شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
نجت ولم ينج أصحابها… أعمال فنانين غزيين في

نجت ولم ينج أصحابها… أعمال فنانين غزيين في "هذا ليس معرضاً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 25 مارس 202404:28 م

هذا المعرض ليس معرضاً "نظيفاً" من بشاعة الواقع، وليس معرضاً مترفعاً عن صوت هذه المجزرة. تدخل المتحف الفلسطيني على صوت الزنانة، تقابلك شاشة عرض تبث مشاهد البحث تحت الأنقاض بعد إعلان الهدنة خلال الحرب على غزة. أنت محاط بلوحات لفنانين غزيين قُصفت مراسمهم، وآخرين فقدوا حياتهم، فظلّت أعمالهم، بشارة سوداء على أطرافها، بقايا الأحلام المعلقة التي استهدفتها الطائرات الإسرائيلية. "عندما تستهدف مراسمهم نغدو مساحاتهم، وعندما تستهدف شبكات الاتصال نصبح صوتهم"، يقول الفنان عامر شوملي مدير المتحف الفلسطيني في بلدة بير زيت شمال رام الله.

جمع المتحف نحو 300 عمل فنيّ لمئة فنان وفنانة غزيّة تحت عنوان "هذا ليس معرضاً". في تأكيد على أن "محاولة محو الاحتلال للتاريخ والرواية الفلسطينية لن تنجح. فحين تقصف أعمال الفنان الغزي، ستخرج أعمال أخرى من جدران بيوت من اقتنوها في الضفة"، كما يرى الشوملي.

"دمر الاحتلال كلّ شيء جميل في غزة. وفكرة إقامة المعرض كانت شكلاً من أشكال التحدي لآلة الدمار هذه، وفرصة أمام العاملين الثقافيين في الضفة الغربية للتفكير بشكل أكثر جدية حول إتاحة الفن الذي ينتجه الغزيّون"، يقول الفنان محمد الحواجري.

وقد ساهم الحواجري (48 عاماً) في الإعداد والتحضير لمعرض "هذا ليس معرضاً" ممثلاً مجموعة "التقاء للفن المعاصر" الذي شارك في تأسيسها في غزة. الفنان، الذي تشارك أعماله في محافل فنيّة عالميّة، كان متردداً تجاه العمل على المعرض بعد استهداف مقرّ المجموعة واضطراره إلى النزوح إلى رفح. لكنّه أدرك أهمية تنظيم حدث كهذا في ظلّ الإبادة الحاصلة بحقّ الغزيين والغزيّات. فتابع الإعداد لافتتاح المعرض كلّما توفّرت شبكات الاتصال المتقطّعة في غزّة.

مرسم غزة المحفوظ في بيوت الناس

وعلى الرغم من تغييبهم القسري، فقد افتتح فنانو غزّة المعرض بكلمات ترحيبيّة مسجّلة نجحوا في إرسالها وهم يعايشون ظروف الحرب القاسية وتدمير الاحتلال لمنازلهم ومؤسساتهم ومساحاتهم اليوميّة الفرديّة والجمعيّة. لقد دمّر الاحتلال مساحة "التقاء للفنّ المعاصر" و"محترف شابيك للفنّ المعاصر" في غزّة، "فشكّل هذا المعرض مساحة بديلة وتعويضيّة، ومنبراً ينقل صوت الفنانين بعد أن فقدوا سبل الاتصال بالعالم"، يقول الشوملي في حديث لرصيف22، مضيفاً: "كان المعرض وليد سؤال وجودي حول دور المؤسسة الثقافيّة في ظل حرب الإبادة في غزّة. كان لا بدّ من خلق مساحة تشكّل تظاهرة فنيّة تحمل طابعاً مختلفاً عن السياق التقليدي للمعارض الفنيّة. فتبلورت فكرة المعرض بعد مشاورات ونقاشات مع فنانين من قطاع غزة".

دمّر الاحتلال مساحة "التقاء للفنّ المعاصر" و"محترف شابيك للفنّ المعاصر" في غزّة، "فشكّل هذا المعرض مساحة بديلة وتعويضيّة، ومنبراً ينقل صوت الفنانين بعد أن فقدوا سبل الاتصال بالعالم

توجّه المتحف على إثر التواصل مع الفنانين الغزيين إلى المؤسسات الثقافية والجامعات والأفراد المهتمين بالفنون البصرية في الضفة الغربية في محاولة لإيجاد أعمال تعود لفنانين من القطاع تعرضت معظم مراسمهم للقصف، ولم يتبق من أعمالهم سوى ما اقتناه فلسطينيّون خارج غزة. فتمكّن المتحف من جمع لوحات من مناطق مختلفة من مدن وقرى الضفة الغربية تعود لأكثر من 100 فنان غزّي.

"إن رحلة جمع هذه الأعمال كانت أشبه بمعركة. فقد كان مجرّد نقل اللوحات إلى المتحف عبارة عن تحدٍ كبير في ظل ظروف حصار المحافظات المفروض على الضفة الغربية منذ بدء الحرب. فعلى سبيل المثال، قام الاحتلال بتوقيف سيارة تقلّ 50 لوحة من بيت لحم جنوب الضفة الغربية على الحاجز العسكري الذي يفصل جنوب الضفة عن شمالها"، يقول الشوملي.

التفاف المجتمع حول الفنّ الغزيّ

يحضر الدور الثقافي للمجتمع الفلسطيني بقوّة في هذا المعرض. فالفلسطينيون الذين حافظوا داخل بيوتهم على مئات الأعمال الفنيّة لفنانين غزيين لم يتوانوا في إعارتها للمتحف من أجل هذه التظاهرة. أعارت مهى أبو شوشة لوحتين كانت امتلكتهما قبل أكثر من عشر سنوات؛ إحداهما للفنان محمد أبو سلّ والأخرى للفنام محمد الحواجري. فجاورتا مئات اللوحات الأخرى لزميلات وزملاء لهنّ من القطاع. "فاق المعرض جميع التوقّعات من حيث ضخامته والأثر الذي يتركه في نفس الزائر. يشعر المرء برهبة كبيرة لدى دخوله المعرض"، تقول أبو شوشة لرصيف22، وتردف: "تثير اللوحات المنتقاة فضولاً كبيراً وأسئلة عميقة حول أدق التفاصيل والأفكار البصريّة التي وضعها الفنانون الغزيّون".

يؤكد مدير المتحف الفنان عامر شوملي على أنّ المعرض يهدف إلى تخفيف وحدة الفنانين، الذين يشعرون بأنّهم متروكون بعد أن فقدوا كلّ شيء. "يلتقط الزّوار صوراً لأعمالهم، ثمّ يشاركونها عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ. إنّها خطوة معنويّة هامة ولها أثر كبير على الفنانين في غزّة"، يقول الشوملي. إنها، إذاً، دائرة من الإنتاج والاستهلاك القائم على المناصرة الإنسانيّة وليس على قيم التجارة بالفن، يتشارك في بنائها الفنان والمؤسسة والمجتمع. والمجتمع هنا شريك في خلق المنتج، المعرض، وفي تعميمه في آن.

هبة زقّوت حضرت بعد غيابها

يقول الشوملي إن مواطناً أمريكياً يعمل في إحدى المؤسسات بالضفة الغربية تواجد صدفةً في قطاع غزة في رحلة عمل في الثالث من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 والتقى الفنانة الشهيدة هبة زقّوت ليسلمها صندوق ألوان كانت طلبته منه، ويشتري منها لوحة من أعمالها. ولدى سماعه عن المعرض جاء حاملاً لوحتها. وكانت زقّوت (39 عاماً) قد استشهدت رفقة ابنها في قصف إسرائيليّ في بداية الحرب. تاركةً وراءها أسلوباً فنيّاً خاصّاً تبرز فيه المدن الفلسطينيّة والمرأة، ومعارض فنيّة محليّة ودوليّة عديدة. "إن وجود عمل للفنانة الشهيدة مؤثر جداً. كما أنّ حضور لوحات كثيرة لفنانات بصريّات من غزة لهو أمر ملفت للغاية"، تقول أبو شوشة.

يهدف المعرض إلى تخفيف وحدة الفنانين، الذين يشعرون بأنّهم متروكون بعد أن فقدوا كلّ شيء

إبادة الحياة الثقافية

لقد تعمّدت آلة الإبادة الإسرائيليّة تدمير معالم الحياة الثقافيّة وصنّاعها في غزّة. ففقد المشهد الثقافيّ عشرات المبدعين في مختلف المجالات، أحصيَ منهم حتى اللحظة 45 شخصاً. كما تضرّر 24 مركزاً ثقافيّاً بشكل كلّيّ أو جزئيّ، وتسع مكتبات عامّة، وثماني دور نشر، بالإضافة إلى الاستوديوهات الفنيّة والمطابع وغيرها من الفضاءات الثقافيّة. وفقد المشهد التشكيليّ على وجه الخصوص عدداً من الفنانين، أبرزهم الفنّان والنّحات فتحي غبن الذي توفي بسبب عدم توافر العلاج والأوكسجين اللازم لأزمته الرئويّة. ذلك بعد أن فقد كلّ ثروته الفنيّة في قصف منزله في غزّة.

بالنسبة للقائمين على معرض "هذا ليس معرضاً"، فإنّ "الفنّ في غزّة لا يكتف بدور الشهادة على قسوة الواقع، بل إنه، وفي جوهره، تجلّ لفعل وجوديّ في مجابهة هذه القسوة التي تحاول تجريد الإنسان من إنسانيّته. وكان الفنّانون هم أوّل من يسعى إلى نشر بذور الحياة من جديد، وشقّ أنفاق تفضي إلى آفاق أكثر رحابة". "عندما تنتهي الحرب سنأخذ صورة جماعية بعنوان "نجينا من المجزرة"، يقول الشوملي. افتتح المعرض بلا سقف زمنيّ أو موعد محدّد لانتهائه، وقد يُغلق فعلاً حين تنتهي الحرب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard