بأدوات بسيطة وكثير من الحب والجهد، أقام أحمد الخطاب ورفاقه عروضهم المسرحية في مدينة إدلب وغيرها من المدن السورية. تلك العروض، التي جذبت الكبار والصغار لما فيها من عناصر إبداعية، كالأغاني والقصص المختارة بعناية، والدمى المحببة، وكان أنجحها وأكثرها تأثيراً عرض "تلفزيون الحارة"، الذي يقام في مواعيد محددة أسبوعياً في شوارع مدينة إدلب، الذي ينتظره الأطفال ليلتقوا شخصياتهم المحببة وليعيشوا قصة جديدة من قصص الحارة.
يتجمع الأطفال في الحي بانتظار عرض مسرحي جديد لتلفزيونهم المتنقل، ذلك اللوح الخشبي الذي يزورهم أسبوعياً مع دمياته المتنوعة، ليحكي لهم قصة جديدة من القصص التربوية الممتعة، بأسلوب ساخر وكوميدي.
يقول أحمد الخطاب، أحد القائمين على عروض مسرح الدمى: "يتألف فريقنا من ثلاثة شباب متطوعين، يعملون على اختيار ودراسة العروض المسرحية وتقديمها للأطفال والكبار".
لم نتوقف عن العمل منذ عام 2012 وما زلنا مستمرين في تقديم العروض المسرحية للأطفال. تنقسم عروضنا إلى عروض تفاعلية، يقوم الممثلون من خلالها بارتداء لباس كامل مثل توم وجيري أو شخصيات من الغابة كالأسد والفيل والأرنب والغزال وغيرها، إضافة إلى مسرح العرائس".
ويضيف: "اقتصر عملنا في السابق على زيارة المدارس ودور الأيتام، ولكن فرحة الأطفال وإقبالهم على المسرحيات، وتشجيع الأهالي لنا، دفعتنا للاستمرار، والتفكير في تقديم عروضنا في الشوارع ليتمكن جميع الأطفال من مشاهدة المسرحيات".
وعن سبب تسمية العرض المسرحي الأسبوعي بتلفزيون الحارة، يقول: "ما إن رأى الأطفال اللوح الخشبي حتى أطلقوا عليه اسم تلفزيون، ولأنه يقام في الشوارع وفق موعد أسبوعي، أطلقنا عليه اسم تلفزيون الحارة".
وعن معايير اختيار القصص المسرحية، يوضح: "نقوم في بعض الأحيان بكتابة قصص المسرحيات وأحياناً أخرى نستعين بقصص موجودة على الانترنت مع تغيير القصة بما يتناسب مع شخصيات الدمى المتوافرة لدينا. نختار القصص التي تتكلم عن الحب والسلام وتحمل أهدافاً وقيماً اجتماعية وتربوية لإيصالها إلى الأطفال بأسلوب فكاهي لتسليتهم وإبعادهم عن أجواء الحرب والقصف".
السيدة منى أحمد والدة ثلاثة أطفال تؤكد أن "تلفزيون الحارة" نجح في كونه وسيلة ترفيهية وتربوية أثرت في الأطفال، وساهمت في غرس القيم الإيجابية في نفوسهم. تقول: "تغمر الفرحة أطفالي الثلاثة بعد كل عرض لتلفزيون الحارة، فلكل منهم دمية محببة يتقمص شخصيتها ويقلد حركاتها وتصرفاتها. تؤثر الدمى في شخصيات أطفالنا بشكل إيجابي، كما تؤثر فينا".
سارة ذات العشرة أعوام تحب عروض الدمى كثيراً، وتفضل شخصية توم عن بقية الشخصيات الأخرى، حتى أنها تحفظ جميع أدواره في المسرحيات وتعيد تمثيلها مع إخوتها وصديقاتها.
هل تحفز الدمى مخيلة الطفل؟
قد نتساءل هل تمتلك الدمى فعلاً ذلك التأثير السحري على الطفل في عصر التكنولوجيا والألعاب الالكترونية؟ هل تساهم الدمى حقاً في تسلية الطفل وإثارة مخيلته وتحرير أفكاره؟ الناقد المسرحي وسام الخطيب، يجيبنا عن ذلك: "تعتمد العملية الفنية في المسرح على التسلية وإثارة الخيال والتفكير، ما يشعر المتلقي بسعادة وقيمة فكرية أعلى من تلك التي يشعر بها عند مشاهدة التلفاز وغيره". ويضيف: "والطفل كائن خياله واسع وذهنه مهيأ للتخيل والتفاعل، يتفاعل مع الدمى وكأنها كائنات حقيقية مثيرة للخيال، يتأثر بها ويقلد تصرفاتها، فهي بالنسبة له مخلوق خيالي لا يشبه البشر يتحدث بأصوات غريبة ويقوم بحركات مميزة لا يقوم بها الأشخاص العاديون، ما يفسر تأثره بسلوك تلك الدمى وتفاعله الإيجابي معها". وعلى الرغم من أن تجربة مسرح الدمى ليست تجربة حديثة، فهي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، فإن الاهتمام بهذا النوع من الفن اقتصر على تجارب فردية لممثلين ومسرحيين حملوا على عاتقهم حماية هذا الفن من الاندثار. وهو ما تسعى فرقة أحمد الخطاب وغيرها من الفرق المسرحية للقيام به من خلال عروضها، التي تهدف للحفاظ على هذا الفن وإعادة إحيائه في مخيلة الطفل السوري، خصوصاً في زمن الحرب.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...