محسن لاجئ سوري يقيم في ألمانيا منذ عامين، وقد مُنح حق الحماية المؤقتة كشخص ليس بإمكانه الحصول على الحماية الكافية في بلده، حسب قانون الإقامة الألماني له الحق القانوني بفرصة إعادة الوحدة العائلية مع زوجته وأطفاله القصّر وفق ما تمنحهم إياه الخطط الحكومية في تقديم طلبات لمّ الشمل. وتستغرق عادة مدة لم شمل الأسر في ألمانيا عاماً كإجراء طبيعي.
رغم ذلك لا يزال محسن ينتظر دوره في بيروت للم شمل أولاده وزوجته. على هذا قرر قبل بضعة أسابيع الالتقاء بعائلته المكونة من خمسة أفراد في العراق كبلد مجاور لسورية، ورغم التكلفة الباهظة، فهو: "مجبر على ذلك". لأن لا تقدم واضحاً في تسريع عملية لم شمل الأسر السورية، وفق ما أعلمته في بيروت المنظمة الدولية للهجرة IOM، برنامج مساعدة الأسر، وهي المنظمة المختصة بتسجيل وتسيير إجراءات لم الشمل لطالبي الحماية الثانوية، وأنه سيحتاج إلى عام ونصف آخر على أقل تقدير، وربما أكثر حتى يتمكن من لم شمل أسرته، الأمر الذي يصفه محسن بالكارثي.
يتوقع سوريون في ألمانيا أن هناك أكثر من خمسين ألف لاجئ، ينتظر دوره للقاء أسرته بعد أن تراكمت الحجوزات في بيروت
يتوقع سوريون في ألمانيا أن هناك أكثر من خمسين ألف لاجئ ينتظر دوره للقاء أسرته بعد أن تراكمت الحجوزات في بيروت لأسباب غير مقنعة، إذ تستقبل بيروت أكبر عدد من متقدمي ملفات لم الشمل عن باقي دول الجوار، ما دفع الكثير منهم ممن طال انتظارهم لعائلاتهم للالتقاء بهم بشكل مؤقت في دول مجاورة مثل العراق ومصر وتركيا والأردن، بل إن البعض منهم مثل، فهد عبدالله، وهو لاجئ سوري في ألمانيا، قرر العودة إلى لبنان والاستقرار مع عائلته فيه بشكل نهائي، بعد أن بلغت ابنته سن الثامنة عشرة وهو العمر الذي لا يمكن تحقيق لم شمل الأسرة فيه إلا ضمن ظروف خاصة، وفقاً للأساس القانوني ضمن قانون الإقامة الألماني.
يقول فهد: "حين وصلت ألمانيا كانت ابنتي في السادسة عشرة والآن قد بلغت الثامنة عشرة، ما يعني أنها لم تعد مشمولة باجراءات لم الشمل، والسبب كله يرجع لتباطؤ عمل المنظمة في بيروت، من غير المنطقي أن أترك ابنتي وحدها في لبنان في منطقة تعيش حالة من الفوضى".
"من غير المنطقي أن أترك ابنتي وحدها في لبنان في منطقة تعيش حالة من الفوضى".
يتشارك أبو تيم، وجع فهد، فقد قرر قبل بضعة أشهر العودة إلى تركيا من ألمانيا، وقام بنقل عائلته عبر شبكات التهريب من مدينة منبج السورية إلى مدينة مرسين التركية، بعد أن بلغت ابنتاه التوأم السن القانونية، يقول أبو تيم: "أسكن أنا وابنتاي وزوجتي وأطفالي في تركيا رغم كل حملات العنصرية هناك ضد السوريين فهي أفضل عندي من أن أترك ابنتيّ في منطقة في سوريا تشهد أعمال عنف".
على هذا تلجأ العائلات السورية إلى اتخاذ خيارات بديلة، لا تتوقف على الالتقاء في بلد ثالث، أو الاستقرار النهائي في هذا البلد وإلغاء فكرة لم الشمل.
اتهامات غير مؤكدة بالفساد
يدعي كثير ممن يحق لهم إجراء لم شمل لأسرهم، بأن مكتب منظمة الهجرة في بيروت يتلقى الرشوة، وأن حالات بيع وشراء الأدوار تتم بطريقة غير قانونية من قبل وسطاء، وذلك وفق ما ذكرت بعض العائلات لرصيف22، وأن الفساد هو السبب الرئيسي الذي يدعو المنظمة لكل هذا التباطؤ.
يدّعي محمد، 33 عاماً، اسم مستعار، أنه قدّم قبل بضعة أشهر رشوة لموظف يعمل في المنظمة مقدارها 6000 يورو ليتمكن من شراء دور شخص آخر، وحول سؤاله عن طريقة البيع قال محمد: "يقوم اللاجئ بالحجز إلكترونياً عبر رابط المنظمة بادئ الأمر، ولا يذكر الرابط تفاصيل توضيحية ومعلومات كاملة عن المتقدم بالطلب وهو ما يستغله الموظف فيبدل معلوماته للشخص الشاري".
كما هناك من يدعي أن موظفي المنظمة يتلاعبون برابط التسجيل بحيث يقومون بترك مقاعد شاغرة من أجل بيعها لاحقاً. وهي ادعاءات لم يتسنَّ لنا التأكد من صحتها.
هذا وقد خلق تباطؤ عمل المنظمة بالإضافة إلى حاجة العائلات لتسريع لقاء أفراد عائلاتهم الذين يعيشون كلاجئين في دول الجوار السوري أو في سوريا في ظل ظروف معيشية وأمنية غاية في الصعوبة، أدى إلى خلق شبكات نصب واحتيال من قبل أشخاص يدّعون قدرتهم على تسريع عملية لم الشمل بالتنسيق مع موظفي المنظمة وبيعها لقاء مبالغ مالية معينة.
هناك من يدعي أن موظفي المنظمة يتلاعبون برابط التسجيل بحيث يقومون بترك مقاعد شاغرة من أجل بيعها لاحقاً
من أولئك، زيد. م، الذي دفع 300 يورو لشخص وسيط ادعى أنه يتعاون مع موظفي المنظمة في بيروت، وأنه سيسّرع له إجراءات لم الشمل، لكن عليه انتظار ثمانية أشهر ليتسنى له ذلك، وفي حال تمكن من تسريع دوره سيتكلف الشخص بمبلغ إضافي قدره 500 يورو تدفع لاحقاً، أما في حال انقضت الثمانية أشهر ولم يحصل شيء يعتبر مبلغ الـ300 يورو حقاً للوسيط ولا يتعين عليه إعادته لصاحبه.
التحلي بالصبر
تقدم المنظمة طوال الوقت اعتذارها للمواطنين عن الوقت الطويل الذي يستغرقه الحصول على موعد في بيروت، والذي يتجاوز أحياناً عاماً كاملاً، وترجع ذلك لأسباب خارجة عن إرادتها تتعلق بأمور لوجستية، كما قال أحد موظفي المنظمة لرصيف22، وقد فضل عدم ذكر اسمه، أن المنظمة تتفهم الإحباط الذي تتسبب به هذه الحالة. كما أوضح أنه قد تم تسجيل عدد من المواعيد في بيروت بشكل أكبر بكثير من التسجيلات في مكاتب المنظمة في البلدان الأخرى. وأن عدد المستفيدين أعلى بكثير في بيروت، مما يؤدي إلى وقت أطول لمعالجة الطلبات قبل الانتقال إلى الرقم التالي كما هو الحال في المكاتب الأخرى.
وأضاف: "في الأشهر القليلة الماضية، تم إعطاء الأولوية للعائلات المتأثرة بزلزال فبراير/شباط 2023، في كهرمان مرعش، وذلك استجابةً لطلب من وزارة الخارجية الفيدرالية الألمانية. هذه الظروف غير المتوقعة أدت إلى تأخير إضافي في منح المواعيد بالترتيب الزمني المعهود".
تقدم المنظمة طوال الوقت اعتذارها للمواطنين عن الوقت الطويل الذي يستغرقه الحصول على موعد في بيروت، والذي يتجاوز أحياناً عاماً كاملاً.
وتابع: "أن الأولوية بعد ذلك للأطفال القصر، إذ خصصت وزارة الخارجية الفيدرالية الألمانية حصة من المواعيد للحالات الحرجة مثل حالات الطوارئ الطبية أو الأطفال غير المصحوبين بذويهم في ألمانيا والذين اقتربوا من سن الـ18، هذه الحالات تحظى بأولوية وتجري لها مواعيد مسبقة".
وعن الاتهامات بالفساد نفت المنظمة ذلك بالقول: "جميع موظفينا ملتزمون بالقواعد الصارمة المحددة من قبل السلطات الألمانية والمنظمة الدولية للهجرة لتجنب أي نوع من أنواع الفساد. ولدى المنظمة سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الاستغلال والانتهاك الجنسي وسوء السلوك الأخرى. كما تم تخصيص رابط للإبلاغ عن الاستغلال أو غير ذلك من أشكال سوء السلوك، ويحق لكل من لديه دليل ملموس تقديم شكواه وستتم محاسبته".
وختم: "إن كل ما يقال عن التهم بالفساد غير صحيح، إذ لا يستطيع أحد دفع المال لقاء أخذه دور عائلة أخرى، فهو أمر مبالغ به، كما أننا ملزمون بتسهيل وضع ألف فيزا شهرياً ونمضي في ذلك بشكل جيد، وكل ما نتمناه من الجميع هو التحلي بالصبر".
"إن كل ما يقال عن التهم بالفساد غير صحيح، إذ لا يستطيع أحد دفع المال لقاء أخذه دور عائلة أخرى، كما أننا ملزمون بتسهيل وضع ألف فيزا شهرياً ونمضي في ذلك بشكل جيد". موظف في منظمة الهجرة الدولية في لبنان
يعمل منذر سلمان، في ألمانيا كمحامٍ يقدم نصائح واستشارات قانونية، يرى من وجهة نظر مختلفة أن أسباب بطء إجراءات لم الشمل في بيروت لأصحاب الحماية الثانوية قد تكون مبررة، يقول: "في إشارة إلى قانون الإقامة والاندماج للأجانب في الإقليم الفدرالي، المادة 36 أ، للانضمام إلى الأشخاص الذين تمنح لهم حماية فرعية، يمكن منح 1000 تأشيرة وطنية شهرياً لتصاريح الإقامة المؤقتة وفقاً للفقرتين 1 و 2. إذ يقدم مكتب بيروت وحده نصف هذا الرقم من إجمالي الحصة العالمية تقريباً، مما يجعل من الصعب زيادة عدد المواعيد المتاحة".
ويرى أن المنظمة في بيروت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حتى فبراير/شباط 2023، لم توزّع سوى عدد قليل من العدد المسموح به في حين أن باقي فروع المنظمة في أربيل والأردن ومصر وتركيا تسير على أحسن وجه. ويتساءل سلمان هل للأمر علاقة برغبة الحكومة الألمانية في تخفيف الضغط عنها أمام أحزاب المعارضة أم أنه لأسباب لوجستية حقاً.
125 ألف تأشيرة في عام 2023
تم إصدار حوالى 125 ألف تأشيرة للم شمل الأسر في ألمانيا خلال عام 2023، مقارنة بما كان عليه في عام 2022 والتي بلغت 117 ألف عائلة. وهي النسبة الأكبر بمقدار 12 ألف تأشيرة ذهبت لأصحاب الحماية الثانوية في حين لم يذهب سوى جزء صغير منها إلى اللاجئين.
وبذلك ارتفع عدد تأشيرات لم شمل الأسرة التي أصدرتها ألمانيا في العام الفائت بشكل ملحوظ مقارنة بعددها في عام 2022. وفي رد من وزارة الخارجية على استجواب من نائبة في حزب اليسار أن عدد هذه التأشيرات وصل حتى الثاني عشر من شهر يناير/كانون الثاني 2024، إلى 124 ألفاً و625 تأشيرة مقابل 117 ألفاً في مجمل العام الماضي.
واطلعت وكالة الأنباء الألمانية، على نسخة من رد الخارجية الذي أفاد بأن الجزء الأصغر من هذه التأشيرات ذهب لأقارب لاجئين حصلوا على اعتراف بحقهم في اللجوء وهم حوالى 10570 شخصاً، وذهبت 12 ألفاً و67 تأشيرة لأقارب حاصلين على وضع حماية ثانوية فضلاً عن 254 تأشيرة لأشخاص يحق لهم اللجوء.
دعوات للتخفيض
ترى صحف ألمانية أن عام 2023 كان عاماً قياسياً ليس فقط للهجرة غير الشرعية، كذلك للم شمل الأسر، لهذا دعت أندريا ليندهولز، النائبة عن منطقة فرانكونيا السفلى، والتي تشغل أيضاً منصب نائبة رئيس المجموعة البرلمانية للحزب لضرورة: "التخفيض". وقد طالبت الحكومة الفيدرالية: "الحد من قبول طلبات لم شمل أسر الحاصلين على الحماية الثانوية حتى ينخفض عدد طالبي اللجوء بشكل كبير"، وذلك حسب صحيفة أوغسبيرغر الألمانية.
وأضافت ليندهولز للصحيفة: "بالإضافة إلى 300 ألف طلب لجوء أولي، من المتوقع صدور حوالى 130 ألف تأشيرة للم شمل الأسر". ولفتت إلى أن هذه الأرقام لا تتضمن اللاجئين الأوكرانيين.
وبررت ليندهولز العضوة في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى أن العديد من البلديات مثقلة بالفعل باستقبال هذا العدد الكبير من الناس: "في ضوء الوضع المتوتر في سوق الإسكان، لا ينبغي منح التأشيرة إلا إذا تمكن الأجنبي الذي يعيش في ألمانيا من إثبات وجود مساحة معيشة كافية لأفراد الأسرة للالتحاق به".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.