شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
قبل أن تفسد قبلاته فمي

قبل أن تفسد قبلاته فمي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 24 فبراير 202411:32 ص


تنتهي الحوائط ولا تجد بيتك

قال لي مراراً إن الليالي الطويلة لا تنقصها زفرات الضجر، وإن الغرائز تُطفأ لأنها لا تجد مَن يداعبها؛ كان يجادلني في مصير قميص أحمر بلا أكمام يحترق في دولابي، ووجهي اللائم ينزلق تحت كفيه.

لم يقل لي إن الضلع اللازم لاستعادة دائرة من التيه، ينقصه امرأة ترفع أطرافها الأربعة على طاولة التشريح، وتقبض على الضوء حين تجوع إلى ذكرى تعيد إليها دمها المنساب بين أصابعها، قبل أن تعتاده عيناها.

قبل أن تفسد قبلاته فمي

أخبرته أنني لن أتمكن من تغيير عظامي المهشمة ومذاق شفتي اللاذع بعد كل نوبة حب، وأن السجاد الخشن لن يمنعنا من ممارسة الجنس.

عليك أن تنغمس في صدري كخدر ناعم، أن تترك في قلبي ندبة أجيد إسعافها قبل أن تضحك وتشكو "فتاة عبيطة تمتلئ بالنكد". كان كتاجر موبيليا لا يعتد بالخشب الرخيص الذي يحتفظ بعطر امرأة واحدة.

في الطابق الذي ارتفع به فوقي، عرف أنني لن أجيد التحديق إليه قبل أن يرشّ حوضي بالماء؛ لتفيق سمكته النائمة، ليس قبل أن اختبر ملامحه على جلد بطني، وأشيع روحي في غمامة أيقونة وشمعة، وأن أعرف نفسي كأم النور لصورته المنتظرة.

دمي الآن ملوث ببكاء فتيات لم يعرفن شيئاً عن تعويم الجنيه وهن يغرسن براءة تنوراتهن فوق رؤوس الصبيان في لعبة العرائس القديمة... مجاز

الحياة بكل أشواكها العطرة

تعبة كنت، أقفز بين غفوتين، والحياة مربوطة حول معصمي بغلظة، وأسنانه إلى جواري تنعس في محلولها الملحي، الحياة تتكوّر كثعبان تحت طاولة السفرة؛ يلتهم طعامي والجوع غير مريح بالمرة، الحياة تغفو بين ساقي، تكشط بطانة رحمي، تقشر بيضي، وتلتهمه قبل أن يعمّده، الحياة تتدلى كقنفذ نهم تحت جلدي، يأكل حشيشة دمي ويتركني بمفاصل متيبسة والخطوة إلى الشهر القادم موجعة.

الدم الذي لا يعرضونه في الصور

الحب، بعوض يقفز بين الحكايات، ولم يتعلم آداب الزيارة، دمي الآن ملوّث ببكاء فتيات لم يعرفن شيئاً عن تعويم الجنيه، وهن يغرسن براءة تنوراتهن فوق رؤوس الصبيان في لعبة العرائس القديمة، دمي يتمدّد بين لحم طفل مهترئ سقط بين أبويه عقب قصف، دمي يتعفّن في منديل عذراء تنتظر قيامة زوجها، دمي يتفقد نبض شفاه غليظة ذهبت في نعاسها الأبدي، دمي ذهب بين إخوة لا يتقنون اللمس الحلال لسكين النشوة الأولى، دمي يفتح فجوة صغيرة في جسدي، كلما غرس فسيلته بعيداً عن زغاريد الغربان قبيل الفجر.

مَن قال إن علينا أن ندعك أجسادنا بالحناء؛ لنتخفّف من ملوحة عرق الحب ونعود إلى شغفنا الملغز؟ البرتقال الملتهب في حديقتي ينزلق في متاهة جسده، وليس على أحدنا أن يصرخ: وجدتها، وجدتها، وجدتها، قبل أن يأتينا النعاس.

الحب، بعوض يقفز بين الحكايات، ولم يتعلّم آداب الزيارة

مشقة الحديث العابر

قال لي مراراً إن الأحاديث العابرة، تطفو في الذاكرة، فوق طبقة سميكة من الخوف، والقلق من ألا تخذلنا صفعة تلقينها في التعرّف على الألم، القلق من ألا ينسينا زوج الأحذية البالية أن لنا قدمين متهيئتين لفكرة الرحيل، القلق من التعرف على ملابسنا، ترتجف وهي فارغة، ممزقة، رغم العناية بها كممسحة للبلاط.

أريد توثيق الحب، ليس كجملة مقصوصة من تعويذة، أو كوردة مذبوحة في كتاب، ليس بهذه البراءة وهذا الاكتراث، تلك طرق كلاسيكية للتعامل مع مرض، أو جريمة، لدي خريطة أفضل ليس من ضمنها تعميق ندوبي، أو التخلي عنك؛ ربما الحب يعني أن ننصت لأول خلية تالفة رفض جسدك التخلي عنها، مقابل أخرى ستعيد له النضارة والذاكرة.

النهاية المحفورة في آخر النفق

قلت له مرة إن حقيقة النهايات ليس كل ما يخلفه الوداع من ندم جائع إلى عيوب تليق بالهجر.

أعرف أنني غاضبة الآن، لأنك تركتني أتلصّص على مزاياك، تلك التي جعلتني أبكي ليلة بكاملها دفء صوتك فقط، ثم في الليلة الأخرى بحثت عن اسمي في نعومته، كأنني أدثّر بردان بأكثر من صفحة وفاة؛ لأعينه على الموت كما يليق، ولم أمت فقط لأني كنت غاضبة وأحببتك أكثر مما تطلب الأمر.

عليك أن تنغمس في صدري كخدر ناعم، أن تترك في قلبي ندبة أجيد إسعافها قبل أن تضحك وتشكو "فتاة عبيطة تمتلئ بالنكد"... مجاز

أسمعك الآن توصد عليك كتفيك، تمنعني من التجول خلسة في صدرك، وتبديل بطارية قلبك الفارغة بأخرى. يا حبيبي، الحب كلدغ العقارب؛ لا يعمل في جوف الموتى، علينا أن نجرب شراء أحاديث مستعملة، لنصير غرباء في جنازة عابرة. أواسيك، وأنت تهنئني أنني لست المتوفاة، وأن ننام على قصائد مؤكسدة تعرضت لمختلف أنواع الغبار العابر بين الشعراء.

فراق كهذا نستدرجه إلى ليلة أخرى

الحب الآن صورة فوتوغرافية تجمعنا، قسمت بين جدارين، الخطى تتمزق، وأنا أمسك عتلة وميزان خيط، والفتق بحجم ملعب كرة قدم، مدفون فيه خصلات شعري وبقايا جلدك ومطاط أحذيتنا المحترق، صراخي يحتك بالأبواب ويخرج همساً هزيلاً، لا يترك أثراً. أدرك أن أكثر أوقاتي ألماً، كانت وأنا أرجوك أن تتركني ليلة أخرى أحيا وأنت معي، وأن تهجرني في الغد.

في خطوتك التالية، انظر إلى عيني في اللحظة نفسها التي تدون فيها كذبتك، انظر إلى الشريط الإخباري حيث ينفلت عداد الموتى في سيارة عزرائيل، انظر إلى اللبلاب الذي يدوخ حول عنق زهرة ولا يرتشف من كأسها أبداً، انظر كيف يبدأ القتل في الجرائد الصفراء وكيف تنتهي جلسات الكهرباء الرديئة في مشافي التعافي بعد الخذلان.

يا حبيبي، اطمئن، حين نصير وصفة شهية للشمس وكومة رماد يرعاها الغياب، سأزيل الشبابيك حتى يعبر ضوؤك بلا ضجة من ثقب مفتاح الحياة، ولا أنساك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image