على حين غرّة، ظهر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، متحدثاً من منصة كانت عليها خريطة إسرائيل بحدود موسعة تضم الأردن والأراضي الفلسطينية، ما شكّل شبه أزمة دبلوماسية بين عمّان وتل أبيب. حين نفى في حديثه وجود شعب فلسطيني، قائلاً إنه "اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة"، وذلك بعد تصريحات دعا فيها إلى "محو" بلدة حوارة في نابلس.
الأردن الذي قابل التصريحات برد فعل غاضب وسريع، إذ غرّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عبر حسابه على تويتر في رد غير مباشر: "يقف الأردن شامخاً بهامات شعبه وجيشه العربي المصطفوي، مدافعاً عن حدوده وسيادته، وسيظل يوم الكرامة خالداً مجيداً في ذاكرتنا الوطنية وصفحةً مشرفةً في تاريخنا العربي. رحم الله شهداءنا. حفظ الله الأردن"، وذلك بمناسبة معركة الكرامة التي وقعت مع إسرائيل عام 1968.
أما الخارجية الأردنية، فقد استدعت السفير الإسرائيلي، إيتان سوركيس، للاحتجاج على سلوك وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وأبلغته بأن سلوك الوزير -خلال مشاركته في فعالية عُقدت يوم أمس في باريس- يمثّل "تصرفاً تحريضياً أرعن"، وعدّته خرقاً للأعراف الدولية ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.
الوزارة أكدت في بيانها، على أنها "تتخذ جميع الإجراءات السياسية والقانونية الضرورية للتصدي لمثل هذه التصرفات والتصريحات الحاقدة المتطرفة، وما تمثله من تصعيد خطير يهدد الأمن والاستقرار ويدفع في اتجاه التصعيد".
تصعيد أردني
لم تكتفِ عمّان بخطوة الاستدعاء والاحتجاج، بل أرفقتها بتصريحات "لاذعة" من وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء الماضي، إذ قال إن "تصريحات وزير المالية (الإسرائيلي) استفزازية وتحريضية وتعكس فكراً عنصرياً متطرفاً، وتواصلنا مع المجتمع الدولي لإبراز هذه التصريحات المتطرفة التي ندينها ونستنكرها بشدة".
الصفدي أكد أنه على الحكومة (الإسرائيلية) أن "تقول بشكل واضح إن حديث وزير المالية لا يمثلها. إن الاحتلال هو أساس الشر، والمنطقة لن تنعم بالاستقرار إلا إذا انتهى هذا الاحتلال، وإن قتل حل الدولتين سيكرّس الفصل العنصري وسيدفع إلى مزيد من التوتر وتفجر الصراع. مسؤولون (إسرائيليون) تواصلوا مع الأردن عقب التصريحات، وعبّروا عن ذلك بطريقة أو بأخرى، لكن الأردن لن يقبل أي ضبابية في ذلك".
يسعى نتنياهو الى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن، وهو ما يقلق عمّان بطبيعة الحال
احتواء إسرائيلي
أما تل أبيب، فسعت إلى حفظ ماء الوجه أمام التصعيد الأردني، إذ سارعت الخارجية الإسرائيلية إلى التأكيد على التزامها باتفاق السلام مع الأردن، واعترافها بسلامة جميع أراضي المملكة الأردنية، بحسب تعبير البيان، كما أجرى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، اتصالاً هاتفياً بأيمن الصفدي، بيّن خلاله التزام إسرائيل باتفاق السلام مع الأردن وسلامة أراضي المملكة.
تأتي الأزمة الدبلوماسية بين الجانبين، بعد نحو شهر على عقد الأردن قمة العقبة التي شاركت فيها إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر وأمريكا، في محاول لوقف حدة الصراع خلال شهر رمضان والإجراءات الأحادية المتخذة من قبل الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي).
لكن بعد القمة، وقعت مجزرة نابلس التي راح ضحيتها 11 شهيداً وأكثر من مئة إصابة، ما سبب حرجاً للأطراف المشاركة ومنها عمّان التي دعت إلى القمة، وليس ذلك فحسب، فالأزمة الحالية تأتي بعد أيام عدة من انعقاد قمة شرم الشيخ.
وجود الأردن على خرائط المشروع الإسرائيلي، ليس جديداً، إذ إن الخرائط القديمة للحركة الصهيونية كانت تعدّ الأردن جزءاً من إسرائيل الكبرى، التي تمتد إلى مناطق مختلفة، وذلك يفسَّر بزيارة الوفود الإسرائيلية إلى الأردن، وأداء صلواتهم في مواقع مختلفة، وهو سيناريو متكرر يحرج عمّان.
بين عبد الله الثاني ونتنياهو
يبدو أن الأزمة المتصاعدة بين عمّان وتل أبيب، تتخذ مساراً جديداً في العلاقة بين البلدين من جهة، وبين الملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة أخرى، إذ يرى الأردن الرسمي أن من يتحمل مسؤولية التصرفات العدائية من قبل وزراء الحكومة الإسرائيلية، هو نتنياهو نفسه.
لطالما شهدت العلاقة بين عبد الله الثاني ونتنياهو، توتراً عميقاً وعداءً لا يتوقف لكنه يبرد ثم يعود إلى السخونة عند كل أزمة كبيرة، فقد استلم الملك مقاليد الحكم بعد عامين من محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس عام 1997، في عمّان، عن طريق عملاء حملوا السمّ بتوجيهات من نتنياهو.
المحاولة فشلت، لكنها كانت "وقاحةً إسرائيليةً"، كما وصفها الملك في كتابه "فرصتنا الأخيرة"، وتحدث في فصل حمل عنواناً فرعياً: "إسرائيل القلعة أم السلام مع سبع وخمسين دولة؟"، مخاطباً الإسرائيليين مباشرةً: "... لا تسمحوا لسياسييكم بأن يضعوا أمنكم في أشداق الخطر من خلال الخيارات العمياء الخالية من التفكير السليم والتي تمعن في عزلكم"، وينقل الملك عن إيهود باراك، "آخر مقاتلي السلام في إسرائيل"، كما يصفه، أنه وصف نتنياهو نفسه بقوله: "لم يترك نتنياهو حفرةً إلا وقع فيها، والمشكلة الكبرى هي أنه لا يسقط في الحفرة وحده لكنه يأخذ البلد برمته معه!".
عبد الله الثاني بعد استلامه الحكم، يسرد هجوم نتنياهو على الملك الراحل الحسين بسبب موقفه من الرئيس العراقي صدام حسين، وكان ذلك قبل لقائهما الأول بأيام، ويضيف الملك: "محاولة نتنياهو تشويه دور والدي في حرب الخليج لمجرد تسجيل بعض النقاط السياسية، تركت في حلقي مرارةً ليس من السهل غسلها".
وجهات نظر متباينة
العلاقة الشخصيّة بين العاهل الأردني ورئيس وزراء الإسرائيلي، لم تكن جيّدةً على الإطلاق، في يوم من الأيام، لأنّ الأخير كان وما زال يريد إلغاء الوصاية الهاشميّة على المناطق الإسلاميّة والمسيحيّة المقدّسة في القدس المحتلّة، في حين يرى الملك أن ذلك يعني المساس به شخصياً، بحكم أن الوصاية امتداد ديني وشرعي للهاشمين في المنطقة، وإرث عائلي وجب الحفاظ عليه.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحم، كان تعيين بن غفير، وزيراً للأمن القومي، بمثابة تحدٍّ للأردن، لأنه يهدد الوضع الراهن في القدس، وله مواقف عدائية كثيرة ضد الأردن، إذ وجّه رسالةً في آذار/ مارس 2022، إلى الملك عبد الله اتهمه فيها بأنه يجلب الاستفزاز للقدس، مهدداً بأن منعه من دخول الحرم القدسي سيكون استفزازاً سيجلب النار والحرق للمدينة. قال بن غفير للملك عبد الله حينها: "لن نخضع للتهديدات"، في رد على تحذيرات الملك عبد الله من أي إجراءات استفزازية تزيد من حدة المواجهات.
من جهة أخرى، يعتقد العاهل الأردني أن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يتمثل في حل الدولتين، ويقوم على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنباً إلى جنب، هما دولة فلسطين ودولة إسرائيل، وهو ما تم إقراره في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967، وهو ما يروّج له الملك بشكل دائم.
إلا أن نتنياهو يمضي من خلال حكوماته المتعاقبة نحو الدولة الإسرائيلية الواحدة، ويسعى إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن، كما كان من المندفعين نحو "صفقة القرن".
مواقف عدائية
أزمات مختلفة ومواقف كثيرة، أظهرت العداء بين العاهل الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، منها أزمة البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى عام 2017، حينما أغلقت إسرائيل المسجد ومداخل البلدة القديمة ومنعت إقامة صلاة الجمعة في سابقة هي الأولى وقتها، منذ احتلال القدس عام 1967.
أكد خلال اتصال مع نتنياهو على ضرورة إزالة ما تم اتخاذه من إجراءات من قبل الطرف الإسرائيلي.
يريد نتنياهو الغاء الوصاية الهاشميّة على المناطق المقدّسة في القدس، في حين يرى الملك عبدالله أن ذلك يعني المساس به شخصياً
وبعدها عام 2018، وقعت حادثة قتل حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان لمواطنين أردنيين، إثر "إشكال" وقع داخل مجمّع السفارة، وطالب الملك الأردني رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حينها، بمحاكمة حارس الأمن الإسرائيلي، وحذّر من أن أسلوب التعامل مع الواقعة سيكون له أثر مباشر على العلاقات بين الجانبين.
بيد أن نتنياهو استقبل القاتل في الأحضان، وكشف عن ذلك في مقطع مصوّر استفزّ الشارع الأردني.
العاهل الأردني وجّه صفعةً إلى حكومة نتنياهو بعدها، إذ أعلن عن خطط لإنهاء عقد تأجير منطقتي الغمر والباقورة، وعلى الرغم من الجهود الطويلة التي بذلتها الحكومة الإسرائيلية، لم تنجح المفاوضات لضمان استمرار وصول المزارعين الإسرائيليين إلى المنطقتين، رافضاً طلب تل أبيب تمديد عقد إيجار منطقتين على الحدود مع إسرائيل لمدة ستة أشهر، وعرض بدلاً من ذلك دفع تعويضات لمزارعين إسرائيليين يعملون في هذه الأرض.
وفي 2021، رفض الأردن السماح لطائرة نتنياهو بالتحليق فوق أراضيه، ومنعها من استخدام المجال الجوي الأردني، وذلك رداً على إلغاء ولي العهد الحسين بن عبد الله، زيارته للمسجد الأقصى أمس على إثر تعنّت إسرائيل في تحديد عدد الحرّاس الذين يرافقون ولي العهد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...