدود" و"حكاية ما انحكت" و"مواطن" و"الجمهورية.نت"، وقد تعاون على تحريره وانتقاء مواضيعه بيسان كسّاب وقاسم البصري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.