"يا غزة إحنا آسفين.. وإحنا كمان محاصرين".
"يلّي فتحتوا الجسر البري .. ويلّي رضيتوا بالتطبيع، الشعب منكم متبرّي .. شعب الأردن ما ببيع".
"صامدين صامدين.. للمقاومة داعمين".
هذه بعض الهتافات التي يرددها آلاف الأردنيين لليوم الرابع على التوالي، والتي ترددت ليلة الأربعاء 27 آذار/ مارس 2024 في محيط السفارة الإسرائيليّة في العاصمة الأردنية عمّان، وفي مناطق متفرقة في المحافظات، رفضاً للعداون على قطاع غزة.
الحِراك الشعبيّ الذي جاء على خلفيّة دعواتٍ شبابية تحت شعار "حصار السفارة"، قوبل بقبضة أمنيّة شديدة، ومسيل للدموع، وكثير من الاعتقالات، غير أنَّ الأردنيين استمروا بالتوافد إلى محيط جامع الكالوتي القريب من السفارة، مُطالبين بإغلاقها وإيقاف الجسر البريّ المار عبر الأردن إلى "إسرائيل" وتصدير الخضر الأردنيّ إليها.
اعتقالات عشوائية
وفي الوقت الذي امتلأ فيه محيط السفارة الإسرائيليّة وما حولها بالمتظاهرين من مختلف الفئات العمريّة للرجال والنساء حاولت الأجهزة الأمنيّة فضَّ المظاهرة بالقوة وإطلاق القنابل المسيلة للدموع، واعتقلت 98 شخصاً يوم الأحد تمّت إحالتهم للمدعي العام؛ بحسب ما نشرته المحامية هالة عاهد عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعيّ "إكس".
في الوقت الذي امتلأ فيه محيط السفارة الإسرائيليّة بالمتظاهرين حاولت الأجهزة الأمنيّة فضَّ المظاهرة بالقوة وإطلاق القنابل المسيلة للدموع، وذلك لليوم الرابع على التوالي.
تقول: "عادة ما توجه للمعتقلين من المتظاهرين تهمة التجمهر غير المشروع، ومعها أحياناً تهمة مقاومة رجال الأمن، اللافت من خلال متابعتي وزملائي لقضايا المعتقلين أمام المحاكم، أن الحكم يكون بعدم المسؤولية، وهذا دليل على أن التوقيف تعسفي. توقيف 24 ساعة، وأحياناً لأيام لا يتم تعويض الموقوف عنها". وبينما اعتقل الأمن الأردنيّ متظاهرين، اعتدى بالضرب على آخرين.
ووثّق المتظاهرون ما قالوا إنه اعتقال قوات الدرك لبعض العاملين في "الأمن الوقائي"، والتعامل معهم بشكل عنيف وهو ما اعتبره البعض دلالة على عشوائية الاعتقالات دون استناد واضح.
وقمع بالجملة
ويعقب المحامي أحمد السواعي لرصيف22 على اعتقال المتظاهرين بالقول: "الدستور الأردنيّ يكفل للناس حق مخاطبة السلطات والتجمع والتعبير عن رأيهم، إلا أنَّ هذه المساحات تعرضت لضربات عديدة من التشريعات الفضفاضة التي كان لها أثر عكسي على حق الناس بالتظاهر في الأماكن العامة".
ويضيف أنَّ هناك زيادة كبيرة في أعداد المعتقلين لأسباب تتعلق بالهتاف أو التغريد عبر موقع التواصل الاجتماعيّ "إكس"، مشيراً إلى أنَّ هذه الأرقام أضعاف ما كانت في فترات حساسة من تاريخ الدولة مثل الربيع العربي. مشيراً إلى أنَّ المدعي العام وجّه لمعظم من تم إلقاء القبض عليهم في المظاهرات تهمتي "التجمهر غير المشروع" و"إقلاق الراحة العامة".
تُوجه للمعتقلين من المتظاهرين تهم مثل "التجمهر غير المشروع"، و"مقاومة رجال الأمن" و"إقلاق الراحة العامة"، وفي الغالب حين يصل الأمر للقضاء يكون الحكم بعدم المسؤولية، ولا يتم تعويض الموقوف عن فترة اعتقاله
وأما عن الإجراءات فتبدأ بإيداعهم في المراكز الأمنية ومن ثم عرضهم على المدعي العام الذي يقرر إما أن يوقفهم على ذمة القضية، أو أن يتركهم وشأنهم ويخلي سبيلهم، وبالنسبة للفئة الأولى يتم عرضهم على المحافظ والذي يملك أيضاً صلاحية توقيفهم توقيفاً إدارياً سنداً لقانون منع الجرائم.
فيما يرى الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني سعيد ذياب أن "ممارسة القمع ضد المتظاهرين ناتج عن ضيق الحكومة وانزعاجها لمعرفتها بعدالة مطالب الشباب والأمل الموجود لديهم، وأنه مهما حاولت القوى المعاديّة تشويه الوعي لدى الشعوب وإقناعهم بالاستسلام فستبوء بالفشل".
ومنذ قصف المسشتفى المعمداني وخروج الناس للشارع، انتشرت عدة مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، يظهر فيها بعض رجال الأمن الأردني وهم يلقون القبض على مجموعة من المتظاهرين في العاصمة عمّان، واستمرت هذه المقاطع بالتكاثر والتداول في كل مرة تتوافد بها أعداد كبيرة في محاولات الوصول إلى السفارة الإسرائيلية.
وكان المحامي في لجنة الحريات في نقابة المحامين بسام فريحات قد أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 عن تعاملهم مع 1000 شخص تم "اعتقاله" منذ بداية الأحداث، مشيراً إلى أنَّ "الاعتقالات بدأت منذ مجزرة المستشفى المعمداني". ولافتاً إلى تحويل 600 شخص إلى القضاء وصدور أحكام براءة بحق 200 منهم "من ضمنهم 27 شخصاً دون السن القانوني".
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نشرت تقريراً الشهر الماضي، قالت فيه إنَّ السلطات الأردنية اعتقلت وضايقت عشرات الأردنيين الذين شاركوا في احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء البلاد أو شاركوا في المناصرة عبر الإنترنت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووجهت إلى بعضهم اتهامات في إطار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الذي لاقى انتقادات واسعة.
بماذا تختلف المملكة عن سواها؟
يربط بين الأردن وفلسطين مصيرٌ مشترك، فقبل "سايكس بيكو" لم يكن نهر الأردن ووادي عربة حواجز طبيعيّة تمنع سّكان الحضر والريف والبادية من التحرك والتنقّل شرقاً وغرباً حسب مقتضيات ظروف حياتهم اليومية، والموسمية للعمل أو الإقامة، والسكن بشكل مؤقت أو دائم، ومن الطبيعي أن نجد أن نفس القبائل والعشائر والعائلات تسكن على ضفتي نهر الأردن تربطهما أواصر القربى، والمصاهرة، والعادات، والتقاليد، واللهجات، والتاريخ المُشترك.
وحسب الكاتب في الشأن الفلسطينيّ أحمد أبو هزيم فمن النادر إيجادُ فروق تُذكر في أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب الأردن عن أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب فلسطين، وكذلك الوسط، والشمال لأن الإنتقال لأي سبب شرق أو غرب كان على الأغلب أفقي على جانبي نهر الأردن.
وثق المتظاهرون بالفيديو ما قالوا إنه اعتقال قوات الدرك لعاملين في الأمن الوقائي والتعامل معهم بشكل عنيف، وهو ما اعتبره البعض دلالة على عشوائية الاعتقالات.
وخلال الحكم العثمانيّ عام 1868 كانت جميع المدن شرقي النهر وما حولها تتبع لواء البلقاء ومركزه مدينة نابلس غربي النهر، لكن بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى وتقاسم المنطقة ضمن إتفاقية "سايكس بيكو"، وما تلاها من صدور قرار لوزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور عام 1917 بمنح فلسطين كوطن قومي لليهود، استشعر أهل شرق الأردن الخطر.
نظرية أن كل المتظاهرين هم من أصول فلسطينية تدحضها جغرافية المظاهرات في الأردن، إذ يمكن أن نرى في المظاهرات الحاليّة أبناء حيّ الطفايلة وأبناء الجنوب الأردنيّ الذين هَبّوا من أجل التضامن مع الشعب الفلسطينيّ في غزة، وكذلك أبناء العشائر الأردنيّة الذين اعتبروا فلسطين قضيّتهم، ونرى أسماء عائلاتهم بكثرة في قوائم المعتقلين.
الملك والشارع
ويقول عضو اللجنة المركزية لحزب "حشد"، سيف زرقان لرصيف22 إنَّ "جزءاً من صمود أهل غزة اعتمد على الدعم المعنويّ الذي تلقوه من الشعوب المجاورة، كالشعب الأردنيّ الذي يحاصر السفارة الإسرائيليّة؛ ليبرهن أنَّ الأردنيين لا يقبلون المساومة ولا التطبيع".
وعن ردود فعل الغزيين، يشير زرقان الذي كان أحد قادة الهُتاف عند السفارة، إلى المعاناة التي جمعت الشعبين الأردنيَّ والفلسطينيّ منذ مقاومتهما للاستعمار البريطانيّ ومحاربتهما الإسرائليين، لافتًا إلى أنَّ دم شهداء الأردن على ثرى فلسطين يشهد بذلك كايد مفلح عبيدات ومحمد حمد الحنيطي وغيرهما. ويؤكد بأن الأردنيين لن يتوقفوا حتى تحقيق مطالبهم وعلى رأسها إسقاط معاهدة وادي عربة وإلغاء اتفاقيّة الغاز ووقف كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيونيّ.
من جهته يؤكد الناشط السياسيّ هيثم عياصرة لرصيف22 أنَّ الهدف من النزول للشارع هو قطع كل أشكال العلاقات ما بين الأردن وإسرائيل انتصاراً للغزيين، كرد سياسي ودبلوماسي على ما يجري في حقهم.
ويشير إلى ضرورة قطع العلاقات خاصةً أنَّ الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجيّة أيمن الصفدي يصرّحان كل يوم أنَّ ما يجري في غزة إبادة جماعيّة وجرائم متكررة بحق الإنسانيّة، قائلًا "لا يستقيم الاعتراف بهذه الجرائم وبنفس الوقت يربطنا مع الكيان الصهيوني علاقات سياسيّة واقتصاديّة".
ولم تنفك خطابات الملك عبد الله الثاني تذكر فلسطين والارتباط بين الأردن وفلسطين، وأنَّ القدُس خطٌ أحمر، فيما شددّت الخطابات الملكيّة على ضرورة وقف الحرب على غزة وأنَّ القضيّة الفلسطينيّة هي القضيّة المركزيّة للأردن.
وقد ركّزت خطب الملكة رانيا العبدلله ووزير الخارجيّة الأردنيّ أيمن الصفدي على هذه الأهميّة والدعوة لوقف الحرب، وهو ما أثار بعض التساؤلات حول سبب قمع المظاهرات طالما تتفق مع الموقف الرسميّ. غير أنَّ ردود فعل الغزيين جاءت كمحفّزٍ للأردنيين للاستمرار بهذه المظاهرات.
يرفض أردنيون مقولة أن المكون الفلسطيني في الأردن هو من يحرك هذه المظاهرات، معتبرين في الأمر انتقاصاً من وطنيتهم، ويؤكدون على وجهة نظرهم من خلال أسماء عائلات المعتقلين التي تظهر فيها أسماء العشائر، وأماكن المظاهرات في خارج العاصمة وداخلها
وهو ما يؤكد وجهة نظر عياصرة، الذي يشدد على أنَّ المظاهرات رسالة دعم نفسي للغزيين بأنَّ الشعب الأردني معهم في كل لحظة، ورسالة لإسرائيل بأنها غير مُرحب بها في الأردن رغم كل محاولات التطبيع.
ويتفق معه أمين عام حزب الوحدة الشعبيّة وعضو الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن سعيد ذياب، بقوله لرصيف22 إنَّ المظاهرات المستمرة منذ بدء العدوان تعكس الحالة التضامنيّة مع سكّان القطاع، إضافةً لخلق ضغطٍ سياسيّ على الحكومة لإعادة النظر في الاتفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل وصولاً إلى إنهاء عمليّة التطبيع. ويلفت إلى أنَّ هدف الحِراك سياسي بالأساس، وهو خلق حالة تراكميّة شعبيّة واسعة للضغط على الحكومة من أجل وقف الاتفاقيّات.
تفاعل من داخل غزة مع مظاهرات الأردن
لاقت هذه المظاهرات الألفية تفاعلاً من داخل غزة، وبالأخص عبر موقع التواصل الاجتماعيّ "إكس"، يتابع الغزيّ علي أبو رزق هذه المظاهرات، مغرداً: "اليوم الثالث من الحراك الشعبي في الأردن يتزامن مع تصعيد كبير في الجبهة اللبنانية والجبهة اليمنية، بورك الأحرار في كل مكان ومكنهم الله من الانتصار لغزة وإنهاء مجاعتها ووقف جريمة الإبادة".
ويتساءل علاء شعث من داخل القطاع: "هل سترجم الشرطة الإسرائيلية المتظاهرين لو حاولوا يوماً ما الاقتراب من السفارة الاردنية؟".
في حين يشارك إسلام بدر مقطعاً مصوّراً لمظاهرات الأردن مع تعليق "عمّان يا عمّان يا زينة البلدان".
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.