شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا أتفهَّم موقف السويد؟

لماذا أتفهَّم موقف السويد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأحد 30 يوليو 202311:04 ص

في ظل ردود الفعل العنيفة والسلميَّة المناهضة للسياسة السويدية التي تُصرِّح لمواطنيها أفعالهم وأقوالهم المعادية والمسيئة لبعض الرموز والكتب والشخصيات والمرجعيات الدينية، نتساءل: هل يمكن تفهُّم تمسُّك الحكومة السويدية بموقفها؟

نعم، تفهُّم موقف الحكومة السويدية ممكن، وذلك بتبني موقف حيادي وموضوعي، وذلك ممكن أيضاً بشطرين، الأول قراءة المشهد بمعزل عن أي استقطاب سياسي أو ديني أو ثقافي أو وطني أو قومي... إلخ، وثانياً بتجنّب إشباع حالة المعارضة أو حالة التأييد، أي بلغة أبسط، تفادي محاولات إيقاعنا في الفخّ وثانياً تفادي إيقاع أنفسنا في الفخّ.

من المعلوم أنَّ السويد دولة ليبرالية، والمطَّلع على الفلسفة السياسية يدرك أنَّ وظيفة الليبرالية للنظام السياسي هي الحياد الذي به يوجد الاختلاف الذي به يوجد الخيار الذي به يوجد التنوع الذي هو بيئة الحرية.

وعلى ما سبق، نستنتج أنَّ النظام السياسي الحريص على تأدية وظيفة الليبرالية له، هو نظام هادف للتخلُّص من كل سياسة سلطوية، وهو نظام متخوِّف من الحقيقة التي مفادها أنَّ الإفراط والمغالاة في المنع والإكراه والقسر ناجم عن القبول بالحد الأدنى من هذه الممارسات، وهو نظام حريص على تمثيل الجميع بما لا يسمح لأحد، سواء كان أقلية أو أغلبية، باستغلاله في الترويج لقناعاته أو في محاولة فرضها أو في محاولة مناهضتها من خلاله.

هل نحن أشد حكمة من الله الذي منح الحرية للإنسان لكي ننزعها أو نطالب بنزعها منه؟

إن النظام السياسي الملتزم بوظيفة الليبرالية له، نظام يرفض فرض قيود على التعبير والصحافة، ويؤيّد هذه الحرية حتى لو طالت إساءتها رموز دينية أو تاريخية أو فكرية، لكون هذه الحرية وحدها من تكفل المساواة، وتضمن عدم وجود سلطة المنع والتقييد التي تُفرض باستمرار على من تم تصنيفه على أنه الأضعف أو الأدنى، وهي الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه تلك المحاولات التي تُساق بها حجج تهدف بالخفاء إلى سلب الحريات.

ولكن للإنصاف، نعتقد أنَّ وجود أصوات مناهضة لهذه الحرية في أحيان، لا يكون في حقيقته لوجود الإساءة، وإنما لوجود التمييز بين المواطنين، أي لوجود من هو مستحق لهذه الحرية ومن هو غير مستحق، لوجود من هو مستحق لقيود أقلّ ولوجود من هو مستحق لقيود أكثر. وبالتالي، لا يكون الاعتراض على الحرية بحد ذاتها في مثل هذه الأحداث، وإنما على عدم نزاهة النظام السياسي في تأدية وظيفة الليبرالية له.

وعلى ما سبق، نلاحظ أنه يمكن تفهُّم سماح السويد لهذه الممارسات المعادية والمسيئة، ولكن لا يمكن تفهُّم سحب السويد تصاريح المدارس الدينية، ويمكن تفهُّم تصريح فرنسا لصحيفة شارلي إبدو بالإساءة للرموز الدينية ودفاعها عنها، ولكن لا يمكن تفهُّم حظرها للملابس الدينية في بعض المرافق والأماكن العامة.

هل الأنظمة السياسية في الغرب ملتزمة بوظيفة الليبرالية للنظام السياسي؟ للأسف، هي غير نزيهة في بعض الأوقات، ومع بعض الأقليات. نعم، سماح بعض هذه الأنظمة لبعض الأقليات -مثل الأقليات الجنسية- بالترويج لقناعاتها عبرها، وبمكافحة -من خلالها- التصنيف الذي تحتفظ به بعض المجتمعات لتصرّفاتها وميولها وأفعالها والمستنبط من مرجعيات دينية أو ثقافية، وذلك بهدف توفير القبول لهذه الأقليات، خاطئ وغير نزيه بالرغم من سمو وعدالة الهدف.

نعم، العجز عن الدفاع بالقيم الليبرالية في وجه الهجوم المُدَّعي صاحبه أنَّ مبرره للقيام به الدفاع عن هذه القيم، تسبّب بخسارة المدافع وانغلاقه على الآخر، وتسبّب بتعنّت الآخر وعدم اطِّلاعه على مبّررات ومنطلقات المدافع. نعم، الدفاع ينبغي أن يكون من منطلقات هجوم الآخر، لكي يتاح ويسهل الوصول إليه. الدفاع من منطلقات ذاتية والانغلاق على الآخر يؤجج الصراع ويديمه. وهذا ما شهدناه في القضية التي أثيرت في مونديال دولة قطر التي انتصرت لموقفها بتكلفة باهظة -مثل فشلها في استغلال حدث عالمي في الترويج لنفسها كوجهة سياحية منفتحة ومتقبلة للآخر- كان يمكن تفاديها في حال تم الدفاع بالقيم الليبرالية لا بالقيم الدينية.

في ظل ردود الفعل العنيفة والسلميَّة المناهضة للسياسة السويدية التي تُصرِّح لمواطنيها أفعالهم وأقوالهم المعادية والمسيئة لبعض الرموز والكتب والشخصيات والمرجعيات الدينية، نتساءل: هل يمكن تفهُّم تمسُّك الحكومة السويدية بموقفها؟

وعليه، نستنتج أنَّ نزاهة النظام السياسي في تأدية وظيفة الليبرالية له، تُسهم بإيجاد ساحة فيها التداول للآراء غير مقيَّد، وبالتالي ساحة فيها أفعال وردود أفعال سلميَّة، ساحة خالية من كل عنف وإرهاب ومنع وقسر، في حين أنَّ عدم نزاهة النظام السياسي تُسهم بوجود ساحة فيها حرية التعبير مخصّصة وليست عامة، وبالتالي ساحة فيها أفعال وردود أفعال عنيفة، تهدّد سلم المجتمع وترابطه، وتعكِّر صفة التعايش بين أعضائه.

وأيضاً نلاحظ مما سبق، أنَّ دعم النظام السياسي الملتزم بوظيفة الليبرالية له، دعم موجّه لاستقلال الشخصية وليس للأفعال والمعتقدات والأيديولوجيات، أي دعم لحرية الفرد في التعبير والاعتقاد والانتماء والفعل، وعليه نستنتج أنَّ الدعم الذي يحظى به بعض الأشخاص المسيئين للرموز والشخصيات والكتب الدينية، ليس دعماً للفعل، وإنما دعم للشخصية المستقلة، وحماية لحرية التعبير والاعتقاد والفعل.

الحرية هي مصدر دائم للنفع، ولهذا تصويرها على أنها مصدر للنفع في أحيان ومصدر للضرر في أحيان أخرى، هي محاولة لإحلال القيد. خيار الإساءة للغير، خيار ضرره مُحتمل ومعوَّض ومتدارك بنفع الحرية، ولهذا المطالبة بنزع الحرية بحجّة النفع، مطالبة غير شرعية، غير متوافقة ومتماشية مع القيم الليبرالية ذات البعد العالمي. فإن نفع الحرية سابق لنفع وضرر الخيار، ولهذا هي حق لا ينبغي سلبه مهما عظم ضرر الخيارات.

نعم، إنَّ التعويض عن الإساءة لا يكون بنزع الحرية، وإنما بالسيطرة على ضرر الخيارات، وبالاجتهاد في البحث عن وسائل تكفل عدم تحوُّل الاختلاف إلى خلاف.

في الختام، من المهم أن نتساءل: هل نحن أشد حكمة من الله الذي منح الحرية للإنسان لكي ننزعها أو نطالب بنزعها منه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard