شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قالت له:

قالت له: "أعوذ بالله منك"... من هنّ طليقات النبي محمد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والتاريخ

الأحد 11 فبراير 202412:15 م

ما أن تُذكر سيرة طلاق النبي لبعض زوجاته حتى تُطالعنا الرواية الأشهر لتطليقه السيدة حفصة، حين أسرّ إليها بخلافة أبي بكر وعمر للمؤمنين من بعده، لكنّها أفشت السر لعائشة، فجازاها على ذلك بأن طلّقها كما يقول الطبري في "جامع البيان". ثم ردّها النبي إلى عصمته بأمر إلهي، كما يروي الحاكم النيسابوري في "المستدرك": "قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة، فإنّها صوّامة قوّامة، وإنها زوجتك في الجنّة".

ما عدا ذلك، هناك أكثر من امرأة عقد عليها النبي ثم طلّقها، لكنّهن غير مشهورات، والحديث عنهن نادرٌ ويسير، برغم أن قصص طلاقهن مثيرة ولافتة، وداعية للتأمل.

طلاقهنّ وقع بالفعل... لكن الخلاف على الأسماء

عدد مُطلّقات النبي في كتب السيرة والحديث، عليه خلاف، فهناك من يبالغ في عدد من عقد عليهن النبي ولم يدخل بهن -على اختلاف الأسباب- كـالحافظ الدمياطي الذي قال في سيرته إن عددهن ثلاثون امرأةً.

ويعود سبب الخلاف حول العدد إلى تناثر أسماء هؤلاء المُطلّقات، فنحن أمام أكثر من عشرين سيدةً ذُكِرَ أن النبي عقد عليهن دون علاقة جسدية. في المقابل، هناك رأي آخر يتقلص فيه العدد الذي ذكره الدمياطي، وهو ما قال به ابن القيم في "زاد المعاد"، حين مال إلى أنهنّ أربع أو خمس سيدات على الأرجح، وهو ما يقول به الصالحي الشامي أيضاً، في كتابه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد".

عدد مُطلّقات النبي في كتب السيرة والحديث عليه خلاف، فهناك من يبالغ في عدد من عقد عليهن النبي ولم يدخل بهن، كالحافظ الدمياطي الذي قال في سيرته إن عددهن ثلاثون امرأةً

وبالبحث في الروايات المتناثرة، على كثرتها، يتبين أن هناك أربع قصص متداولة في كتب السيرة والحديث، بشأن من عقد عليهن النبي ولم يدخل بهن، لكن الرواة يختلفون حول أسماء بطلات تلك القصص، إذ إنّ كثيرات منهن تجمعهنّ قصة واحدة في الغالب.

إذاً، نحن الآن أمام أربع قصص لنساء عَقَدَ عليهن النبي ولم يدخل بهن. لكنّ في كل قصة منها يُوضع أكثر من اسم، مثل أم شريك الأنصارية، وخولة بنت الهذيل، وعمرة بنت يزيد الكلابية، وأسماء بنت النعمان الجونية، وفاطمة بنت الضحاك، وأميمة بنت شراحبيل، وأم حرام، وسلمى بنت نجدة، والشاة بنت رفاعة، وشراف بنت خليفة، وقُتيلة بنت قيس الكندية، وليلى بنت الخطيم، وهند بنت يزيد، وغيرهن ممن يُمكننا وضع اسم أي واحدة منهن كبطلة لتلك القصص التي سيتم ذكرها.

طلاق المرأة البرصاء

يروي أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "معرفة الصحابة" عن قتادة أنه قال: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَة يَخْطُبُهَا، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا، فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ أَبُو أُسَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَهَّزَهَا فَقَدِمَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَهْدَاهَا رَأَى بِهَا بَيَاضاً، فَطَلَّقَهَا".

ويعرّف الشيخ محمد بن صالح العثيمين البياضَ الذي كانت عليه تلك السيدة بأنه "بهاق أو برص. وكلاهما داءان جلديان، لكن البرص أشد بياضاً من البهق".

القصة ذاتها يرويها البخاري في صحيحه، وابن الأثير في "أسد الغابة"، والمقريزي في "إمتاع الأسماع"، والبلاذري في "أنساب الأشراف"، وغيرهم الكثير، لكن مع اختلاف في اسم السيدة المُطلّقة.

أعوذ بالله منك... "الملكة لا تهب نفسها للسوقة"

يروي البخاري في صحيحه: "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، قَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ".

يروي المفسرون أن النبي هجرَ زوجاته واعتزل في غرفته شهراً، لأنهن طلبنَ منه أموراً دنيويةً.

ربما تكون الجونية هي الوحيدة التي عليها "شبه" إجماع في أنها طُلقت بهذه الطريقة، لكن الخلاف على أسباب تعوذها من النبي، فهناك من يقول بأنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "هَبِي نَفْسَكِ لِي"، فقالت: " وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟!". (والسوقة من ليس ملِكاً). بينما قال بعضهم إن بعض أمهات المؤمنين علّمنَها ذلك، حين أوهمنَها أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه الكلمة، بحسب ابن حجر في "فتح الباري".

ربما نجد تفاصيل أكثر لتلك القصة عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" حين يصفها بأنها كانت "من أجمل أهل زمانها"، وحين تزوجها النبي، قالت عائشة عنه إنه "قد وضع يده في الغرائب ويوشكن أن يصرفن وجهه عنا (...) فلما رأتها نساء النبي صلى الله عليه وسلم حَسَدْنَها، فقلنَ لها: إنْ أردتِ أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك. فلما دخل وألقى السترَ، مدّ يدَه إليها، فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: أمن عائذ الله! الحَقي بأهلِك".

المرأة التي أكلها الذئب

ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأنصارية الأوسية، من القليلات أيضاً التي هناك "شبه" إجماع على أنها بطلة تلك القصة، والتي يُروَى فيها أنها "أقبلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت له: أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك أعرض نفسي عليك، فتزوجني. قال قد قبلتكِ. ورجعت إلى قومها، فقالوا لها: بئس ما صنعتِ، أنت امرأة غيور، ورسول الله كثير الضرائر، ونخاف أن تغاري، فيدعو عليكِ فتهلكي، فاستقيليه. فرجعت فقالت: أقِلني، فقال: قد فعلت"، وفقاً لما أورده ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة".

خيّر النبي زوجاته بين الدنيا (إطلاق سراحهنّ) وبين الله ورسوله والدار الآخرة (بقائهن معه)، وجميعهن اخترن الله ورسوله والآخرة، إلا واحدة، اختارت الدنيا، وهي فاطمة بنت الضحّاك، وفقاً لما ذكره أبو موسى الرعيني في كتابه

نهاية ليلى بنت الخطيم كانت مأساويةً، إذ إن هناك إجماعاً على أنها بعدما أقالها (طلّقها) النبي، تزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر وأنجبت منه. وفي يوم من الأيام، بينما هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل، وثب عليها ذئب، فأكل بعضها فماتت.

"أنا الشقيّة"... المرأة التي اختارت الدنيا وزينتها

يروي المفسرون أن النبي هجرَ زوجاته واعتزل في غرفته شهراً، لأنهن طلبنَ منه أموراً دنيويةً، وفقاً لما رواه السمعاني في تفسيره، بقوله: "سألته زينب بنت جحش ثوباً مُمصراً، وَهُوَ البُرد المخطط، ومَيْمُونَة سَأَلته حلَّةً يَمَانِيةً، وَأم حَبِيبَة سَأَلته ثوباً من ثِيَاب خضر، وَجُوَيْرِية سَأَلته معجراً، وَعَن بَعضهنَّ: أَنَّهَا سَأَلته قطيفةً".

ويضيف السمعاني أن النبي "لم يكن عِنْده شَيْء من ذَلِك. وَحكى أَنَّهُنَّ قُلْنَ: لَو كُنَّا عِنْد غَيره كَانَ لنا حُلي وثياب. فَأنْزل الله تَعَالَى آيَة التَّخْيِير". وهي الآية التي نزلت في سورة "الأحزاب": "يا أيّها النبيّ قُلْ لأزواجكَ إنْ كنتنّ تُردنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالينَ أمتّعْكنّ وأسرّحْكنّ سراحاً جميلاً. وإنْ كنتنّ تُردْنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ فإنّ اللهَ أعدّ للمُحسناتِ منكنّ أجراً عظيماً".

بالفعل، خيّر النبي زوجاته بين الدنيا -إطلاق سراحهنّ- وبين الله ورسوله والدار الآخرة (بقائهن معه) وجميعهن اخترن الله ورسوله والآخرة، إلا واحدة، اختارت الدنيا، وهي فاطمة بنت الضحّاك، وفقاً لما ذكره أبو موسى الرعيني في كتابه "الجامع لما في المصنفات الجوامع من أسماء الصحابة"، نقلاً عن ابن إسحاق، الذي قال: "تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة ابنته زينب، وخيّرها حين أُنزلت آية التخيير، فاختارت الدنيا، ففارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ويشير ابن إسحاق في سيرته إلى أن الحال انتهى بها "تلقط البعر (الروث) وتقول: أنا الشقية اخترت الدنيا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image