شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل نشهد ثورةً جنسيةً في وقت قريب؟

هل نشهد ثورةً جنسيةً في وقت قريب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 1 مارس 202407:54 ص

لا شك أن الرغبة الجنسية هي من أقوى الرغبات عند الإنسان، فهي التي تدفع البشر نحو الحركة والإبداع والقتال والخيال. وهي التي تحمل الإنسان على التضحية والصبر وتُشعره بالسعادة والرضا. لذا لم يكن اهتمام المثقفين/ ات بها وتحليل ظواهرها هامشياً، ولكن يدخل في صلب السياسة والاجتماع لما تمثله هذه الرغبة من حضور نافذ ومؤثر على مستقبل البشر وسلوكياتهم اليومية.

أثر التكنولوجيا والسوشال ميديا في نشر مفاهيم التحرر الجنسي

كان لانتشار وسائل التواصل الحديثة أثر فاعل في رؤية الإنسان المعاصر للجنس، فالانفتاح لم يحدث على مستوى العقل فحسب، بل على مستوى الرغبة واللذة والاطلاع على ثقافات الشعوب المختلفة في رؤيتهم للجنس.

يقول الدكتور كارل ر. ترومان، الأستاذ في كلية غروف سيتي في بنسلفانيا: "إن التكنولوجيا ووسائل الإعلام لعبت دوراً مهماً في صناعة ثورة جنسية حديثة. وبطبيعة الحال، تعمل التكنولوجيا باستمرار على تعزيز فكرة أن الواقع هو شيء يمكننا خلقه لأنفسنا".

"صنعت الميديا انفتاحاً كبيراً على الرغبات الجنسية المختلفة عن الفكرة الكلاسيكية أو النشاط الجنسي النمطي المتعارف، من الإنجاب وصولاً إلى الإشباع الجنسي"

هذا يعني أن الإنسان صار أكثر قرباً إلى وسائل التواصل من واقعه المعيش الذي يلتزم فيه بالتقاليد العريقة والأفكار القديمة، فيكون اتصاله الوثيق بوسائل التواصل فرصةً لاستبدال هذا الواقع القديم بأحوال جديدة تهيمن فيها أجهزة الهاتف على الحياة، وتالياً خلق واقع جديد مختلف تماماً عن السائد، وهو ما تؤكد عليه الدكتورة أمل أرمانيوس، من مجمع البحوث، وهي مجازة في علم النفس من جامعة دمنهور ومتخصصة في العلاقات الجنسية، لرصيف22: "صنعت الميديا انفتاحاً كبيراً على الرغبات الجنسية المختلفة عن الفكرة الكلاسيكية أو النشاط الجنسي النمطي المتعارف، من الإنجاب وصولاً إلى الإشباع الجنسي".

في الواقع، كشفت إحدى الإحصائيات التي أجراها موقع SellCell، أحد أكبر مواقع بيع الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة، "أن 54% من الناس يفضلون قضاء الوقت مع هواتفهم الذكية أكثر من شركائهم، و78% من النساء يتحققن من هواتفهن الذكية بدلاً من التحقق من شريكهن، وأن 64% من الرجال يتصلون بشريكاتهم، وأن 49.6% من الأشخاص سوف يتفقدون هواتفهم الذكية في موعد ما، حتى عندما يكون رفيقهم جالساً أمامهم".

هذا الارتباط بين الإنسان والهاتف أو بين البشر ووسائل التواصل الاجتماعي، كان له أثر بالغ في الانفتاح الجنسي والتعرف على ميول الآخرين ومشاركتهم إياها.

في هذا السياق، يقول دكتور أحمد الباسوسي، استشاري الطب النفسي وأستاذ علم النفس في كلية الطب جامعة القاهرة، لرصيف22: "ساهمت وسائل التواصل إلى حد كبير في انهيار الكثير من التابوهات، ودعمت مظاهر كثيرةً لدى بعض الناس في مجالات التحرر الجنسي والديني والسياسي"، مضيفاً أن "قيمة الجاذبية البدنية (الجنسية) لكلا الجانبين، وبقدر الثورة البصرية التقنية، أمكن استغلالها كالمعتاد بواسطة العاملين في البزنس والإعلانات من أجل تحقيق مكاسب عظيمة، وأن وسائل التواصل الاجتماعي بفضل قوة اختراقها لعقول مليارات المتابعين وقلوبهم أمكن استغلالها لجذب المزيد والمزيد من المشاهدات".

التمرد على الفكر الذكوري

يقول عالم الاجتماع الكندي جوناثان فان مارين، في كتابه The culture war، إن "المواد الإباحية على الإنترنت، والإجهاض القانوني، والثقافة الجنسية الحرة، ومنع الحمل، والعري العام، والتهديدات الموجهة للحرية الدينية، هي إما جزء من الثورة الجنسية أو نتيجة مباشرة لها".

ويتابع: "لقد حددت الثورة الجنسية اتجاه العالم، والآن في كل هذه المجالات، هناك تعزيز مستمر ونشط لقيمها. نحن مشبعون بهذا التأثير إلى درجة أننا نلاحظه بصعوبة وفي حالات نادرة فقط. نحن ببساطة نسلّم بأن العالم يسير بهذه الطريقة، وفي كثير من الأحيان دون التفكير في كيف ولماذا أصبحنا كذلك".

تتحدث عالمة الجنس المصرية دكتورة هبة قطب، عن أسرار متعة الجنسين بالممارسة الحميمية عبر الكاميرا، في استعراض يكشف أن للشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل تأثيراً نفسياً واجتماعياً كبيراً في التواصل الجنسي وما يتعلق به من نشر لمفاهيم التحرر وتناول الجنس بطريقة غير محافظة.

غير أن القيود المحافظة على السوشال ميديا تحدّ من حقوق الأنثى لصالح متعة الذكر، وهو ما أوجد مقاومةً أنثويةً للظاهرة في إثبات لتنامي ظاهرة الثورة الجنسية والاعتراض على قيودها الضمنية التي حدثت بفعل التفكير الذكوري وإتاحة هذه المتعة للنساء بالتساوي مع الذكور.

تقول منى الطحاوي الكاتبة النسوية، ومؤلفة كتاب "الحجاب وغشاء البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى ثورة جنسية"، في مقالها بعنوان "الثائرات/الثائرون الجنسيات/ الجنسيون في مصر يتصدّين/ يتصدون للاستبداد الداخلي": "إن متاريس الثورة الجنسية اليوم لا يمكن العثور عليها في الساحات التي ترددت أصداء الهتافات فيها قبل عشر سنوات، بل هي موجودة في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن للملايين الوصول إليها من المنازل. ومن خلال حسابات باللغة العربية غير مسبوقة في جرأتها، يستهدف الراديكاليون الجنسيون العار والمحرمات والصمت والقمع الجنسي ضد النساء والمثليين".

وتستخدم الكاتبة هنا مفاهيم ومصطلحات خاصةً بمتعة الأنثى كالأورغازم، على أنها من المُحرّمات، وتحكي قصصاً عن تجارب عملية من بعض الذكور باستهداف متعة الأنثى على الشبكة، ومن بعض الإناث بتعرضهن للتعنيف الجنسي وإنكار حقوقهن الطبيعية، في إشارة إلى أن تناول ما يحدث على أنه نوع من التمرد على الفكر الذكوري الذي يصبّ في النهاية لصالح ثورة جنسية، يتساوى فيها الجنسان.

توظيف ظاهرة الربح من الإعلانات في الثورة الجنسية

"إن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الكثير من الأبواب المغلقة لعمل أي شيء وراء الأبواب المغلقة، فلا قيود تمنع الإنسان عن الممنوعات والمحرمات مثلما كان يحدث في الماضي، والكثير ممن تربحوا من إعلانات وسائل التواصل في مسألة الجنس وجهوا خطابهم الجنسي إلى المراهقين/ات والشباب الصغار في السن، وأن السوشال ميديا سهلت تجمع الناس على أساس الرغبات المتحررة"؛ هذا ما يقوله الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي والمخ والأعصاب في مصر، لرصيف22.

وفي السياق نفسه، تؤكد الدكتورة أمل أرمانيوس، أن ظاهرة الإعلانات وتسليع كل الأفكار تساهم بشكل مباشر في نشر مفاهيم الثورة الجنسية: "الجنس غريزي متعه لا حدود لها خصوصاً بين جيل الشباب"، وفق قولها.

وتضيف: "في حقيقة الأمر هناك ثورة جنسية أشعل نيرانها المفكر والفيلسوف جيرمي بنثام، مؤسس منهج النفعية، وقد خلّف الكثير من المقالات والأطروحات التي شجعت على ممارسة الجنس بكل أشكاله، وطبعاً دعم الأمر إطلاق الحرية الفردية في أوروبا، ودعا إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية، وتحولت أفكاره على مدار العقود السابقة إلى إطار مجتمعي يحمي الحقوق الجنسية لكل مواطن يرغب في جنس غير نمطي".

"إن متاريس الثورة الجنسية اليوم موجودة في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال حسابات باللغة العربية غير مسبوقة في جرأتها، يستهدف الراديكاليون الجنسيون العار والمحرمات والصمت والقمع الجنسي ضد النساء والمثليين"

من جانب آخر، تقول عالمة الاجتماع إيفا إيلوز، في كتابها "نهاية الحب: سوسيولوجيا العلاقات السلبية"، إن الفكر الغربيّ يكشف عن وجود أزمة عميقة في بنية فكر "الحداثة" و"ما بعد الحداثة"، كان من تجلياتها تَحوُّل المجتمع البشريّ من مجتمع إنسانيّ إلى مجتمع استهلاكيّ يقدّس الاستهلاك، مما أدى إلى نشوء تمظهرات جديدة للحب الاستهلاكي (البراغماتي)، دفعت الناس للتعامل مع حياتهم العاطفية بالطريقة نفسها التي يتعاملون بها مع المعاملات التجارية: "من خلال البحث عن أفضل قيمة لاستثماراتهم، وتقييم الشركاء المحتملين من خلال حجم محفظتهم وأصولهم وقدرتهم على تقديم أكبر قدر من الرفاه المادي".

وتشير الكاتبة ضمنياً إلى أن عامل الرخاء المادي كان سبباً في الثورة الجنسية السابقة التي حوّلت الشعب إلى مجتمع استهلاكي دون ضوابط أخلاقية.

وعليه، يمكن عدّ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الهاتف المحمول ليُصبح جزءاً أساسياً من حياة البشر، علامةً على شيوع ثقافة الاستهلاك، بما يعطي مقدمةً لثورة جنسية معاصرة تستمد زخمها في كثير من جوانبها من الثورات الجنسية السابقة.

مستقبل الظاهرة

لا يعني انتشار الجنس في السوشال ميديا، حدوث ثورة جنسية بلا مقاومة، بل للأمر تبعات سلبية على صحة الإنسان وكرامته تعود للاستخدام غير القانوني وغير الأخلاقي وغير العلمي للإنترنت.

يقول عالم الجنس الفرنسي دكتور أندريه كورمان، في مداخلة له في مؤتمر الأيام الفرنكوفونية لعلم الجنس والصحة الجنسية: "قد يعتقد المتفائل أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدف إلى تفكيك الصور النمطية الجنسية، مما يسمح الآن لكل فرد بالتشكيك في حياته الجنسية الخاصة، والسؤال: لماذا لا يستكشف الحياة الجنسية التي تم احتواؤها حتى الآن؟ ومع ذلك، فإن الافتقار إلى معلومات واضحة ومبنية على أسس علمية في مجال التثقيف الجنسي عبر الإنترنت، يمكن أن يؤدي إلى الارتباك والقلق بشأن الحياة الجنسية".

ويعني هنا أن وسائل التواصل الاجتماعي مثلما أسهمت في نشر الحريات الجنسية، أعطت مقدمات واضحةً لثورة جنسانية عالمية. لكن هذا الإسهام يحدّه نوع من الخطورة بالجهل الجنسي ونشاط الناس المفتقد للأسس العلمية والجذور التاريخية للجنس، ما يرجح أن يُحدث صداماً مستقبلياً مع الفكر المحافظ ويدخل معه في عراك فاشل يعطل هذه الثورة والحريات ويقضي عليهما، وتالياً فإن دراسة الجنس على أسس علمية ستكون انتصاراً للفكر التقدمي حسب وجهة نظره.

"إن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الكثير من الأبواب المغلقة لعمل أي شيء وراء الأبواب المغلقة، فلا قيود تمنع الإنسان عن الممنوعات والمحرمات مثلما كان يحدث في الماضي"

بدوره، يقول الدكتور أحمد الباسوسي، استشاري الطب النفسي وأستاذ علم النفس في كلية الطب جامعة القاهرة، في تصريح خاص لرصيف22: "الزعم بحدوث ثورة جنسية نتيجة لظهور وسائل التواصل الحديثة، لا يمكن تأكيده، فأنماط التحرر الجنسي من قبل الجنسين موجودة منذ القدم، وكتب التراث القديمة تتعرض لهذه الأنماط سواء بالتصريح والتفاصيل المباشرة أو بالتلميحات".

ويُضيف الدكتور أن الظاهرة قديمة، لكن وسائل وأساليب التواصل الحديثة توسعت في استخدام الصورة، والجاذبية البصرية، من أجل التربح مع زيادة التجويد الجاذب في عرض المفاتن الجسدية لكلا النوعين، وخاصةً النساء من أجل المرابحة، ويوضَع في الحسبان هنا أن التدفق المعلوماتي الناتج من وسائل ومنصات المعرفة كافة ساهم بدور كبير في التحرر نسبياً من أسر القيم التقليدية وخوض مغامرات جديدة واستكشاف مظاهر جديدة من المتعة والاستمتاع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image