شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"تسكر، تبكي زي العيل"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 2 مارس 202411:40 ص


 

من قال إن الحب هو أخذ وعطاء؟ قد أهديك مئات الرسائل وأنا لست بكاتبة، أذكر فيها كل ما أشعر به تجاهك من مشاعر جياشة، وترد لي الـ "مئات" بـ "أتمناك بألف خير"، مرة واحدة، وأنت تطبع قبلة على خدي الأيمن أو الأيسر، أو ما بينهما…

يا لعجائب الكلمات، عندما تكون خارج اختصاصك. قد تظهرك رومانسياً، تذوب من قبلة حارة، حارقة، لاهبة، ولكنك أبعد ما يكون عن الرومانسية. أنت فقط يائس وحزين. كنتَ على حافة الانتحار، قبل هذه القبلة بدقيقة واحدة فقط.

ليس من الضروري مصارحة الحبيب، تعيس الحظ، بانهياراتك المستمرة، حساسيتك المفرطة، نوبات هلعك التي لا تنتهي، قلة إيمانك به وبك، وبكل ما يدور في فلككما.

الكذب مسموح أحياناً... طبعاً لن تصدق -لأني كاذبة بطبعي وتطبّعي- أن أغنية "عيناك" لخالد الشيخ التي وضعتها لي اليوم كي نتبادل الكآبة اللذيذة -على حد قولك- كنت قد سمعتها منذ ما يقارب الثلاثين سنة. أهداها جارنا حسين إلى جارتنا ناهد على الإذاعة بمناسبة عيد ميلادها. كانت ناهد في بيتنا عندما سمعنا صوت حسين يلعلع من محطة الإذاعة، ويهديها الأغنية، مردّداً جملة منها: "يا حبي الأوحد لا تبكي، فدموعك تحفر وجداني".

يا لعجائب الكلمات. قد تظهرك رومانسياً، تذوب من قبلة حارة، حارقة، لاهبة، ولكنك أبعد ما يكون عن الرومانسية. أنت فقط يائس وحزين. كنتَ على حافة الانتحار، قبل هذه القبلة بدقيقة واحدة فقط... مجاز

بكيتُ بحرقة بعدها، بعد أن رحلت ناهد من بيتنا وهي تصرخ فرحة. ما زلت أذكر بريق عينيها كيف تغير زهواً وانتصاراً. أهداها حسين أغنية. الحي أجمعه سمع الأغنية مع حسين وناهد. ضحكوا، وأنا حزنت. متى يأتي حسيني؟ لم أكن أعرف بأنك ستأتي بعد ثلاثين سنة وتهديني الأغنية، فقط لي. لن أتوقف عند جملة الكآبة اللذيذة، لن تقلل من حماستي. سأحتفل اليوم بعد مرور ثلاثين سنة على أني وجدت حسيني.

هل صدقتَ حكاية حسين وناهد؟ تبدو مقنعة. أحتاج أن أقول إني وجدتك بأعجوبة، فقصص الحب المؤثرة تتطلب عناصر مثل الدهشة والغرابة.

رأسي يرسمنا بدقة. قد أنتقي أدواتي من خارج الصندوق. أرانا حبيبين جميلين (أجمل من حسين وناهد بـ "ألف" مرة) وأبتسم.

أفكر عميقاً: أين سأضع صورتنا وأي إطار سأختار لهذه اللحظة الخالدة؟ اخترتُ إطاراً أسود، مزيناً بزهرات بيضاء صغيرة ،كي أذكرك بحمالة صدري السوداء ذات الزهرات البيضاء التي عشقتها الليلة الفائتة. قلتَ لي إنها تليق بنعومة جسدي ولونه الأسمر الغامق. قلتَ لي بأني مثيرة جداً وأكثر إثارة من ناهد.

ولكنك لا تعرف ناهد، ولم تر حمالة صدري، ولم تنتبه إلى لون جسدي وبشرتي، ولم نتصوّر، ولم أقتن أي إطار، ولكني حزينة، وحيدة، يائسة وأحبك.

أنا "ألف" أحبك فابتعد عني عن ناري ودخاني

فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

اشتقت إليك البارحة بجنون. اختفيتَ ما يقارب الست ساعات وثلاث وعشرين دقيقة وثمانية عشر ثانية و"ألف" قلق وقلق انتابني.

هل تخلى عني بهذه السهولة؟ هل يخونني مع حب قديم؟ هل يسمعان معاً أغنية مريم صالح "تسكر تبكي"، أغنيته المفضلة؟ ربما هي أغنيتهما المفضلة!

ولكنك لا تعرف ناهد، ولم تر حمالة صدري، ولم تنتبه إلى لون جسدي وبشرتي، ولم نتصوّر، ولم أقتن أي إطار، ولكني حزينة، وحيدة، يائسة وأحبك... مجاز

يريدها أن تكون أغنيتنا المفضلة أيضاً. فقصص الحب متشابهة، خاصة بداياتها. نهدي الآخر كل ما في جعبتنا من أشياء جميلة -بنظرنا- كي يقع فريستنا. أدوات صيدنا واحدة. لكل أدواته. تتكرّر نفسها بكل رتابة، ولا يعرف هذا السر إلا نحن. أما الآخر، الجديد، الدخيل على حياتنا، فيفغر فمه اندهاشاً بكل تفصيل جميل يرميه الآخر به. يظن أنه الأول، وبأنه من أسقط الوحي على الثاني كي يخرج كل هذا الجمال. لا يعرف أن حبيبه استعمل نفس الأغنية، ونفس النظرات، ونفس كلام الغزل مع كل حبيباته السابقات.

"أنا لذيذ في الحب لأنك أنت معي". قالها لي مراراً. لذيذ في الحب، لذيذ في الكآبة. لذيذ (نقطة كبيرة)

كم أود الآن وأنت مختفٍ معها أن أتصل بك، وأجبرك أن تعطيها سماعة الهاتف كي أسألها: أي أغنية تسمعان، وهل قال لك سابقاً بأنك تخرجين ألذّ ما عنده؟

تحضنك وتحضنها وتغني مريم: "سايبة ف قلبك جرح مسيل". تقبّلان بعضكما، يسيل جرحي مجدّداً. أرجع إلى أغنية "عيناك". أحاول البكاء بصدق. فلا أستطيع: "تسكر تبكي زي العيل".

أبكي بحرقة وأنام. يوقظني صوت من بعيد. وقع الإطار الأسود ذو الزهرات البيضاء. وقع عن حافة سريري. تحطمت صورتنا داخله. أيقظتني رسالة منك تعتذر بأنك غفوت دون أن تكتب لي كلمة واحدة. تضيف أن هذه الليلة بـ "ألف" ليلة وليلة، لأنك سمعت صوتي.

لا أدري من الأصدق في الكذب، أنا وأنت أم حسين وناهد؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard