شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لتكون لاجئاً في السويد... عليك أن تعتمد على حظك أولاً

لتكون لاجئاً في السويد... عليك أن تعتمد على حظك أولاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الأحد 17 مارس 202401:33 م

"أنت وحظك، واحدة من أكثر العبارات التي يسمعها القادمون الجدد إلى السويد. يسمعها أيضاً الكثير من اللاجئين في السويد، منهم من له سنوات ومنهم من له أشهر ينتظر أن ينتقل من مقدم طلب لجوء إلى لاجئ بشكل رسمي". هكذا يتحدث أحمد، اللاجئ اليمني الذي وصل إلى السويد بعد رحلة تهريب شاقة من بولندا إلى السويد.

وصل أحمد إلى مجمع استقبال اللاجئين في منطقة كولرد التابعة لمدينة جوتنبرج في السويد في سبتمبر/أيلول 2023. وهي نفس الفترة التي وصل فيها علاء من مصر إلى السويد، وقدم علاء وأحمد طلبي اللجوء في السويد وبالرغم أن كل المؤشرات تشير إلى أن فرص وحظوظ أحمد هي الأقوى فهو قادم من بلد يشهد حرباً منذ سنوات، وتضييقاً على ناشطي المجتمع المدني والصحفيين ويشهد انهياراً اقتصادياً واجتماعياً منذ سنوات، بينما جاء علاء من بلد مستقر ووفقاً لتصنيف دائرة الهجرة ليس في السويد فقط وإنما في أوروبا عموماً.

مواعيد المقابلات

عند الوصول وتقديم الملف في إحدى دوائر الهجرة في السويد وتسليم الأوراق الثبوتية، إن وجدت مع اللاجئين مثل جواز السفر أو الهوية الشخصية، يتم تحديد مقابلتين الأولى لمعرفة بعض المعلومات الأساسية عن المتقدم، والثانية عبارة عن مقابلة مطولة للحديث عن الظروف التي جاء بها اللاجئ إلى السويد، وهي أشبه بتحقيق رسمي. 

لا توجد ضوابط لتحديد أوقات المقابلات، فربما تكون في يوم واحد، وربما تكون المقابلة الأولى بعد موعد التقديم بأسبوع أو شهر أو عدة أيام وتكون المقابلة الثانية بعدها بفترة أطول أو أقصر، فحظ المتقدم يتوقف على الموظف الذي سيجري المقابلة الأولى معه. 

"أنت وحظك، واحدة من أكثر العبارات التي يسمعها اللاجئون إلى السويد، منهم من له سنوات ومنهم من له أشهر ينتظر أن ينتقل من مقدم طلب لجوء إلى لاجئ بشكل رسمي"

بعد أن قدم أحمد وعلاء أوراقهما، تم تحديد موعد المقابلة الأولى لأحمد القادم من اليمن في نفس اليوم، ليقول له الكثيرون في "كامب اللجوء"، أن حظك كان رائعاً. بينما انتظر علاء أسبوعين لإجراء المقابلة الأولى وبالرغم من وجود محققين متفرغين لإجراء تلك المقابلات، إلا أن علاء لم يكن له خيار آخر سوى أن يتقبل الأمر وينتظر موعده.

يقول أحمد أنه كان يشعر بالسعادة لتحديد مقابلته الأولى بهذه السرعة، حيث أن الكثير من أصدقائه الذين وصلوا إلى السويد لم يتمكنوا من إجراء المقابلات في نفس اليوم أو حتى بعدها بأيام، بينما هو كان أفضل حظاً منهم، ويقول علاء أنه شعر بقليل من الحزن وربما الإحباط إثر تحديد موعد المقابلة الأولى له بعد أسبوعين من تقديم الملف وأنه توقع أن هذا مؤشر سيء وسوف يؤدي لرفض الطلب.

لكن لم يكن في الواقع تصنيف البلد، عاملاً مهماً لتحقيق موعد المقابلة، كما حصل مع أحمد لأنه قادم من بلد يشهد حرباً، فمحمود القادم من سوريا هو الآخر أتى في نفس الفترة التي وصل فيها أحمد، وتقدم بملف اللجوء لكنه لم يحصل على مقابلة في نفس اليوم فقد كانت مقابلته الأولى بعد عشرة أيام واضطر أن ينتظر حتى يجري المقابلة، ليفاجأ أنهم وضعوا له موعد المقابلة الثانية بعد شهر وعشرة أيام، في حين أن أحمد حصل على مقابلته الثانية بعد خمسة أيام فقط، أما علاء فقد كانت مقابلته الثانية أيضاً بعد شهر وأسبوعين.

يعيش في السويد أكثر من اثنين مليون و700 ألف لاجئ وفقاً  للمركز الوطني السويدي SCB، ويشكلون ما نسبته 28% من إجمالي سكان مملكة السويد البالغ عددهم اكثر من عشرة ملايين، ومن بين الجاليات العربية يأتي السوريون في المركز الأول ب249 ألف لاجئ، يليهم العراقيون ب195ألف لاجئ، وباقي النسب تتوزع على بقية الجنسيات.

الرفض والقبول

بعد رحلة مليئة بالمغامرات والصعوبات والاختطافات، وصل أحمد وصالح وهما أبناء عم ومن نفس المنطقة في حلب -سوريا، إلى السويد في يونيو/حزيران 2023، وقدما طلب اللجوء في نفس اللحظة والوقت, يتشابه أحمد وصالح في نفس الظروف، فهما قادمان من منطقة واحدة، ووفقاً لتصنيف دائرة الهجرة فهي منطقة غير آمنة في إطار محافظة حلب السورية.

وصل أبناء العم مع بداية إجازة الصيف فكان لا بد لهما الانتظار لإجراء المقابلة إلى ما بعد انتهاء إجازة الصيف، كي يكون هناك موظف خاص بهما لإجراء المقابلة.

تمت مقابلتهما الأولى في نفس الفترة بفارق أيام بسيطة، ومر الشهر الأول والثاني ووصولاً إلى الخامس ولم يصلهما أي قرارا بخصوص طلبات اللجوء، بينما بلال القادم من ادلب السورية، والذي قدم ملفه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد شهرين من تقديم صالح وأحمد ملفهما، فقد حصل على الموافقة والإقامة لثلاث سنوات بعد 17 يوماً فقط من إجراء المقابلة الثانية معه.

أتم أحمد جميع المقابلات، إلا أن  بريداً وصله لاحقاً من دائرة الهجرة السويدية، ليخبره بأن طلبه الخاص باللجوء قد تم رفضه حيث أنه بعد دراسة الملف اتضح أنه قادم من محافظة يمنية آمنة.

يقول أحمد من سوريا، أن الكثيرين ممن وصلوا بعده حصلوا على الموافقة، وحتى أن بعضهم مصنف على أنه قادم من بلد آمن، إلا أنه حصل على الموافقة، في حين أن أحمد لا زال ينتظر الموافقة حتى الآن، بينما ابن عمه صالح حصل على الموافقة والمنزل وبدأ في خطة الاستقرار والاندماج في المجتمع السويدي، في حين أن أحمد ظل ينتظر أن يبتسم له الحظ وأن يحصل على موافقته ويبدأ رحلة اللجوء الطويلة في السويد.

على ناحية أخرى، أتم أحمد اليمني وعلاء المصري جميع المقابلات، ألا أن الحظ الجيد الذي كان مع أحمد في بداية تقديمه الملف لم يكن شفيعاً له للحصول على الموافقة فقد وصله بريد من دائرة الهجرة السويدية في ديسمبر/كانون الأول،  ليخبره بأن طلبه الخاص باللجوء قد تم رفضه حيث أنه بعد دراسة الملف اتضح أنه قادم من محافظة يمنية آمنة.

أما علاء القادم من مصر، البلد الذي يعد آمناً وفقاً لتصنيفات دائرة الهجرة السويدية، وبعد أن انتابه اليأس والإحباط بعد تأخر مقابلاته الأولى والثانية مقارنة بأحمد، وأصبح يشعر بأن طلبه سوف يواجه بالرفض خصوصاً بعد أن رُفض أحمد، لكن اتصالاً وصله من محاميه في أحد الأيام ليخبره بأنه قد حصل على إقامة سياسية لمدة ثلاث سنوات. يقول علاء إنه لم يكن يتوقع أن يحصل على الموافقة بهذه السرعة بعد إجراء المقابلة الثانية فقط بثلاثة أسابيع، في حين لازال أحمد ينتظر أن يبتسم له الحظ في طلب الطعن الذي قدمه للحصول على الموافقة. 

وفقاً لدائرة الهجرة لا توجد امتيازات بين لاجئ وآخر تحت أي ظروف جغرافية أو عرقية أو دينية، فجميع المتقدمين بطلب اللجوء يتم النظر إلى طلباتهم والفصل فيها بالرفض أو القبول، ووفقاً لقواعد تقديم اللجوء التي تنشرها دائرة الهجرة في موقعها، كما أنه لا يوجد وقت محدد للفصل في طلب اللجوء فهو يختلف من شخص إلى آخر ومن موظف إلى آخر ومن محقق إلى آخر حتى تتم دراسة الملف.

وما حصل مع أحمد وصالح وعلاء وأحمد وبلال ومحمود كان دليلاً على ذلك، فمنهم من حصل على الموافقة ومنهم من تم رفض طلبه، ومنهم من ينتظر حتى هذه اللحظة.

رفض طلب لجوء ليلى القادمة من اليمن، بالرغم من أنها جاءت من منطقة تعز، المصنفة كمنطقة خطرة وفقاً لتصنيف دائرة الهجرة السويدية، وبالرغم من أنها وصلت إلى "كامب اللجوء" مع مجموعة من اليمنيين الذين حصلوا على موافقات في نفس الفترة

ليلى كذلك جاءت في نفس الفترة التي جاء فيها عبدالله من اليمن إلى السويد، تقول إنها حصلت على رفض بالرغم من أنها جاءت من منطقة تعز اليمنية، المصنفة كمنطقة خطرة وفقاً لتصنيف دائرة الهجرة السويدية، ومن دولة تشهد حرباً مستمرة، إلا أنها حصلت على الرفض الأول والثاني مع أنها وصلت إلى "كامب اللجوء" مع مجموعة من اليمنيين الذين حصلوا على موافقة وإقامات متنوعة، تتراوح مدتها ما بين 13 شهراً وثلاث سنوات، وأنها قدمت كل ما يثبت أنها لا تستطيع العودة إلى اليمن,  وتضيف ليلى أنها تعرفت على لاجئة سورية جاءت من أرياف مدينة حماه السورية، في نفس التوقيت الذي وصلت به ليلى، وأنها حصلت على إقامة سياسية لثلاث سنوات، في حين تنتظر ليلى الفرصة الأخيرة لقبول الطعن الثالث من قبل المحكمة قبل أن تفكر في خطط بديلة لمغادرة السويد إلى دولة أخرى في أوروبا، تعتمد على المعطيات وليس على الحظ ومزاج اتخاذ القرار.

امتيازات ما بعد الموافقة

بعد الحصول على الموافقة والتي تختلف من شخص إلى آخر، فقد يحصل البعض على إقامة لثلاث سنوات والبعض الآخر على إقامة لسنة واحدة والبعض الآخر على سنة وشهر، تبدأ دائرة الهجرة بتوزيع هؤلاء على المدن وفقاً لطلباتهم.

يختار الكثير من اللاجئين العرب مدينة مالمو للإقامة فيها حيث إن 54% من سكانها هم من اللاجئين، وأكثرهم من العرب، في حين يتوزع البقية على العاصمة ستوكهولم ومدينة جوتنبرغ. 

بعد حصول اللاجئ على الموافقة يتم إجراء مقابلة معه لتحديد مكان السكن فيختار مجموعة من الخيارات، ثم تنتظر دائرة الهجرة رد البلدية المحلية لاستقبال هذا اللاجئ وهو ما يعني أن اللاجئ لا قرار نهائي له لاختيار المدينة أو اختيار المنزل، حيث يتم إخباره أن هذا المنزل هو الوحيد الذي يمكن الحصول عليه وإن كان معترضاً على هذا المنزل عليه أن يبحث عن منزل آخر ويؤمن ذلك بنفسه.

حصل حسين على بيت صغير 25 متراً مربعاً فقط، وعند تواصله مع البلدية ليعلمهم أن البيت لا يتسع له ولعائلته، كان ردهم أن هذا هو المتوفر، في حين أن صالح، الذي يسكن في نفس المدينة وبالرغم من أنه أخبر البلدية أنه غير متزوج، حصل على بيت أكبر من بيت حسين.

حسين لاجئ من اليمن طلب أن يسكن في مدينة جوتنبرغ وأخبر دائرة الهجرة والبلدية أنه متزوج وأن لديه لم شمل، بمعنى أنه يحتاج إلى بيت كبير يتسع لعائلته لكن حسين لم يكن يمتلك حظاً جيداً في ذلك فقد حصل على بيت في ضواحي مدينة جوتنبرج على بعد 30 دقيقة بالباص من المدينة، أما الصدمة الكبرى لحسين أنه حصل على بيت صغير 25 متراً مربعاً فقط، وعند محاولته التواصل مع البلدية ليعلمهم أن هذا البيت لا يمكن أن يتسع له ولعائلته، كان ردهم أن هذا هو المتوفر، ولا يمكن أن يساعدوه في ذلك, في حين أن صالح السوري، سكن مع حسين في نفس المدينة وبالرغم من أنه أخبر دائرة الهجرة والبلدية أنه غير متزوج ولا يوجد لديه لم شمل، إلا أنه حصل على بيت أكبر من بيت حسين. 

يتحدث حسين أن المنزل الذي حصل عليه صغير جداً ولم يتسع له وهو لوحده فكيف إذا جاءت عائلته المكونة من ثلاثة أشخاص آخرين إلى جانبه.

يقول حسين أنهم أخبروه أن عليه أن يسجل في شركة سكن وأن ينتظر دوره للحصول على سكن جديد يتسع له ولعائلته, وفي نفس اللحظة حصل علاء وهو من اليمن أيضاً على منزل كبير وسط مدينة جوتنبرغ أكبر من منزل حسين وهو شخص غير متزوج ولا يوجد لديه لم شمل إلا انه حصل على بيت يعادل بيت حسين مرتين.

الحظ إذاً، هو ما يملكه لاجئو السويد، وهو أيضاً ما لا يملكونه في كثير من الأحيان. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard
Popup Image