شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الثامن من آذار... وهل هناك سبب للاحتفاء به في فلسطين؟

الثامن من آذار... وهل هناك سبب للاحتفاء به في فلسطين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لا يعني الثامن من آذار/ مارس للمرأة الفلسطينيّة الغزيّة شيئاً سوى كونه يوماً إضافيّاً لما كان قبله، ولما سيأتي بعده من أيّام تشبه الجحيم، جحيم من دمار وقتل وتهجير وتجويع. جاء هذا اليوم ليذكرنا أن المرأة الفلسطينيّة في غزّة لا تزال تعاني أهوال الحرب والموت والتجويع وانعدام إمكانات الحياة الأساسيّة، حيث العيش في الخيام التي تغمرها المياه وتحت رهبة القتل المستمرّ. يأتي ليذكرنا بعدد النساء اللاتي قتلن تحت القصف أو جوعاً أو أثناء الولادة أو من البرد تحت قبّة السماء. يأتي ليذكرنا بحسرة الأمهات اللاتي فقدن أجنتهنّ أو فقدن مواليدهنّ أثناء الولادة أو أبناءهن الذين قتلهم التجويع وسوء التغذية. يأتي ليذكرنا بحسرة الأمهات على أطفالهنّ بعدما فقدوا أعضاءهم، أو بسمتهم، أو حياتهم.

لا يعني الثامن من آذار/ مارس للمرأة الفلسطينيّة الغزيّة شيئاً سوى كونه يوماً إضافيّاً لما كان قبله، ولما سيأتي بعده من أيّام تشبه الجحيم

إضافة للقتل والتهجير والتجويع، قام الجيش الإسرائيليّ باعتقال العشرات من النساء الفلسطينيات من الطرقات أو من مراكز الإيواء، ليضعهنّ داخل الشاحنات وينزع أطفالهنّ من بين أيديهنّ، ليزجّ بهنّ في سجون لم تُعرف وجهتها ولا ظروفها، حيث امتنعت السّلطات الإسرائيليّة عن نشر أيّ معلومة عنهنّ ورفضت مطلب زيارات المحامين والمحاميات لهنّ بحجة تصنيفهن "مقاتلات غير شرعيّات"، مستندةً إلى قانون إسرائيليّ قائم من العام 2002، تم تعديله في ديسمبر 2023، ليشمل بنداً جديداً يتيح لسلطات الاحتلال باعتقال شخص تحت هذا المسمّى، ولمدة 45 يوماً، دون استصدار أمر اعتقال بحقّه. كذلك يتيح لها منعه من لقاء محام لمدّة ستّة أشهر. اعتقلت، في هذا السّياق، عشرات النساء الفلسطينيّات من غزّة، دون أن يعرف أحد مصيرهنّ وما يمرّ عليهن من تعذيب ومعاملة لا إنسانية، إذ يعتبر الاقتلاع والاعتقال، بحدّ ذاته، وبهذا الشكل، نوع من أنواع التعذيب والإخفاء القسريّ.

لا يختلف واقع المرأة الفلسطينيّة في الضفّة والقدس عن مثيلتها في غزّة، حيث تعيش واقع القمع والاعتقال اليومي والهدم والتضييق. ومنذ السّابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، قامت قوّات الاحتلال الإسرائيليّة بتكثيف الاعتقالات والإداريّة بصفة خاصّة، فلم تعد تأبه بتقديم لوائح اتهام وأدلة لتدين النساء والرجال. بل تكتفي بالزجّ بهم في السّجون مستخدمةً الأوامر العسكريّة الإدارية كي تضمن بقاء المعتقلين والمعقلات طوال ستة أشهر في السجون دون محاكمة ودون معرفة تاريخ انتهاء مدة الحكم، الذي تستطيع السلطات الإسرائيليّة تجديده، مع انتهاء الأشهر الستّة، لستّة إضافيّة.

يضاف إلى الاعتقال التعسّفيّ الممنهج، تضييق الخناق والحركة على الفلسطينيّين والفلسطينيّات. فقد أعلن إيتمار بن غفير، بعد توليه منصب وزير الأمن القومي، أن حريّة التنقّل والحركة للمستوطنين أهم من حريّة الفلسطينيين. فاتُبعت مؤخراً سياسة إغلاق المعابر أمام الفلسطينيّين كلياً أو جزئيّاً بهدف إتاحة مرور المستوطنين. يؤدي ذلك لاختناقات مروريّة وانتظار ساعات طويلة على الحواجز،

يضاف إلى الاعتقال التعسّفيّ الممنهج، تضييق الخناق والحركة على الفلسطينيّين والفلسطينيّات. فقد أعلن إيتمار بن غفير، بعد توليه منصب وزير الأمن القومي، أن حريّة التنقّل والحركة للمستوطنين أهم من حريّة الفلسطينيين

لم تسلم النساء الفلسطينيّات في أراضي الـ48 من هذه السياسات. إذ يواجهن تقييدات جمّة منذ بداية الحرب، من خلال فرض تعديلات قانونيّة تقيّد حرّيتهنّ بالتعبير، وصل حدّ الإخراس لكلّ صوت مندّد بالحرب ومعارض لسياسة الدولة أو متضامن مع أطفال غزة، أو مستنكر لتهجير أهلها. فمُنعت التظاهرات التي دعى إليها الفلسطينيّون، حتى تلك التي بادرت لها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة- هيئة عليا تمثيلة- فرفضت المحكمة الإسرائيلية العليا عدّة طلبات لتظاهرات قدّمتها اللجنة، قبل أن توافق على الأخيرة، بعد خمسة أشهر على الحرب، فخرجت قبل أسبوع في بلدة كفر كنّا قرب الناصرة، تحت تقييدات كثيرة.

وشملت الحملة الشّرسة التي تشنّها المؤسّسة ضد فلسطيني 48 اعتقال العشرات من النساء، بينهن طالبات جامعيّات، بسبب منشورات على صفحات التواصل الاجتماعيّ اعتبرتها المؤسسة الحاكمة "تماهياً مع الإرهاب". ومن بين المعتقلات، نساء بارزات مثل الفنانة ميساء عبد الهادي التي اعتقلت ثم فرض عليها الحبس المنزليّ بظروف مقيّدة، والفنانة دلال أبو آمنة التي اعتقلت بسبب نشر جملة "لا غالب الاّ الله"، فاعتبرتها النيابة الإسرائيليّة تماهياً مع الإرهاب. وقام اليمين المتطرّف بشن حملة واسعة هجومية ضدها، والتظاهر أمام بيتها. ولم تلق شكاويها للشرطة أي استجابة.


من مجموعة "بورتريهات أطفال الحرب" لجنان عبده

يشار إلى أنّ تعريف مصطلح "التماهي مع الإرهاب" أُبقي فضفاضاً ليشمل صرخة تضامن مع غزّة مثل: "يا غزّة لا تهتزّي، كلّك كرامة وعزة" أو "غزّة هاشم ما بتركع للدبابة والمدفع" ويمكن أن تصل المطالبة بوقف الحرب أو التعاطف مع الأطفال إلى معنى "التماهي مع الإرهاب" بالنسبة لإسرائيل. طال الاعتقال تحت هذه التعريفات طالبات جامعيات وامرأة حامل في الشهر الرابع، والتي عانت من ظروف اعتقال صعبة. وضعت هذه النساء تحت سياسة "الحدّ الأدنى" في السّجون، فسحب كلّ الأجهزة الكهربائيّة وقطعت الكهرباء عنهنّ، ومنعن من الخروج من الزنازين. نمن على الأرض دون أسرّة. ذلك إضافة إلى التنكيل والمعاملة القاسية والعنف الممنهج اللاتي كشفت عنه الأسيرات والمعتقلات. أمّا الطالبات، ففُصلن عن التعليم دون مساءلة، وحين جمّدت بعض الجامعات قرارها بالفصل، قام الطلاب الإسرائيليّون بدعم من لجنة الطلاب الإسرائيليّة بالتظاهر والمطالبة بفصل الطالبات ورفض إعادتهن للتعليم. العاملات الفلسطينيّات في أراضي 48، عانين كذلك، من هذه الحملة الشرسة. حيث تم فصل عاملات وممرّضات من أماكن عملهنّ. وتم تجميد عمل عدد من المحاميات أيضاً، وتقديم شكاو ضدهنّ للنقابة العامة بحجة منشورات "تتماهى مع الإرهاب". واعتُقلت محاميتان حتى الآن بسبب تهم مشابهة، إحداهنّ اعتقلت إداريّاً دون تهمة.

ييمكن أن تصل المطالبة بوقف الحرب أو التعاطف مع الأطفال إلى معنى "التماهي مع الإرهاب"

طبّقت الدولة سياسة الإخراس على فلسطيني 48 بشكل محكم، واستعملت أنظمة الطوارئ وقوانين الطوارئ كي تُحكم قبضتها هذه. فتم إقرار قانون يمنع "استهلاك مواد تحريضيّة"، وهو قانون يريد التحكم بالعقل قبل الفعل. يحاول القانون منع متابعة مواقع إلكترونية وإخبارية تعتبرها إسرائيل "تحريضيّة"، ويجرّم استهلاكها، فصارت إشارة الإعجاب "لايك" لموقع إخباريّ يعتبر تماهياً مع الإرهاب، وفق تفسيراتها لهذا القانون.

تعاني المرأة الفلسطينيّة من ممارسات الاحتلال على مدار عقود، منذ النكبة إلى اليوم. وكانت لها محطّات ووقفات مشرّفة في تاريخها الحديث: في يوم الأرض وهبّة القدس والأقصى وهبّة الكرامة. فدفعت وتدفع أثماناً باهظة لمشاركتها هذه المحطّات، ولكونها جزءاً لا يتجزّأ من أبناء شعبها. جاء الثامن من آذار/مارس هذا العام مثقلاً بالقتل الجماعيه والتجويع الجماعيّ والحصار الجماعيّ. لا يجيء يوماً للاحتفال ما دامت المرأة العاملة والأم وربّة المنزل التي فقدت منزلها والطالبة والحقوقيّة والطبيبة والمزارعة يعانين في فلسطين المحتلة الأمرّين من سياسة الاحتلال وواقع الحرب وتبعاته. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image