في عالم مليء بالمشاعر المعقّدة، تبرز الصداقة كعامل من أبرز العوامل التي تحدّد مسار حياتنا الاجتماعية والعاطفية؛ إنّها الروابط التي تجمعنا بأشخاص يشاركوننا الفرح والحزن ويقفون بجانبنا في أوقات الحاجة.
لكن ماذا لو كانت تلك الصداقة مجرّد وهم؟ ماذا لو كان الشخص الذي نعدّه صديقاً ينتظر اللحظة المناسبة ليتجاهلنا أو يستغلّنا؟ في بعض الأحيان، هذا هو الواقع الذي يتعيّن علينا التعامل معه.
من هنا سنلقي نظرةً على الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى التظاهر بالصداقة، وكيفية التعرّف على العلامات التي تدلّ على أنّه صديق غير حقيقيّ، وعلى إستراتيجيات فعّالة للتعامل معه بشكل موضوعيّ وحكيم.
ما الأسباب التي تجعل الشخص صديقاً مزيّفاً؟
في حديثها إلى موقع رصيف22، تكشف الدكتورة منال النابلسي، وهي مدرّبة حياة وعلاقات، عن السبب الرئيسي الذي قد يحوّل الشخص إلى صديق مزيّف: إنها صدمات الطفولة، وتشرح: "بسبب هذه الصدمات وبدلاً من تطوير نفسه، يبدأ المرء باستغلال العالم والكذب على الناس من أجل الحصول على ما يريده. كما أنّه يصبح شخصيةً نرجسيةً وسامّةً، فبهذه الطريقة يحصل على ما هو بحاجة إليه وعلى ما كان ينقصه في صغره".
ماذا لو كانت تلك الصداقة مجرّد وهم؟ ماذا لو كان الشخص الذي نعدّه صديقاً ينتظر اللحظة المناسبة ليتجاهلنا أو يستغلّنا؟
من جهتها، توضح الطبيبة النفسية إيميه داراموس، لموقع Verywell Mind، أن بعض الأشخاص الذين يعانون من قلّة ثقة بالنفس أو الشعور بعدم الكفاءة، قد يلجؤون إلى بناء صداقات مزيّفة كوسيلة لتعزيز تقديرهم لذاتهم، كاشفةً أن الأشخاص الذين لديهم ميول سيكوباتية قد ينخرطون في صداقات مزيّفة.
علامات تكشف الصديق المزيّف
توضح النابلسي، أن هناك العديد من العلامات التي تكشف أن الشخص الذي أمامنا صديق/ ة مزيّف/ ة، وقد فنّدتها على الشكل التالي:
• الصديق المزيّف يميل إلى التواجد عندما يحتاج إلى شيء ما، خصوصاً إذا كانت احتياجاته ماديّةً. يأخذ ما يريده من ثمّ يختفي فجأةً.
• الصديق المزيّف يتحول إلى شخصية حنونة عندما يريد الاستفادة من الطرف الآخر.
• الصديق المزيّف يعاتب الشخص الآخر ويلومه، خصوصاً إن سمع كلمة "لا".
• الصديق المزيّف يستنزف طاقة الشخص الآخر.
• الصديق المزيّف لا يستمع إلى الطرف الآخر.
• الصديق المزيّف يقارن "صديقه /ته" بالآخرين.
• الصديق المزيّف يتحدّث مع "صديقه/ ته" بانتقاد دائم.
• الصديق المزيّف لا يتمتّع بتعاطف ولا يفهم مشاعر الآخرين.
• الصديق المزيّف يهتمّ بنفسه فحسب ولا يحبّ أن يرى الشخص الآخر أنجح منه.
• الصديق المزيّف غالباً ما يكون هجوميّاً مع صديقه/ ته.
وتكشف النابلسي أنّ هذه العلامات قد لا تكون واضحةً للجميع: "هناك أشخاص قد تكون نيّتهم صافيةً ويتعاطفون مع الآخرين، ويعتقدون أنّهم في حال قاموا بإرضاء الطرف الآخر فسيحبّهم الأخير أكثر. لذلك لن ترى بأن هذا الشخص يستغلّهم ويستفيد منهم مالياً وعاطفياً وجسدياً. من هنا، وحتى يتمكّن المرء من كشف الصديق المزيّف وفهم العلامات وعدم إرضاء الناس، يجب أن يتمتّع بنضوج ووعي كافيين".
"ما كانت تخبّرني غير القصص البشعة، ولمّا بس تكون مضايقة بتجي بتحكيني"؛ هذا ما ترويه سارة (اسم مستعار)، لموقع رصيف22.
لم تكن لدى سارة أيّ مشكلة مع صديقتها، غير أن الأمور سرعان ما تبدلت: "بعد أن تعرّفت صديقتي السابقة إلى شاب، ابتعدت عنّي، كما أنّها لم تخبرني عنه، فقد علمتُ عن طريق الخطأ أنّها في علاقة. القصّة بدأت هنا وبدأتُ أنتبه إلى أن غالبية المحادثات بيننا سلبية، فهي لم تكن تخبرني إلّا عن الأمور السيئة ولم تشاركني ولو لمرة فرحتها. عندما تذكّرتُ ذلك، اكتشفتُ أنّها لم تكن موجودةً في حياتي إلّا عندما أرادت أن أواسيها فقط وأن تحصل على ما تريده ومن ثمّ تختفي... لتعود بعد فترة وتحدّثني عن مشكلاتها ثمّ تختفي من جديد".
كيف يمكن التعامل مع الصديق المزيّف؟
تمكّن رامي، البالغ من العمر 25 سنةً، من اكتشاف أن صديقه مزيّف وذلك بمساعدة والدته: "كنّا في الجامعة وكان يأتي إلى منزلي من وقت إلى آخر، إمّا للدراسة أو للتسلية، وغالباً ما كان ينتقدني ويحطّم أحلامي. أتذكّر أني ذات مرّة كنتُ جالساً معه ومع والديّ في الصالون، وكنتُ أتحدّث عن أنني أفكّر في السفر إلى الخارج للعمل، ليقاطعني ويقول ضاحكاً: 'وإنت قد هالشي؟'. في البداية لم آخذ كلامه بنيّة سيّئة، حتى بعدما نبّهتني أمّي، لكنّني مع الوقت، انتبهتُ إلى تصرّفاته وبدأتُ أنزعج منه، وبدأتُ أفكّر في ما كانت تقوله لي والدتي. لذلك قرّرتُ أن أبتعد عنه رويداً رويداً، ولم أعد أردّ كثيراً على اتّصالاته وبدأتُ أتجنّبه في الجامعة".
ويضيف لرصيف22: "الأمر لم يكن بهذه السهولة طبعاً، ولكنّني نجحتُ في الابتعاد عنه".
في هذا الصدد، تشدّد النابلسي على أهميّة وضع الحدود الصحية بين المرء والأشخاص المزيّفين، أي عدم الخوف من قول لا أو من خسارة الشخص.
"بعد أن تعرّفت صديقتي السابقة إلى شاب، ابتعدت عنّي، كما أنّها لم تخبرني عنه، فقد علمتُ عن طريق الخطأ أنّها في علاقة. القصّة بدأت هنا وبدأتُ أنتبه إلى أن غالبية المحادثات بيننا سلبية، فهي لم تكن تخبرني إلّا عن الأمور السيئة ولم تشاركني ولو لمرة فرحتها"
بدورها، توضح المعالجة النفسية، ليانا ستوكارد، لموقع Women’s Health، أنّه يجب على الشخص أن يرى ما إذا كانت الصداقة تستحقّ المحافظة عليها أم لا: "إذا كنت تشعر بأنّ صداقتك المزيّفة يمكن أن تتطوّر إلى صداقة حقيقية، فهناك فرصة لمناقشة ما تشعر به مع هذا الصديق. وإذا كان من الممكن أن تكونا صديقين جيّدين، فسوف يتفهّم هذا الصديق مشاعرك ويعمل على إجراء التغييرات، ولكن إذا أصبح هذا الشخص دفاعياً بعد التعبير عن مخاوفك، وبدأ بالسيطرة على مشاعرك، فيكون الوقت قد حان لإنهاء الموضوع".
في نهاية المطاف، تحمل الصداقة الحقيقية قيمةً لا تُقدّر بثمن ولا يجب أن تكون "مهمّةً صعبةً". إذا وجد المرء نفسه محاطاً بأشخاص يبدون كالأصدقاء، ولكنّهم في الحقيقة مزيّفون، فليكن حذراً وليتذكر دائماً قيمة الحدود الصحية وقوّة قول لا من خلال المحادثة المفتوحة والصريحة، وإلّا فليكن قادراً على السير بثقة في طريقه بعيداً عن العلاقات السامّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 5 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي