شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بيلا حديد ورحلتها مع صدمة الأجيال... صوت يعيد تشكيل قصة اللاجئين

بيلا حديد ورحلتها مع صدمة الأجيال... صوت يعيد تشكيل قصة اللاجئين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمهاجرون العرب

الاثنين 11 مارس 202412:18 م

أستمع لبيلا حديد، السوبر موديل المعروفة، في فيديو على انستغرام، وهي تصف تجربتها كابنة مهاجر فلسطيني، وحجم الأذى النفسي على أبناء النكبة والأجيال اللاحقة. تقول حديد: "باعتباري ابنة لأب لاجئ وأم مهاجرة، فأنا أفهم مدى تأثير صدمة الأجيال على الأسرة وسلالات الدم، خاصة عند التعامل مع الصحة العقلية".

حقيقة لم أكن أعرف مصطلح "صدمة الأجيال أو الصدمة العابرة للأجيال" مسبقاً، رغم كوني ابنة لاجئة فلسطينية، كبرت والدتها بدورها على آلام تهجير أبويها الذين توفيا بصمت وبلوعة الحزن، في منفاهما في دمشق، بعد تهجيرهما من فلسطين في ال 1948.

ترتبط تجربتي مع مفهوم انعدام الأمان والإحساس بالقلق الدائم، بكوني تربيت بكنف عائلة نسائية، وتتكون من والدتي وخالتي اللتين تحملان وثائق فلسطينية. بداية، لم يتضح لي الارتباط بين اللجوء والتهجير وحجم الصدمة النفسية التي ورثتها. كانت تجربتي كطفلة تجعلني أشعر بقلقهما دون فهم خلفيته.

عرفت كيف تؤثر الحروب واللجوء بجينات الأجيال اللاحقة، والتي تصبح بدورها أكثر عرضة للأمراض النفسية والاكتئاب والتوتر والتروما، وغيرها من الأمراض التي تستدعي التدخل الطبي

مع التقدم بالعمر نمتلك اللغة التي تضع تجارب أهلنا ضمن سياق. تركّز فهمي للسياق الأولي بكون نساء عائلتي يقمن بتربيتنا، أختي وابنة خالتي وأنا، وحيدات في سوريا التسعينيات، التي تميز ضد النساء بشكل عام، والمستقلات منهن بشكل خاص. هذا ما ظننته السبب الرئيسي، لما عرفته من حالة نفسية يغلب فيها الشعور بعدم الأمان. لكن مع مزيد من التعمق يمكنني وضع عدسة تقاطعية، ترى تأثير وثائق اللجوء الفلسطينية على ما ورثته من قلق.

من اللافت، أني تعرفت على هذا المصطلح من سوبر موديل، قد نعتقد بأن الحياة حظتها برفاهية لا نحلم بها، مع العلم أن وضع بيلا حديد كنجمة عالمية لا يقلل من حجم معاناتها. في الحقيقة، يغلب أن يمتلك من هم في مكان أكثر رفاهية منا، اللغة والامتيازات التي تسمح لهن/م بتحديد أسباب الظلم الناتج عن المنظومة. كذلك، من المهم عدم المزاودة في لعب دور الضحية، حيث للجميع الحق بتوصيف معاناتهن/م.

بجميع الأحوال، نبهتني بيلا لأهمية البحث في هذا المفهوم، الذي تبين لي أنه يناقش كيف تؤثر الحروب واللجوء بجينات الأجيال اللاحقة، والتي تصبح بدورها أكثر عرضة للأمراض النفسية والاكتئاب والتوتر والتروما، وغيرها من الأمراض التي تستدعي التدخل الطبي. يبدو أن تكثيف الدراسات في هذا المجال نابع من رغبة البحث بتجربة أبناء وبنات الهولوكوست ومهجري الحرب العالمية الثانية من اليهود. فيما بعد يأتي، وكدرجة ثانية، البحث بتجارب أحفاد ضحايا العبودية من السود وضحايا المجازر التي تعرض لها الهنود الحمر والسكان الأصليين.

أتكهن بأن تجربة أبناء وبنات الفلسطينيات/ين لم تكن في حسبان مراكز البحث، والذي لا يعني عدم وجود دراسات في هذا المجال، بل يعني أن تكثيفها قد يساهم في تغيير الموازين. يقودني هذا الاعتقاد للتأكيد على أهمية تمسكنا بهذا المفهوم، لنحكي عن تجاربنا بلغة تحاكي مستعمرنا، فامتلاكنا للغة يعطينا فرصة في مواجهة المضطهدين، حتى لو كانت القوة ما يمنحهم السلطة.

بحسب جمعية إغاثة أبناء فلسطين يشير مصطلح "صدمة الأجيال" إلى "انتقال الصدمة من الجيل الأول من الناجيات/ين إلى الأجيال اللاحقة. قد تحدث هذه العملية بسبب عوامل مختلفة، مثل سلوكيات الأبوة والأمومة المتأثرة بالصدمة، والضغوطات المرتبطة بها، والتغيرات الجينية المحتملة الناجمة عنها… تكشف الأبحاث عن تأثير عميق على الأجيال الأكبر سناً التي عانت بشكل مباشر من فترات النزاع والنزوح. لا تختفي هذه التجارب المؤلمة ببساطة، ولكنها غالباً ما تنتقل دون وعي إلى الأجيال اللاحقة، حتى أولئك الذين لم يتعرضوا لهذه الأحداث المؤلمة بشكل مباشر… بالإضافة إلى هذه الأعراض النفسية، ساهمت الصدمة العابرة للأجيال في فلسطين أيضاً في خلق شعور جماعي بالخسارة والحزن والغضب. وهذا له آثار ليس فقط على الصحة العقلية للأفراد ولكن أيضاً على التماسك المجتمعي والقدرة على بناء السلام".

 قد يبدو لنا نحن، المتأثرات والمتأثرين بشكل مباشر بفقدان الوطن والحقوق وغيرها، بأن الجانب النفسي هو أمر ثانوي مقارنة بالكارثة المستمرة لقضية لم تنته ونعايش آثارها الراهنة. ربما ساهم ما سبق بعدم معرفتي لمصطلح "صدمة الأجيال" الخاص بقضية نفسية قد نعتبرها رفاهية أمام خسائرنا الحاضرة بشكل فج، لكن لا يلغي هذا أهمية التأكيد على هذه الخسائر النفسية كورثة قضية تثقل الكاهل نتيجة الظلم القائم لأجيال وأجيال. أمام ما نراه بشكل يومي على الشاشات، وكنتيجة لتوحش آلية الحرب على الفلسطينيات والفلسطينيين في غزة، يصبح التأكيد على أهمية طلب الدعم النفسي كأولوية.

لا تقف صدمتنا عند ما ورثناه من نكبات، بل تستمر مع ما نشهده من عدوان على أهل غزة، لذا نحلم بعدالة تنصفنا حيث يتم محاسبة القتلة، علّ هذا يكون خطوة تمحي أثر صدماتنا النفسية

خلال البحث عبر التصفّح في النت، جاءت أغلب الدراسات في الموضوع للبحث في أثر الحرب وصدمة الأجيال وخاصة على أطفال غزة، لكن لم تعط نتائج البحث موضوعات ترتبط باللاجئات واللاجئين خارج فلسطين منذ الـ 48 والـ 67. يعكس هذا ضرورة تكثيف الدراسات في هذا المجال، للتأكيد على حق اللاجئات واللاجئين بتحصيل الاعتراف بمعانتهن/م عبر السنوات.

وفقاً لدراسة أجريت من قبل جامعة دندي في اسكوتلندا، فإن البحوث التي تستقصي أثر الصدمة العابرة للأجيال بين الفلسطينيات/ين، محدودة، ما يلفت الانتباه إلى أن توجه هذه الجامعة للبحث في هذا المجال قد يكون محكوماً بكون الجامعة تقع في اسكوتلندا ذات السياسة الداعمة للقضية الفلسطينية، بالتالي يظهر هذا أثر تسيس العلوم وتجاهلها لشرائح كاملة من البشر بمجرد عدم النظر لهن/م على قدم المساواة.

من الجدير بالذكر أن ما يؤخذ على هذا المصطلح، هو كونه سيفاً ذا حدين، فاعتبار أن الصدمة النفسية تنتقل عبر الجينات وتوريثها للأجيال المتعاقبة، يعزّز نظرة عنصرية ممكن أن تضع الأجيال القادمة في مكانة دونية، لكن إدراك أن الأجيال لا ترث بالضرورة الصدمة عبر الجينات، بل عبر اللغة والثقافة التي تحمل مخزون من الهزيمة والاضطهاد والشعور باللاعدالة، وبالتالي اللا أمان، يساهم بفهم سياقات التهميش والاضطرابات النفسية التي يعاني منها ورثة اللجوء، والذي في الحالة الفلسطينية، هو واقع مستمر ولم ينته.

كذلك، تشكل السياسات والمنظومات في بلاد الشتات واللجوء والتي لم تمنح الفلسطينيات والفلسطينيين حتى حق الاعتراف بمأساتهن/م تساهم بالتمييز ضد هذه الفئة، بالنتيجة، زيادة تهميشها وبارتفاع نسبة تعرّضها للمشاكل النفسية من اكتئاب وآثار ما بعد الصدمة.

لا تقف صدمتنا عند ما ورثناه من نكبات، بل تستمر مع ما نشهده من عدوان على أهل غزة، لذا نحلم بعدالة تنصفنا حيث يتم محاسبة القتلة، علّ هذا يكون خطوة تمحي أثر صدماتنا النفسية. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

"نؤمن في رصيف22، بأن متابعة قضايا العرب خارج العالم العربي، في المهجر/ الشتات/ المنفى، هي أيضاً نظرة إلى أنفسنا، وإلى الأسباب التي اضطر -أو اختار- من أجلها الكثيرون إلى الهجرة بحثاً عن أمانٍ في مكانٍ آخر، كما أنها محاولة للفهم وللبناء وللبحث عن طرائق نبني بها مجتمعات شاملةً وعادلةً. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard