أسبوعان في دبي بعيداً عن برج خليفة

مساء يوم أربعاء شتوي، يتدلى قمر أحدب يتعالى نوره في كبد السماء، لكنه يبقى نوراً خافتاً يساعد في أجواء مثالية على الاسترشاد بالنجوم في صحراء محمية المرموم الإماراتية حيث وصل مجموعة من محبي التخييم من فرق الكشافة المصرية، الذين جاءوا للمشاركة ضمن أنشطة المخيم الكشفي العربي الرقم 33 الذي استضافته الإمارات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. 

على أرض المحمية وبين الخيام، جلست ضمن خمسة أفراد حول نار المخيم، نرصد نجوم مجموعة الثريا في لعبة تقليدية للكشافة، ونخمن ماهية النجم الأكثر لمعاناً في السماء هل هو كوكب المشتري أم نجمة برج العقرب.

حسم الأمر تلسكوب فضائي خُصص ضمن أنشطة المخيم الكشفي، يتشاركه 1500 كشاف جاءوا من مختلف أنحاء العالم العربي لقضاء 10 أيام في الصحراء الإماراتية للتمتع بحياة الخلاء والتنقل بين المحميات ليتبين أنه يمكن لزائر الإمارات الاستمتاع بما هو أكثر من زيارة برج خليفة.

محمية المرموم هي واحدة من 49 محمية طبيعية بدولة الإمارات، وتمتد على مساحة تزيد عن 20 ألف كيلومتر مربع (نحو 15.5% من مساحة الدولة)، تتوزع ما بين 33 محمية برية و16 محمية بحرية تضم مجموعة من الكائنات الحية.

"منذ الوهلة الأولى حينما تخبر أصدقاءك أنك مسافر إلى دبي يُخَيل لهم أنك ذاهب إلى قضاء عطلة أو نزهة في أرقى الفنادق، والتجول بين وسط مدينة تعج بالحركة والسياحة، لكن رحلتي إلى دبي كانت مغايرة تماما، تجولت بالصحراء لمشاهدة أحد أكبر قطعان المها العربية وتجمّعات طيور النحام الأحمر (الفلامنجو)"

في عدد مجلة ناشيونال جيوغرافيك لشهر فبراير/ شباط 2021، نشرت دراسة تفيد بأن 86% من سكان الإمارات يسافرون لغرض الترفيه مرة واحدة على الأقل في العام، ولكن عام 2020 ومع الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا وتوقف حركة السفر بين الدول، بدأ الإماراتيون في استكشاف فرص للتمتع بالطبيعة، ووصفت ناشيونال جيوغرافيك جهود الإمارات في الحفاظ على محمياتها الطبيعية طوال العقود الخمسة الماضية بأنها "جهود تبدو متفرقة" لكنها تصب في خدمة صون الطبيعة وإبرازها بشكل مثالي وسياحي حتي وصلت إلى 49 محمية في عام 2020، تدعم التنوع البيئي في الإمارات وتدعم عودة بعض الأنواع المهددة إلي موائلها الطبيعية بعد أعوام من الغياب.

وأصبحت الصحراء أو "طلعات البر" كما يطلق عليها المقيمون بدبي حتى من غير الإماراتيين، بمثابة نزهة نهاية الأسبوع كما وصفها أحمد زيدان، المصري الذي يعمل ويقيم بدبي، لرصيف22.

يتذكر أحمد أول رحلة للتخييم والشواء على ضفاف بحيرات القدرة بالقرب من محمية المرموم، (40 كيلومتراً خارج دبي)، حيث اكتفي بقضاء النهار وجزء من الليل، وعاد لمنزله قبل أن يشتد برد الصحراء، يقول: " لم أعتد المبيت في الصحراء. التخييم تجربة رائعة، لكني لا أجرؤ عليها وأنا لا أعرف الحيوانات التي قد تحوم حول خيمتي" .

علي عكس مخاوف زيدان، كان المخيم الكشفي العربي فرصة لمحمد فخري القائد بالكشافة البحرية المصرية، للتخييم في الصحراء من دون أن يجد لديه حماسة لمشاهدة الأبراج الشاهقة لدبي وأضوائها، يقول لرصيف22: "دبي مدينة مليئة بالأضواء، ولكن في الصحراء الأمر مختلف، الإضاءة اختفت وقضينا يومين قبل بدء المخيم في ظلام، نستكشف النجوم في أحد ألعاب الكشافة المفضلة".

ويضيف: "المميز في صحراء المرموم، أنها بعيدة عن أضواء المدينة، ولا تتلوث السماء بالأضواء الصناعية، والنجوم تظهر بوضوح ووجود تليسكوب ضمن أنشطة المخيم أتاح لنا أن نرى النجوم وكوكب المشتري وأحد أقماره، واستمتعنا هنا بتقنيات تكنولوجية لتحديد موقع الكوكب والقمر القريب منه وحالة القمر المرتبط بالأرض، ورؤية القمر مكتملاً ولكن وقتها خبا ضوء الأجرام الأخرى أمامه".

ويضيف فخري: "التخييم في الهواء الطلق تجربة لطيفة تعيد للروح صفاءها، حيث استمتعت بالهواء النقي بعيدً عن تلوث المدينة، وزحام السيارات والمدن سواء في القاهرة أو دبي".

ويشير إلى أن أكثر التجارب متعة خارج مخيم المرموم كانت في زيارة أكاديمية علوم الفضاء في الشارقة، حيث أضافت له الزيارة بعداً ومعلومات جديدة في الاسترشاد بالنجوم وألعاب تفاعلية وعروض القبة السماوية".

"المميز في صحراء المرموم، أنها بعيدة عن أضواء المدينة، ولا تتلوث السماء بالأضواء الصناعية، والنجوم تظهر بوضوح"

وذكر تقرير لـمجلس السياحة والسفر العالمي أن نسبة المساهمة الكلية لقطاع السياحة والسفر في الاقتصاد الإماراتي خلال عام 2020 وصلت إلى نحو 71 ملياراً و600 مليون درهم، فيما بلغ الإنفاق على السياحة الداخلية نحو 23 ملياراً و800 مليون درهم، والدرهم الإماراتي يساوي 0.27 دولار أمريكي. وأرجع التقرير السبب إلي أن العاملين في القطاع السياحي بالإمارات حريصين على إدراج زيارة الصحراء ضمن برامجهم السياحية.

وفي الليلة التي وصلنا فيها إلى محمية المرموم كانت نشرة الأخبار تحذر من موجة ضباب كثيفة، تنزل علي الصحراء بعد منتصف الليل، وعندما تلاشى الضباب في الصباح، لاحت لنا 3 بحيرات صناعية حُفرت لتؤوي أنواعاً من الطيور المائية المهاجرة.

وفي ذروة سكينتها يسود محمية المرموم الصحراوية هدوء وصمت مطبق، يموج برمالها بينما تظهر على الأرض آثار أقدام متنوعة لغزلان المها العربي وطيور الحباري وثعالب برية وحوافر الضب، فيما بدت حركة لطيفة لمياه بحيرة صناعية حين استيقظ بها سرب من أربعة أنواع من البط، وغراب الماء والزقزاق .

ويقول مسعود حساني قائد فوج الشعلة بجمعية الكشافة الإسلامية الجزائرية: "منذ الوهلة الأولى حينما تخبر أصدقاءك أنك مسافر إلى دبي يُخَيل لهم أنك ذاهب إلى قضاء عطلة أو نزهة في أرقى الفنادق، والتجول بين وسط مدينة تعج بالحركة والسياحة، لكن رحلتي إلى دبي كانت مغايرة تماما، تجولت بالصحراء لمشاهدة أحد أكبر قطعان المها العربية وتجمّعات طيور النحام الأحمر (الفلامنجو)".

تبلغ مساحة محمية المرموم الصحراوية 10% من مساحة دبي الإجمالية، وتهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال حماية النباتات والحيوانات، وتوفير بيئة طبيعية صحراوية تمنح الزوّار تجربة فريدة ومميزة، وتغطي المسطحات المائية ما يقارب 70% من مساحة المحمية، والسهول الحصوية ما يقارب 23%، وتتخذ الكثبان المتحجرة والأراضي الرطبة والغابات مساحة 7% من إجمالي مساحة المحمية.

بحيرة عذبة بين جبال حتا 

على بعد 140 كيلومتراً من مدينة دبي وأبراجها الشاهقة، تتجمع مياه في وادي حتا بين سلسلة جبال، لتصبع أكبر تجمع للمياه العذبة بالإمارة وتتحول البحيرة العذبة التي تكونت من تجميع مسارات مياة الأمطار النادرة إلى مزار سياحي لهواة ركوب قوارب الكاياك والكانوي، والجبال نفسها فرصة لهواة التسلق والمشي في المسارات الجبلية، بحسب جمعية الإمارات للطبيعة، تستقبل المنطقة الجبلية التي تمتد بها المحمية نحو 30 % من مجموع الأمطار التي تشهدها الدولة سنوياً. ويسهم هذا الكم من الأمطار في إعادة تغذية الخزان الجوفي الضحل (القريب من سطح الأرض)، وعبر الأودية الموجودة في المنطقة والتصريفات الأرضية للمياه، يعاد ملء خزانين طبيعيين بالمياه على مجرى سدي حتا والغبرة.

زيارة سد حتا كانت تجربة ممتعة لهاجر محمد إبراهيم القائدة بجمعية المرشدات المصرية، فبجانب استمتاعها بحياة الخلاء في صحراء المرموم، كان تغيير النشاط اليومي بالتجديف في الماء بالنسبة لها "تجربة مبهرة". 

محمية المرموم هي واحدة من 49 محمية طبيعية بدولة الإمارات، وتمتد على مساحة تزيد عن 20 ألف كيلومتر مربع (نحو 15.5% من مساحة الدولة)، تتوزع ما بين 33 محمية برية و16 محمية بحرية تضم مجموعة من الكائنات الحية.

تقول هاجر: "الكشافة أساسها في حياة الخلاء البسيطة من دون أي مظاهر للترف، ونتعلم كيف ننجو بأبسط الأدوات. قضيت في صحراء الإمارات أسبوعين تقريباً من دون إنترنت أو اتصالات ولم  أشعر بأي إنزعاج، احتجت الإنترنت فقط عندما أردت الإتصال بعائلتي في القاهرة، بخلاف هذا نسيت هاتفي لثلاثة أيام من دون إعادة شحنه، حياة الخلاء كانت كافية لتصفية الذهن بشكل كبير".

وتشير إلى أن التجديف في مياه حتا كان نشاطا محفزا لمنتسبي الكشافة خاصة من لا يمارس الأنشطة البحرية الكشفية، وتشرح هاجر منهج الكشاف في التعامل مع حياة الخلاء: "الخروج في المحميات يعلمنا كيف نتعامل مع الكائنات، من دون أذيتها أو ترك ما يضر البيئة، ويكفي رؤية الحيوانات في بيئة طبيعية، فأين يمكن أن ترى غزال الريم يجري أمام نافذتك سوى من داخل خيمة في الصحراء". 

  سفاري أفريقية في قلب الشارقة

تفتخر مريم، وهي مرشدة سياحية في محميات سفاري الشارقة بتجارب النجاح في نقل حيوانات من بيئتها الأصلية من أفريقيا وأوروبا إلى إمارة الشارقة، وبناء أماكن تشبه البيئة الأصلية تساعد الحيوانات على التأقلم والتزاوج ، ففي منطقة داخل السفاري سميت "السافانا"، يعيش قطيع من الأفيال الأفريقية، أكبر الثدييات البرية، الذي استطاع التأقلم بالمنطقة، وولدت أصغر الفيلة هناك وسمِّيت "سمره".

تقع سفاري الشارقة ضمن نطاق محمية البردي، واستغرق بناؤها عامين وافتتحت في 2022، على مساحة 8 كيلومترات وتقسم إلي 12 بيئة مختلفة، مستوحاة من صحاري وغابات أفريقيا، والحيوانات والطيور التي تعيش فيها، وأنشئت على شكل مناطق عدة تحاكي المناطق الحقيقية في أفريقيا، مثل الصحراء الكبرى في الشمال والسافانا في الوسط وإلى الجنوب وصحراء  كالهاري ومحمية "سيرينجيتي"، التي تعبر بها أكبر الهجرات للحيوانات في العالم كل عام، حيث تهاجر مجموعات كبيرة من الحيوانات العاشبة عبر السهول منها جاموس الماء والتماسيح ووحيد القرن الأبيض (مهدد بالانقراض) والأسود. 

في سرينجيتي الإماراتية يعيش قطيع من الزرافات وولدت بها زرافة صغيرة سميت " فالنتينا"، تيمنا بيوم ولادتها في الرابع عشر من فبراير، إضافة إلى ولادة أنثي وحيد القرن الأبيض الجنوبي، سميت "وحيدة".