شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن ثورة خطيرة اسمها البظر

عن ثورة خطيرة اسمها البظر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 16 نوفمبر 202112:10 م

 بعض شؤون البظر في الموروث العربي

  تروي النكتة الشائعة أن طفلة صغيرة كانت في كل مرة تتعرّى وهي تلعب بعفوية الأطفال، إلا أن أمها تنهرها بقولها: "غطي روحك"، وكانت الطفلة تسارع إلى وضع كلتا يديها على عضوها الصغير والمحايد ناظرة يمنة ويسرة، وعندما سأل المعلم تلامذته عن مكان الروح، رفعت تلك الطفلة إصبعها وقالت مشيرة إلى ذات العضو: "ها هنا تكمن روحي!".

  هكذا تنشأ الفتيات الصغيرات ويتربين فزعات خائفات على "أرواحهن"، أما "روح" الفتى فتظل أكثر تحرراً طالما لم يبلغ، فتراه يركض "وبنيته" تتدلى كرقاص ساعة خارج الوقت. نؤنّث "أيره المستقبلي" ونسميها بشتى أنواع الأسماء التي تختلف من وطن عربي إلى آخر، فهو "البنية" و"البشولة" في تونس، في إشارة ربما للكلمة الدارجة "بشول"، ولعلها ذات أصل أمازيغي وتحيلنا إلى "سيلان الماء" سيلاناً خفيفاً. كما تسمى "تمرة" التي قد تستعمل في السخرية من صغر أير الرجل.

لا اسم لعضو الفتاة مهما كان بريئاً ولا علاقة له بالتقاليد والعادات والقوانين الاجتماعية.

 لا اسم لعضو الفتاة مهما كان بريئاً ولا علاقة له بالتقاليد والعادات والقوانين الاجتماعية. يظل مسكوتاً عنه في العلن، ينظر إليه بريبة منذ ظهوره. الريب المتضمن للعار القديم الذي لم يتغير كثيراً. صندوق "باندورا" الذي لا ينبغي أن يفتح ولا حتى بالكلام. لذلك نعرف الكثير عن "بنية" الفتى ونكاد لا نعرف شيئاً عن "ابن" الفتاة. نمازح بنية الفتى ونلامسها ونفخر بها وندس بابن الفتاة فيما أمكن من أقمشة ورموز، أو نستخدمه في الشتم والحط من الشأن. فنحن نشتم ذاكرين "متاع" الأم أو الأخت أو الخالة، ولا نفعل ذلك مع الجانب الذكوري من العائلة.

  تزخر كتبنا التراثية العربية بتلك الشتائم. لنلق نظرة على كتاب الأغاني للأصفهاني على سبيل المثال: كلمة "بظر" هي الأكثر تداولاً في سياق تلك الشتائم، فنجد بشار بن برد هاجياً أحدهم بقوله: لكن روحاً عدا طوره/ وما كنت أحسب أن يفعلا/ فعضّ الذي خان في أمرها/ من اِستِ أمه بظرها الأغرلا.

وعبارة "عاض بظر أمه" أو "ماص بظر أمه" كانت عبارة شائعة وتزخر بها كتبنا التراثية، للإشارة إلى الرجل الذي يبدي تهاوناً في اتخاذ موقف ما وغيره، ويقال صراحةً "مص بظر أمك!"، تعبيراً عن الاستهانة بفعل الطرف المقابل. ويروى أن أبا بكر الصديق قد قال لأحد القريشيين العبارة نفسها واضعاً بدل الأم كلمة "اللات" الآلهة التي كانوا يعبدونها: "مص بظر اللات!"  

 ويعرف القاموس العربي البظر كالتالي: "البظر أو البظارة: نتوء أو بروز في فرج المرأة، لحمة بيت شفري الفرج وهي القلفة التي تقطع في الختان: مكان خروج الولد من المرأة".

 نقطة مطفأة رغم ما يسكنها من أسرار

  هكذا هو شأن البظر في الثقافة العربية وفهمه. بروز ونتوء كأي بروز أو نتوء آخر. وبالرغم من أن العرب كانوا سباقين في ترجمة المنتج الحضاري اليوناني إلا أنهم لم يتفطنوا –ولعلم تعمدوا عدم التفطن- إلى التعريف الذي تتضمنه الأسطورة اليونانية لذلك العضو الذي كانوا يعتبرونه "حصاة سرية" تقع في عمق الخيال الجنسي. فـ"كليتوريس" ذات الأصل الإغريقي تعني "الهضبة"، كما تعني "القطعة الفضية أو المشبك الفضي الذي نشد به عقدة قماشية ما أو غيرها".

نمازح بنية الفتى ونلامسها ونفخر بها وندس بابن الفتاة فيما أمكن من أقمشة ورموز، أو نستخدمه في الشتم والحط من الشأن. فنحن نشتم ذاكرين "متاع" الأم أو الأخت أو الخالة، ولا نفعل ذلك مع الجانب الذكوري من العائلة

ويرجع أول استخدام لهذا المصطلح طبياً إلى ما بين القرنين الأول والثاني ميلادي من قبل طبيب يوناني يدعى "روفوس ديفاس" Rufus D’Ephèse، ليقارن بعد ذلك بجنية من الجنيات أو بنبتة من النباتات، في إشارة إلى قطعة اللحم الصغيرة تلك ذات العضلة المهتزة، والتي تكلل شق الفرج، مكمن الأسرار والحياة برمتها. اختلفت التسمية بعد ذلك، فصارت "الجلدة" ثم "الكليتوريس" المقابل الفرنسي للمفردة العربية "بظر" الذي ما إن ولد حتى وقع دفنه طي النسيان نهائياً، انطلاقاً من القرن السادس عشر إلى أن اندلعت ثورة بظرية حقيقية في العصر الحديث.

ثورة البظر

  لا يفوتنا في هذا الجانب المرور على ما يسمى مغالطةً "ختان الإناث" الذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية حديثاً "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، والذي يستهدف تلك "الحجرة الكريمة البراقة" المسماة بظراً في لغتنا، والتي اكتشف الطب الحديث بأنه العضو الوحيد في الجسم الإنساني المخصص للشهوة الجنسية دون سواها. لذلك طالته يد التشويه تلك وظلت تمتد إلى اليوم لاقتلاعه من منبته، في حركة "إخصاء" واضحة، إن صحّت العبارة، للمرأة، وماذا تصبح المرأة دون بظر؟! انصتوا لشهادات مرعبة منشورة على الشبكة العنكبوتية ممن عشن ذلك "البتر" في صغرهن، وما زلن يعشنه إلى اليوم في بعض البلدان مثل مصر والسودان والصومال وبلدان جنوب إفريقيا. وقد كشفت دراسات عدة أن تلك الممارسة لا صلة لها بأي موروث ديني من قريب أو بعيد... ممارسة بدائية ولِدت بين تلك القبائل وطالت الحضارات كالفرعونية منها وغيرها. 

من ضمن الأسماء التي أطلقت عليه اسم "جبل فينوس" في إحالة على تحول البظر من عصور التجاهل إلى عصر التقديس.

انتشر في القرن الواحد والعشرين المتحدثون والمتحدثات باسم البظر. ولذلك توجهت إليه الأنظار بعد طول تغييب، ومعه اتضحت النشوة الأنثوية وذروتها وانكشف لغزها. اسأل الجميع عن كم النسوة اللائي رحلن في خضم جهل أزواجهن بممكناتهن وشعرنا بالأسى عليهن. فما البظر اليوم سوى محرك الفرج ومكمله ومركزه. يمكننا التحدث عن ثورة بظرية بأتم معنى الكلمة، دارت رحاها منذ أواسط القرن العشرين وما زالت وقائعها تدور. ثورة جعلت المرأة تكتشف بأنها لم تكن يوماً في حاجة ماسة للرجل، طالما جهازها يحتوي على تلك النقطة البراقة التي جعلت بعضهن يخترن عدم الاقتران بالرجل، وأخريات يحولن ناحية شهوتهن إلى شبيهات لهن وإلى دمى، أو بكل بساطة إلى أيور اصطناعية يشترينها مع جملة الأدوية المهدئة.

البظر بوصفه أيراً صرفاً

لقد أصبح أيراً بكل ما تعنيه الكلمة من ذكورية. قضى على خرافة الإيلاج نهائياً. صار بحاجة إلى حركة وإعداد وإحماء وثقة وفن في نهاية المطاف. وقد تبنته الحركات النسوية واتخذته شعاراً ضمنياً تجابه به العقلية الذكورية التي تخال نفسها الوحيدة المجهزة بقضيب، ثمة قضيب لدى المرأة، والدليل علمي على ذلك!

اكتشفت المرأة بأنها لم تكن يوماً في حاجة ماسة للرجل، طالما جهازها يحتوي على تلك النقطة البراقة التي جعلت بعضهن يخترن عدم الاقتران بالرجل، وأخريات يحولن ناحية شهوتهن إلى شبيهات لهن وإلى دمى

 ومن هنا صار البظر رمزاً لكل العملية الشهوانية وفاقت مكانته مكانة الأير الذي أصبح ثانوياً في تلك العملية، بل ويمكن الاستغناء عنه ما لم يرفق بالنفس الثوري ذاته، القائم على فهم جسد المرأة الذي ظل لقرون مجهولاً وخطيراً وسجين المنظومة الاجتماعية.  

 جبل فينوس

من ضمن الأسماء التي أطلقت عليه اسم "جبل فينوس" في إحالة على تحول البظر من عصور التجاهل إلى عصر التقديس.

تتحدث امرأة في الستين من عمرها، ولم تكن قد رأت بظرها يوماً لأنها كانت تكتفي بلمس نفسها ساعة الدش، ولم تكن واعية بجدوى اكتشافها لنفسها. امرأة لم تعش ذروتها الجنسية ولو لمرة واحدة. وعندما اكتشفت الشهوة بكت قائلة: "نساء اليوم محظوظات، لقد اكتشفت بظري وأنا في الستين بعد أن عشت عمري كله على أنه شيء سفلي مثير للاشمئزاز...".

صار لزاماً على البظر النسوي أن ينتقم لنفسه وأن ينتقل من عالمه السفلي الذي سكنه زمناً طويلاً إلى عالم آخر علوي، كأن يكون "جبل فينوس" بعد أن كان أسماه أحد من اكتشفه لأول مرة "حلمة الشيطان"!

  وتتحدث امرأة أخرى عن طفولتها ذاكرة تحذير عائلتها لها من السباحة في البحر لأنها تعرض بظرها لخطر الضياع، ولما خرجت بكت طويلاً وهي تردد: "لقد أضعت بظري! ما كان علي أن أسبح". توجهت إليها إحدى الشابات المثقفات وواستها قائلة: "ليس البظر أي شيء زائد عن اللزوم كي يضيع، إنه أنت!".

 لقد آن للمرأة أن تقول في فخر: أنا بظري!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard