شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وساطة أم استضافة… ما هي حقيقة

وساطة أم استضافة… ما هي حقيقة "اتفاق المنامة" الذي كاد يُوقف الحرب في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نشرت العديد من الصحف العربية والسودانية ما قيل إنّه نصّ مسرب عن "وثيقة اتفاق" وقعها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في اللقاءات السرية التي استضافتها العاصمة البحرينية، المنامة، خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين.

حمل الاتفاق المزعوم اسم "وثيقة مبادئ وأسس الحلّ الشامل للأزمة السودانية"، ويتكون من (22) بنداً، تتضمن: وقف الحرب وإيقاف المعاناة عن الشعب، وإطلاق حوار وطني يستبعد المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية وواجهاتها. إلى جانب تكوين جيش وطني مُوحد تُدمج فيه قوات الدعم السريع وقوات الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، والقبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك نظام الحركة الإسلامية السابق، وفق ما ورد إعلامياً.

من جانب آخر، لم تصدر بيانات رسمية عن دولة البحرين راعية الاتفاق أو الوسطاء الدوليين الأربعة الذين سهلوا الاجتماعات التمهيدية بين السودانيين، حول صدق هذا الاتفاق المزعوم، كما لم يُعلق الجيش السوداني والدعم السريع، بينما اتهمت القوى السياسية الجيش بالتنصل من الاتفاق.

"وثيقة مبادئ وأسس الحلّ الشامل للأزمة السودانية"... ما قصة "الاتفاق" الذي يتنصل منه طرفا الصراع في السودان، ولم تصدر بيانات رسمية حوله من  البحرين، الدولة المستضيفة والراعية للمحادثات، أو الوسطاء الدوليين الأربعة الذين سهلوا الاجتماعات التمهيدية بين الفرقاء السودانيين؟

فما هي صحة توقيع هذا الاتفاق؟ ولماذا استضافت البحرين هذه الاجتماعات؟

لقاء المنامة

زعمت ما قيل إنّه "وثيقة مسربة" أنّ نائب القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين كباشي، وقع مع القائد الثاني للدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، مفاوضات في العاصمة البحرينية، المنامة، يومي 6 و18 كانون الثاني/ يناير الماضي، الاتفاق الذي تضمن أيضاً، بناء وإعادة تأسيس القوى الأمنية النظامية (جهاز الشرطة والمخابرات)، واعتماد مبدأ عدالة توزيع الفرص، والعدالة الانتقالية وغير ذلك من البنود.

ونُشرت تلك الوثيقة المزعومة في موقع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 22 شباط/فبراير الماضي، ونقلتها صحف عربية وسودانية، وجميعها جَهّلت المصادر التي حصلت منها على الوثيقة، ولم يتسنّ لرصيف22 التأكد من صحة تلك الوثيقة.

وكان الفريق أول كباشي قد نفى وجود مفاوضات مع الدعم السريع والقوى السياسية دون الإشارة للقاءات "المنامة"، وذلك في 16 من الشهر الماضي، خلال تفقده الفرقة (18) مشاة في ولاية النيل الأبيض جنوب البلاد. وقال "أي حلّ سياسي يجب أنّ يشترك فيه الجميع بلا استثناء". وأضاف "الأصل هو السلام والحرب هي الاستثناء"، مشدداً على خروج الدعم السريع من المدن والأعيان قبل الحديث عن تفاوض، كما هاجم القوى السياسية.

وكانت وكالة "رويترز" قد نشرت خبراً عن عقد اجتماعات مباشرة في المنامة بين ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع، للمرة الأولى منذ انطلاق الحرب في نيسان/ أبريل العام الماضي. ونقلت عن مصدر مطلع على المحادثات، أنّ مصر حليفة الجيش والإمارات حليفة الدعم السريع، إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية، شاركوا في المفاوضات، وفق الوكالة.

وقال لرصيف 22 مصدر سابق في الاستخبارات السودانية، طلب عدم الكشف عن هويته، إنّ "البحرين البلد المستضيف كانت حاضرة في اللقاءات"، مضيفاً أنّ "أجهزة مخابرات من خمس دول شاركت في اللقاءات". وذكر أنّ "اللقاء كان الغرض منه إعادة الثقة بين قادة الجيش والدعم السريع، تمهيداً للعودة إلى مفاوضات منبر جدة الذي تتوسط فيه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية".

وأفاد دبلوماسي في الخارجية السودانية، طلب حجب اسمه، ألا علم لوزارة الخارجية حول زيارة الفريق أول شمس الدين كباشي إلى البحرين، وقال لرصيف22، إنّ كباشي هو المشرف على ملف الخارجية. وذكر أنّ الوساطة السعودية-الأمريكية ترتب لاستئناف مفاوضات منبر جدة في الفترة المقبلة.

ومن جانب قوات الدعم السريع، ذكر مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "أعضاء في فريق تفاوض الدعم السريع ممن حضروا لقاءات منبر جده عقدوا اجتماعاً في أوغندا الشهر الماضي، حضره ممثلون عن إدارات أهلية تمثّل الحاضنة الاجتماعية للدعم". وتحفظ المصدر في حديثه لرصيف22 على الإجابة عن سؤال حول صحة لقاءات المنامة بين وفدي الجيش والدعم السريع.

وساطة بحرينية أم مجرد استضافة؟

وأضاف المصدر أنّ الاجتماع الذي استمر أكثر من خمسة أيام ناقش إمكانية عودة وفدي التفاوض إلى منبر جدة، الذي من المتوقع أن ينطلق في الفترة المقبلة، بعد فشل الوساطة الأفريقية ووساطة الإيجاد في ترتيب لقاء مباشر بين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان. كما كشف عن وصول وفد من الدعم السريع إلى مدينة جدة.

وتحدث عددٌ من أعضاء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" عن لقاء المنامة، وحمَلوا الجيش المسؤولية عن انهيار المباحثات بسبب ما وصفوه بـ"الاستجابة لتهديدات الإسلاميين". وأكد عضو هيئة التفاوض في تنسيقية تقدم، جعفر حسن أنّ كباشي ممثل الجيش وعبد الرحيم دقلو ممثل الدعم السريع وقعا اتفاقاً في المنامة، وفق قوله. بينما كتب السياسي المعارض خالد عمر يوسف، عبر صفحته في "فيسبوك" أنّه "بغض النظر عن صحة أخبار لقاء الفريق أول شمس الدين كباشي بالفريق عبد الرحيم دقلو من عدمها، فإن الحقيقة الناصعة التي لا مراء فيها هي أن المخرج الوحيد من كارثة الحرب هذه هي الجلوس لمائدة التفاوض والسعي لإيجاد حل سلمي للأزمة".

وفي لقاء مع عدد من الصحافيين في مركز "طيبة برس"، حضره معد التقرير، قال يوسف "همّ لاقوا الدعم السريع في المنامة وجدة، ويعتبروننا زيهم ويلاقوننا في المحالّ البلاقوا فيها الدعم السريع".

وبحسب ما سبق، فمن المرجح أنّ لقاءات عُقدت في المنامة حول الأزمة السودانية، وحضرها ممثلون عن الجيش والدعم السريع، بينما تفتقد الأخبار التي تتحدث عن توقيع اتفاق بين الطرفين إلى المصداقية حتى الآن. كما أنّ تصريحات المصدر في الدعم السريع تشي أنّ هناك ترتيبات جارية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجيش والدعم السريع في مدينة جدة السعودية. ولا يمكن استبعاد وجود أهداف لدى تنسيقية "تقدم" من نشر مثل تلك المزاعم، خصوصاً أنّ تلك القوى تريد أنّ تكون حاضرة في مستقبل البلاد، وفق تسويات سياسية على غرار ما حدث بعد ثورة ديسمبر 2018.

يعود سبب اختيار مدينة المنامة إلى أنّها مكان مناسب لجميع الفاعلين في الأزمة السودانية، حيث تتمتع بعلاقات وطيدة للغاية بكل من السعودية والولايات المتحدة والإمارات ومصر، ومن المرجح أنّ اللقاءات التي استضافتها هدفت إلى التنسيق للعودة إلى منبر جدة التفاوضي، حيث لا تملك دولة البحرين دوراً فاعلاً في الأزمة السودانية

ويعود سبب اختيار مدينة المنامة إلى أنّها مكان مناسب لجميع الفاعلين في الأزمة السودانية، حيث تتمتع بعلاقات وطيدة للغاية بكل من السعودية والولايات المتحدة والإمارات ومصر، ومن المرجح أنّ اللقاءات التي استضافتها هدفت إلى التنسيق للعودة إلى منبر جدة التفاوضي، حيث لا تملك دولة البحرين دوراً فاعلاً في الأزمة السودانية.

ويرى مراقبون أنّ الموقف المصري بات يميل إلى المفاوضات لإنهاء الحرب في السودان، خصوصاً بعد توقيع اتفاق "رأس الحكمة" مع دولة الإمارات، كما أنّ حديث صحف سودانية عن تلقي رئيس تنسيقية تقدم، عبد الله حمدوك، دعوة لزيارة القاهرة، عزز ذلك بحسب مراقبين، بينما من جانبها لم تتحدث وسائل الإعلام المصرية المقربة من الحكومة عن مثل هذه الزيارة.

ونفى المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، لصحيفة سودانية، ما تم تداوله على لسانه من نفي لتوجيه دعوة لحمدوك لزيارة القاهرة، وقال "مجلس الوزراء المصري ليس الجهة المعنية بهذا الموضوع".

مستقبل المفاوضات

في إطار متصل، فالحديث المنتشر عما دار في المنامة جاء في وقت يحقق فيه الجيش السوداني تقدماً كبيراً في ميدان القتال الرئيسي في العاصمة الخرطوم، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل. وكانت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى ليبيا أواخر الشهر الماضي، ثم لقاء البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شجعت على التفاؤل بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

وقال الإعلام الرسمي السوداني عن زيارة البرهان لمصر "قدم الرئيس من خلال جلسة المباحثات رؤية الحكومة لإنهاء الحرب واستدامة السلام والاستقرار في السودان ، مستعرضاً الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها ميليشيا آل دقلو الإرهابية ضد المواطنين والأعيان المدنية".

بدوره اعتبر الخبير العسكري السوداني، علي ميرغني، أن "الجيش ذهب إلى المنامة لإثبات أنّهم مع التفاوض". وتابع لرصيف22، أنّ "بنود الاتفاق الأولية التي تم تسريبها في وسائل الإعلام، لا يُعقل أن يقبل الجيش بها، وهي شروط إذلال لا يرضى بها حتى المهزوم ". وأوضح أنّ لسير العمليات تأثيرها على المفاوضات، لكن ما فعلته قوات الدعم السريع بالمواطنين جعل من المستحيل أن توافق قيادة الجيش على أي اتفاق، لا يحقق تفكيك تلك القوات ومحاكمة قياداتها، وفق قوله.

وقال إنّ "واحدة من نتائج حرب رمضان 2023 أنّ تحالف "تقدم" سيجد أنه فقد رصيداً جماهيرياً واسعاً، ستحتاج إليه في الانتخابات القادمة، والتي غالباً ستكون بعد فترة زمنية قريبة، ولن يتوفر أمام "تقدم" الزمن الكافي لإقناع الناخبين بالتصويت لمرشحيها".

"الجيش ذهب إلى المنامة لإثبات أنّهم مع التفاوض... بنود الاتفاق الأولية التي تم تسريبها في وسائل الإعلام، لا يُعقل أن يقبل الجيش بها، وهي شروط إذلال لا يرضى بها حتى المهزوم"

بينما اتّهم القيادي في تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية "تقدم"، ماهر أبو الجوخ، حزب المؤتمر الوطني المحلول بالمسؤولية عن تعثر مفاوضات المنامة، التي كان من نتائجها استبعاد الحزب من مستقبل البلاد، وفق قوله. وأضاف لرصيف22، أنّ "هذا الأمر يُخالف تصورات ورؤى النظام المباد لسيناريوهات الحرب، التي إن لم تحقق له الانتصار العسكري فعلى الأقل تمنحه مشروعية سياسية تتيح له الوجود في المسرح السياسي بشروطه".

وقال أبو الجوخ "أعتقد رسالة الحزب المحلول وقياداته واضحة للعيان بأن قرار إنهاء الحرب بيدهم وليس بيد الجنرالات، بداية من القائد العام للجيش وبقية الجنرالات الذين يعتبرون مجرد موظفين عند الحزب المحلول، ولا يملكون القرار النهائي وينفذون تعليمات التنظيم ورئيسه علي كرتي".

من جانبه، قال الصحفي السوداني، محمد سعيد حلفاوي، إن "كباشي تعرض لضغوط بعد عودته من المنامة بعد عقد اجتماعين مع عبد الرحيم دقلو، وحاول نفي هذه الاجتماعات خلال تصريحاته في كوستي". وأضاف لرصيف22، أنّ "الضغوط مُورست عليه من الإسلاميين، وتيار داخل الجيش يريد استمرار الحرب، بعد أن رأت قيادة الجيش أن موقفها أصبح أقوى في الميدان". لافتاً إلى أنّ هناك "تقارير واردة من الكونغرس الأمريكي تشير إلى احتمال تصنيف انتهاكات الدعم السريع في مدينة الجنينة كجريمة إبادة جماعية، وهذا يُضعف الدعم السريع سياسياً ودبلوماسياً، والجيش يعتمد على هذه الرافعة".

وتوقع حلفاوي أنّ يقبل الجيش التفاوض مع الدعم السريع بعد تحقيق مزيد من المكاسب الميدانية في العاصمة وولاية الجزيرة، ليستطيع فرض شروطه من موقع قوة، وفق حديثه.

وفي تطور لافت، التقت الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان في القاهرة بممثلين عن حزب المؤتمر الوطني المحلول، وهي الخطوة التي أثارت غضب المعارضين في تنسيقية "تقدم"، والذين يصرون على استبعاد كل من كانت له علاقة بالنظام السابق. جاء اللقاء في وقت تسعى الآلية لإحداث انفراجة جديدة في مسار الحلّ السياسي، وفق مقاربة مختلفة لا تستبعد أحد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image