بمعطف ثقيل – بغض النظر عن حالة الطقس- أو كوفية، وعوينات غليظة، وكاسكيت فوق الرأس المرفوع أغلب الوقت ليتأمل الأفق، يؤدي الفنان حسن أبو الروس نفس "الكليشيه" الذي تحب الدراما الخفيفة أو الكوميدية أن تقدم به صورة الشاعر، لكن هذه المرة، في مسلسل الإثارة – ذي اللمسة الكوميدية- "لحظة غضب"، لا تتوقف الغُلظة عند عوينات "الشاعر"، بل تمتد إلى هذه الشخصية النمطية نفسها ربما بشكل غير مسبوق.
يظهر أبو الروس في معظم حلقات المسلسل مع شارة مسبقة تقول إنه "ضيف شرف"، ما دعا جزءاً من الجمهور إلى التساؤل المحق عن كنه هذا "الضيف" الذي ظهر أكثر من بعض أبطال المسلسل، وهو لا يظهر إلا ليؤدي غرضين، الأول هو إبداء الإصرار على التقدم لخطبة حبيبته فاطمة - تجسد شخصيتها سارة عبد الرحمن - في ظروف غير مناسبة تمر بها العائلة، والثاني هو إنشاد "قصائد" لا هي بالشعر ولا هي بالكوميديا، ولا تفسر حتى لماذا تتمسك به فاطمة، لأنها لا تبدي أي إعجاب بـ "الشعر" الذي يلقيه، وهو من نوع "كان فيه مرة كلب صغير/ حبّ عِرسة وأخلص ليها" ولا بد طبعاً من بعض "الهوهوة" في القصيدة على سبيل ما يظن صناع المسلسل أنه كوميديا.
والعجيب أن العمل، الذي كتبه مهاب طارق وأخرجه عبد العزيز النجار من بطولة صبا مبارك ومحمد شاهين، يبدو في معظم مشاهد الإثارة والمطاردة خفيف الظل بشكل يفوق كثيراً الإضافة "الكوميدية" التي كان يفترض أن يضفيها كليشيه الشاعر "العبيط".
العجيب أن مسلسل لحظة عضب، من بطولة صبا مبارك ومحمد شاهين، يبدو في معظم مشاهد الإثارة والمطاردة خفيف الظل بشكل يفوق كثيراً الإضافة "الكوميدية" التي كان يفترض أن يضفيها كليشيه الشاعر "العبيط" الذي يجسده حسن أبو الروسالانطباع الذي تمنحه مشاهد أبو الروس للمشاهد هو أن "قصائده" قد تكون من إبداع الممثل الخاص، إذ لا يبدو فيها أي جهد لصنع لمسة الدراما المطلوبة للكوميديا، وهي لمسة طالما اجتهد صناع هذا النوع من الكليشيه في صنعها، بنسب نجاح متفاوتة، على سبيل المثال، في مسلسل "زميل"، أي يعرض في الموسم الرمضاني نفسه، هو "أشغال شقة"، يقرر الشاب الساذج عربي - يجسد شخصيته مصطفى غريب - أن يعبّر عن حبه للخادمة الجميلة آيلا - تؤدي دورها ريم خوري - من خلال إلقاء قصيدة كتبها من أجلها، في المسلسل الذي صنعه الأخوان دياب، خالد وشيرين، تتكون "قصيدة" عربي من كلمات تغازل وظيفة الخادمة: "خرّجيني من هدومي/ واشطفيني بالحنان/ ضيعي لي كل يومي/ اقلقيني في نص يومي/ أكّليني ربع رومي"... إلخ. إنها كلمات يمكن أن تُضحك المشاهد أو لا تضحكه، لكنها ابنة الموقف الكوميدي، كما أنها على الأقل موزونة بشكل صحيح تقريباً.
يمكن تذكّر العديد من حالات استحضار الشعر والشعراء - بالعامية غالباً - في أعمال الكوميديا خلال السنوات الأخيرة، وملاحظة تحولات وجودها في مشهد كوميدي يتطلبها أو يستدعيها بصورة إبداعية. يمكن تذكّر بكاء فؤاد المهندس في "البيه البواب" على قصيدة وداعه من الوظيفة "أمضيت عمرك في الوظيفة ولم تغتنِ، وخرجت منها يا مولاي كما خلقتني"، أو القصائد "الديماجوجية" للشعراء الشيوعيين في فيلم أحمد رجب الشهير "فوزية البرجوازية"، ثم محاولة "اللمبي" في فيلم محمد سعد الأشهر أن يتنصت على قصيدة يلقيها جاره في المقهى لحبيبته، لسرقتها، فتتحول "believe me, believe me" على لسانه إلى "بلوبيف بلوبيف" التي تعجب حبيبته الشعبية - قامت بدورها حلا شيحة - التي لا تزيد عنه "ثقافة".
ثم ينتقل "الشعر" من كونه ابناً لكوميديا الموقف إلى الاعتماد على "كاركتر" الشاعر للإضحاك المباشر، أو هكذا يرجو العمل الفني، في "مرجان أحمد مرجان" يحاول رجل الأعمال الشهير مرجان - أدّى دوره عادل إمام - خلق مكانة ثقافية لنفسه فيلتقي الشاعر "ضياء الميرغني" مؤلف ديوان "أبيع نفسي"، ويشتري منه الديوان وينسبه لنفسه وخصوصا قصيدة "الحلزونة"، التي يحمل اسمها – خارج الفيلم – واحدة من أجمل قصائد شاعر العامية الكبير فؤاد حداد.
يمكن تذكّر العديد من حالات استحضار الشعر والشعراء - بالعامية غالباً - في أعمال الكوميديا خلال السنوات الأخيرة، وملاحظة تحولات وجودها في مشهد كوميدي يتطلبها أو يستدعيها بصورة إبداعية. يمكن تذكّر بكاء فؤاد المهندس في "البيه البواب" على قصيدة وداعه من الوظيفة "أمضيت عمرك في الوظيفة ولم تغتنِ، وخرجت منها يا مولاي كما خلقتني"، والقصائد "الديماجوجية" في "فوزية البرجوازية"
ويظهر شاعر العامية كـ"كاركتر كوميدي" في صيغة أنثوية هذه المرة خلال فيلم "من تلاتين سنة"، تؤديه منى زكي في شخصية الشاعر السكندرية حنان البغدادي، وقصيدتها "معنتش معنتش" (أي لن أعود) التي لا يتحمل سماعها حتى بطل الفيلم عماد - يجسد الدور أحمد السقا.
وعلى الرغم من أن شهرته الواسعة بدأت من مقطع قصير كوميدي على شبكة الإنترنت، بعنوان "إزاي تبقى شاعر عامية في 30 ثانية"، فإن أحمد أمين، الشاعر والمؤلف والكوميديان الموهوب، والذي كان في مقطعه الكوميدي يسخر من الكليشيه والاستسهال في كتابة الشعر، يلجأ إلى استخدام الكليشيه نفسه في مسلسل "الوصية"، عبر مشهد يزور فيه المقهى الذي يجلس عليه "عتاولة الشعر الحزين"، الشعراء هنا ليسوا أبناء موقف كوميدي أصيل بل مجرد كليشيهات تردد قصائد ساذجة بلا معنى، ولهذا فإنهم – وهم يرددون أشياء من قبيل "كلت القطة جالها زغطة"... إلخ – بدوا كمحاكاة بلهاء، على العكس من الموقف الذي يمكن تصوّره في الواقع، كالقصائد غير المفهومة للشعراء الماركسيين في "فوزية البرجوازية" أو رثائيات موظف التأبين في "البيه البواب".
هكذا، وبالتدريج، تم تفريغ الأسباب التي من أجلها جرى استدعاء الشعر إلى الكوميديا، الموقف الدرامي المناسب، والـ"قصيدة" المناسبة، مع الظنّ بأن مصدر الإضحاك هو الملابس وإمالة الرأس ومد حروف الكلام، أو باختصار شخصية "أسامة" في "لحظة غضب" إذ كادت تصبح العنصر الوحيد الذي يثير الغضب حقاً طوال المسلسل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...