"المجتمع لا يسمح للمرأة بأن تستقلّ أو تتفوق دون أن تصبح رجلاً"؛ هذا ما تقوله الدكتورة نوال السعداوي، عن إشكالية استقلالية المرأة في مجتمعاتنا العربية، فداخل المجتمعات البطريركية ليس هناك اعتراف بالمرأة ككيان مستقل، إنما كشخص تابع، وبالتبعية فإن جسدها ليس ملكها، وهكذا فإن النساء بغالبيتهنّ محرومات من أقل البديهيات، وليس من حقهنّ اتخاذ القرار لا قبل الزواج ولا بعده، فمثلاً ليس لهنّ الحق في رفض الممارسة الحميمية أو اختيار الإنجاب من عدمه، لعوامل اجتماعية وموروثات دينية ثقافية. لذا صارت أجسادهنّ وكأنها تدار بالريموت.
"مبقاش طايق البيت"
تواجه بعض النساء المتزوجات سلسلةً من العنف الممنهج من قبل أزواجهنّ لإجبارهنّ على الاستمرار في الإنجاب حتى يلدن ذكوراً لأسباب أبوية تخص تفضيل الذكر على الأنثى، وتخص عادات وأفكاراً قبليةً منها أن الصبي هو من يحمل اسم عائلته وليست البنت، ولا يأبه هذا النوع من الأزواج بالأضرار النفسية أو الجسدية للمرأة جرّاء الولادات المتكررة، وبالطبع لا يعرفون شيئاً عن حق النساء في تقرير مصائر أجسادهنّ.
تواجه بعض النساء المتزوجات سلسلةً من العنف الممنهج من قبل أزواجهنّ لإجبارهنّ على الاستمرار في الإنجاب حتى يلدن ذكوراً لأسباب أبوية تخص تفضيل الذكر على الأنثى، وتخص عادات وأفكاراً قبليةً منها أن الصبي هو من يحمل اسم عائلته وليست البنت
"مبقتش أقدر أتحرّك وعندي مشاكل في ضهري وفي الكلى بسبب الخلفة الكتيرة"؛ هكذا تعبّر صفية (40 عاماً) عن أزمتها، وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "أعمل مع زوجي في حراسة منزل من منازل منطقة مصر الجديدة. كان خفيف الحركة ويتكسب رزقه بسهولة حتى أنجبت له ابنتين، فلاحظت أنه غير راضِ وطلب مني الحمل للمرة الثالثة متمنياً أن يكون المولود ذكراً".
تكمل صفية بنبرة صوت مريرة حديثها: "جات بنت وغضب جوزي زاد كأني أنا اللي بحدد جنس المولود، وأجبرني أخلّف مرتين كمان وفي الخمس مرات مجاش الولد برضو، حالنا اتبدل، مبقتش قادرة أساعده في شغله ولا قادرة على حمل البنات وحصلتلي مشاكل صحية كتيرة، وجوزي ضاق بيه الحال ومبقاش طايق البيت ولا بيحب بناته وفي مرة كان هيتسجن لولا رحمة الجيران بالبنات وبيا".
هنا يعلق الدكتور محمد الغندور، استشاري أمراض النساء والتوليد، قائلاً إن عملية الولادة المستمرة، وتحديداً المتقاربة منها، يمكنها التسبب في مشكلات جسدية لا حصر لها، مثل الإنهاك المستمر للجسد، والقابلية لأمراض الضغط والسكر، والسقوط الرحمي والمهبلي والسلس البولي والالتصاقات بالبطن بشكل دائم.
وينصح الغندور النساء بالمحافظة على صحتهنّ الجسدية من خلال الوعي بهذه التأثيرات الخطيرة التي تنتج عن عمليات الحمل والولادة المتكررة، والتي عادةً ما تكون إجباريةً أو غير مخطط لها.
من المسؤول عن جنس الجنين؟
تحكي مريم (30 عاماً)، التي تعمل في إحدى شركات الدعاية، أنها قررت مع زوجها إنجاب طفلَين فقط، "لنستطيع رعايتهما والإنفاق عليهما. لكن بعد ولادة ابنتي الثانية، قرر زوجي أنه يجب علينا إنجاب طفل ثالث ليأتي ولداً فيحمي أختيه".
وتضيف لرصيف22: "لم تكن قواي الصحية والنفسية في أفضل حالاتها، خاصةً أنه لا يشاركني مسؤولية البنتين، وبعد مشاجرات عنيفة وصلت في مرة إلى الضرب قررت الانفصال عنه لأعيش مع بناتي دون أن يسأل عنهما ولو مرةً واحدةً، بالطبع لأنهما لم تكونا من الذكور".
في هذا السياق، تؤكد الدكتورة راندا فخر الدين، استشارية الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي، أن المسؤول عن جنس الجنين هو الزوج: "إن لوم الزوجة ليس علمياً أو منطقياً من الأساس، إذ تحمل الأم كروموسومات من نوع X فقط، ويحمل الرجل كروموسومات من نوع Y وX، لذلك يتحدد نوع الجنين وفقاً للكروموسومات التي يحملها الحيوان المنوي للرجل".
وتتفق راندا مع الدكتور محمد الغندور، حول التأثيرات السلبية الناجمة عن الحمل والولادة المتكررة: "الجنين نفسه ربما يتضرر مع الأم بأضرار مختلفة مثل فقر الدم ونقص الكالسيوم وارتفاع نسبة الإجهاض والنزيف والولادة المبكرة والأطفال المبتسرين".
هل لك قرار في رفض العلاقة الحميمية؟
طبقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن هناك 142 مليون فتاة مفقودة حول العالم نتيجةً لتفضيل الأبناء الذكور والنفور من البنات والاختيار المتحيِّز لجنس المولود، وعليه اتضح أن هؤلاء الفتيات غير مرغوب فيهنّ ومهملات ومعرّضات لسوء المعاملة أو سوء التغذية.
"انقطعت علاقتي الجنسية بزوجي بعد تحقيق أمنيته وإنجاب صبي يحمل اسمه"؛ هذا ما تقوله ريم (36 عاماً) التي تعمل في وظيفة مكتبية في الجامعة.
تضيف في حديثها إلى رصيف22: "لديّ 5 أطفال آخرهم صبي هو الأقرب إلى والده. أشعر وكأنه لا يراني مهما حاولت المبادرة، وهذا ما انعكس عليّ اكتئاباً وحزناً شديداً لأني قدّمت صحتي النفسية والبدنية لأجل تحقيق رغبته الشخصية بينما عدّني هو مجرد أداة جنسية للحصول على ولد ذكر".
وتختم ريم حديثها بالقول: "بحب كل أولادي أكيد، لكن حاسة بالمرارة لأني كنت ضعيفة ومرفضتش انتهاك جسمي بالشكل ده".
يشير تقرير حالة سكان العالم لعام 2021، إلى خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي لها مؤشرات تقيس على أساسها مدى تمتع المرأة باستقلالية جسدها، ومنها أسئلة أساسية متعلقة بقرار الإنجاب وممارسة العلاقة الحميمية: من يتخذ قرار استعمال وسيلة منع الحمل؟ وهل لك قرار في رفض العلاقة الحميمية؟ مع العلم بأن المرأة لا تعد متمتعةً بالاستقلالية التامة وحرّةً بجسدها إلا في حال أجابت عن مثل هذه الأسئلة على نحو ايجابي.
الضغط المجتمعي
بعكس الحكايات السابقة كلها، لم تكن مشكلة أسماء (35 عاماً)، في إقدام زوجها على إجبارها على الإنجاب المتكرر، إنما في ضغط نساء العائلة مثل حماتها ووالدتها عليها. تقول لرصيف22: "حماتي من وقت زواجي منتظره الولد، لما جات البكرية بنت عاملتني معاملة صعبة ولما اشتكيت لأمي قالتلي إني أشد حيلي وأجيب ولد لأن الولد هو اللي بيدّي قيمة لأمه وسط العيلة. إحنا في ريف ودي عاداتنا".
تضيف: "حاولت الشكوى لزوجي أكثر من مرة، لكنه كان يقول إنها أمه ومن الواجب علينا طاعتها. من حسن حظي أن حملي الثاني كان ذكراً، ولم أفرح لهذا لأني أرى أن كل الأطفال عطية جميلة، لكني تنفست الصعداء لكوني تخلصت أخيراً من معاملة نساء العائلة القاسية لكوني أماً لفتاة".
هذه الأزمة يفسرها تقرير صادر عن المجلس القومي للسكان معنون بـ"استمرار ثقافة تفضيل إنجاب الذكور"، ويشير إلى أن الآباء يفضّلون إنجاب الذكور بسبب تبنّي المفاهيم السلبية وتفضيل توريث الذكور على الإناث من خلال عرف يسمّى الرضوى يمنع توريث الأرض الزراعية إلا للأبناء الذكور، بالإضافة إلى ثقافة تخص العزوة والسند وحمل اسم العائلة وغيرها.
"من حسن حظي أن حملي الثاني كان ذكراً، ولم أفرح لهذا لأني أرى أن كل الأطفال عطية جميلة، لكني تنفست الصعداء لكوني تخلصت أخيراً من معاملة نساء العائلة القاسية لكوني أماً لفتاة"
في مقابل هذه الحكايات تحكي نيرمين (26 عاماً)، أن خطيبها الحالي طرح فكرة تحديد جنس المولود الأول ليكون أكبر أبنائه ذكراً، ثم يترك لها حرية الاختيار في ما بعد في الإنجاب: "قاللي إننا عايزين نختصر الطريق، أنا مليش أخوات رجال ونفسي في ولد وبعد كده هسيبك براحتك زي ما تحبي".
هنا يطرح التقدم العلمي إشكالية الانحياز في جنس المواليد إلى الذكور دائماً، وهو التطور الطبيعي للأسئلة المتداولة حول "كيف تنجبين ذكراً؟"، وأهم الوصفات الطبيعية التي تؤهل المرأة لإنجاب ذكر، وهذا كله يُعدّ حلقةً تمييزيةً جديدةً وعنفاً ممنهجاً ضد النساء حول العالم، بل يرسخ مفاهيم دونية حول طبيعة المرأة وأدوارها الاجتماعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومينحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 3 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين