شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الفراولة الإسبانية والعاملات المغربيات... ليست حكاية أندلسية

الفراولة الإسبانية والعاملات المغربيات... ليست حكاية أندلسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في شقة متواضعة في أحد أحياء العاصمة مدريد وبابتسامة لطيفة ارتسمت على وجهها النحيل استقبلتنا فاطمة، اسم مستعار، اختارته لتروي لنا قصتها.

قصة إحدى العاملات المغربيات الموسميات في إسبانيا وكيف جاءت من المغرب مدفوعة بظروفها الاقتصادية الصعبة إلى الجنوب الأندلسي للعمل في حقول الفراولة في ويلبا، قصة تشابه في أسبابها قصص حوالي 15000 عاملة موسمية مغربية سنوية، يأتين إلى إسبانيا عبر اتفاقية خاصة بين الحكومتين الإسبانية والمغربية والتي بدأت في العام 2007 لاستقدام أيد عاملة مغربية لديها الخبرة الفلاحية لجني محصول الفراولة.

ترددت فاطمة، 39 عاماً، كثيراً قبل أن تفتح لنا قلبها، خوفاً من أن يكون لحديثها تبعات سلبية عليها وعلى عائلاتها، ففاطمة تعمل في إسبانيا منذ عدة سنوات عن طريق العقود الموسمية لجني الفراولة لتعيل عائلتها المكونة من 7 أطفال وأبيهم.

لتبدأ بسرد حكاية محاولاتها المتكررة وخلال سنوات للالتحاق ببرنامج العاملات الموسميات في المغرب للقدوم لإسبانيا، ويعود ذلك للمدخول المادي المُغري الذي لا يقارن بنظيره في المغرب، فيومية العاملة في إسبانيا تقارب 37 يورو لساعات محددة من العمل.

قالت لي فاطمة إنها تعرضت للتحرش أثناء العمل، وبنبرة خائفة صرّحت لي بأنها صدت رئيسها في العمل الذي كان يتحرش بها وكاد الأمر أن ينتهي بالاغتصاب.

اعتقدت فاطمة أنها فرصة جيدة للعمل لدعم عائلاتها التي تعيش في الريف وفي ظروف اقتصادية صعبة، فحلم فاطمة بأن يُتم أولادها دراستهم وأن يدخلوا الجامعة حتى لا يواجهوا ما واجته هي من تحديات ومشقات في حياتها، وحتى لا يكونوا ممن يعيشون على الهامش كوالديهم.

لكن هذا الحلم الوردي لفاطمة بحياة أفضل وعمل كريم تلاشى فور وصول فاطمة لحقول الفروالة في إقليم الأندلس المشمس، ساعات عمل طويلة وظروف معيشية صعبة، فمنذ وصول العاملات الموسميات يتم تقسميهن على شقق صغيرة مكتظة للإقامة، فإلى جانب المعاملة الاستعلائية لهن والإهانة والانتقاص من كرامتهن، كان ما صرحت به فاطمة أشد ألماً من كل ذلك مجتمِعاً، قالت لي وبصوت متهدج ومبحوح أنها تعرضت للتحرش، ثم بدأت بالبكاء، ولم تستطع أن تكمل الحديث، لكن وبعد لحظات وبنبرة خافتة وخائفة صرّحت أنها صدت رئيسها في العمل الذي كان يتحرش بها بشكل متكرر وكاد الامر أن ينتهي باغتصاب لولا أنها هددته بالصراخ، هذه الحادثة كانت قبل بضع سنوات ومازالت آثارها تطاردها في كوابيسيها ليلاً ونهاراً، وكانت سبباً لأن تخسر فاطمة عائلتها، فعندما تكرر التحرش وخاصة الأخير، أول ما قامت به فاطمة هو الاتصال بزوجها معتقدة أنه سيساندها وسيخفف عنها ولكنه بدلاً من دعمها رفع صوته عليها غاضباً، وأهانها متهماً أيها بالتساهل مع المتحرش. أضافت فاطمة: "أنا أمية وفقيرة لكنني أعرف أن ما حدث لي ليس ذنبي وأنا كنت الضحية هنا، حزنتُ لأن زوجي ووالد أطفالي لم يقف معي، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها ألا أسكت، لأتوجه بعدها للسلطات الإسبانية للشكوى وهو أكثر ما كان يمكنني فعله في ذلك الوقت، وبدورها فتحت السلطات الإسبانية تحقيقاً بما جرى، وقدمت لي الحماية اللازمة من المتحرش ومن زوجي الذي ربما كانت تراودة فكرة معاقبتي على جريمة كنت الضحية فيها بحرماني من أبنائي... ما يقتلني ويحرق قلبي هو أنني لا أدري ما قاله لأطفالي عني.".

قصة فاطمة ليست الأولى ولا الأخيرة من نوعها، ففي العام 2018، تم فتح تحقيقات معمقة من قبل الجانب الإسباني لحوادث مشابهة لعاملات موسميات قدمن شكاوى بالتحرش والاغتصاب، مما أثار ضجة الإعلام الإسباني آنذاك، لتبدأ حملة مطالبات من الجمعيات النسوية الإسبانية والمغربية والنشطاء الحقوقيين بضمان حماية العاملات الموسميات في حقول الفراولة من سوء المعاملة او التحرش والاغتصاب.

ولفهم أكثر عمقاً لوضع العاملات الموسميات قانونياً، حاورنا المحامية المغربية الإسبانية زبيدة بريك، التي قالت: "إن جلب العاملات الموسميات هو ضمن اتفاق مسبق بين إسبانيا والمغرب في إطار الهجرة المنظمة، وفعلاً في الماضي كانت أوضاع العاملات سيئة، ولكن وعلى مدار السنوات الماضية تم إدخال تعديلات مختلفة على قانون العمل وهذا شمل بشكل أتوماتيكي أيضاً تحسين قانون العمل للعاملات الموسميات ليكون اكثر ضماناً لحقوقهن، فتحول من عمل مؤقت إلى الاعتراف به كعمل ثابت، مما يعني أن هؤلاء النساء يستطعن في كل عام القدوم والعمل في إسبانيا لعدة أشهر، إلى جانب أن هذه التعديلات حدت من التعسف والاستغلال في العمل، فقد كانت أجورهن أقل من أجور العمال الإسبان وكن يعملن لساعات أطول، ولضمان حقوقهن وظروفهن في السكن، فقد تم تشديد عقوبات بمبالغ كبيرة لردع أرباب العمل عن عمل عقود وهمية أو غير مكتملة، للحد من الانتهاكات، لكن هذا القانون قد يقلل من التجاوزات في حق هؤلاء العاملات لكنه لا يمنعها".

وعند سؤالنا لها، في حال تعرضت إحدى العاملات الموسميات لسوء المعاملة او التحرش، قانونياً لمن يمكنها اللجوء؟

"يجب أن تعي النساء حقوقهن، وأتمنى لو أن لدينا دورات توعوية للنساء تحضرهن بشكل كامل قبل اسقتدامهن لجني محاصيل الفراولة". المحامية المغربية الإسبانية زبيدة بريك 

فأجابتنا زبيدة:"على المرأة تبليغ السلطات في أقرب وقت في حال تعرضت للتحرش او الاغتصاب او سوء المعاملة، لذلك يجب أن تعي النساء حقوقهن، وأتمنى لو أن لدينا دورات توعوية للنساء تحضرهن بشكل كامل قبل اسقتدامهن لجني محاصيل الفراولة، وللحقيقة هنا في إسبانيا القانون يحاول دائما حماية النساء، فهناك دائماً تشريعات وتعديلات جديدة لمكافحة العنف ضد المرأة، والقانون الإسباني يسعي ليكون غير متساهلاً مع المتحرشين، فيمكن للمرأة في حال تعرضها لأي موقف، اللجوء للشرطة وطلب المساعدة والحماية الى جانب أن هناك الكثير من المؤسسات الحقوقية الداعمة للمرأة".

وحسب الاتفاقية التعاونية الموقعة بين إسبانيا والمغرب فهناك شروط للعمل يجب أخدها بعين الاعتبار، منها؛ أن يكون سن المتقدمة بين 25 إلى 45 عاماً، أن يكون لديها تجربة مهنية زراعية، وأن تتمتع بصحة جيدة، إلى جانب أن تكون من القرى والأرياف. وبعد قبول المتقدمة فسيتحتم عليها اجتياز فترة عمل تجريبية مدتها 15 يوماً، يوفر خلالها رب العمل السكن، بشرط ألا تتجاوز ساعات العمل الست ساعات ونصف إضافة ليوم راحة واحد في الأسبوع، وأن يتكفل صاحب العمل بنقل العاملات من سكنهن إلى المزرعة.

وبعد التعديلات القانونية الأخيرة أصبح للعاملة الموسمية المغربية الحق في عقد عمل قانوني، تحصل بموجبه على حق الحصول على الإقامة الإسبانية في حال عملت في عقود موسمية لمدة 4 سنوات متتالية. ويجب التنويه إن التحرش وسوء المعاملة لم تتعرض له كل العاملات الموسميات، لكن تعرض بعضهن كفيل بالمطالبة بالعدالة لهن وتحسين ظروفهن وحمايتهن.

لماذا يضطررن للعمل في الخارج؟ ولماذا لا تمنحهن دولتهن حياة كريمة وفرصاً متكافئة؟ 

ورغم ما تبدو عليه فكرة استقدام العاملات من المغرب كفكرة نبيلة لمنحهن فرص عمل موسمية في إسبانيا، إلا أن ظروف العمل غير الإنسانية وأحيانا انتهاكات حقوقهن، وحالة الضعف التي يشعرن بها عند قدومهن لدولة لا يعرفن لغتها، يفتح باب التساؤلات حول جذر المشكلة وهي لماذا يضطررن للعمل في الخارج؟ لماذا لا تمنحهن دولتهن حياة كريمة وفرصاً متكافئة؟ وربما هذا التساؤل يشمل واقع النساء في الشرق الأوسط بشكل عام، قلة الفرص وأعباء المسؤوليات في ظل مجتمعات ذكورية أبوية يحتل الرجل فيها المواقع السلطوية والحكومية وله كامل صلاحيات صناعة القرار. متناسياً أن المرأة هي الأساس، وهي السند، فبتعليمها ونجاحها وشغلها مناصب قيادية سترفع من مجتمعها وتنهض به لغد أفضل و أكثر إشراقاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

"نؤمن في رصيف22، بأن متابعة قضايا العرب خارج العالم العربي، في المهجر/ الشتات/ المنفى، هي أيضاً نظرة إلى أنفسنا، وإلى الأسباب التي اضطر -أو اختار- من أجلها الكثيرون إلى الهجرة بحثاً عن أمانٍ في مكانٍ آخر، كما أنها محاولة للفهم وللبناء وللبحث عن طرائق نبني بها مجتمعات شاملةً وعادلةً. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image