تمكنت الغزّيات من تبديد شحوب الموت الذي يمتص ألوان القطاع ليمنحنه بعض الحيوية والجمال. فاستطعن أن يصنعن نمطاً عصرياً لتفاصيل حياتهن، وأن يخرجن من الصورة النمطية السائدة عنهن بأنهن لا يخرجن إلا من تحت الركام مغبرات باكيات، في هذا التقرير نشاهد الوجه الآخر الضاحك والأنيق للغزيات.
الفتاة في غزة تشبه الفتاة في أي مكان في العالم. وفي عالم الأزياء خاصة، تبدى اليافعات اهتماماً أنيقاً في مواكبة كل ما يصدر من صيحات الموضة يصل أحياناً إلى الهوس في اقتناء أو محاكاة الماركات العالمية والعربية من الملابس، والأحذية، والإكسسوارات، والماكياج، وحتى نمط الحياة، وبينما تختلف الأذواق والتفضيلات، لكن المشترك الوحيد هو السعي الدائم إلى الجمال والإصرار على مواكبة الحياة العصرية.
نعم، نقتني أجمل الماركات العالمية
تقول آلاء البرعي لرصيف22: "لدى الحديث عن الماركات العالمية يبدو الأمر وكأنه سعي للتبذير، لكنه برأيي يتعلق بأمرين، أولاً الجودة، وثانياً الثقة بالنفس التي تمنحنا إياها ونعكسها للجميع، بدأ شغفي معها مع شغفي بالسفر والسياحة. في الولايات المتحدة مثلاً يمكن الحصول على أفخم الماركات بسعر مناسب في مواسم التخفيضات، بهذا أكون قد نفيت عن نفسي صفة التبذير التي قد تطالني لمجرد أنني رغبت بمكافأة نفسي أو إهدائها شيئاً تستحقه".لا تختلف الفتيات لا سيما اليافعات في غزة عن الفتيات في العالم، لديهن طموحن وأحلامهن ويسعين للظهور بأجمل شكل ممكن واقتناء أجمل الملابس ومتابعة الموضةوتكمل: "شخصياً أفضل شراء هذه الماركات من موطنها الأصلي، وساعدني السفر والاختلاط على تطوير نمط حياة وحب الرياضة، فللمشي مثلاً أحتاج لأحذية طبية للتنقل والحركة، خاصة وإن كان العمل يستغرق أكثر من ست ساعات من يومي، في غزة، ونظراً للأوضاع السائدة يُنظر أحياناً لمن يقوم بشراء ماركة عالمية على أنه شخص متباه، في حين أنه قد يكون بكل بساطة محب للحياة".
لا تختلف لمياء المجدلاوي عن رؤية ألاء، ولأن الأولى أخر العنقود فقد اعتادت استقبال الهدايا الثمينة من أشقائها في الخارج من أشهر الماركات التي تحولت لأسلوب حياة بالنسبة لها".
تقول الشابة الثلاثينية لرصيف22: "منذ صغري تصلني الهدايا من إيطاليا والسعودية من أشقائي، بفضل تلك القطع تعرفت عن كثب على العلامات العالمية والعربية، وزاد غرامي بها، ما يميزها أيضاً بأن جودتها رغم مرور الوقت لا تتأثر ولا تهترئ عكس الملابس والمنتجات الأخرى، لذلك أفضل شراء من تلك الماركات مهما كان سعر القطعةك، مقابل خمس قطع من منتج لا يحمل اسم علامة مشهورة".
لمياء تعشق العلامات التجارية مثل "زارا" و"بوما" و"جوتشي"، وتحرص على ارتداء شيء واحد منها على الأقل في ذهابها للنادي الرياضي، تقول: "ارتداء العلامات العالمية يشعرني بالتميز، والأهم بالراحة، فهذه الأحذية أفضل بكثير وأشيك من العادية، والأقمشة مريحة وصحية للجسم ولا تتسبب بالحساسية، لذلك لا أتردد في السفر إلى تركيا أو مصر لشراء مستلزماتي، وفي حال تعذرت الظروف لدي معارف هناك يرسلون لي ما أحتاجه".
وتختم: "ككل نساء العالم لدينا الكثير من الطموحات والاهتمامات في غزة، والكثير منا يتفرغن للجمال والموضة ويطبقن كل أساليبها في حياتهن، ميولنا نابعة من شعورنا بكينونتنا وحقنا في تعويض أعمارنا عما عايشته من الحصار وصعوبة السفر والحروب المتتالية، وشخصياً لا ألتفت لكل من يقول بأننا لا نشعر بالناس، أقول: من منا لم يعانِ؟ هذه طريقتنا لترميم ما نبذله من مشاعر، ومحاولتنا للإشراق".
نتحايل على الحصار لنظهر جميلات
لكن لا تمتلك كل الغزيات رفاهية السفر والتسوق من الموديلات العصرية من موطنها الأصلي، كما لا يمكنهن اقتناء ما يعجبهن من ماركة أو تصميم ما، لأن إسرائيل تمنع الكثير من تلك العلامات من عبور القطاع، لذلك تتجه الكثيرات لخلق طرق أخرى تتناسب مع إمكانياتهن وأذواقهن".
آلاء: "أحب الموديلات الغريبة، وحين يعجبني ثوب ولا أتمكن من الحصول عليه، أزور محل قماش ومصممة أزياء ببساطة"فستان نبيذي طويل مكشوف الظهر، يلف كتفيه الكثير من أحجار الكريستال، يجاوره طقم من تنورة "بيليسيه" طويلة وجميلة، وقميص مورد على الطريقة الفكتورية، يظهر على واجهة أحد المتاجر الخاصة بملابس المناسبات، جذب أنظار آلاء حسن (29 عاماً) أثناء تجهيزاتها لحفل زفاف شقيقها، مما دفع خطواتها للإسراع ثم السؤال عن الأسعار، لتجدها خيالية تفوق ميزانيتها للحفل، وفق قولها، بعضها كتب عليه "صنع في الصين" وآخر "صنع في إيطاليا". تقول: "فكرت كثيراً ووجدت الأمر سهلاً، يتطلب زيارة مصممة للأزياء ومحل قماش".
تقول لرصيف22: "أحب الأشياء الغريبة خاصة في الملابس، وأتابع كل المجلات العالمية للأزياء، وحين أبحث في الأسواق عن الماركات المميزة والتصاميم الغريبة التي تعجبني لا أجدها في الغالب أو أجد تقليداً نخباً أول لكن بخامة قماش سيئة، وأحياناً أجدها نفسها لكن بمقاس خاطئ أو سعر مرتفع، وأخيراً وجدت فكرة تفصيل القطع التي تعجبني وتلائم نحافتي".
هذه الطريقة غدت من أبرز الوسائل التي تلجأ إليها الغزيات لمجاراة الموضة بأقل التكاليف.
ونصمم الأزياء التي نحب
تقول مصممة الأزياء نرمين الدمياطي لرصيف22: "نحن في غزة تحت الحصار، طريقتنا الوحيدة لمتابعة الموضة هي عبر الإنترنت، من خلال الـ"بلوغرز"، وما يعرضه التجار من خلال صفحاتهم، أو من خلال مجلات الأزياء أو مواقع الأزياء أو منصات السوشال ميديا، لكن على صعيدي الشخصي وبسبب الحصار لم أتمكن من السفر وحضور أي من عروض الأزياء التي دعيت إليها".مع ذلك، هناك نهضة في مجال الأزياء في القطاع، إذ من واقع تجربتها فالإقبال رائع رغم حداثة الفكرة، وقد ازداد مع الانفتاح على الأزياء العالمية والخليجية، حتى وصل الاهتمام للمراكز والكليات الجامعية التعليمية لتدريس الأزياء والتصاميم للفتيات والهاويات.
لمياء: "لا ألتفت لكل من يقول بأننا لا نشعر بالناس لمجرد رغبتنا بارتداء الملابس الجميلة، من منا لم يعانِ؟ هذه طريقتنا لترميم ما نبذله من مشاعر، ومحاولتنا للإشراق"وفي سؤالنا عن تفضيلات الشابات في غزة من الموديلات في الخياطة والتفصيل، تجيب الدمياطي: "في السابق كان الطلب منصباً على العباءات الخليجية المستحدثة والجديدة وفساتين السهرة الحديثة بألوانها وقصاتها، كما تميل الذائقة العامة للتصاميم البسيطة، على عكس ما كان رائجاً قبل سنوات".
تستوحي نرمين أفكاراً من التصاميم العالمية وعروض الأزياء الموسمية، وتدمج أحياناً الهوية الفلسطينية كالتطريز، فقد نجد لديها ثوباً بنمط بيوت الأزياء الإيطالية بزخارف فلسطينية. تقول: "قد تصل نسبة التشابه بين صورة التصميم وتفصيله إلى 70%، وترجع الاختلافات إلى عدم توفر المواد الخام بالجودة ذاتها، لكن في حال توفرت أستطيع تقديم صورة طبق الأصل للصورة الأصلية بنسبة 85%".
العلامات التركية موجودة، أما العالمية فلا
ويجد الغزيون صعوبة في شراء الماركات العالمية على الرغم افتتاح متاجر كبيرة، مؤخراً، خاصة بتسويق العلامات التركية المشهورة، مثل "lcwaikiki " و"Defakto"، إلا أن الكثير من العلامات العالمية الأخرى غير التركي مثل "Lacoste"، "adidas "، "Nike"، "Zara" قلما تتوفر، ويرجع السبب لصعوبة استيراد هذه العلامات من بلدانها الأصلية بسبب تقييد الاستيراد عبر الموانئ الإسرائيلية للبضائع الواردة للقطاع. إذ تمنع إسرائيل عبور الماركات العالمية عبر معبر "إيرز" التجاري مع قطاع غزة، لأسباب تتعلق بحقوق الوكلاء.تتواجد العلامات التركية الشهيرة في القطاع، لكن العلامات العالمية قلّما تتوفر، ويعود السبب إلى القيود التي تضعها إسرائيل على الاستيراد"يقول لرصيف22 المحلل والمختص بالشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن عبور الماركات العالمية للقطاع قائم على عملية تجارية بتوفر الوكلاء.
ويضيف: "يشتري المهتمون بالماركات والعلامات التجارية ما يعجبهم عبر البريد، يصل من خلال معبر إيرز التجاري الذي يخضع لرقابة الاحتلال للاستخدام الشخصي وليس التجاري، وإن وجدت هذه القطع ضمن بضائع عامة وغير مثبتة بالفواتير يتم إتلاف جميع البضائع كإجراء عقابي، بناء على تعليمات من سلطة الجمارك الإسرائيلية لضمان حقوق الوكلاء بإسرائيل والضفة الغربية".
ويشير أبو جياب إلى اهتمام شباب القطاع باقتناء الماركات العالمية للملابس والأحذية بالطرق المختلفة، فمثلاً يتجه البعض إلى الشراء من أسواق البالة المنتشرة على مستوى القطاع (الملابس المستعملة التي تأتي من إسرائيل ودول أجنبية)، حيث تتوفر ماركات أجنبية وعالمية بأسعار معقولة، بينما يفضل آخرون محلات التصفية، وهناك فئة من السيدات تفضل التسوق عبر متاجر الأونلاين، التي تصل بضائعها غالباً عبر معبر رفح المصري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع