بينما كنت أسير بين جنبات عاصمة البرتغال لشبونة، سمعتُ أصواتاً بعيدة تصدح بعبارات برتغالية لم أفهم منها سوى كلمة واحدة تحفظها أذني منذ نعومة أظافري: "فلسطين".
ودون تفكير، وجدت قدميّ تغيران مساري إلى حيث الصوت، ومع اقترابي من مصدره شعرتُ بمزيج من السعادة والقهر والغضب، وكأن هذا الشعور بات مرتبطاً بكلمة "فلسطين".
وسرعان ما وجدتُ نفسي أمام السفارة الإسرائيلية بين مئات المحتجين الذين يرفعون أعلام فلسطين وشعار Palestina Livre أي: "فلسطين حرة"، إنه الشعار الأبرز في شوارع لشبونة وبعض مدن البرتغال الأخرى في الشهور الأخيرة منذ بدء الهجوم الغاشم على قطاع غزة أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تمشي في شوارع العاصمة البرتغالية والمدن المحيطة بها وترى كلمة فلسطين منتشرة على الجدران بين الجداريات الداعمة للقضية الفلسطينية، وعلى اللافتات الضخمة جنباً إلى جنب مع الحملات الترويجية للمنافسين على رئاسة الحكومة البرتغالية.
يقول أحدالنشطاء التيموريين، أن مأساة غزة تذكره وأصدقاءه بما حدث لآبائهم في تيمور الشرقية بين عام 1975 وعام 1999 عندما احتلت إندونيسيا المنطقة،وقتلت أكثر من 170 ألف شخص، أي ما يعادل ربع سكان تيمور الشرقيةتلك المسيرة التي وجدت نفسي فيها ليست من تنظيم البرتغاليين ولا الفلسطينيين ولا العرب، لكنها مبادرة من بعض الناشطين التيموريين المنحازين للقضية الفلسطينية المطالبين بوقف النار في غزة. هم مجموعة ناشطين من دولة تيمور الشرقية ويتحدثون البرتغالية باعتبارها لغتهم الأم.
في البداية كان الأمر غير مفهوم بالنسبة لي، عن أسباب اهتمام الشعب التيموري بالقضية الفلسطينية، فليس هناك رابط عرقي أو ديني أو جغرافي أو حتى سياسي، ولكن الرابط الأهم الذي اكتشفته هو الرابط الإنساني.
مظاهر عامة للتضامن البرتغالي مع فلسطين. لشبونة 2024
قال أحد الناشطين التيموريين إنه لا يستطيع أن يمتنع عن المشاركة في المطالبة مراراً وتكراراً بحرية الفلسطينيين، الذين وصفهم بأكثر الشعوب قهراً في الأرض، مشيراً إلى أن مأساة غزة تذكره وأصدقاءه بما حدث لآبائهم في تيمور الشرقية بين عام 1975 وعام 1999 عندما احتلت إندونيسيا المنطقة بالحديد والنار، ونشرت الإرهاب والخراب حتى قتلت أكثر من 170 ألف شخص أي ما يعادل ربع سكان تيمور الشرقية قبل استقلالها في عام 2002.
في تلك التظاهرة الحاشدة، ألقت لالا، وهي إحدى العضوات البارزات في المنصة الخاصة بحركة MPPM للتضامن مع فلسطين، كلمتها باللغة البرتغالية وقالت إن المرة الأولى التي سمعت فيها مصطلحات "الإبادة الجماعية" و"المذبحة" كانت في الخامسة من عمرها في العام 1999، حين شاهد العالم عبر شاشات التلفاز أحداث مذبحة "سانتا كروز"، التي وقعت في مقر كنيسة سانتا كروز في ديلي، عاصمة تيمور الشرقية، حيث قتلت القوات الإندونيسية حوالى 250 شخصاً من المدنيين الذين كانوا يلجؤون إلى الكنيسة على اعتبار أنها آمنة.
وتضيف لالا أن ما يحدث في غزة هذه الأيام يذكرها بتلك المذبحة خاصة عندما يشاهد العالم على التلفاز آلاف الأطفال الغزاويين يقتلون، موجهة سؤالها للعالم ولأسرتها: "ماذا فعلنا حيال ذلك؟"، مشيرة في خطبتها إلى أفعال إسرائيل الإجرامية ضد الفلسطينين والصحافيين الذين قتل منهم الـ100، وشبَّهت تلك الأعمال بما حدث عام 1975 في تيمور الشرقية حين قُتل 5 صحافيين أستراليين.
تأسست حركة MPPM في يونيو/حزيران 2005، على أيدي مجموعة أشخاص في البرتغال اجتمعوا على ضرورة التحرك للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتضمنت المبادئ التي تدافع عنها الحركة الرغبة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 بالإضافة إلى حل عادل لقضية القدس وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وتهدف الحركة إلى تعزيز الدعم لقضية فلسطين وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، كما تدين الحركة استمرارية الاستيطان الإسرائيلي وبناء الجدار الفاصل، وتحث على دور الأمم المتحدة في إيجاد حل للوضع الحالي.
من أبرز أنشطة الحركة على الأرض توعية الرأي العام والترويج للتضامن مع الشعب الفلسطيني والتعاون مع الجمعيات والحركات ذات الأهداف المشابهة، بالإضافة لإطلاق حملات وأنشطة للتضامن مع فلسطين وتشجع الحوار مع مختلف الشخصيات والمؤسسات محلياً ودولياً.
مظاهر عامة للتضامن البرتغالي مع فلسطين. لشبونة 2024
يقول ألبيرتو، أحد البرتغاليين الذين شاركوا في مسيرات مدينة سيتوبال لدعم وقف إطلاق النار في غزة، إنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيها ضمن مسيرات مطالبة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لكنها المرة الأهم والأقوى من وجهة نظره إذ تأتي مع هجمة شرسة وصمت عالمي غير مبرر وغير مفهوم، وأكد أن الأمر يشتد قسوة حين يجد عناداً من القوات الإسرائيلية في مواصلة قتل الأبرياء لتحقيق أهداف عسكرية غير دقيقة.
كانت الحكومة البرتغالية إحدى الدول القليلة التي قدمت دعماً طوعياً لمنظمة الإغاثة الأممية "أنروا" بقيمة 10 ملايين يورو، بعد حوالى شهر واحد على بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة.يضيف البيرتو أنه يرى أن عدد الأشخاص الداعمين للقضية الفلسطينية يزداد بشكل كبير مقارنةً بالسنوات السابقة، لذلك فهو يأمل أن تفضي هذه الجهود التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني إلى التأثير في زيادة الضغوط الدولية لوقف أعمال القتال ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.
وكانت الحكومة البرتغالية إحدى الدول القليلة التي قدمت دعماً طوعياً لمنظمة الإغاثة الأممية "أنروا" بقيمة 10 ملايين يورو، بعد حوالى شهر واحد على بدء الهجوم الإسرائيلي الغاشم، لتعزيز المساعدات الإنسانية في غزة، وذلك عقب إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية والتعاون، فرانسيسكو أندريه، في المؤتمر الدولي للسكان المدنيين في غزة، الذي عُقد في باريس.
مظاهر عامة للتضامن البرتغالي مع فلسطين. لشبونة 2024
في منتصف يناير/كانون الثاني 2024، وافق البرلمان البرتغالي بالأغلبية على توصية للحكومة باتخاذ جميع الخطوات اللازمة للاعتراف بدولة فلسطين
وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2024، وافق البرلمان البرتغالي بأغلبية كبيرة على توصية للحكومة باتخاذ جميع الخطوات اللازمة للاعتراف بدولة فلسطين. شملت التوصية أيضاً نداء للحكومة البرتغالية بالاستفادة من مواردها ونفوذها الدبلوماسي والعلاقات الثنائية مع الدول الأخرى، فضلاً عن الاستفادة من عضويتها في الهيئات الدولية، مثل مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، للتأثير وتعزيز موقف دولي يؤدي إلى الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة. وأرسل البرلمان البرتغالي توصيته إلى الحكومة البرتغالية، حاثّاً إياها على بذل جميع الجهود الدبلوماسية للدفاع عن إقامة دولة فلسطين المستقلة.
مظاهر عامة للتضامن البرتغالي مع فلسطين. لشبونة 2024
وفي يوليو/تموز 2023، صادق البرلمان البرتغالي على قرار للاعتراف رسمياً بـ"النكبة" التي وقعت عام 1947 عندما دمرت الميليشيات اليهودية 530 قرية فلسطينية وقتلت ما يقرب من 15000 رجل وامرأة وطفل في محاولة لإنشاء كيانها.
جاء القرار التاريخي للتأكيد على تضامن البرتغال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعلى إدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في انتهاك واضح للقانون الدولي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...