في قلب لشبونة، المدينة التي تعج بالتاريخ والثقافة، يقع المركز الإسماعيلي، ملتقى لطائفة تحمل إرثاً ثقافياً ودينياً يمتد لقرون وهي متشعبة من الطائفة النزارية.
تأسس المركز في عام 1998 شاهداً على تطور الوجود الإسماعيلي في البرتغال، الذي بدأ مع الثورة البرتغالية في عام 1974، وما تلاها من تغييرات سياسية واجتماعية.
يقود الطائفة الآغا خان الرابع، شاه كريم الحسيني، الذي يُعتبر مرجعاً دينياً وموجهاً روحانياً للإسماعيليين، ومؤثراً في مختلف جوانب حياتهم الدينية والاجتماعية.
أثار المسلسل المصري "الحشاشين" نقاشاً واسعاً حول الإسماعيليين النزاريين، ما دفع الكثيرين للبحث والتعرف إلى هذه الطائفة.
في حوارنا مع د. ياسمين بودارالي، رئيسة الطائفة الإسماعيلية بالبرتغال، وهو أول لقاء لها مع منصة عربية، نستكشف دور المركز في تعزيز التفاهم الثقافي والديني والاجتماعي في البرتغال.
تقول ياسمين عن مسلسل "الحشاشين"، الذي تناول جزءاً من تاريخ الطائفة الإسماعيلية النزارية إنها لم تشاهده، لكنها علمت بالضجة التي أحدثها في العالم الإسلامي.
د. ياسمين بودارالي، رئيسة الطائفة الإسماعيلية بالبرتغال. بعدسة مصطفى ماهر
المركز الإسماعيلي في لشبونة يمثل محطة مهمة للطائفة في أوروبا، فماذا قدم المركز للمجتمع الإسماعيلي والبرتغالي؟
على الرغم من أنني توليت الرئاسة قبل نحو عام واحد فقط، فقد بدأت رحلتي مع العمل المجتمعي في التاسعة من عمري. تطوعت في مجالات مختلفة، تخللها أدوار عديدة، كما عملت مستشارة قانونية للمركز، وقضيت 11 عاماً في لجنة المركز، وترأستها أربع سنوات، والآن أقود المجلس الوطني نحو تعزيز جودة حياة الجالية الإسماعيلية بما يتماشى مع رؤية كريم آغا خان.
أُنشئ المركز الإسماعيلي في عام 1998، وكان حجم المبنى محل شك آنذاك بسبب صغر حجم المجتمع الإسماعيلي البرتغالي، لكن تم إنشاء المركز بحجم يتناسب مع النمو المتوقع للمجتمع الإسماعيلي من أجل الأجيال القادمة.
"يعمل المركز الإسماعيلي في لشبونة كمركز دبلوماسي، مرحباً بالجميع لحضور مختلف الفعاليات الثقافية والدينية والتعليمية. يستضيف المعارض والنقاشات والحفلات الموسيقية. إنه جزء نابض بالحياة من لشبونة". د. ياسمين بودارالي، رئيسة الطائفة الإسماعيلية بالبرتغالفي ذلك الوقت، كان المجتمع البرتغالي محافظاً إلى حد ما، وكانت الجالية الإسماعيلية في البرتغال تتألف من عدد أقل من الجنسيات مما هو عليه اليوم.
يعمل المركز الإسماعيلي كمركز دبلوماسي، مرحباً بالجميع لحضور مختلف الفعاليات الثقافية والدينية والتعليمية. إنه جزء نابض بالحياة من لشبونة، يستضيف المعارض والنقاشات والحفلات الموسيقية. أسهم هذا الانفتاح في تعزيز الاحترام داخل المجتمع الأوسع على مستوى أوروبا.
نحن ممتنون لضيافة الشعب البرتغالي، الذي استقبلنا منذ استقلال موزمبيق في عام 1974. وقد ساهمت جاليتنا بنشاط في المجتمع البرتغالي من خلال ريادة الأعمال وخلق فرص العمل.
مجموعة من المتطوعين في نشاطات المركز الإسماعيلي، لشبونة. عدسة مصطفى ماهر
نجحتم في إنشاء ديوان للمجتمع الإسماعيلي في البرتغال بموجب موافقة برلمانية وهو بمثابة ثاني اتفاق من نوعه بعد الكنيسة الكاثوليكية في البرتغال، كيف تقيمين هذه الخطوة؟
في عام 2015 تأسس الديوان الإمامي الإسماعيلي في البرتغال ونحن فخورون بهذه الخطوة التي تمثل حدثاً خاصاً في البرتغال، إذ إنّ الديوان الإسماعيلي هو ثاني ديوان ديني واجتماعي مُعترف به لدى الحكومة البرتغالية، ونشعر بالتواضع لإبرام مثل هذه الاتفاقيات الشديدة الأهمية مع الحكومة.
نحن منفتحون على مختلف الثقافات والديانات، ولعل الشاهد على ذلك ما حدث في أغسطس/آب من العام الماضي، حين زار بابا الفاتيكان فرنسيس العاصمة البرتغالية وتسبب ذلك في ازدحام لشبونة بأشخاص قادمين من مختلف دول العالم لرؤيته، فقررنا تقديم مأوى للضيوف داخل مبنى المركز طوال فترة زيارته، لأن ذلك يتماشى مع رؤيتنا لبناء جسور مع الأديان الأخرى، وهو أمر بالغ الأهمية لتجسيد الروح الكريمة والقيم الإنسانية الأساسية التي نتمسك بها.
هدفنا أن يكون المركز الإسماعيلي مظلة مفتوحة للجميع، وجزءاً من المجتمع البرتغالي والمجتمع الدولي. يزورنا دوماً سفراء كندا، وفرنسا، وإسباني، وأفغانستان وغيرهم. الجميع يريدون زيارة هذا المركز، لذلك نحن نعتبر مركزنا متروبوليتانياً، تماماً مثل البرتغال التي باتت مفتوحة أمام العالم ومركزاً جاذباً للجميع.
يمكننا القول أن المجتمع الإسماعيلي سبق دولة البرتغال في تنفيذ خطط الانفتاح على العالم الخارجي، وتحول المركز الإسماعيلي في لشبونة إلى عاصمة للإسماعيليين، وقد اخترنا البرتغال للعيش والعمل ولم شمل العائلات.
"تسببت زيارة بابا الفاتيكان للعاصمة البرتغالية بازدحام لشبونة بالقادمين من مختلف دول العالم لرؤيته، فقررنا تقديم مأوى للضيوف داخل المركز طوال فترة زيارته. فذلك يتماشى مع رؤيتنا لبناء جسور مع الأديان الأخرى". د. ياسمين بودارالي، رئيسة الطائفة الإسماعيلية بالبرتغال.ما هو الفرق الجوهري بين المركز والديوان الإسماعيلي؟
الديوان هو مقر الإمامة الرئيسي الذي انتقل إليه الآغا خان في السنوات الأخيرة، أمّا المركز الإسماعيلي فهو المساحة المجتمعية للاسماعيليين وغيرهم. وأيضاً هناك مؤسسة أخرى مهمة وأوسع من حيث التأثير العالمي وهي AKDN أو شبكة الآغا خان للتنمية، التي تهدف لتحسين جودة حياة المحتاجين، بشكلٍ رئيسي في آسيا وإفريقيا، بغض النظر عن أصلهم، وديانتهم، وجنسهم.
ما هي أبرز التحديات التي واجهت المجتمع الإسماعيلي في البرتغال سابقاً وحاضراً؟ وما هي خطتكم للتعامل معها؟
عند إنشاء المركز في تسعينيات القرن الماضي كان التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق النمو والتأقلم مع المجتمع البرتغالي المتحفظ، لكن الحكومة البرتغالية كانت دائماً منفتحة، وهو ما جعلنا نتجاوز الصعوبات ونصل الآن إلى مجتمع متنوع.
نواجه حالياً بعض التحديات فيما يتعلق بالهجرة حيث أنها اتجاه عالمي، ونتوقع زيادة في عدد القادمين إلى البرتغال، وهذا يُعوق عمليات التكامل والدعم لهؤلاء الوافدين، بالإضافة إلى ذلك، تواجه جماعتنا، مثل الكثير من الجماعات الأخرى، تقدماً في العمر، ما يُعقّد الأمور بذاتها.
في الناحية الاقتصادية نتعامل مع تكاليف السكن المرتفعة وأزمة التضخم والأجور المنخفضة في البرتغال. هذه ليست مشاكل منفصلة ولكنها جزء من سياق عالمي يشمل سياسات الهجرة والصراعات الدولية، فنحن لسنا منعزلين عن مشاكل العالم، وإنما لدينا خطة إستراتيجية لمعالجة هذه المشكلات، مع التركيز على الترحيب بالمهاجرين ودمجهم في المجتمع.
نهدف إلى جعل المركز متاحاً للعائلات ونشجع مشاركتها في الأنشطة المجتمعية، كما نركز على مواجهة العجز والفقر، ونعلم أن هذه الأهداف طويلة الأجل.
أنشأنا أيضاً شراكات مع المستشفيات والمدارس والمنظمات لتوفير مميزات وتخفيضات لجاليتنا، ولأي شخص يبحث عن المساعدة أو الدعم من المجلس الإسماعيلي، لأن عملنا يعتمد على الإنسانية، ويتجاوز الجنسيات والأديان.
المركز الإسماعيلي في لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر
وفقاً لبياناتنا الخاصة، يتألف المجتمع الإسماعيلي في البرتغال من 34 جنسية، إذ يشكل القادمون الجدد من الدول مثل الهند وباكستان وبنغلاديش وسوريا وأفغانستان 36% من جماعتنا. في حين يشكل المواطنون البرتغاليون 37%، وبات الآن القادمون من موزمبيق -مثلي- أقلية بنسبة 27%.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...