شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"زوجتي السابقة كانت تنعتني بالأحمق"... عندما يصير الانتقاد مقبرةً للحب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الأحد 14 أبريل 202410:04 ص

عندما يصير الانتقاد الدائم هو النمط السائد في التواصل بين الشريكين، يصبح مصدر قلق وتوتر مستمرّ، ممّا يؤثّر على ديناميكية العلاقة بشكل كبير بينهما، فبدلاً من تعزيز التفاهم والتقارب بين الثنائي، قد يؤدّي هذا السلوك إلى بروز الخلافات وتباعد الطرفين عن بعضهما البعض.

لا شك أنّ القدرة على التعبير عن الانتقادات بشكل بنّاء تُعدّ من أهم عوامل نجاح أيّ علاقة، فهي تعزّز التواصل الفعّال وتسهم في بناء روابط قوية بين الأفراد. ومع ذلك، يظل هناك خط رفيع بين الانتقاد البنّاء الذي يهدف إلى التحسين، وبين الانتقاد السلبي الذي يمكن أن يسبّب الإساءة والتشويش على العلاقة.

ما هي أسباب الانتقاد الدائم للشريك/ ة؟

يقول مدّرب العلاقات Kyle Benson، لموقع Huffpost، إنّه غالباً ما يلجأ الناس إلى النقد كشكل من أشكال الحماية الذاتية، معتبراً أنّ مهاجمة الشريك/ ة أو إلقاء اللوم عليه/ ا، له وقع أخفّ من الكشف عمّا يحتاجه الشخص حقاً من الطرف الآخر.

"إن قلّة الثقة بين الشريكين، والشعور الدائم بأن الشخص تحت التهديد، والشعور بالقلق حول كيفية التصرّف، والتباعد، والفراغ العاطفي، وعدم الشعور بالراحة... كلّها علامات تدلّ على تأثير الانتقاد المستمرّ على العلاقة الزوجية أو العاطفية"

بدورها، تكشف مدرّبة العلاقات وتطوير الذات، سالي نعمة، لموقع رصيف22، عن الأسباب التي تدفع الشخص إلى انتقاد شريكه/ ته، وفنّدتها على الشكل التالي:

• عندما لا يشعر الشخص بارتياح مع نفسه، أي أنه يوجّه انتقادات تعكس النقص الموجود لديه. على سبيل المثال، عندما يكون الشخص غير راضٍ عن جسمه، ينتقد الطرف الآخر على جسمه.

• الغيرة من الطرف الآخر.

• وضع توقّعات عالية من الشريك/ ة لا تتحقّق.

• مقارنة الشريك/ ة بغيره/ ا بشكل دائم.

وتضيف نعمة: "إن قلّة الثقة بين الشريكين، والشعور الدائم بأن الشخص تحت التهديد، والشعور بالقلق حول كيفية التصرّف، والتباعد، والفراغ العاطفي، وعدم الشعور بالراحة... كلّها علامات تدلّ على تأثير الانتقاد المستمرّ على العلاقة الزوجية أو العاطفية".

تأثير الانتقاد الدائم على الشريك/ ة

يؤثر الانتقاد الدائم على ثقة المرء بنفسه، ممّا يقلّل من حبّه/ ا لذاته/ ا، وتقديره/ ا لنفسه/ ا، كما يمكن أن يسبّب أضراراً عصبيةً شديدةً وطويلة الأمد.

"تطلّقتُ من زوجتي بعد زواج دام عشر سنوات، لأنّها لم تتوقّف عن انتقادي"؛ هذا ما يقوله كريم (اسم مستعار)، لرصيف22.

ويتابع: "أستعيد هذه الذكريات التي لا أحبّ أن أتذكّرها لأنّها كانت من أبشع الفترات التي مررتُ بها. زوجتي السابقة كانت تنعتني بالأحمق وغالباً ما كانت تقارنني برجال آخرين، ومهما فعلت لا يعجبها ما أفعله".

ويشير كريم إلى أنّ المشكلات كانت تزداد بينهما كلّما كانت تنتقدته، وعندما واجهها لمعرفة سبب تصرّفاتها، علم أنّها كانت تتوقّع منه أشياءً كثيرةً، ولكن خاب أملها: "من هنا قرّرت أن أطلب الطلاق لأنه لا يمكنني أن أبقى مع شخص اختار أن يهينني بدلاً من أن يتواصل معي ويصارحني منذ البداية بما يزعجه".

"أستعيد هذه الذكريات التي لا أحبّ أن أتذكّرها لأنّها كانت من أبشع الفترات التي مررتُ بها. زوجتي السابقة كانت تنعتني بالأحمق وغالباً ما كانت تقارنني برجال آخرين، ومهما فعلت لا يعجبها ما أفعله"

ويختم: "أصحبت رجلاً عصبياً وغير واثق من نفسي. تخيّلي أن تعيشي مع شخص لا يرى سوى العيب فيك... إنه أمر مزعج جعلني أشعر بأنني عاجز فكرياً وعاطفياً".

في المقابل، تحاول هلا (اسم مستعار)، أن تدرس خطواتها وتصرّفاتها جيداً أمام خطيبها، وذلك خوفاً من أن ينتقدها: "لست سعيدةً بهذا الوضع، ولكن في الوقت عينه لا يمكنني أن أتركه بسبب أهلي وأفراد أسرته، فهو ابن عمّي وسنتزوّج قريباً".

وتكشف هذه الشابة البالغة من العمر 27 عاماً، عما تعيشه بغصّة، فهي لم تعد واثقةً من نفسها وباتت تنتقد نفسها أيضاً: "خطيبي لا يكفّ عن انتقاد تصرّفاتي سواء كنّا وحدنا أو وسط الناس. عندما سألته عن سبب انتقاده الدائم لي، أنكر أنّه يفعل ذلك، وأخبرني بأنّه يوجهني لأكون نسخةً أفضل عن نفسي".

التواصل ثمّ التواصل...

تؤكد سالي نعمة، على أهمية أن يتحدّث الشريك/ ة مع شريكته/ ها عن هذا الموضوع، ويكون صريحاً وأن يقول إنّه منزعج من كثرة الانتقاد، وهذا بجانب البحث عن السبب، فأحياناً يبحث المرء عن احتياجات معيّنة له عند الطرف الآخر ولا يجدها، فينتقده: "في حال لم يتمّ التحدّث عن هذا الأمر ولم توضع حدود، قد يزداد الأمر سوءاً".

لتحقيق التواصل بشكل سليم، لا بدّ أن يبتعد الشخص عن لوم الطرف الآخر والتركيز على السلبيات حتى ولو بطريقة غير مباشرة، إذ إن ذلك سيدفع الشريك/ ة إلى عدم الاستماع والتفكير فقط في كيفية الدفاع عن النفس.

وهنا، يشير المعالج النفسي دانيال مارستون، إلى ضرورة اختيار العبارات المناسبة؛ فبدلاً من قول "أنت كسول جداً ولا يمكنك حتى غسل الأطباق"، يجب استبدال "أنت" بـ"نحن"، كذلك التركيز على كلمة "أتمنّى" قد تكون الطريقة الأكثر فعاليةً لتجنّب النقد، كالقول مثلاً: "أتمنّى أن نتمكّن من وضع جدول زمني للأعمال المنزلية".

تكشف ميرنا (اسم مستعار)، أنّها لاحظت أن زوجها بدأ ينتقد وزنها الزائد، علماً بأنّ السبب يكمن في مشكلات تعاني منها غدّتها الدرقية، وكان جارحاً في كلامه ويستخدم عبارات تقلّل من شأنها مثل: "توقّفي عن تناول الطعام، ستنفجرين".

كما أن المقارنة بينها وبين نساء أخريات، جعلتها محبطةً وغير راضية عن نفسها، لذلك قرّرت أن تواجهه، ولكنّه لم يستمع إلى ما تقوله وعدّه كلاماً فارغاً، فقررت أن تحارب وحدها، وفق ما تكشف لرصيف22: "أنا الآن أحاول تخفيف وزني مع التركيز على علاج الغدة، ولكنّها ستكون رحلةً طويلةً وربما صعبةً، وللأسف سأخوضها وحدي، لأن زوجي مشغول بانتقاد جسمي".

أمّا نبيل (اسم مستعار)، فاعترف بأنّه ينتقد زوجته دائماً، لأنّه يرى أنّها تتصرّف بعفوية مطلقة وأحياناً تتفوّه بكلمات لا يجب قولها، وهذا الأمر قد يضعها في بعض الأحيان في مواقف محرجة، غير أنه يقوم بهذا بدافع الحب وفق ما يقول لرصيف22: "غير أنني لا أقصد إهانتها أو توجيه الانتقادات إليها لمجرّد توجيهها".

"خطيبي لا يكفّ عن انتقاد تصرّفاتي سواء كنّا وحدنا أو وسط الناس. عندما سألته عن سبب انتقاده الدائم لي، أنكر أنّه يفعل ذلك، وأخبرني بأنّه يوجهني لأكون نسخةً أفضل عن نفسي"

من جهتها، توضح زوجته ريما (اسم مستعار)، أنّها بدايةً كانت تغضب منه ومن تصرّفاته، ولكن عندما شرح وجهة نظره وحدّثها عن خوفه عليها، تفهّمته: "صحيح أنّني أدركت ما الذي يقوم به، ولكنّني وضعت حدوداً لذلك، إذ طلبتُ منه أن يعبّر عن رأيه في المنزل عندما نكون بمفردنا، مع المحافظة على الاحترام وعدم تخطّي هذه الحدود... والآن لا أرى أنّه ينتقدني، بل يبدي رأيه فحسب".

خلاصة القول، إن كثرة الانتقادات بطريقة سلبية يمكن أن تكون مدمّرةً للعلاقات العاطفية، إذ تؤدّي إلى زيادة التوتر والبعد بين الشركاء. ومع ذلك، ليس من الخطأ إبداء الرأي بهدف تحسين سلوك الشريك/ ة، ولكن يجب أن تكون هذه الانتقادات بنّاءةً وضمن إطار الاحترام، ويجب على الثنائي تطوير مهارات التواصل والاستماع الفعّال إلى بعضهما البعض، بما يسمح ببناء علاقة عاطفية صحية ومستقرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image