لودفيك محمد زاهد، إمام وناشط في مجال حقوق الإنسان ومجتمع الميم-عين، حاصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس والأنثروبولوجيا. وُلد في الجزائر، ودرس العلوم الإسلامية لمدة خمس سنوات إلى أن انتقلت عائلته إلى مارسيليا في العام 1995. عاش هناك لمدة 30 سنةً وأسس جمعيات عدّة تُعنى بشؤون الأقليات والمهاجرين/ ات والمسلمين/ ات المنتمين/ ات إلى مجتمع الميم-عين.
في العام 2010، أسس لودفيك الجامع الشامل the inclusive mosque وفي العام 2015 أنشأ مؤسسة "كلام" في مرسيليا، التي تقوم بأبحاث ونشاطات متنوعة أكاديمية وفنية لمساعدة الأفراد المهمّشين والمجتمعات المهمّشة.
يحدثنا لودفيك في هذا الحوار الخاص برصيف22، عن مسيرته كإمام مثلي ناشط في مجتمع الميم-عين، وعن التحديات التي يواجهها والإنجازات التي حققها خلال مسيرته.
هل يمكنك أن تحدّثنا أكثر عن مسيرتك كإمام معنيّ بالدفاع عن حقوق أفراد مجتمع الميم-عين؟
بدأت مسيرتي كإمام ناشط اجتماعياً ومعنيّ بالصعوبات التي تواجهها الفئات المستضعفة عندما عدت من باريس إلى مرسيليا المقسّمة إلى مجتمعات عدة.
استطعت أن أكون على مسافة واحدة من الجميع، أسمع مشكلاتهم وأشارك في الحياة العامة في محاولة منّي لخلق مساحات حرّة وآمنة لمناقشة مواضيع قد تُعدّمن المحرمات والمحظورات في بعض المجتمعات.
"الله ليس رجلاً بلحية يجلس على عرش في السماء السابعة، همّه أن يعاقبنا إن أخطأنا. الله يرفعنا نحوه روحانياً فهو يريدنا أن نكون راضين عن أنفسنا"
كيف يُنظَر إلى موقفك كإمام ليبرالي في المجتمع المسلم والعربي في باريس؟
أحاول شخصياً ألا أضع نفسي في قالب معيّن. أعيش حياتي بالكامل، فالدين بالنسبة لي شأن روحاني وليس نظاماً قمعياً. أعيش ديني بكل بساطة بعيداً عن أحكام الناس ورأيهم في معتقداتي. فبالنسبة لي، لا يوجد أي نص ديني إسلامي يتناول الهويات الجنسية والجندرية.
كل ما أقوم به هو نشر التعاليم التي تدعو إلى التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر مهما كان انتماؤه الديني أو هويته الجندرية، بعيداً عن المتشددين الذين لا جدوى من مواجهتهم.
كيف توفّق بين تفسيرك للإسلام ودعمك لحقوق المثليين/ ات ومجتمع الميم-عين؟
هناك آية قرآنية تقول: "كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ"، وعليه يعترف القرآن بكل أشكال الطبيعة البشرية، فكلّنا جزء من "الروح الإلهية" التي نفخها الله فينا عندما خَلَقنا.
الله ليس رجلاً بلحية يجلس على عرش في السماء السابعة، همّه أن يعاقبنا إن أخطأنا. الله يرفعنا نحوه روحانياً فهو يريدنا أن نكون راضين عن أنفسنا.
95% من الآيات القرآنية تتحدث عن الروحانيات، أما النسبة المتبقية فهي عن المشكلات والأحداث السياسية والاجتماعية التي كانت موجودةً في تلك الحقبة، أي أنها محصورة في زمان ومكان معيّنين.
علينا كمؤمنين/ ات أن نستوحي الدروس ونستخلص العبر منها وألا نحصر أنفسنا في أطر متشددة، فالقرآن ليس عبارةً عن مجموعة قوانين بل هو مجموعة روايات وقصص جميلة، كما جاء في الآية: "نحن نقصّ عليك أحسن القصص".
"الحب لا يعرف الحدود ويجب علينا أن نسعى إلى خلق مساحات يتمكّن من خلالها الأفراد من تقبّل بعضهم البعض بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية أو خلفيتهم الثقافية والدينية"
ما الدليل على أنه لا وجود لما يدين المثلية الجنسية في الإسلام؟
لا توجد في القرآن إشارة صريحة إلى المثلية الجنسية، وعلى الرغم من أن العديد من العلماء المسلمين قد أعربوا عن آرائهم في هذا الشأن، إلا أن موقف الإسلام من المثلية الجنسية يُعدّ معقداً للغاية. فبينما يعتقد بعض المسلمين/ ات بأن الله يفضّل أن يكون الشخص المؤمن متزوجاً من الجنس الآخر، هناك آخرون يرون أن الإسلام لا يحظر بشكل صريح العلاقات المثلية.
في عهد النبي محمد، كان هناك وجود لمجموعة من الرجال الذين يمارسون الجنس مع بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن بعض الصحابة كانوا يعبّرون عن انزعاجهم من وجود هؤلاء الأشخاص، إلا أن النبي محمد قد حمى أحدهم على الأقل من الإعدام.
في القرآن الكريم، لا توجد آية تتحدث بشكل صريح عن المثلية الجنسية أو المثليين الجنسيين. ومع ذلك، يتم ذكر قصة قوم لوط في أكثر من 70 آيةً تشير إلى أن الرجال كانوا يمارسون الجنس مع بعضهم البعض بشكل عنيف وبطرق غير أخلاقية، بما في ذلك الاغتصاب. ومع ذلك، يجب أن نفهم أن قوم لوط لا يمثلون المثلية الجنسية كما هي اليوم والتي كانت موجودةً قبل قوم لوط واستمرت بعدهم.
هناك بعض الأحاديث التي تروّج لقتل المثليين/ ات جنسياً، ولكنها أحاديث ضعيفة وغير معترف بها من قبل معظم العلماء المسلمين. يُعتقد أن هذه الأحاديث تم اختراعها لتشويه صورة الإسلام وتشويه نبل رسالته في هذا الشأن، فالإسلام بريء من الدعوة إلى القتل، حتى في حالة الزنا.
وعليه، يمكن القول إن الموقف الإسلامي من المثلية الجنسية يُعدّ موضوعاً معقداً ومتنوعاً، ولا يمكن الجزم بوجود رأي موحّد في هذا الشأن ويجب أن ندرك أن الكراهية المنتشرة في هذه الأيام يصاحبها الجهل والخرافات.
كيف تعمل مع القادة الدينيين لتعزيز الحوار والانفتاح؟ وهل تتلقى تهديدات؟
أنا أعمل مع شخصيات بارزة ثقافياً واجتماعياً ودينياً فحسب، إذ ليس هدفي إقناع المتشددين الذين يرون أنهم يمثّلون الإسلام الصحيح. هذا بالنسبة لي مضيعة للوقت.
نعم، أتلقّى العديد من التهديدات والإهانات، وفي ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، بات الكل معرّضاً في أي وقت للتهديد والإهانة، خاصةً إذا كان يتناول مواضيع وتابوهات دينيةً واجتماعيةً.
استطاع لودفيك محمد زاهد، المعروف بـ"إمام المستضعفين/ ات والأقليات" أو "إمام الكوير" أن يؤثر بعمق في مجتمعه بعيداً عن أصوات المتشددين، داعياً إلى اعتناق المحبة الموجودة في روحانيات الدين
ما هي النصيحة التي تقدّمها للأشخاص الذين يشعرون بالتهميش أو الرفض من قبل مجتمعهم الديني بسبب هوياتهم الجندرية والجنسية؟
نصيحتي لكل الأفراد من الفئات المستضعفة: لا تبقوا وحدكم/ نّ، حاولوا دائماً أن تجدوا أشخاصاً مثلكم، يواجهون المشكلات نفسها ويتعرضون للمضايقات ذاتها، وتعلّموا من بعضكم وساعدوا بعضكم بعضاً.
باختصار، استطاع لودفيك، المعروف بـ"إمام المستضعفين/ ات والأقليات" أو "الإمام المثلي" (إمام الكوير) أن يؤثر بعمق في مجتمعه بعيداً عن أصوات المتشددين، داعياً إلى اعتناق المحبة الموجودة في روحانيات الدين.
في نهاية المطاف، إن الحب لا يعرف الحدود ويجب علينا أن نسعى إلى خلق مساحات يتمكّن من خلالها الأفراد من تقبّل بعضهم البعض بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية أو خلفيتهم الثقافية والدينية.
من خلال التسامح والتعليم والحوار المفتوح، يمكننا تحطيم جدران التطرّف وبناء جسور المحبة والتعايش، فالتغيير يبدأ من كل واحد منّا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...