من جحيم الحرب والخراب والدماء، نهضوا بأقلامهم، أربعة صحافيين سوريين من محافظة درعا إلى مدريد، أسسوا مجلة "بيننا" لتكون أول وسيلة إعلامية ناطقة باللغتين العربية والإسبانية في إسبانيا. لم تكن رحلة أيهم وموسى ومحمد وعقبة سهلة، فقد خرجوا للنجاة بحياتهم من القتل المستعر في درعا مسقط رأسهم، ففي فترة اشتداد الحرب أرادوا أن يكونوا صوت من لا صوت لهم، والعين على ما يحدث في سوريا رغم بساطة الوسائل المتاحة وصعوبة التغطية الصحافية، لكنّ للحقيقة ثمناً، غالباً ما يدفع الصحافيون أرواحهم مقابلاً له.
في عام 2019 وبمساعدة لجنة حماية الصحافيين خرج الأربعة من سوريا مرغمين على ترك أهلهم وأحبتهم ووطنهم، جاؤوا إلى إسبانيا، البلد الجديد الذي لم يزوروه من قبل، اصطدموا بحاجز اللغة، لأن معظم الإسبان لا يتكلمون الإنجليزية، فما كان عليهم إلا أن تعلموا اللغة الإسبانية وأتقنوها في زمن قياسي.
في عام 2019 وبمساعدة لجنة حماية الصحافيين خرج الأربعة من سوريا مرغمين على ترك أهلهم وأحبتهم ووطنهم، جاؤوا إلى إسبانيا، البلد الجديد الذي لم يزوروه من قبلالصعوبات التي واجهها الصحافيون في بداية وصولهم لمدريد من البيروقراطية الإسبانية الى عائق اللغة والوصول للمعلومات المهمة للمهاجرين، أو حتى فهم ومتابعة أخبار المحيط الإسباني بلغتهم، دفعتهم لإطلاق مبادرة فريدة من نوعها على مستوى إسبانيا وهي مجلة ديجيتال ناطقة باللغتين العربية والإسبانية. تقدم خدمات اجتماعية وتوعوية للمهاجرين من أصول عربية وأيضاً للإسبان حول المهاجرين وقضاياهم.
جلسة مع فريق مجلة "بيننا" في العاصمة الإسبانية مدريد
خلال الجلسة مع فريق "بيننا"، الذي استضافنا في مقرهم، أخبرنا أيهم الساطي: "البداية كانت صعبة جداً علينا. أن تجد نفسك فجأة لاجئاً، تواجه الأحكام المسبقة عن اللاجئيين في أوروبا، وبعض النظرات الاستعلائية، والعنصرية أحياناً. كل هذه الظروف دفعتنا للتفكير بإنشاء منصة تقدم الخدمات الإعلامية للاجئين لتسهل عليهم علمية الاندماج والوصول للمعلومات الهامة لكل مهاجر باللغة العربية، من هنا تطورت الفكرة شيئاً فشيئاً حتى وصلنا لأن تكون "بيننا" مرجعاً في المعلومات والأخبار على مستوى إسبانيا فيما يخص المهاجرين باللغتين العربية والإسبانية".
"أن تجد نفسك فجأة لاجئاً، تواجه الأحكام المسبقة، والعنصرية أحياناً. كل هذه ظروف دفعتنا للتفكير بإنشاء منصة تقدم الخدمات الإعلامية للاجئين لتسهل عليهم الوصول للمعلومات الهامة باللغة العربية".أما محمد شباط فقال: "إن فكرة "بيننا"، بدأت من الصفر كعمل تطوعي بمعداتنا الخاصة والبسيطة، مع تحدي العمل بلغة لا نتقنها بشكل تام، وهذا زادنا إصراراً، لتغيير الصورة النمطية عن اللاجىء والفكرة المنتشرة بأن اللاجئين يأتون لأوروبا طلباً للمساعدت، فنحن كسوريين لدينا الكثير لنعطيه ونشاركه مع العالم، هناك قصص النجاح والمواهب السورية التي كانت تحتاج فقط لفرصة، فالفرص معدومة في بلدنا، ومن خلال "بيننا" أردنا توصيل صوتنا لنقول بإننا مستمرون رغم أننا خارج بلدنا الذي هو حاضر في قلوبنا، وأي نجاح لأي سوري هو نجاح لنا جميعاً".
نال خبر إطلاق مجلة "بيننا" وهي الأولى في إسبانيا باللغة العربية الكثير من الاهتمام في الأوساط الإسبانية نظراً لأصالة الفكرة، وشجاعة الصحفايين المؤسسين، ولأن إسبانيا تفتقر لمنصة إعلامية باللغة العربية، فرغم قُرب إسبانيا من العالم العربي جغرافياً وثقافياً فإنها تتجاهل العالم العربي الذي يبعد عنها 14 كيلومتراً فقط، وهي المسافة بين إسبانيا وجارتها العربية الأقرب المغرب.
أهمية مجلة "بيننا" أنّها من اللاجئين وإلى اللاجئين والمهاجرين، تبني جسوراً بين العرب والإسبان، وتحكي قصص اولئك الذين ركبوا البحر بحثاً عن حياة أفضل، فالهجرة حق لكل إنسان وليست فضلاً، وهؤلاء المهاجرون هم قيمة مضافة للمجتمعات المستقبلة لهم.
يرى أيهم أن قصص المهاجرين ليست مقتصرة على النجاحات التقليدية، فمجرد وصول هؤلاء المهاجرين بعد المخاطرة بحياتهم إلى بلد جديد وتعلم لغته والاندماج فيه ومحاولة البقاء والاستمرار هو نجاح بحد ذاته ويجب أن يقدر وأن نكتب عنه، حتى نوصل للجمهور الإسباني حقيقة المهاجرين وحقيقة ظروف اللجوء.
جلسة مع فريق مجلة "بيننا" في العاصمة الإسبانية مدريد
وعند السؤال عن سبب اختيار اسم "بيننا" قال موسى الجمعات: "اختيار الاسم جاء ليدل علينا كلنا، أي الجميع دون استنثتاء لأي أحد، فالمجلة هي صوت لجميع المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، صوت لهم وعنهم، ونحن نعمل على توفير المعلومات اللازمة للمهاجرين كمرجعية، وفي نفس الوقت إيصال معاناتهم ومشاكلهم إلى الجانب الإسباني. نهدف أيضاً لتغيير الأفكار السلبية عنا، مثلاً صورة المرأة القادمة من بلداننا وغيرها من الأفكار".
و أضاف عقبة محمد، الذي بدأ العمل الصحافي وعمره 17 عاماً: " مجلة "بيننا"، تهدف لخلق جسر من الحوار بين الثقافتين العربية والإسبانية، فهناك الكثير من القواسم المشتركة التي نريد أن نعمل على إظهارها".
"اختيار الاسم جاء ليدل علينا كلنا، أي الجميع دون استنثتاء لأي أحد، فالمجلة هي صوت لجميع المهاجرين من مختلف أنحاء العالم"لم تتخلَ "بيننا" عن قضايا الشرق الأوسط فالفريق بينتج الكثير من المقالات والتحقيقات لإيصال ما يحدث للإسبان بمنظور آخر، فالصحفي القادم من الشرق الأوسط سيغطي الأخبار من هناك بعين مختلفة عن صحافي إسباني لم يعش قط في تلك المجتمعات ولن يفهم خصوصيتها مهما حاول، وهذا ما قاد فريق "بيننا" لإجراء سلسلة من التحقيقات حول قصص المهاجرين وطرق الهجرة من ليبيا لليونان، رافقوا فيها المهاجرين في رحلتهم للبحث عن حياة آمنة، وغطوا حوادث غرق مراكب المهاجرين في تحقيقات كان لهم السبق فيها.
الهجرة يجب أن تكون حقاً طبيعياً مكفولاً لكل إنسان، والغرب ليس الجنة".وعلى ما يبدو أن الحدود والفروق لن تنتهي، وكابوس قوارب الموت بحثاً عن حياة أفضل مستمر، مهاجرون يموتون بأبشع الطرق وينتهي حلمهم لتتقاذفه الأمواج وتلفظه كما تلفظ جثثهم الهشة والمثقلة بأوجاع الحياة، يتلاعب بهم السياسيون وتجار البشر والأحلام. لهذا يستمر عمل فريق "بيننا" لتسليط الضوء على قضايا المهاجرين والكتابة عما وراء مشاهد القوارب الغارقة، فهناك مئات القصص، فهؤلاء اللاجئون ليسوا أرقاماً.
ونتيجة جهدهم المتواصل فاز فريق "بيننا" قبل أيام بجائزة أفضل تحقيق بالتعاون مع مجلة Revista5W الإسبانية، وكانت الجائزة عن تحقيق صحافي حول شبكات الاتجار بالبشر في ليبيا، يحكي قصص قوارب الموت والجثث الطافية التي بقيت تطاردهم أشهراً بعد انتهاء العمل. ورغم إصرارهم على التميز في تغطياتهم الصحفية، فإنّ مشروع "بيننا" الذي بدأ عن طريق تمويل جماعي، يعاني من ضائقة مادية نظراً لشح الدعم الذي يهدد استمراره.
ختاماً، أكد أيهم: "أن الهجرة يجب أن تكون حقاً طبيعياً مكفولاً لكل إنسان، والغرب ليس الجنة، والحياة ليست سهلة هنا"، أما موسى فقال: "اتبعوا أحلامكم، فالحلم يستحق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...