شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مسار إجباري"... مسارات فشِلت وأخرى نجحت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 2 أبريل 202404:54 م

في حياتنا الكثير من المسارات الإجبارية التي تأخذنا حيث لا نريد أو نتوقع، ولعل هذه هي الثيمة الرئيسية للمسلسل الذي عُرض خلال النصف الأول من الموسم الرمضاني الحالي، "مسار إجباري"، فمنذ البداية دخل السيناريو في الحكاية وبطلاها الأخوان "عمر" الذي يلعب دوره الممثل عصام عمر، و"حسين" الذي يلعب دوره الممثل أحمد داش، وكأثر رفرفة جناح الفراشة التي قد تُحدث تغييراً رغم ضعفها حدث المسار الإجباري الأول، لحادثة وقعت للأب "عمر البرنس" الذي يقدم شخصيته محمود البزاوي، العامل في الطب الشرعي والمتورط في إخفاء أدلة جريمة قتل صيدلانية على يد أستاذها.

هذه الحادثة كانت أول المسارات الإجبارية التي جمعت شابين في المستشفى ليكتشفا أن الرجل والدهما. هذا المسار وهذه المفارقة جمعت شابين كلٌ منهما من بيئة مختلفة في تكوينها الأجتماعي، فالأول "علي البرنس" طالب في السنة الأخيرة من كلية الحقوق من طبقة متوسطة. بينما أخوه "حسين البرنس" من ذات الطبقة ولكنه من وسط شعبي، ويعمل على سيارة مأكولات جاهزة.

هذه العلاقة بين سيدتين لزوج قُتل بسبب ما فعله في وظيفته كانت أشد مسارات المسلسل عذوبة رغم كونهما "ضرتين". وجاء أداء صابرين لشخصية المدرّسة المتزنة واقعياً، وليس أقل منه واقعية أداء بسمة في دور "إحسان". سيدتان على طبيعتهما جعلتا من مسار السيناريو في شخصيات وعوالم الشابين "علي" و"حسين" أقوى المسارات في مسار إجباري

طاقم مسلسل مسار إجباري

من هنا بدأ السيناريو يبني شخصياته وصراعاتها، وتظهر المفاجأت التي أخفاها الأب من سنوات طويلة. ويزيد هذا المسار جمالاً عند ظهور والدة كل من البطلين، فيتحول إلى أجمل المسارات في السيناريو والمسلسل. فثراء هذا المسار جاء من صدقه ومن صدق الممثلين فيه وعلى رأسهم بطلا العمل، والأكثر إبداعاً هو تلك الكيمياء التي ظهرت بإنسانية بين الزوجتين للأب الراحل.
هذه العلاقة بين سيدتين لزوج قُتل بسبب ما فعله في وظيفته كانت أشد مسارات المسلسل عذوبة رغم كونهما "ضرتين". وجاء أداء صابرين لشخصية المدرّسة المتزنة واقعياً، وليس أقل منه واقعية أداء بسمة في دور "إحسان".
سيدتان على طبيعتهما جعلتا من مسار السيناريو في شخصيات وعوالم الشابين "علي" و"حسين" أقوى المسارات، من حيث التماسك الدرامي في الكتابة، والإخراج عند المخرجة المتميزة نادين خان، بكادرات مرسومة كلوحات فينة في عالميهما وعالم المحيط بها.

مسار الصدمة والمكاشفة

لم يسهب السيناريو ويلجأ للمط في مسار المكاشفة. فسريعاً ما انكشف سر الأب الراحل وحكايته التي تورط فيها، فتعرفت العائلتان إحداهما على الأخرى، وعلى عكس المتوقع زادت جرعة الحميمية والألفة بين الزوجتين وبين الأخوين ليندمجا معاً في عالم واحد.
أكثر المسارات الإجبارية التي أصابها الإسهاب والإفراط هي القضائية، والمرافعات "الكلاشيهية" في عالم المحامي الكبير "مجدي حشيش" الذي قدم شخصيته القدير "رشدي الشامي". هنا يمكن القول إن سيناريو #مسارـإجباري وقع في مغالطات بحثية وعلمية وقانونية وجامعية، ما كان ليقع فيها في هذا المسار الذي بدا كل عالمه أضعف من عالم على وحسين وإحسان ونعناعة، الحميمي والرائع في واقعيته
أما الأكثر ثراءً في هذا المسار فهو أن كلا البطلين مختلف في دراسته وسيكلوجيته ومجتمعهان الآخر. ورغم هذا لم يؤد أي منهما شخصيته بمبالغة، وهي واقعية تحسب لهما ولكتاب السيناريو أمين جمال، ومحمد محرز، ومينا بباوي، تحت مراجعة ومعالجة درامية لواحد من أهم كتاب السيناريو باهر دويدار الذي راعى الأبعاد الاجتماعية والنفسية والتعليمية ولهجة الأبطال. وأعطت المخرجة الأبعاد بعداً رابعاً وخامساً وسادساً من خلال الكاميرا، والإضاءة والملابس والديكور وطريقة النطق والحياة في عالم كل شاب منهما، فأحمد داش قدّم شخصية الشاب الشعبي بهدوء شاب يتطور فنياً. كما ظهرت شخصية "علي" بنفس الطبيعية مع إضافة "لزمات" أظهرت توتر الشخصية التي تدرس القانون وتحلم بالهجرة، وذلك من خلال طريقة "عصام عمر" الذي اتبع المدرسة التلقائية في التمثيل، ولزمة "قرقطة الأظافر"، ثم عكس المألوف في عالم الزوجتين "صابرين وبسمة" كان المنطق والصدق والعقلانية التي تحكم الأمين في خوفهما على الأبناء، وحتى قربهما من صديقة وحبيبة كل إبن من أبنائهما، الممثلتين الشابتين مي الغيطي، ونورين أبو سعدة.
ذلك العالم كان أكثر ثراء عند المخرجة إذ جاءت الواقعية كنظير حقيقي لمعظم الشعب المصري وأسره التي تشبه أسرتي الشابين.

مسار القضية والمحامي المربك

لكن أكثر المسارات الإجبارية التي أصابها الإسهاب والإفراط هي القضائية، والمرافعات "الكلاشيهية" في عالم المحامي الكبير "مجدي حشيش" الذي قدم شخصيته القدير "رشدي الشامي"، إذ كان هناك كثير من الشر المبالغ به، والموعظة المتناقضة، والشخصيات غير المدروسة.

فقد بدا المحامي وكأنه "مزدوج الشخصية" بشكل مفرط، شيطان وملاك في ثوب واحد، وحتى الشخصيات الفرعية في عالمه كانت تشبهه، مثل الدكتور "صفوت مصباح" الذي لعب دوره نور محمود، وزوجته "سناء" التي لعبت دورها جوري بكر، والمحامية تحت التمرين "حنين" لجهاد حسام الدين، والتي بدت وكأنها منقوصة.
فقضية قتل "حبيبة" من بدايتها بها أحداث مربكة، تخص العصابة وأعضاءها وطريقة مطاردتهم وانتقامهم، وكذلك يمكن التوقف عند عدم المنطقية في شخصية القتيلة الصيدلانية "حبيبة"، والتي تعرضت للقتل بسبب أبحاث تجريها.
هنا يمكن القول إن السيناريو قد وقع في مغالطات بحثية وعلمية وقانونية وجامعية، ما كان ليقع فيها في هذا المسار الذي بدا كل عالمه أضعف من عالم على وحسين وإحسان ونعناعة، الحميمي والرائع في واقعيته.

طاقم مسلسل مسار إجباري

مسار اختياري بديع في عشق القاهرة وشوارعها

منذ الحلقة الأولى للمسلسل، نشاهد استعراضاً ساحراً لجماليات الصورة وتكوينها بالإكسسوارات والديكور والإضاءة ودلالاتها للمكان. والمكان هو أهم عنصر في الحدث، حيث يقع فيه وعليه. فتارة نرى لقطة لتماثيل سعد زغلول مشيراً بيده وكأن صورة التمثال تردد ما قاله سعد زغلول نفسه "مفيش فايدة".

منذ الحلقة الأولى للمسلسل، نشاهد استعراضاً ساحراً لجماليات الصورة وتكوينها بالإكسسوارات والديكور والإضاءة ودلالاتها للمكان. والمكان هو أهم عنصر في الحدث، حيث يقع فيه وعليه. ما تفعله نادين خان في هذا المسار هو استعراض جمالي لـ #القاهرة التي يحبها أهلها ويحبها العرب، لا قاهرة التجمعات والسواحل، ليخرج لنا في النهاية مسلسل بديع واقعي لحياة أبطاله التي تغيرت نتيجة #مسارـإجباري
وتارةً نرى ميدان طلعت حرب -الاقتصادي العظيم- وتارة نرى مصريين دون تجميل، أناساً طبيعيين، ليسوا كومبارس أو مجاميع، غنّى لهم الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، ولمصر ذاتها "مصر يما يا بهية.. يا أم طرحة وجلبية" بعيداً عن قاهرة الكمبوندات. وتارة تأخذ المخرجة كادراً لقهوة في حي شعبي، وفي الكادر صورة للموسيقار والمطرب "محمد فوزي" صاحب الثورة الموسيقية المصرية في التلحين والموسيقى. ثم تذهب إلى أقدام تسير لناس مجهولين، دون أن نشاهد أعلى أجسادهم، وكأنها تؤكد وتشير إلى عنوان المسلسل "مسار اجباري" لهؤلاء البسطاء ولأبطالها من قبلهم.
ثم تزيد الصورة براحاً واتساعاً للنيل والحدائق، وقاهرة النهار المستيقظة والنابضة بالحياة، ثم تعود لنرى لقطات أخرى لقاهرة الليل لناسها والمقهورين، ويضيق الكادر على أبطالها بزحمة الناس في الشوارع رغم اتساعه، فتطمئنهم بالمساجد القديمة، وتهدي إليهم حلوى "غزل البنات"، ثم تصنع "موتيفات" من الصور والإعلانات والكتابات على الحوائط لها تماس مع أشخاص الحكاية، ومسارهم الإجباري، بينما طيور تطير وتحط لتأكل مما تركه لها الناس الطيبون من المصريين. تحليق الطيور كتحليق الفراشة وأثرها المعروف، فرفرفة جناح الفراشة رغم بساطته قد يغير الكثير.

طاقم مسلسل مسار إجباري إحدى جماليات المسلسل أيضاً هي الموسيقى التصويرية للموسيقي المفاجئ "أمير خلف"، موسيقى دافئة في مواضع، ورقيقة وحالمة في مواضع أخرى كطبطبة الله على نفوس عباده. مزيج من الوتريات والإيقاعات الشرقية المصنوعة بعقل فيلسوف.

ما تفعله نادين خان في هذا المسار هو استعراض جمالي للقاهرة التي يحبها أهلها ويحبها العرب، لا قاهرة التجمعات والسواحل، ليخرج لنا في النهاية مسلسل بديع واقعي لحياة أبطاله التي تغيرت نتيجة مسار إجباري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image