شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
والبيت إذا تنفَّس… يعود الرونق إلى دمشق

والبيت إذا تنفَّس… يعود الرونق إلى دمشق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتنوّع

السبت 20 أبريل 202402:17 م

تنفرد البيوت الدمشقية عن غيرها بخاصية "الاكتفاء"، فهي تتميز بالانفتاح نحو الداخل وذلك من خلال ممر ضيق يربط باب المنزل بالدار، فلا تنكشف للخارج وتتحقق استقلالية أهلها وخصوصيتهم، بالإضافة إلى أن الدار الدمشقية تتمتع بالاكتفاء البيئي، إذ تتوسط أرضها بحرة أو بركة رخامية، يشربون منها ويغتسلون بمياهها، وتحيط أشجار النارنج والكباد والياسمين بالباحة وتكون فيئاً وعطراً في الوقت ذاته، كما هي بيئة مناسبة للعروض الفنية لأنه ليس فيها تشتت نحو الخارج، فكل ما في الدار يأسرك ويجعلك تود أن تبقى فيها أكثر، دون ملل أو ضجر.

منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، لم تعد غالبية البيوت الدمشقية تحفظ ما فيها كما عُهد إليها، بل أصبحت تبوح بكل تفاصيلها للغرباء، سواء تلك البيوت التي تحولت إلى فنادق ومطاعم لجذب السياح من خارج سوريا، أو حتى البيوت الأكثر دفئاً، التي أصبحت رموزاً فنيةً في دمشق من خلال احتضانها العديد من المناسبات والأمسيات الثقافية والفنية.

ومع الحرب في سوريا، جزء من هذه الفنادق والمطاعم قلّ الاهتمام به، وأصبحت الدور الثقافية فارغةً بعد هجرة أصحابها وروادها، ولكن لا تزال بعض أهم تلك الدور حاضرةً ومؤثرةً في المجتمع الفني في المنطقة.

من حارة مهجورة إلى "حي الفنانين"

هل يمكن أن يغيّر الفرد في المجتمع؟ تمكّن الفنان التشكيلي مصطفى علي، من أن يجيب عن هذا السؤال من خلال داره الفنية التي تقع في حارة اليهود في باب شرقي.

عشرات الدور تحوّلت إلى واجهات فقط، دون أن يُحفظ ما فيها، فقد تبدو المطاعم تراثيةً ولكن سرعان ما تجد المطابخ الحديثة والأبواب الزجاجية تعكّر صفو الأصالة، ولكن الدور الثقافية، هي وحدها التي لا يزال أصحابها يحافظون على أصالة تلك البيوت خوفاً من الكبر أو تأثير الحداثة على جوهرها،

خلق "غاليري مصطفى علي" بيئةً ساهمت في تغيير شكل حارة اليهود لتتحول إلى حي فني وثقافي، بعدما كانت شبه مهجورة. يقول الفنان التشكيلي مصطفى علي لرصيف22: "تأسس المعرض نهاية التسعينيات، فعندما بحثت عن مكان جديد لعرض أعمالي، تفقدت حارات دمشق القديمة ولم تعجبني سوى حارة اليهود لأنها هادئة ومهجورة، برغم أن الناس لم تنصحني لأنها 'مقطوعة'، ولكني شعرت بأن المكان لي". يشير علي إلى جدران الغاليري ويتابع: "حسيت كأني بعرفه من زمان وبيشبهني".

ويلفت إلى أن البيت العربي له دور في صنع حالة فنية مميزة، فهو حالة فنية بذاته، مبيّناً أن المعرض أضاف شيئاً إلى دمشق القديمة، حتى أصبح هذا الحي يُسمّى بحيّ الفنانين، وانتشرت فكرة دور الثقافة حتى أصبح أكثر من 30 فناناً يتخذون من الحي داراً لهم، ومنهم من بقي ومنهم من سافر في فترة الحرب السورية.

في عام 2007، أُطلق عليه اسم "حي الفنانين" باعتراف المؤسسات المحلية والدولية، كما ساهم وجود إستوديوهات الفنانين والعديد من الفعاليات الثقافية في المنطقة في هذه التسمية.

يوضح علي أن سفره إلى خارج سوريا كان له دور في البحث عن ذاته. يقول: "سافرت إلى مدينة كرارا في إيطاليا لأبحث عن التجديد، وإزالة الغبار عن الفكر لأعود بجديد إلى البلد"، موضحاً: "هاي العملية خلقت حالة حلوة كتير لما بعدت عن المكان يلي عايش فيه، كان المكان يشبه طفولتي فرجعلي كشريط ذكريات بده يجدد نفسه، فتجديد المكان بيساعد بتجديد العملية الإبداعية".

يجمع علي في داره الفن البصري والسمعي، فتشهد الغاليري حفلات موسيقيةً تقتصر على نوع موسيقي هادئ، ويتميز الجو كما يصفه البعض بأنه دافئ وعائلي.

الجمهور يسعى دائماً وراء الفن

يتذكر مصطفى علي، منزله القديم أو "مشغله" في حي ركن الدين في دمشق، ويضيف: "كان عندي بيت في ركن الدين بمثابة محترف لأعمالي الفنية، وجاءني زوّار من أنحاء العالم كلها برغم صعوبة الوصول إلى المكان، ففي المكان الذي يوجد فيه الفنان، يوجد الجمهور".

البيت الأزرق

يبيّن الفنان التشكيلي مصطفى علي، أن جمهور الفن واسع، فمنه الأشخاص الذين يستمتعون بالفن دون فهم عميق لأصله أو تفاصيله، وحتى الطبقة التي تجد في القطع الفنية مقتنيات نادرةً وثمينةً، وصولاً إلى المثقفين فنّياً الذين يستمتعون بالفكر الفني.

ويلفت في حديثه لرصيف22، إلى أن دور الفنانين تغيّر نظرة الناس إلى الفن، فكثيرون لا يعرفون الفن بسبب أن ثقافة العين كانت بعيدةً لأن الفنون البصرية والفن التشكيلي كانت منقطعةً لزمن طويل في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنه بعد دراسة الفنانين السوريين في أوروبا ودخول التجربة الفنية استطاعوا تعميق هذا المفهوم.

لم تكن غاليري مصطفى علي هي الأولى في تحويل البيت الدمشقي إلى دار فنّية، فغاليري سامر قزح كانت أول بيت دمشقي معاصر للحركة الفنية التشكيلية في دمشق القديمة.

تأسست غاليري سامر قزح عام 1994، ويعود عمر الدار التي أقيمت فيها لأكثر من مئتي عام، ما شجع باقي الفنانين لفتح مشاغل ومحترفات في بيوتهم الدمشقية.

الفن والفكر خارج المدينة القديمة

على بعد كيلومترات قليلة من المدينة القديمة، في حارة الورد في حي ساروجة، يمكنك ملاحظة الغرفة العلوية للدار التي تطل على الشارع، وفي أي وقت تمشي فيه يمكنك أن تطرق الباب لتدخل، فعلى عكس غالبية دور النشر، "دار كنعان" اختارت منزلاً دافئاً في حارات دمشق، وهي الوحيدة في المدينة التي حافظت على كلمة "دار" بكل ما فيها، فهناك لن نشتري الكتاب، بل الدار نفسها مكان لمناقشة أي أعمال صادرة عنها، ومثل دمشق، كل جزء في الدار سيترك أثراً فينا من صرير الأدراج الخشبية في الطريق إلى الـ"صالون" وصولاً إلى حوض الأسماك في زاوية الدار الذي يؤنس أثر الراحلين، وصورة لخالد خليفة وكتاب لناظم مهنا "أرواح نيئة في جرار الفخار".

دار كنعان

أسس الكاتب سعيد البرغوثي، دار كنعان للدراسات والنشر في دمشق، بالتعاون مع مؤسسة عيبال في قبرص. وفق قوله فكرة المشروع بدأت منذ بداية الثمانينيات، إلا أنها ظهرت فعلياً عام 1989، وأصدرت الدار أكثر من 500 رواية وكتاب لأدباء في مختلف المواضيع حتى الآن، كما نالت الدار جوائز عدة.

استمدت الدار من أرض كنعان اسماً لها، ويحيل اسم كنعان إلى فلسطين وأهل فلسطين، لذلك ترى في المكان مزيجاً سورياً-فلسطينياً.

دار كنعان

يعيش باسم الصباغ في إحدى غرف الدار التي يعدّها منزله، ويصمم أغلفة الكتب التي تصدر عن الدار. يقول لرصيف22: "إن المكان لا يبيع الكتب فحسب، بل يناقشها أيضاً مع محبّي الثقافة، لذا يعج المكان ليلاً بالزوار وأصدقاء الدار من مختلف الأعمار، ونتحدث عن رواية ما أو عن الحياة... لا فرق، المهم أن نرفع نخب الكلمات والحب".

شبابيك زرقاء وشجرة تين

في كل مرة نسمع فيها عن حي ساروجة، تتبادر إلى أذهاننا أصوات الباعة وضجيج المقاهي ومستوى من الشعبية التي تقبع خارج المدينة القديمة. يُستثنى من هذا ركن هادئ يعيدنا إلى إسطنبول الصغرى (لقب سابق لحي ساروجة)، فبين شجرة تين قديمة و"بحرة" يتخذ البيت الأزرق مكانه بعيداً عن أشباهه في باب توما وباب شرقي.

يتحدث سامر العيد عن المنزل، ويقول لرصيف22، إن العائلة حافظت على هذا المكان ولم يُستثمر فيه كأغلب البيوت الدمشقية ويتحول إلى مطعم أو فندق، وهو مثل اسمه، فاللون الغالب في البيت هو الأزرق، لون البحر والسماء ولون الراحة والسلام.

البيت الأزرق

تأسس البيت الأزرق قبل عامين، وأقيم فيه أكثر من عشرين معرضاً، وشارك فنانون ونحاتون سوريون في معارض فيه سواء بشكلٍ جماعي أو فردي.

يلفت العيد في حديثه إلى أن أصحاب الدور يواجهون صعوبةً في إقامة المعارض بشكلٍ مستمر لوجود عوائق عدة أهمها موضوع الكهرباء، بالإضافة إلى عدم وجود دعم مادي، إنما الدعم معنوي فحسب بسبب الإمكانات المحدودة

يذكر العيد لرصيف22، أنهم أقاموا مسابقةً لخريجي كلية الفنون الجميلة بوجود لجنة من نخبة الفنانين، وفي كل مرة يحاولون التوجه إلى شريحة أوسع.

البيت الأزرق

وبعيداً عن المعارض الفنية، استُخدمت الدار لتصوير مسلسلات عدة، آخرها المسلسل السوري "تاج".

يلفت العيد في حديثه إلى أن أصحاب الدور يواجهون صعوبةً في إقامة المعارض بشكلٍ مستمر لوجود عوائق عدة أهمها موضوع الكهرباء، بالإضافة إلى عدم وجود دعم مادي، إنما الدعم معنوي فحسب بسبب الإمكانات المحدودة.

عوالم مصغرة... بلا تعقيدات

أن تكونوا من أهل دمشق، سترون العالم يفرض نفسه على كل دار أصيلة. عشرات الدور تحوّلت إلى واجهات فقط، دون أن يُحفظ ما فيها، فقد تبدو المطاعم تراثيةً ولكن سرعان ما تجد المطابخ الحديثة والأبواب الزجاجية تعكّر صفو الأصالة، ولكن الدور الثقافية، هي وحدها التي لا يزال أصحابها يحافظون على أصالة تلك البيوت خوفاً من الكبر أو تأثير الحداثة على جوهرها، لتصبح هذه الدور، الناجية الوحيدة من تصنيف النجوم خارج أبوابها، فتجذب من يحب الجوهر، لنتعرف على الفن في دمشق، ونعيش وقتاً نأمل أنه لن يزول مع تأثير السنين.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image